كوريا الجنوبية مع اللاجئين العرب.. كيف تجيد سياسة "التطفيش"؟

عُقد، مؤخرا، مؤتمر حقوقي تناول أوضاع طالبي اللجوء في العاصمة الكورية الجنوبية سيول، مسلطا الضوء على معاناتهم، والمصاعب التي تواجههم من قبل السلطات الكورية.
حقوقيون اتهموا السلطات الكورية بعدم التجاوب مع طالبي اللجوء، ورفض لجوئهم، خصوصا اللاجئين المصريين واليمنيين، الأمر الذي ضاعف من معاناتهم وعرض حياتهم للخطر.
في كوريا الجنوبية يواجه طالبو اللجوء العرب مخاطر الاعتقال والترحيل، حيث تعتقل السلطات الكورية مواطنيَن مصريين، وتجري تحقيقات معهما، تمهيدا لترحيلهما إلى مصر، خاصة، وحسب مصادر حقوقية: فإن الأجهزة الأمنية الكورية تجري تنسيقا مع السلطات في مصر.
المحامي والناشط الحقوقي المصري عبدالرحمن عاطف قال في تصريحات صحفية: "إن تنسيقا من نوع ما يجري بين الجهازين الأمنيين الكوري والمصري، حيث تم اعتقال عدد من طالبي اللجوء المصريين، من قبل السلطات الكورية في سيول، وتلا بعد ذلك مباشرة مداهمة منازلهم في مصر، واعتقال أهاليهم وذويهم، كان آخرها اعتقال 3 أسر مصرية، أثناء طلب أهاليهم اللجوء في كوريا".
في أبريل/نيسان الماضي، اعتدت السلطات الكورية على أفراد عائلة شهيد مذبحة "ماسبيرو"، مينا دانيال، بعد توقيفهم لساعات طويلة في مطار "إنتشون" في سيول، وحاولت ترحيلهم، قبل أن يتدخل ناشطون حقوقيون ومنظمات حقوقية، ويضغطون باتجاه عدم ترحيلهم إلى مصر، وتعريض حياتهم للخطر.
بالإضافة إلى ذلك: فإن طالبي اللجوء المصريين يؤكدون اختفاء وثائق تدين الأجهزة المصرية، وتثبت ارتكابها لانتهاكات في حقهم، بعد تسليم ملفاتهم للأجهزة الأمنية في كوريا.
وانتقد طالبو اللجوء عدم وجود تغطية إعلامية تنقل معاناتهم للعالم، وتكشف انتهاكات سيول في التعامل مع طالبي اللجوء، مطالبين بتسليط الضوء على أزمتهم، من أجل الضغط على السلطات الكورية في قبول اللجوء وتوفير الأمن والحماية، بصفتها عضوا في الاتفاقية الخاصة باللاجئين.
مكافحة الإرهاب
التنسيق والتعاون الأمني الذي يجري بين الأجهزة المصرية والكورية تم إدراجه تحت مسمى التعاون في مكافحة الإرهاب، ويمتد ذلك التعاون عبر شبكة من المصالح بين البلدين.
بعد أشهر من توليه الرئاسة في 2017، أهدى الرئيس مون جاي مصر قطعة بحرية "فرقاطة"، وذلك بعد قرار القاهرة قطع العلاقة مع كوريا الشمالية.
وتعمل الاجهزة الأمنية والاستخباراتية المصرية، منذ الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013، على مطاردة معارضي النظام في الخارج، وتستخدم عدة آليات لملاحقتهم، منها إصدار قوائم مطلوبين للإنتربول، وتفعيل كود أمني خاص بالإرهاب أدرج عليه أسماء رموز المعارضة لتسهيل القبض عليهم وتوقيفهم في مختلف مطارات العالم، وكذلك عقد اتفاقات أمنية مع بعض الأنظمة والحكومات، يتم بموجبها القبض على المدرجين على لوائح المطلوبين لديها وترحيلهم.
دور الإمارات
لا ينحصر التعاون الأمني بين كوريا ومصر فحسب، بل يشمل الإمارات كطرف ثالث ضالع في الاتفاق، وهو السبب الذي يفسر، على مايبدو، الموقف الكوري تجاه طالبي اللجوء المصريين.
في فبراير/شباط 2016، وقعت وزارة الداخلية الإماراتية مع وكالة الشرطة الوطنية في كوريا الجنوبية، مذكرة تفاهم للتعاون في المجال الأمني ومكافحة الإرهاب، وعلقت وزارة الداخلية الإماراتية على هذه الاتفاقية بأنها ضرورية لتعزيز جهود البلدين في تحقيق الأمن والأمان.
وفي فبراير/شباط الماضي أجرى ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد زيارة لكوريا الجنوبية، وقع خلالها اتفاقية لتعزيز السلم والأمن.
تجدر الإشارة إلى أن القوات الكورية الوحيدة الموجودة خارج البلاد، تتواجد في أبوظبي لتدريب القوات الخاصة الإماراتية.
انتقائية المعايير
رغم توقيع كوريا الجنوبية على الاتفاقية الخاصة باللاجئين، إلا أنها لا تقبل كل المتقدمين بطلب اللجوء، بل تنتقي اللاجئين وفق معايير، ليست إنسانية أو سياسية.
فوفقا لـ مركز حقوق اللاجئين، وهو منظمة كورية جنوبية غير حكومية: فإن الحكومة الكورية منحت نحو 1.5 % فقط من إجمالي 100 ألف طالب لجوء في 2017، واعترفت بهم كلاجئين.
وحسب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين: فإن كوريا منذ عام 1994، تلقت ما يقرب من 49 ألف طلب لجوء، غير أنها لم تقبل سوى 2900 طلب فقط من عدة بلدان، بما في ذلك باكستان والصين وسوريا واليمن، وهو رقم ضئيل مقارنة بدول مثل تركيا وألمانيا.
الناشط الحقوقي اليمني إبراهيم حميد قال لـ"الاستقلال": "لا ننكر أن القيم المتعلقة بالحرية وحقوق الإنسان، في الدول الأوروبية والولايات المتحدة، راسخة أكثر مما هي عليه في الصين وكوريا الجنوبية، رغم أن الأخيرة قطعت مسافات كبيرة إذا ما قورنت بجارتها الشمالية، غير أنها مازالت متأخرة في قضايا مثل الحريات الفردية والقضايا التي تتعلق باللجوء السياسي والإنساني.
يضيف حميد: "على خلاف ما يتصور البعض، فإن التطور الاقتصادي الكوري لم يصاحبه أي تطور في مستوى الحقوق والحريات العامة على المستويين الشعبي والسياسي، رغم توقيعها بشكل طوعي على اتفاقية حماية اللاجئين عام 1992".
احتجاجات شعبية
في يوليو/تموز 2018، وقع أكثر من 714 ألف شخص في كوريا الجنوبية على عريضة تدعو الرئيس مون جاي إلى رفض طلبات لجوء، مدعين: أن المتقدمين "لاجئون مزيفون يحاولون الاستفادة من الاستقرار الاقتصادي التي تتمتع به كوريا الجنوبية". وقال المحتجون: "التدفق السريع للرعايا الأجانب ذوي الخلفيات الثقافية المختلفة من شأنه أن يضر بالسلم العام".
كانت هذه هي أكبر عريضة يتلقاها الرئيس منذ توليه مهام منصبه في 2017، ورغم كون الرئيس الكوري لاجئا كوريا شماليا، وناشطا سياسيا حقوقيا، إلا أنه لم يتعامل مع طلبات اللجوء كما ينبغي، وفق الاتفاقية الدولية للاجئين، بحسب مراقبين، وقد وعدت السلطات بتطبيق إدارة قوية ومراقبة لطالبي اللجوء من أجل سلامة المواطنين الكوريين.
وأثناء المسيرة، وجه المتحدثون شتائم إلى طالبي اللجوء ووصفوهم بـ"سارقي الوظائف"، وأخذوا يتساءلون: "لماذا على كوريا الجنوبية قبول اللاجئين، في حين تغلق الولايات المتحدة حدودها؟".
حسب منظمة العفو الدولية: فإن "المحتجين، بالإضافة إلى وسائل إعلامية، اتهمت المتقدمين بطلب اللجوء، بالاعتداء على النساء"، وهو الأمر الذي نفته المنظمة، وقالت: إنه "لا أساس له من الصحة"، وأضافت: أن "عدم اعتياد الكوريين على الترحيب باللاجئين ربما كان السبب في عدم تقبلهم".
وفق نيويورك تايمز: فإن "كوريا الجنوبية تفخر بمجتمعها المتجانس، ولطالما كانت تعارض قبول طالبي اللجوء. وبسبب موقعها، لم تكن البلاد مقصدا رئيسيا للاجئين، إلى جانب أولئك الذين يفرون من كوريا الشمالية والذين يتم قبولهم عموما كمواطنين".
جزيرة "جيجو"
في الفترة من يناير/كانون الثاني وحتى مايو/آيار 2019، وصل إلى جزيرة "جيجو" الكورية الجنوبية نحو 561 يمنيا، من طالبي اللجوء في الجزيرة التي تقع في جنوب البلاد".
وكانت السلطات الكورية قد أصدرت قرارا في عام 2002 يقضي بإلغاء التأشيرات للزوار إلى جزيرة جيجو، وذلك بهدف تنشيط السياحة، لتغير بعد ذلك قرارها في يونيو/حزيران 2018، بسبب موجة اللاجئين اليمنيين، وتضيف اليمن إلى قائمة 11 دولة تحتاج إلى تأشيرات لدخول الجزيرة.
مع أن مئات اليمنيين لا يشكلون سوى نسبة ضئيلة من عدد سكان الجزيرة البالغ عددهم 660 ألف نسمة، إلا أن وجودهم قد أثار الكثير من القلق والخوف في أوساط السكان.
عبدالرحمن البكري، يمني تقدم لطلب اللجوء في كوريا، قال لـ"الاستقلال": "اليمنيون يعانون صعوبة في الإقامة بكوريا، حيث لم يتم قبول طلب اللجوء إلا لشخصين فقط، من إجمالي عدد الذين قدموا إلى جيجو، ومعظم اليمنيين قدموا من ماليزيا، لصعوبة الحصول على تمديد لإقامتهم هناك، وعدد آخر قدموا من السعودية مع عائلاتهم، بعد أن فرضت عليهم السلطات السعودية رسوما سنوية عليهم وعلى عائلاتهم، والبعض الآخر أتى من اليمن، بسبب ظروف الحرب".
البكري يضيف: "خلال الستة الأشهر الأولى، من إقامتنا في جيجو، تم تقييد حركتنا، وعشنا أسوأ أيامنا، لم يؤذن لنا بمغادرة الجزيرة، ولم نمنح اللجوء، ولم يؤذن لنا بالعمل، ولم نستطع التحرك، كنا ننام في العراء، ونعاني من الأكل الذي لم يناسب الكثيرين، ولم نستطع استئجار منازل، لولا أن الكنائس استضافتنا لديها لعدة أشهر، وقدمت لنا بعض المعونات الغذائية، وكنا نرى أنفسنا مجبرين على حضور الدروس التي تلقى في الكنيسة، بحكم إقامتنا فيها".
ويستطرد البكري: "بعد انتهاء مهلة الستة الأشهر، ورفض طلب لجوئنا، مُنحنا أرقاما، وتم الإذن لنا بالتحرك، ومثل لنا ذلك فرجا، غير أن معاناتنا استمرت، فلا نستطيع استقدام عائلاتنا، أو التقدم بطلب لم الشمل، لأن طلباتنا للجوء رفضت، ووضعنا القانوني استثنائي ومؤقت، إلى مستوى أنه لا يحق لنا شراء موبايل جديد، ويؤذن لنا بشراء موبايل واحد، مستعمل".
يتابع البكري: "تنتهج السلطات الكورية معنا سياسة التطفيش، إن صحت التسمية، من أجل طردنا، فتفرض علينا غرامات في كل شيء، ورسوم على كل شيء، وبالفعل قد قرر البعض مغادرة كوريا. رغم إصابتي، ووجود 5 شظايا في ركبتي، إلا أنه لم يتم النظر إلى وضعي الإنساني هذا، وغيري كثير، ممن فروا من الحرب، أو تعرضت حياتهم للخطر".
المصادر
- البابا فرنسيس يؤيد حماية لاجئين يمنيين في كوريا الجنوبية
- مطعم يمني ينافس الأطباق المحلية في جزيرة كورية
- الحكومة الكورية الجنوبية تكافح لمعالجة العدد المتزايد من قضايا اللاجئين
- اللاجئون اليمنيون في "الجزيرة السياحية" في كوريا الجنوبية يستحقون الضيافة وليس العداء
- كوريا الجنوبية تشدد قوانين اللجوء
- العفو الدولية تسلط الضوء على معاناة اللاجئين اليمنيين في كوريا الجنوبية وتطالب بمعاملة حسنة (ترجمة ديبريفر)
- نيويورك تايمز: أخطأ اللاجئون اليمنيون حينما توقعوا ترحيباً حاراً في كوريا الجنوبية (تقرير ترجمة ديبريفر)
- هذه معاناة طالبي اللجوء بكوريا الجنوبية وهكذا تنسق مع مصر
- الإمارات وكوريا الجنوبية.. شراكة دفاعية لتعزيز السلام في العالم