إعادة المعارضين قسرا إلى مصر.. الظاهرة بدأت فهل تستمر؟

أحمد مدكور | منذ ٥ أعوام

منذ الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013، والنظام القمعي في مصر يعمل على مطاردة معارضيه في الخارج، وتصفية قضيتهم الرافضة لوجوده، مستخدما في ذلك عددا من الوسائل والتكتيكات لمحاصرتهم، بداية من إصدار قوائم مطلوبين مقدمة إلى الإنتربول، وتفعيل كود أمني خاص بالإرهاب أدرج عليه أسماء رموز المعارضة لتسهيل القبض عليهم وتوقيفهم في مختلف مطارات العالم، وكذلك عقد اتفاقات أمنية مع بعض الأنظمة والحكومات، يتم بموجبها القبض على المدرجين على لوائح المطلوبين لديها وترحيلهم.

حادثة ترحيل ماليزيا 6 معارضين لمصر منتصف  مارس/آذار 2019، في ظروف غامضة، ودون الإحاطة بملابسات واضحة لأسباب الترحيل، جاءت صادمة للكثيرين، خاصة أنها لم تكن الواقعة الأولى، فسبقها  ترحيل محمد عبد الحفيظ المهندس المصري المحكوم عليه بالإعدام، من مطار أتاتورك في إسطنبول إلى القاهرة في 18 فبراير/شباط 2019.

وفي الوقت الذي بدت فيه واقعة الترحيل من ماليزيا وقبلها من إسبانيا متعمدة، وبعلم أجهزة الدولة هناك أو بعضها على الأقل، فإن حادثة الترحيل الوحيدة من تركيا جاءت بالخطأ، حيث تم تحويل 8 ضباط في المطار للتحقيق ووقفهم عن العمل. كما وافقت السلطات الرسمية التركية لاحقا على استقدام زوجة عبد الحفيظ وابنه إلى إسطنبول، لتكون مع والديها المقيمين هناك.

اختراق استخباراتي

في 10 مارس/ آذار 2019، أعلنت أجهزة الأمن الماليزية ترحيل 6 مصريين وتونسي يشتبه بصلتهم بجماعات متشددة في الخارج، ورغم احتجاجات قامت بها جماعات حقوقية أعلنت عن مخاوفها من تعرض هؤلاء الأشخاص للانتهاكات والتعذيب في مصر.

لكن المفتش العام للشرطة الماليزية محمد فوزي هارون قال في بيان: "إن من بين المشتبه بهم 5 أشخاص اعترفوا بأنهم أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر والإمارات والسعودية والبحرين"، مضيفا أن "التونسي وأحد المصريين المرحلين من أعضاء جماعة أنصار الشريعة التونسية التي أدرجتها الأمم المتحدة كجماعة إرهابية".

لكن الواقعة كانت أبعد من تصريحات المفتش العام للشرطة، إذ قال رئيس حزب "عدالة الشعب" أنور إبراهيم في كلمته أمام البرلمان المركزي عن مخاوفه من اختراق استخباراتي خارجي، أدى إلى تسليم الأشخاص السبعة دون علم أعضاء الحكومة ورئيسها مهاتير محمد.

وأضاف إبراهيم لأعضاء البرلمان: "إن السلطات الماليزية يجب أن تتصرف وفقا للقانون واعتمادا على معلومات صحيحة ومؤكدة، وليس بناء على وشاية من مخابرات أجنبية"، في حين حذر من تمادي الشرطة وأجهزة الأمن في التصرف دون علم الحكومة.

البعض لم يستبعد ضلوع المملكة العربية السعودية في مساعدة مصر في ملف الترحيلات؛ خاصة وأن للمملكة باعا طويلا في أروقة السياسة والحكم بماليزيا، أقر بذلك وزير دولة الحرمين الشريفين للشؤون الخارجية عادل الجبير عندما اعترف في تصريحات سابقة حسبما ذكر موقع الجزيرة نت، بأن العائلة المالكة في الرياض أودعت في حساب رئيس الوزراء السابق نجيب عبد الرزاق (خسر الانتخابات في 2108 أمام مهاتير محمد) 681 مليون دولار قبيل انتخابات 2013.

وكما هو متوقع، أشاد الإعلام الموالي لنظام السيسي بعملية الترحيل، وبررها  عمرو أديب في برنامج الحكاية على شبكة قنوات MBC في 10 مارس/ آذار 2019، بقوله: إن "الدول لا تأوي الإرهابيين بها، وأى دولة تحاول الآن التخلص منهم".

الخطأ القاتل

في 18 يناير/ كانون الثاني 2019، رحّلت أجهزة الأمن بمطار أتاتورك الدولي بمدينة إسطنبول التركية، الشاب المصري محمد عبد الحفيظ إلى القاهرة، المحكوم عليه بالإعدام في قضية اغتيال النائب العام السابق هشام بركات.

عبد الحفيظ المهندس الزراعي، الذي تعيش عائلته في مدينة السادات بمحافظة المنوفية، هو أحد الشباب المعارضين الذين فروا من بطش الأجهزة الأمنية بعد الانقلاب العسكري في 2013، ليستقر في الصومال، قبل أن يتجه إلى إسطنبول في محاولة للبحث عن مكان أكثر أمانا.

لكن ما يؤكد أن واقعة ترحيل عبد الحفيظ جاءت دون تعمد أو تنسيق أمني واستخباراتي هو ما أكده ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي، في تصريحات لقناة مكملين الفضائية، أن "تركيا لا ترى قضاءً عادلاً في مصر، وأن بلاده لم ولن تسلم أي شخص يواجه الإعدام أو أي عقوبة أخرى إلى القاهرة".

كما أصدرت أنقرة قرارها بإيقاف 8 من الشرطيين العاملين في مطار أتاتورك لحين التحقيق في ظروف وملابسات الترحيل.

عبد الحفيظ، وكما روت زوجته ولاء غازي في لقائها على قناة الجزيرة مباشر بتاريخ 5 مارس/ آذار 2019، "دخل إلى قاعة المحكمة، رفقة اثنين من ضباط الأمن، وهو في حالة إعياء شديدة، مع نقص واضح في وزنه، وهلع بالغ، واعترف مباشرة عن نفسه، دون الاستماع لأسئلة القاضي"، هكذا أبلغها محاميه مضيفا: "عبد الحفيظ لم يكن في حالة اتزان عقلي، وكان نظره ضعيفا للغاية، ويشير بيده بحركات غريبة، مع ابتسامات غير مفهومة".

حالات سابقة

في 3 يونيو/حزيران 2018، قامت السلطات الإسبانية بتسليم الداعية الإسلامي المصري علاء سعيد، وهو إمام أحد المساجد في مدريد، إلى مصر بعد احتجازه لمدة شهر ونصف داخل سجن الترحيلات الخاص بالمهاجرين غير الشرعيين، إثر صدور قرار بترحيله إلى بلده، بعد اتهامه بالانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، حيث قامت السلطات الإسبانية باستدعائه، للتحقيق وتوجيه عدد من الاتهامات له تتعلق بفكره، كإمام وواعظ ديني، ثم بدأت في إجراءات ترحيله إلى مصر، وقامت بمخاطبة السفارة المصرية في إسبانيا وإطلاعهم على القضية، وهو ما زاد من الخطورة على حياته.

وهو ما أثار حفيظة المنظمات الحقوقية، وأصدرت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا تقريرا في يوليو/ تموز 2018، اعتبرت فيه أن السلطات الإسبانية تتحمل المسؤولية الكاملة عن سلامة وحرية سعيد، الذي تعرض للاختفاء القسري والتعذيب في مصر، بعد قيام السلطات الإسبانية بتسليمه في ظروف مريبة وقاسية.

وكان ترحيل مسعد البربري، مدير قناة أحرار 25، ومختار العشري رئيس اللجنة القانونية لحزب الحرية والعدالة من لبنان في 3 أبريل /نيسان 2014، من أوائل حوادث ترحيل المعارضين إلى مصر حيث قام الأمن العام اللبناني بتوقيفهم في مطار رفيق الحريري الدولي ببيروت، ثم قام بتسليمهم للسلطات المصرية.

وظل البربري في السجن حتى تمت تبرئته في قضية غرفة عمليات رابعة، وخرج في مايو/آيار 2017، بعدما تعرض لانتهاكات على يد الأجهزة الأمنية، كما خرج العشري أيضا بعد قضاء عقوبة السجن.

منصور في ألمانيا

وفي 20 يونيو/ حزيران 2015، ألقي القبض على الصحفي المصري أحمد منصور في مطار برلين بالعاصمة الألمانية، بناء على صدور مذكرة اعتقال دولية بحقه، مقدمة من قبل مصر.

وفي مداخلته على قناة الجزيرة التي يعمل مذيعا بها، قال منصور متعجبا، إن السلطات الألمانية أوقفته بناء على مذكرة صادرة عن الإنتربول بتاريخ 2 أكتوبر/تشرين الأول 2014، في حين أنه حصل من الإنتربول ذاته على وثيقة بتاريخ 21 أكتوبر/تشرين الأول2014، تفيد بأنه ليس مطلوبا لها على خليفة أية قضية.

وأعرب الإعلامي المصري عن أسفه لكون دولة مثل ألمانيا "تسمح بأن تكون عصا لنظام انقلابي (في إشارة منه لنظام السيسي) وتوقف الصحفيين والمهنيين الذي يخالفون هذا النظام".

وأحدث إيقاف أحمد منصور ردود فعل دولية، وصلت إلى انتقاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، للسلطات الألمانية متهما إياها بالإذعان لطلبات "السلطات الانقلابية" في مصر.

كاد أن يسلم

في أغسطس/ آب 2018، احتجزت السلطات الإيطالية الدكتور محمد محسوب، وزير الدولة للشؤون القانونية والمجالس النيابية الأسبق في حكومة الدكتور هشام قنديل، إبان عهد الرئيس المصري المحتجز محمد مرسي.

وبعد احتجازه يوما كاملا قرب مدينة كاتانيا الإيطالية، أطلقت الحكومة الإيطالية سراحه، بعد مخاطبات واتصالات قامت بها جهات وشخصيات مصرية ودولية، مع السلطات الإيطالية المعنية، ومع منظمات حقوقية مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، ناشدت إيطاليا عدم تسليم محسوب، للخطورة البالغة على حياته، وإمكانية تعرضه للتعذيب، خاصة وأن روما موقعة على جميع بروتوكولات اتفاقية مناهضة التعذيب ما يلزمها الالتزام بها.

وفي أبريل/ نيسان 2017، أقر البرلمان الألماني "بوندستاغ" اتفاقية للتعاون الأمني مع النظام المصري، وذلك للتعاون في ملفات الهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة وغيرها، وكان أحد أطرافها الفاعلين جهاز الأمن الوطني المصري "سيء السمعة" المعروف عنه التوسع في التعذيب والإخفاء القسري، وصدق السيسي على الاتفاقية في 7 أكتوبر/تشرين الأول عام 2017.

المصير المجهول

بحسب منظمات حقوقية وتقارير دولية، يواجه المعارضون المصريون قمعا مطلقا على جميع الأصعدة، ويعانون من بطش النظام الأمني، ويتعرضون للقتل خارج إطار القانون والاعتقال العشوائي وتوجيه اتهامات معدة سلفا، غير التعذيب الممنهج، بالإضافة إلى إصدار الأحكام المسيسة، بعد هيمنة السلطة على القضاء، وتهاوي منظومة العدالة.

وقائع الترحيل المعلنة هذه وغيرها مما قد لا نعلمه، كلها مدعاة لتحرك قوي وفعال من المنظمات الحقوقية الدولية لتتولى ملف الهاربين من جحيم الاستبداد في بلادهم، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وأعيدوا إلى أوطانهم قسرا، في ظل ظروف قاسية، ليسقطوا تحت مسالخ التعذيب والانتقام، ويواجهوا مصيرا مجهولا.