"الجمهورية إلى الأمام".. هل تدفعه أخطاء ماكرون للخلف بالانتخابات؟

سليمان حيدر | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم ارتفاع وتيرة انتشار فيروس كورونا في فرنسا وإصابة الآلاف، فإن الرئيس إيمانويل ماكرون أصر على إجراء الانتخابات المحلية التي يعتبرها الشارع الفرنسي ومتابعون للشأن السياسي اختبارا لشعبيته وحزبه "الجمهورية إلى الأمام".

واتخذت الحكومة الفرنسية الكثير من التدابير من أجل منع تزايد انتشار فيروس كورونا بالتزامن مع إجراء المرحلة الأولى التي جرى التصويت فيها بتاريخ 15 مارس/آذار 2020 إلا أنها أجبرت على تأجيل المرحلة الثانية من الانتخابات البلدية التي كان مقررا إجراؤها في 22 مارس/آذار 2020. 

وتأتي الانتخابات بعد سلسلة من الاحتجاجات الواسعة التي لم تتوقف منذ أكثر من عام اعتراضا على سياسات ماكرون وإصداره العديد من القوانين المثيرة للجدل أهمها تعديل قوانين الضرائب والعمل والتقاعد وهو ما جعل الكثيرين يتحدثون عن الانتخابات بأنها استفتاء على شعبية ماكرون وحزبه. 

التعبئة للانتخابات 

يقول الصحفي بوعلام غبشي: إن هذه الانتخابات ينظر إليها على أنها مقياس لمدى تمسك الناخب الفرنسي بالحزب الحاكم ومدى استعداده لتقديم صوته للحزب في الاستحقاقات الانتخابية والسياسية القادمة. 

ورأى غبشي في تقرير نشره موقع قناة فرانس 24 بتاريخ 28 فبراير/شباط الماضي أن فوز الحزب الحاكم في أهم المدن الفرنسية وكسبه بلديات مثل باريس وليون يعد الرهان الأكبر بالنسبة لحزب الجمهورية إلى الأمام حتى يرى مستقبله السياسي بعين متفائلة.

ودخل الحزب الحاكم هذه الانتخابات بقوته الضاربة في محاولة لإزالة أثر احتجاجات السترات الصفراء وإضراب النقابات العمالية، حيث يتراكم الغضب منذ السنة الماضية.

وعاش الفرنسيون أجواء السترات الصفراء ولم تتجاوزها الحكومة حتى الآن بالإضافة إلى عدم الرضى عن السياسات الاجتماعية التي ينتهجها ماكرون بشكل عام وعدم قبول الشارع التوجهات الليبرالية الجديدة للرئيس. 

ومن أجل الفوز بأكبر قدر ممكن من البلديات، لجأ الحزب الحاكم إلى الدفع بـ 10 وزراء على رأسهم رئيس الحكومة إدوار فيليب المرشح لرئاسة بلدية مدينته الأم لوهافر شمال فرنسا. 

ويعني عدم تحقيق هؤلاء الوزراء نتائج إيجابية في هذه الانتخابات في مدنهم، ضربة للمستقبل السياسي للحزب ورئيس الجمهورية في الاستحقاقات القادمة، خاصة وأن ماكرون يسعى للترشح لفترة رئاسية قادمة في الانتخابات المقرر عقدها في عام 2022. 

بلدية باريس

لم تكن نتيجة الانتخابات البلدية التي جرت في العاصمة الفرنسية باريس مفاجئة للكثيرين وكانت النتائج قريبة جدا من استطلاعات الرأي التي توقعت استمرار آن هيدالغو في منصبها كعمدة لباريس.

وتشير النتائج غير الرسمية إلى حصولها على نسبة تزيد على 30% فيما حلت في المركز الثاني المرشحة الجمهورية رشيدة داتي ذات الأصول المغربية، وجاءت في المرتبة الثالثة مرشحة الحزب الحاكم أنييس بوزان. 

ومما أشعل الانتخابات البلدية في باريس مبكرا، انسحاب مرشح حزب ماكرون لرئاسة بلدية العاصمة بنجامان غريفو على خلفية انتشار مقطع جنسي مصور له.

وكان حزب "الجمهورية إلى الأمام" يعول عليه كثيرا للفوز بهذا المنصب الذي يسيطر عليه الحزب الاشتراكي، واضطر الحزب للدفع بوزيرة الصحة السابقة أنييس بوزان، وهو ما صعب الأمر عليه في انتزاع بطاقة بلدية العاصمة من الحزب الاشتراكي حيث بدأت بوزان حملتها قبل أقل من شهر من موعد الانتخابات. 

بحسب استطلاع للرأي نشرت نتائجه بموقع "فرانس 24" قبل أيام قليلة من الانتخابات، فإن بوزان قد تأتي في المرتبة الثالثة للمرشحين بنسبة 19%، مع احتمال حصول مرشحة الجمهوريين رشيدة داتي على نسبة 22% مقابل 26% لعمدة العاصمة الحالية الاشتراكية آن هيدالغو . 

وبحسب الموقع فإن اليمين المتطرف ممثلا في حزب "التجمع الوطني" لا يمثل تهديدا كبيرا للحزب الحاكم، حيث يجد الأول صعوبة في إقناع الناخبين بالتصويت له في أماكن وصفتها وسائل الإعلام بأنها معاقله.

وتشير الاستطلاعات إلى أن عدد الذين يرغبون في التصويت للحزب في مدينة كاليه شمال البلاد لا يتجاوز 12% على الرغم من حصول زعيمة الحزب مارين لوبان على 57% من أصوات الناخبين في هذه المدينة عام 2017 في الانتخابات الرئاسية. 

شعبية ماكرون 

يقول الكاتب الصحفي محمد السيد المتخصص في الشأن الفرنسي: إن هذه الانتخابات تجرى كل ستة أعوام وتكون بمثابة مقياس لنجاح الحزب الحاكم أو فشله في التعامل مع القضايا الوطنية، لكن حزب ماكرون ولأنه حزب جديد نشأ في 2016 ليس له على الأقل في هذه اللحظة سيطرة في الأحياء.

وفي تصريحات خاصة لصحيفة الاستقلال، أضاف السيد: أن "ماكرون يحاول التقدم من خلال تأثيره في الحزب والحكومة التي تقود البلاد منذ عام 2017".

وأشار إلى أن سياسة ماكرون التي اتبعها منذ عام 2017 وحتى اليوم كان فيها الكثير من الأخطاء وعلى رأسها التعامل مع احتجاجات السترات الصفراء والتي شهدت عنفا كبيرا من قبل الشرطة، رغم أنه كانت لهم مطالب مشروعة أبرزها تخفيض سعر البترول وزيادة المعاشات خاصة وأن أغلبهم يعيشون على أطراف البلاد. 

وأوضح أن من بين أخطاء ماكرون الأخيرة قيامه بتعديل قانون العمل والمعاشات وتمريره في البرلمان بدون تصويت من خلال سطوته على البرلمان، حيث يمتلك حزب "الجمهورية إلى الأمام" الأغلبية ويحق له تمرير القانون بدون التصويت عليه. 

وتسببت هذه الخطوة في انشقاقات كبيرة داخل الحزب. وقالت صحيفة إكسبريس البريطانية: إن ماكرون يواجه أكبر أزماته كرئيس فرنسي حتى الآن قبل الانتخابات المحلية، حيث أدى انشقاق عدد من النواب إلى خلق انقسامات كبيرة في حزبه الحاكم، واستمرت شعبية الرئيس في الهبوط.

وقالت الصحيفة في تقرير لها بتاريخ 12 فبراير/شباط الماضي: إن انشقاق العديد من النواب عن الحزب زاد الضغوط على ماكرون، مشيرة إلى أن الحزب أصبح يمتلك 300 عضو في البرلمان نزولا من 314 في بداية فترته. 

كما أشارت إلى هبوط شعبية ماكرون، حيث أظهرت استطلاعات للرأي نشرتها مؤخرا صحيفة إكسبريس تراجع شعبية الرئيس إلى الثلث وأن الناخبين الفرنسيين يتوقعون أن تمنح الانتخابات المحلية ماريان لوبان وحزبها اليميني المتطرف مكاسب كبيرة. 

معايير سياسية

وحتى الآن لم تعلن نتائج انتخابات المرحلة الأولى من الانتخابات الفرنسية فيما جرى تأجيل المرحلة الثانية بسبب انتشار فيروس كورونا. 

أما الكاتب الصحفي صلاح القادري فيرى أن إصرار ماكرون على إجراء الانتخابات في موعدها رغم دعوة رئيس اللجنة الطبية للصحة العمومية الفرنسيين لعدم الذهاب إلى مراكز الاقتراع، قرار خاضع لمعايير سياسية.

ويعتقد في تصريحات تلفزيونية أنه "كانت هناك أزمة كبيرة بالنسبة لشعبية الحزب الحاكم وماكرون التي انحصرت في الأشهر الماضية، لكن مع أزمة كورونا وتصرفه وكأنه الرئيس الحامي في ظل هذا الهلع الذي أصاب الفرنسيين رفع حسب استطلاعات الرأي من شعبيته". 

وقال القادري: إن ماكرون كان يريد أن يستفيد من صعود شعبيته في الفترة الأخيرة خصوصا التذمر الحاصل الآن في الشارع الفرنسي من أجل أمور سياسية من خلال هذه الانتخابات. 

ولم تبتعد وكالة الأنباء الفرنسية عن الآراء التي تتحدث عن تضاؤل حظوط الحزب الحاكم، حيث أشارت في تقرير نشرته منتصف مارس/آذار 2020 إلى أنه لا يبدو أن مرشحي حزب "الجمهورية إلى الأمام" لديهم أي حظوظ للفوز في أغلب المدن.

واعتبرت أنه في حال خسر رئيس الوزراء فيليب إدوار للانتخابات البلدية فإن ذلك سيؤثر بشكل كبير على منصبه كرئيس للحكومة الحالية. 

كما أكد الكاتب محمد السيد أن هذه الانتخابات ستكون مؤشرا كبيرا على نجاح أو فشل ماكرون في سياسته، وإذا كانت هذه السياسة ستستمر والشعب الفرنسي سيقبل بها أم لا. 

أحزاب أخرى

وعبر السيد عن اعتقاده بأن هذه الانتخابات ربما تفرز العديد من المفاجآت بعد دخول بعض الأحزاب في مشاركة فيما بينها مثل الحزب الاشتراكي مع مؤيدي البيئة. 

وقال: إن هناك أحزابا جديدة لم تحظ بهذه القوة ولكن في الفترة الأخيرة ارتفع مؤشرها ومنها حزب التجمع الوطني الذي تقوده مارين لوبان والتي وصلت إلى المرحلة الثانية في الانتخابات الرئاسية عام 2017 وتخوض الانتخابات البلدية على رئاسة 10 مدن.

ويوضح أنه "إذا نجحت لوبان في السيطرة على هذه المدن سيكون لها نسبة عالية، لكن المشكلة الأكبر تكمن في وجود عرب كثر في تلك المدن".

ويتوقع السيد أن يصوت العرب ضد لوبان "لأنها تبث الكراهية والعنصرية الفجة والتعامل غير الإنساني حتى مع القضايا العربية وتحاول بنعرات عنصرية الزج بالعرب والمسلمين في كافة المشاكل التي تحدث في البلاد". 

وتجرى الانتخابات البلدية كل ستة أعوام على مرحلتين يفصل بين الأولى والثانية أسبوع واحد وتسعى فيها الأحزاب المتنافسة للحصول على أكبر قدر ممكن من المقاعد البالغ عددها 500 ألف تمثل عدد الدوائر الفرنسية. وترشح على هذه المقاعد في انتخابات هذا العام أكثر من 900 ألف مرشح. 

وشهدت المرحلة الأولى من الانتخابات عزوفا كبيرا من قبل الناخبين، حيث أشارت استطلاعات الرأي إلى مشاركة نحو 45% فقط ممن يحق لهم التصويت في هذه الانتخابات لتبلغ نسبة العزوف نحو 55% وهي نسبة تزيد بكثير عن الانتخابات التي جرت في 2014. 

وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات البلدية في فرنسا في عام 2014 نحو 65% وهو ما يعني تراجعها في انتخابات هذا العام بنسبة تصل إلى 20% عن السابقة. وأرجع العديد من الخبراء ذلك إلى التخوفات من الإصابة بفيروس كورونا وخاصة بين كبار السن.