الصدام بين الأزهر والسلطة.. كيف أحياه دفاع "الطيب" عن التراث؟

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

"الأزهر فوق الثورة والسلطة"، كلمة أطلقها شيخ الأزهر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، من قبل، شكلت جزءا كبيرا من دستوره ورؤيته للإشكاليات والأزمات المتعددة، التي مرت بها مشيخة الأزهر في حقبته القائمة. 

في 28 يناير/ كانون الثاني 2020، بمؤتمر الأزهر الذي جاء بعنوان "دور المؤسسات الدولية والدينية والأكاديمية في تجديد الفكر الإسلامي"، شهدت إحدى الجلسات، نقاشا محتدما بين الطيب ورئيس جامعة القاهرة الدكتور محمد عثمان الخشت.

دعوة الخشت، إلى "تجديد علم أصول الدين بالعودة إلى القرآن والمتواتر من صحيح السنة"، نكأت الجراح عند الإمام الأكبر، الذي دخل في خلافات سابقة، وتباينات مع رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، في تلك المسألة، وأمور أخرى.

انتفاضة الطيب وثورته دفاعا عن التراث، وصفت بـ"التاريخية"، حيث بعث فيها برسائل واضحة، كانت لها أصداء واسعة على جميع المستويات. 

رسائل حاسمة

ما جاء في كلمة الطيب، خلال نقده لخطاب الخشت، يمكن تلخيصه في عدة نقاط:

  • هذا التراث الذي نهون من شأنه اليوم، ونهول في تهوينه، حمل مجموعة من القبائل العربية التي كانت متناحرة، في 80 عاما، على وضع قدم لهم في الأندلس، والأخرى في الصين. 
  • هذا التراث خلق أمة كاملة، وكيف كان العالم الإسلامي يسير قبل قدوم الحملة الفرنسية؟ أليس الذي كان يسيره قوانين الشريعة الإسلامية والتراث؟.
  • الفتوحات التي تمت على أيدي هؤلاء العرب الذين حملهم التراث، وهذه الدول الإسلامية، والحضارة التي تقلبت، بداية من الأمويين، والعباسيين، وكل هؤلاء، ألم يكن التراث هو الذي يحملهم؟.
  • تصوير التراث بأنه كان شيئا يورث الضعف، والتراجع، هذه مزايدة على التراث، ومقولة التجديد، في الأساس مقولة تراثية.
  • الحداثيون عندما (يصدعوننا) بهذا الكلام، فهؤلاء يزايدون على التراث، ويزايدون على قضية الأمة المعاصرة الآن. 
  • لا يهمني الكلام الذي يلقى في الإعلام والصحافة، من أناس لا يؤخذ عنهم العلم، والفتنة التي يروجون أنها قائمة منذ عهد عثمان بن عفان، كانت فتنة سياسية، وليست تراثية. 
  • السياسة تختطف الدين اختطافا في الشرق والغرب، وذلك عندما يحاولون أن يحققوا غرضا لا يرضاه الدين. 
  • ماذا كانت حجة الصليبيين، عندما قرروا أن يأتوا ويحتلوا عالمنا، لمئة عام! كان الإنجيل في يد، والسيف في يد.
  • ما هي مبررات الكيان الصهيوني، أن يبقى مستعمرا في بلاد الآخرين، غير نصوص دينية في التوراة، يحرفونها ويزيفونها؟.
  • شخصيتنا انتهت كعرب ومسلمين، فنحن لا شيء الآن، حيث يقضى في أمورنا، وأنا كنت في منتهى الخزي، حينما شاهدت ترامب مع نتنياهو، يخططون، ويقررون، ويقولون، (ويحلو لنا) المشاكل، ولا يوجد أحد عربي، ولا أحد مسلم!.
  • حرب التراث، شيء مصنوع صنعا لتفويت الفرص علينا.  
  • نحن ابتلعنا الطعم في مقولة أن (الإسلام إرهابي)، ونقيم المؤتمرات لنقول: إن (الإسلام ليس من الإرهاب)، فهناك ماكينة خبيثة ملعونة، تدير هذا النمط من التفكير. 
  • جامعاتنا منذ قرن من الزمان، فيها الهندسة، والطب، والزراعة، والصيدلة، والطيران، والعلوم، ونمتلك مراكز البحث العلمي، وحتى الآن لا نستطيع أن نصنع (كاوتش) سيارة. 
  • الأسلحة تباع لنا ليقتل بعضنا بعضا، فنشتري الموت بأموالنا، وهذا ما يمليه علي ضميري في هذه الجلسة حتى ألقى الله، وقد قدمت بعض الشيء.
  • أرجوكم ابحثوا عن مشكلة غير التراث، وشكرا.

هجوم إعلامي

وسائل الإعلام المحسوبة على نظام السيسي التقطت كلمة شيخ الأزهر، وتناولتها بتحفظات واضحة، وهجوم لاذع في بعض الأحيان، وكانت البداية من رئيس تحرير جريدة الدستور محمد الباز، الذي وجه سهام نقده إلى الإمام الأكبر، في برنامجه (90 دقيقة) على قناة المحور، وقال موجها حديثه إلى الطيب: "أنت لم تكرم ضيفك"، متهما إياه بالتعامل بعداء وتعال مع من يخالفه الرأي.

وهاجم الإعلامي "خالد أبو بكر" عبر قناة "ON"، مفردات الإمام الأكبر، ووصفها بأنها "ارتجالية"، معتبرا أن "الشيخ الطيب أخرج كثيرا من طاقته الداخلية في رده على الخشت"، معبرا عن عدم ارتياحه للنقاش، ووصفه بـ"الخلاف في العلن".

أما أحمد موسى، الإعلامي المقرب من السيسي، فتحدث عن محاولة إخراج كلام رئيس جامعة القاهرة عن سياقه ومحاولة تشويهه، واتهم عمرو موسى أثناء إدارة جلسة المؤتمر بأنه لم يرغب في منح حق الرد للخشت، وأن الطيب هو من أعطى لرئيس الجامعة حق الرد.

وتحفظ وزير الثقافة المصري السابق حلمى النمنم، المعروف بتوجهاته العلمانية، على الحوار بالقول: "المؤتمر لا يستحق هذا الاسم، إلا إذا كان هناك حوار وجدل حول قضية ما، وتخصص شيخ الأزهر هو نفس تخصص رئيس جامعة القاهرة، وهو الفلسفة الإسلامية، لذلك من الطبيعي أن يحدث نقاش".

وسبق أن شن إعلام السيسي، حملات تشويه وهجوم مماثلة على شيخ الأزهر، خاصة في معرض الحديث عن خلافات بينه وبين السيسي، في عدد من القضايا، على رأسها مسألة التجديد، وتحفظ السيسي على موقف الطيب.

سد منيع

الداعية الإسلامي وخريج جامعة الأزهر الشريف الشيخ عصام تليمة، قال لـ"الاستقلال": "شيخ الأزهر في موقفه كان قويا جدا، والناس تتعجب من قوة شيخ الأزهر، ولكن هذه هي طبائع الأمور، وطبيعة المؤسسة الدينية الأزهرية، فالمؤسسة الأزهرية حين تعمل بعيدا عن الضغوطات، وتحكمات السلطة، تقدم عملا مهنيا كاملا". 

وأضاف تليمة "اتفقنا واختلفنا في مواقف متعددة مع شيخ الأزهر، وله ماله، وعليه ما عليه، وسبق وانتقدناه في قضية طلاب الأزهر، الذين أطلق عليهم ميلشيات الأزهر، وكانت قضية مسيسة بامتياز، وكذلك موقفه من تأييد مبارك، ثم موقفه من المشاركة في بيان الانقلاب العسكري".

وأردف تليمة "ولكن كل مواقفه بعد الانقلاب، كانت جيدة، بداية من رفضه الدماء، والمشاركة في إراقتها، ولم يسكت عليها، وهذه تحمد له في ظل الانقلاب العسكري الدموي القائم". 

وأكد أن "الإنصاف مطلوب في التعامل مع شيخ الأزهر، فلا يمكن أن نقيمه في قالب واحد، فالرجل الآن يقف سدا منيعا صلبا، في الهجمة الشرسة على الأزهر، والتراث، والإسلام، ولذلك بالتعبير المصري (بيحاولوا يقصقصوا ريشه)".

واختتم حديثه "صدق شيخ الأزهر، عندما قال (الدولة دائما تحاول تطويع الدين) والحرب التي تحدث معه، ومع من سبقه من العلماء، كلها لتطويع نصوص الدين، وتركيع المشايخ، لتأييد هؤلاء الحكام".

الطيب و"الشرير"

الخلافات بين الطيب والسيسي، بدأت مبكرا، وتحديدا بعد سقوط ضحايا في أحداث الحرس الجمهوري، يوم 8 يوليو/ تموز 2013، وقال الطيب وقتها: "قد أجد نفسي مضطرا إلى أن أعتكف في بيتي حتى يتحمل الجميع مسؤوليته تجاه وقف نزيف الدم، منعا من جر البلاد لحرب أهلية طالما حذر الأزهر، وطالما حذرنا من الوقوع فيها".

وكان للشيخ سابقة، ففي 14 أغسطس/آب 2013، يوم مذبحة رابعة العدوية والنهضة، خرج الطيب في بيان صوتي قائلا: "الأزهر يؤكد دائما على حرمة الدماء وعظم مسؤوليتها أمام الله والوطن والتاريخ، ويعلن الأزهر أسفه لوقوع عدد من الضحايا"، مؤكدا أنه لم يعلم بقرار الفض إلا عبر وسائل الإعلام.

وبعد تولي السيسي منصب الرئاسة في يونيو/ حزيران 2014، كان محملا بأفكار مناهضة لسياسة الأزهر، وهو ما ظهر في خطابه يوم 25 يناير/ كانون الثاني 2017، عندما طلب من شيخ الأزهر ثورة في الخطاب الديني، قائلا حينها: "نحن في حاجة لثورة وتجديد في الخطاب الديني، وأن يكون هذا الخطاب متناغما مع عصره".

وفي تلك الكلمة طالب السيسي بشكل واضح، بتعديل قانون الطلاق، وإلغاء الطلاق الشفهي ليصبح الطلاق المعتمد فقط أمام المأذون، وخاطب السيسي الإمام الأكبر قائلا: "تعبتني يا فضيلة الإمام".

بعدها بأيام قلائل، أصدرت هيئة كبار العلماء التي يرأسها شيخ الأزهر، بيانا مذيلا بتوقيع الطيب يرفض الحديث عن تعديل قانون الطلاق، ومطالبة البعض بعدم الاعتداد بالطلاق الشفهي، مؤكدا أنه طلب يتنافى مع الشرع.

العلاقة بين الطيب، والسيسي ظلت تسير في طريق شائك، ووصل الخلاف إلى ذروته في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، في احتفالات المولد النبوي الشريف، بعدما حدثت مبارزة كلامية بين السيسي والطيب حول السنة النبوية التي انحاز لها الطيب، بينما أراد السيسي أن يفتح الباب أمام مناقشتها بدعوى التجديد.

ووصف الطيب تلك الدعوات قائلا: "الصيحات التي دأبت على التشكيك في قيمة السنة النبوية وفي ثبوتها وحجيتها والطعن في رواتها"، كما هاجم الدعوات "المطالبة باستبعاد السنة جملة وتفصيلا من دائرة التشريع والأحكام والاعتماد على القرآن الكريم فحسب".

كلام الطيب أثار حفيظة السيسي، الذي علق قائلا: "أرجو ألا يفهم أحد كلامي على أنه إساءة إلى أي أحد، الإشكالية في عالمنا الإسلامي حاليا ليست في اتباع السنة النبوية من عدمها، فهذه أقوال بعض الناس، لكن المشكلة هي القراءة الخاطئة لأصول ديننا". 

وتعد مسألة تجديد الخطاب الديني، ومحاولة السيسي استخدامه وفق أهوائه، وتقويض صلاحيات شيخ الأزهر، من أشد نقاط خلافه مع الطيب الذي سبقه أئمه آخرون تولوا مشيخة الأزهر، وواجهوا السلطة بقوة.

المراغي والبشري

من أشد الخلافات التاريخية بين شيوخ الأزهر، وحكام مصر في العصر الحديث، ما كان عام 1929، عندما استقال شيخ الأزهر مصطفى المراغي من منصبه، احتجاجا على رفض الملك فاروق لقانون إصلاح الأزهر، والذي يقضي بإدخال الحساب والجبر والهندسة والتاريخ والطبيعة فى مناهج الأزهر.

عاد المراغي مرة أخرى إلى منصبه عام 1935، وظل فيه حتى نهاية حياته، التي ختمها بخلاف شديد آخر مع الملك فاروق، حيث كان الملك الشاب، متزوجا من الملكة فريدة، وطلقها في عام 1945، وطلب من الإمام الأكبر، أن يصدر له، فتوى خاصة بتحريم زواج طليقته من أي رجل آخر من بعده، فرفض المراغي قائلا: "هذا لا يحل لأحد بعد رسول الله"، فلما ألح عليه الملك، رد الإمام "المراغي لا يحل ما حرم الله" وغضب المراغي وزاد الضغط عليه ومات في نفس العام، فى أغسطس/ آب 1945، وعمره 64 عاما.

لم تكن هذه آخر خلافات الملك فاروق مع شيوخ الأزهر، ففي فبراير/ شباط 1952، تقدم شيخ الأزهر عبد المجيد سليم البشري، باستقالته احتجاجا على قرار الحكومة المتعلق بإنقاص ميزانية الأزهر، في الوقت الذي كان فيه الملك يستجم في إحدى الجزر الإيطالية، وقتها علق الإمام قائلا: "تقصير وتقطير هنا وتبذير وإسراف هناك"، وهو ما أثار غضب الملك فاروق، الذي عرفت رحلاته بالبذخ، والإسراف الشديد.

شيخ الجامع الأزهر، الإمام محمد مصطفى المراغي

استبداد ناصر

بعد ثورة 23 يوليو/ تموز 1952، تولى الشيخ محمد الخضر حسين، التونسي الأصل، مشيخة الأزهر الشريف، لكنه لم يستمر كثيرا في منصبه، واستقال بعد أزمة مارس/ آذار 1954.

حاول جمال عبدالناصر، وضباط مجلس قيادة الثورة، استمالته، واستخدامه في خلافاتهم السياسية، وطلب عبد الناصر منه أن يصدر فتوى باعتبار جماعة الإخوان المسلمين من الخوارج، ووصلت الخلافات ذروتها، عندما أقدم عبدالناصر على إلغاء المحاكم الشرعية، فغضب الشيخ، وترك منصبه، وتفرغ للبحث العلمي.

ووجد عبدالناصر، أن تعاظم سلطة شيخ الأزهر، تمثل خطورة على حكمه، الذي تميز بالأحادية المطلقة، والمركزية الشديدة، ودخل في خلافات حادة مع الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر، الذي مالبث أن قدم استقالته عام 1963، اعتراضا على قانون الأزهر الذي همش دوره، وقلل من صلاحيات شيخ الأزهر، وحد من إمكانياته في إدارة شؤونه، وأعطى بعض هذه الصلاحيات لوزير الأوقاف. 

عبد الناصر، وشيخ الأزهر محمود شلتوت

الإمام والسادات

في 7 يوليو/ تموز 1974، أصدر الرئيس الراحل محمد أنور السادات، قرارا جمهوريا، يجرد شيخ الأزهر عبد الحليم محمود، مما تبقى له من اختصاصات، ويمنحها لوزير الأوقاف، وهو ما اعتبره الإمام، إهانة، وانتقاصا، من قدر المنصب الجليل ومعوقا له، عن أداء رسالته في مصر والعالم العربي والإسلامي، ليتقدم باستقالته، ويرفض الذهاب إلى مكتبه، ويمتنع عن استلام راتبه، احتجاجا على قرار الرئيس.

أحدثت الاستقالة دويا هائلا في مصر، والعالم الإسلامي، ما أحرج السادات بقوة، فعدل عن قراره، وأصدر قرارا جديدا نص على أن "شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر وصاحب الرأي في كل ما يتصل بالشؤون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام، وله الرياسة والتوجيه في كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية والعربية في الأزهر".

ونص كذلك القرار على أن "يعامل شيخ الأزهر معاملة الوزير من حيث المرتب والمعاش، ويكون ترتيبه في الأسبقية قبل الوزراء مباشرة"، ليعود الشيخ إلى مزاولة مهامه مرة أخرى. 

وفي عام 1979، أصدر السادات مرسوما خاصا، بقانون الأحوال الشخصية، والذي أطلق عليه "قانون جيهان" نظرا للدور الذي لعبته زوجته السيدة الأولى في ذلك الوقت جيهان السادات، ليتصدى الشيخ عبد الحليم محمود، بقوة لهذا الأمر.

أصدر الشيخ بيانا شديدا حذر فيه نواب البرلمان من مخالفة تعاليم الدين الإسلامي، وقال حينها: "لا قيود على الطلاق إلا من ضمير المسلم ولا قيود على التعدد إلا من ضمير المسلم"، فما كان من القيادة السياسية، إلا أن أعلنت أنه لا نية لتعديل قانون الأحوال الشخصية.

شيخ الأزهر عبد الحليم محمود

زمن مبارك

الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، تولى مشيخة الأزهر في 17 مارس/ آذار 1982، وكانت له سجالات مع الرئيس المخلوع حسني مبارك، كان أبرزها عندما طالبه مبارك بإصدار فتوى رسمية، بإباحة فوائد البنوك.

وقال مبارك في أحد اجتماعاته مع بعض المشايخ ووزير الأوقاف موجها حديثه للشيخ جاد: "باقولك إيه يا مولانا البنوك قربت تفلس والناس لا تضع أموالها بالبنوك.. عايزين فتوى من فضيلتك تنقذ الاقتصاد المنهار وتحلل وضع الفلوس في البنوك لأن الناس بتضع كل ثقتها في الأزهر". 

ليرد الشيخ جاد الحق، قائلا: "ومن قال لك إني أحرم أو أُحلل؟ إن الذي يُحلل أو يُحرم هو الله ولن تتغير فتواي أبدا  بتحريم فوائد البنوك"، ولم تصدر أي فتوى من الأزهر تبيح فوائد البنوك طيلة حياته.

شيخ الأزهر جاد الحق علي جاد الحق

وفي 13 سبتمبر/ أيلول 1994، اتخذ الإمام موقفا تاريخيا من السلطة، وذلك خلال مؤتمر السكان الذي عقدته الأمم المتحدة فى القاهرة، وكانت وسائل الإعلام قد تناقلت، وثيقته قبيل انعقاده وتضمنت إباحة الشذوذ والزنا والإجهاض والمساواة بين المرأة والرجل فى الميراث وغيرها من الأمور التى تعارض تعاليم الدين الإسلامى.

ودعا الإمام الأكبر وقتها علماء الأزهر، ومجمع البحوث الإسلامية، وأصدروا بيانا شديد اللهجة، أهاب فيه بالأمة الإسلامية عدم الالتزام بأى من بنود هذا المؤتمر التى تخالف الشريعة، وكان لهذا البيان أثره على الحكومة المصرية، التى أعلنت من فورها تبني موقف شيخ الأزهر، واضطر مبارك لإصدار بيانه الذى أكد فيه أن "مصر المسلمة لن تسمح للمؤتمر بأن يصدر أى قرار يصطدم مع الدين الإسلامى الحنيف وقيمه السمحة".