بذراع "الأوقاف".. كيف عمل السيسي على طمس هوية مصر الإسلامية؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"أنا قعدت أكثر من 30 سنة أنزل أصلي في المسجد كل الأوقات حسب الظروف.. بس عمري ما قعدت، ولا سمحت لأولادي أنهم يقعدوا يسمعوا، أو يشاركوا داخل المساجد".

كلمات نطق بها رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، عبرت عن علاقته المتأزمة مع المساجد، والهوية الإسلامية المصرية.

السيسي طلب من المصريين "إبلاغ أجهزة الأمن عن أي جيران لهم يستريبون في أمرهم، وحذرهم بشدة من التأثر بالأفكار التي تتردد في المساجد".

لم يقف الأمر عند هذا الحد، ففي 16 فبراير/ شباط 2019، وخلال مؤتمر ميونخ للأمن، طالب السيسي بإصلاح الخطاب الديني، وحث قادة الدول الأوروبية، والغربية على مراقبة المساجد، ودور العبادة في بلادهم.

تغييب متعمد للهوية الإسلامية في مصر، ظهرت بوادره خلال رمضان 2020، فمع اشتداد جائحة كورونا، كانت إجراءات كبح المظاهر الدينية تعسفية أكثر من اللازم.

حتى قراءة القرآن والابتهالات في المساجد تم منعها، في سلسلة من الإجراءات الممتدة عبر سنوات قبل نحو 7 من التضييق على المظاهر والشعائر الإسلامية، وتقليص دور المساجد، وشن حرب على مؤسسات دينية كبرى مثل مشيخة الأزهر.

دور المساجد 

تقليص دور المساجد، من أبرز سياسات السيسي التي اتبعها لوأد النزعة الدينية في قلوب المصريين، فدائما ما تربط أذرعه الإعلامية بين المساجد والإرهاب.

في يوليو/تموز 2016 وبحضوره، نفذت طائرات حربية مصرية مناورة تحاكي عملية لـ"محاربة الإرهاب" تضمنت قصف مجسم مسجد بحجة أنه يؤوي إرهابيين، واستخدمت في المناورة مروحيات عدة من أنواع مختلفة، إضافة إلى مجموعات قتالية من وحدات المظلات.

في يونيو/ حزيران 2014، وإبان تولي السيسي منصب الرئاسة، بلغ عدد المساجد والزوايا التي صدرت قرارات بإغلاقها في الإسكندرية وحدها 909 مساجد، وزوايا بدعوى مخالفتها الشروط والضوابط المنصوص عليها في القانون.

وفي مايو/أيار 2015 تعرضت 5 مساجد للهدم في محافظة شمال سيناء بإشراف مباشر من الجيش، هي "الوالدين"، و"الفتاح"، و"النصر"، و"قباء"، و"قمبز".

وفي يوليو/تموز 2016، وافق وزير الأوقاف محمد مختار جمعة على هدم 64 مسجدا على مستوى الجمهورية، لوقوعها ضمن نطاق توسعات مزلقانات هيئة السكك الحديدية، بينها 12 مسجدا في مركزي طلخا وشربين بمحافظة الدقهلية (شمالا).

وفي مارس/ آذار 2019، جرى هدم 8 مساجد في محافظة الإسكندرية وحدها، كان آخرها مسجد "الإخلاص" ، لينضم إلى مساجد "عزبة سلام"، و"فجر الإسلام"، و"التوحيد"، و"عثمان بن عفان"، و"نور الإسلام"، و"الحمد"، و"العوايد الكبير".

وزارة الأوقاف

كانت وزارة الأوقاف، وعلى رأسها وزير الأوقاف محمد مختار جمعة، بمثابة الذراع الضاربة للسيسي في تنفيذ خطته لتقليص دور المسجد، والتضييق على الأئمة والوعاظ، وهو ما ظهر على مدى سنوات من إجراءات تعسفية تبنتها الوزارة.

في 24 أبريل/ نيسان 2020، طالب رواد مواقع التواصل الاجتماعي بإقالة جمعة، بعدما قررت وزارة الأوقاف إغلاق المساجد، ومنع صلاة التراويح، وقصر عمل المساجد على رفع "أذان النوازل" فقط (وهو الأذان الذي يتم اللجوء إليه في وقت البلاء والأزمات).

وأوصى وكيل وزارة الأوقاف بمحافظة السويس (شرقا)، الشيخ ماجد راضي، بوقف بث القرآن قبل الأذان في رمضان عبر مكبرات الصوت كما جرت العادة في مصر، وذلك اتباعا لفتوى الأوقاف التي وصفت فيه الفعل بـ"الإفساد في الأرض".

قبلها أصدر وزير الأوقاف قرارا بمنع إذاعة قرآن المغرب من المساجد، ما فجر براكين الغضب تجاهه، قبل أن يتراجع عن القرار لاحقا.

قائمة قرارات جمعة الصدامية مع رغبات المصريين وتكدير صفوهم في رمضان طويلة، ففي 1 يونيو/ حزيران 2017، منع الوزير تشغيل مكبرات الصوت بالمساجد خلال صلاة التراويح في رمضان.

وفق متابعين، فإن طموح الوزير لا يقف عند عتبة "الأوقاف"، بل يتعداه إلى باب مشيخة الأزهر والجلوس على كرسي الدكتور أحمد الطيب، الذي لا تجمعه علاقة حميمية بالسيسي مثل مختار.

الشرير و"الطيب" 

الحرب ضد شيخ الأزهر، كانت من إجراءات النظام الحاسمة، فبعد تولي السيسي منصب الرئاسة في يونيو/ حزيران 2014، كان محملا بأفكار مناهضة لسياسة الأزهر، وهو ما ظهر في خطابه يوم 25 يناير/ كانون الثاني 2017، عندما طلب من شيخ الأزهر ثورة في الخطاب الديني، قائلا: "نحن في حاجة لثورة وتجديد في الخطاب الديني، وأن يكون هذا الخطاب متناغما مع عصره".

وفي تلك الكلمة طالب السيسي بشكل واضح، بتعديل قانون الطلاق، وإلغاء الطلاق الشفهي ليصبح الطلاق المعتمد فقط أمام المأذون، وخاطب السيسي الإمام الأكبر قائلا: "تعبتني يا فضيلة الإمام".

بعدها بأيام قلائل، أصدرت هيئة كبار العلماء التي يرأسها شيخ الأزهر، بيانا مذيلا بتوقيع الطيب يرفض الحديث عن تعديل قانون الطلاق، ومطالبة البعض بعدم الاعتداد بالطلاق الشفهي، مؤكدا أنه "طلب يتنافى مع الشرع".

وفي 15 فبراير/ شباط 2017، نشر مركز كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط، تقريرا أورد فيه أن "العلاقة بين السيسي والطيب في السنوات الأخيرة، شابها بعض التوتر، مع أنها بدت سليمة ظاهريا".

وأضاف: "إذ تبادل الاثنان انتقادات مبطنة، لا بل مباشرة أحيانا، ومنذ عامين، انطلقت جولة من التراشق الكلامي العلني الحاد، بدأت مع كلمة ألقاها السيسي، كلف فيها الأزهر تحمل مسؤولية تجديد الخطاب الديني، ثم أعقبتها سلسلة من تصريحات رئاسية أخرى اعتبرت أن الأزهر يتلكأ في لعب هذا الدور".

وتعد مسألة تجديد الخطاب الديني، ومحاولة السيسي استخدامه وفق أهوائه، وتقويض صلاحيات شيخ الأزهر، من أشد نقاط خلافه مع الطيب.

حرب كاشفة

الداعية الإسلامي الدكتور محمد أبو زيد قال لـ"الاستقلال": "ما تشهده مصر في الآونة الأخيرة من حرب على السمت الإسلامي، وتعقب الدعوة والدعاة، أمر كاشف، وعواقبه وخيمة على المجتمع المصري المعروف بتدينه، فكلمة الشعب المصري متدين بطبعه لم تكن من فراغ، بل لأن الدين مكون أساسي في تركيبة المواطن المصري". 

وأضاف: "نزع الدين، وطمس المسحة الدينية من المصريين، سيجعل المجتمع بلا أخلاق، ويزيد من معدلات الجريمة، والسلوكيات الشاذة، كما رأينا ارتفاع نسبة التحرش والفاحشة، بالإضافة إلى عقوق الوالدين، وارتفاع نسب الطلاق، وتفسخ الأسرة". 

وأوضح: "النظام الحالي في مصر خلط بين محاربته لجماعة الإخوان المسلمين، والتيار الإسلامي، وبين التوجه الديني للشعب، فرأى أن المساجد منابع للإرهاب، ودروس الدين تحض على العنف، والالتزام بالشعائر الإسلامية تشدد غير مطلوب".

أبو زيد أكد: "النظام أغفل أن الاستبداد والظلم هو أصل الإرهاب، وأن المصريين عاشوا قرونا في ظل الإسلام، ينشرون سماحته، ويلتزمون بتعاليمه دون أدنى إشكالية، فما المستجد الآن حتى يحصل ذلك التحول، إلا إرادة السلطة القائمة".

وختم أبو زيد كلامه: "هذه الفترة رغم قسوتها على الدعوة الإسلامية، والمساجد في مصر، لكن أحداثا مشابهة حدثت خلال فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وبمجرد انتهاء تلك الحقبة، حتى عاد الناس إلى دعوتهم وتعاليم دينهم أفواجا، وشهدت مصر صحوة إسلامية فريدة، وفي النهاية سوف يعود الناس إلى جذورهم، وأصولهم الطيبة".