رئاسة الشؤون الدينية.. مؤسسة تركية تحمل هموم المسلمين حول العالم

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

"القدس هي العاصمة الأبدية للدولة الفلسطينية، ومدينة الإنسانية القديمة وأول قبلة الإسلام، تواجه محاولة غير منصفة"، هذا ما أكده رئيس الشؤون الدينية التركي علي أرباش، في 29 يناير/ كانون الثاني 2020.

حديث أرباش عن قضية فلسطين وتنديده بمحاولات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جعل القدس عاصمة لإسرائيل، أعاد الدور الذي تلعبه رئاسة الشؤون الدينية التركية في فلسطين، وحول العالم، والذي يعود إلى تاريخ قديم، مستمد منذ عهود الدولة العثمانية.

جهود الشؤون الدينية التركية في دعم الشعب الفلسطيني زادت وتيرتها منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في تركيا، ففي 2 يونيو/ حزيران 2019، وزع وقف الديانة التركي مساعدات غذائية  بمناسبة شهر رمضان وملابس العيد على المحتاجين والأيتام في القدس الشرقية المحتلة والضفة الغربية وغزة المحاصرة.

ووزع الوقف حقائب مساعدات رمضانية على ألفين و500 عائلة في فلسطين المحتلة، وقدم طعام الإفطار إلى 5 آلاف شخص في المسجد الأقصى، ووزع ملابس العيد على ألف و500 يتيم.

تعظيم الشعائر

اهتمام النظام التركي، ورئاسة الشؤون الدينية، ببناء المساجد، لم ينصب فقط داخل الدولة، بل امتد لمختلف أنحاء العالم. ففي عام 2015، قام الرئيس رجب طيب أردوغان، بافتتاح مسجد ضخم في العاصمة الألبانية تيرانا.

وفي 3 أبريل/ نيسان 2016، حضر مراسم افتتاح مركز "ديانيت" في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو مسجد ومركز ثقافي في ماريلاند يقدم باعتباره أكبر مجمع إسلامي في النصف الغربي من الكرة الأرضية.

وفي سبتمبر/أيلول 2016، قام بافتتاح أكبر مساجد أوروبا في مدينة كولونيا الألمانية، موطن أكبر تجمع للجالية التركية، وفي 5 ديسمبر/ كانون الأول 2019، افتتح الرئيس التركي، مسجد كامبريدج شمال العاصمة البريطانية لندن. 

وحسب وكالة الأناضول، شارك في مراسم الافتتاح المغني البريطاني الشهير، يوسف إسلام، ورئيس الشؤون الدينية في تركيا، علي أرباش، وخلال كلمته أعرب يوسف إسلام، عن أمله بأن يوفر المسجد مساحة لمناقشات بين رجال الدين.

وأشار: أن "المسجد هو أول مسجد يشيّد في أوروبا بما يراعي شروط الحفاظ على البيئة"، كما عبر إسلام عن شكره لوقف الديانة التركي على مساهمته في تشييد المسجد.

وأضاف "في الوقت نفسه أشكر الرئيس رجب طيب أردوغان الذي ما يلبث يقدم دعمه إلينا، وجميع من ساهم بسخاء في جميع أنحاء العالم". 

نحو إفريقيا

لم تكتف تركيا بأوروبا، كواجهة لإنشاء المساجد، وخدمة الجاليات المسلمة هناك، بل ذهبت إلى إفريقيا، لتمد جذورها هناك. في 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، التقى رئيس الشؤون الدينية التركي علي أرباش مع الوفود المشاركة في قمة" الزعماء الدينيين المسلمين في إفريقيا"، المقامة بمدينة إسطنبول.

وأم أرباش الوفود المشاركة، في صلاة الفجر بجامع السلطان "أيوب" في إسطنبول، وفي كلمة عقب الصلاة أشار أرباش، إلى مشاركة زعماء دينيين ووزراء شؤون دينية ومفتين وطلبة من 52 بلدا، وأكد على ضرورة توحد المسلمين من أجل التغلب على المشاكل التي يواجهها العالم الإسلامي.

وفي 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، قال سليم عرجون، نائب رئيس هيئة الشؤون الدينية، في مقابلة صحفية إن "هيئة الشؤون الدينية التركية تنفذ حملات مهمة لدعم مسلمي إفريقيا، منها حملات لترجمة وطباعة الكتب".

وأكد : "إلى الآن أنجزنا ترجمة المصحف إلى 28 لغة، منها لغات محلية في دول إفريقية، بناء على طلبات تردنا، ونطبع المصاحف، ونرسلها (إلى إفريقيا) مجانًا، وكذلك من ناحية المناهج الإسلامية والكتب والمنشورات". 

وقال عرجون: "يتم تنفيذ مشاريع إنسانية خيرية في إفريقيا، عبر وقف الديانة (التركي)، بغض النظر عن الانتماء الديني أو اللغوي أو المذهبي (للمستفيدين)، كما نقدم مساعدات إنسانية في حال وقوع كوارث". 

وتحدث عن إنجازات وقف الديانة قائلًا: "للوقف مشاريع إنشائية، مثل بناء مساجد ومؤسسات إسلامية تربوية وطبية.. مثلًا الجامع الكبير في غانا بُني بملايين الدولارات".

هذا المسجد المجمع شُيد على الطراز العثماني، وتوجد بداخه كل الخدمات التي تهتم بحياة الإنسان من ولادته حتى وفاته، حيث يضم مستشفى ولادة، وحضانة، ومدارس، ومركزًا تجاريًا، وكذلك مقبرة.وفي 4 ديسمبر/ كانون الأول 2019، تم الافتتاح الرسمي لمسجد وكلية السلطان عبد الحميد الثاني في دولة جيبوتي والذي تم إنشاؤه من قبل وقف الديانة، بحضور كل من رئيس البرلمان التركي السيد مصطفى شنطوب، ورئيس الشؤون الدينية الدكتور علي أرباش.

بداية التأسيس

يعود إنشاء رئاسة الشؤون الدينية إلى 3 مارس/ آذار 1924، وتم بيان مهامها في ذلك الوقت، في القانون رقم 429 كالآتي "تسيير الأعمال الخاصة بمجال العبادات والاعتقاد في دين الإسلام، وإدارة المؤسسات الدينية".

ومنح القانون لرئاسة الشؤون الدينية مسؤولية إدارة كافة المساجد والجوامع الموجودة في الدولة مع موظفيها، وكذلك مسؤولية إدارة شؤون التكايا والزوايا مع شيوخها. و لكن مع إغلاق الزوايا والتكايا عام 1925، تم إلغاء مهام الرئاسة المتعلقة بإدارة شئونها.

وفي الدستور التركي لعام 1961، تم اعتبار رئاسة الشؤون الدينية كمؤسسة دستورية وأعطي للرئاسة كرسي في الإدارة العامة ونص القانون على قيام هذه المؤسسة بأداء مهامها وفقاً لقانونها الخاص.

وفي 14 ديسمبر/ كانون الثاني 1982، تمت إعادة تنظيم هيكلة الرئاسة من جديد، وبشكل يتوافق مع القانون رقم 3046 المعروف بـ "قانون تأسيس الوزارات ومهامها"، وفي هذا الإطار تم تشكيل الهيكل التنظيمي للرئاسة كالآتي: رئيس و5 نواب للرئيس و5 مستشارين، ووحدة مراقبة، و5 وحدات للخدمة الرئيسية، و4 وحدات للخدمات الفرعية.

أما بالنسبة لفروع الرئاسة فتوجد دور فتوى في 67 محافظة، و582 دار فتوى في الأقضية، و7 مديريات للمراكز التعليمية وبالنسبة لفروع الرئاسة في الخارج فهي تتألف من 16 مستشارية للخدمات الدينية و17 ملحقية للخدمات الدينية.

ذلك التاريخ القائم، تجلى في أكثر المراحل الحرجة في التاريخ التركي الحديث، مع انقلاب 15 يوليو/ تموز 2016، حيث قامت رئاسة الشؤون الدينية، بدور محوري في مناهضة الانقلاب، والحد من أثره.

الهيكل التنظيمي

المهام الفعلية للمؤسسة التركية العريقة تعود عندما كان "شيخ الإسلام" الذي يعتبر موظفاً حكومياً بإدارة الشؤون الخاصة بدين الإسلام والخدمات المقدمة للمسلمين، وكانت مشيخة الإسلام حتى آخر قرنين في الدولة العثمانية، تقوم بالإشراف، على شؤون التعليم والقضاء إلى جانب الشؤون الدينية والأوقاف.

منذ عام 2010 تم تعزيز رسالة المؤسسة وقدراتها الإدارية، ورسم سياستها الداخلية والخارجية، لتعمل في أرجاء العالم كافة، من أمريكا اللاتينية إلى أوروبا وإفريقيا وآسيا، مقدمة خدماتها للمجتمعات المسلمة جميعها، مناصرة لقضاياهم، وعلى رأسها قضية فلسطين.

حسب الموقع الرسمي لرئاسة الشؤون الدينية، التابعة لرئاسة الجمهورية، فإن "الدولة العثمانية قديما، كانت تعنى بإدارة الشؤون الدينية للأكثرية المسلمة كما كانت تعنى بسائر الأقليات في إطار مفهوم الخدمات العامة".

وفي 1 يوليو/ تموز 2010، تم تشكيل الهيكل التنظيمي الحالي لرئاسة الشؤون الدينية التركية، وفقاً للقانون رقم 6002، الذي تم بموجبه إجراء تعديلات واسعة النطاق في قانون رقم 633.

حقق هذا القانون مكاسب هامة جداً للرئاسة حيث تم رفع مستواها الهرمي من المديرية العامة إلى مستوى مستشارية، كما تم تشكيل 14 وحدة خدمية، 9 منها بمستوى مديريات عامة إلى جانب اللجنتين الدائمتين.

تم بموجب القانون تحديد مدة خدمة رئيس الشؤون الدينية بـ 5 سنوات، قابلة للتجديد لمرة ثانية كأقصى حد، وتخفيض عدد نواب الرئيس إلى ثلاثة، وتم أيضاً توسيع نطاق الهيئة التي تقوم باختيار أعضاء المجلس الأعلى للشؤون الدينية لتضم ممثلين من كل فروع الرئاسة، إلى جانب تأسيس البنية التحتية القانونية لتقديم خدمات دينية فعالة على المستوى الدولي عن طريق العديد من الوظائف الموكلة للمجلس الأعلى للشؤون الدينية والوحدات الأخرى.

وحسب الموقع الرسمي لمديرية الشؤون التركية يبلغ عدد موظفيها 80 ألف شخص وتغطي المديرية كافة النفقات، بما في ذلك عمارة المساجد ورواتب العاملين والمفتين والأئمة الذين يتخرجون من مدارس الأئمة والخطباء وكليات الإلهيات.

مآذن تصدح

حسب إحصائيات وزارة الشؤون الدينية، يوجد في تركيا، ما يقارب 86 ألفا و762 جامعًا، منهم 3 آلاف و317 في إسطنبول. 

وفي 15 يوليو/ تموز 2016، شهدت العاصمة أنقرة، ومدينة إسطنبول، محاولة انقلاب فاشلة نفذتها عناصر من الجيش، حاولوا خلالها السيطرة على مفاصل الدولة، ومؤسساتها الأمنية والإعلامية، وإسقاط نظام حزب العدالة والتنمية، بقيادة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وفي تلك الليلة الملحمية الخالدة، التي تصدى فيها الشعب التركي للانقلابيين، كان للمساجد دور بارز غير مسبوق في التاريخ التركي الحديث، إذ صدحت المآذن، بالآذان، وقراءة آيات من القرآن الكريم، ورددوا الصلوات على النبي، طيلة ليلة الانقلاب، تشجيعاً للمواطنين ليخرجوا للشوارع والميادين لمواجهة العسكر، ومنعهم من تنفيذ مخططهم.

وهو ما دعا الرائد معمر إيغار أحد قادة الانقلاب، للقول في المحادثات السارية أثناء المحاولة الانقلابية، "لا بد من إسكات المساجد"، وهي المحادثات التي كشفتها الدولة بعد ذلك.

وقتها بعثت رئاسة الشؤون الدينية التركية، برسالة إلى أئمة المساجد، تحثهم على لعب دور، رغم أنها لا تملك وفق القانون أي قدرة إلزامية أو إصدار أوامر إدارية في هذا الشأن.

نص الرسالة كان كالتالي: "القيام بواجبنا اليوم لحماية دولتنا هو أكبر واجب يقع على عاتقنا، فانتهاك وحدة الشعب والدولة ورفاهيته وأمنه والإرادة الشعبية بالعنف والشدة هو أمر غير مقبول أبداً، وبصفتنا الدليل الروحي لشعبنا سنتصدى مع شعبنا لجميع المحاولات غير القانونية، ومن هذا المنطلق ندعوكم جميعاً إلى التصدي لأكبر إهانة لشعبنا العظيم من منابرنا التي تعد رمزاً لحريتنا وذلك دون اللجوء للعنف".

أما رئيس هيئة الشؤون الدينية، فأجرى اتصالاً بالمفتين في 81 مدينة تركية فور وقوع الانقلاب وطلب منهم التوجه إلى المساجد ورفع الأذان.