ميلي غازيتي: هذه قصة 59 سنة من محاولات تمرد الجيش في تركيا

12

طباعة

مشاركة

قال الكاتب التركي، نديم أوداباش، إن تركيا في كل مرة يحدث فيها انقلاب تظن أنه الأخير، ولكن التاريخ يثبت عكس ذلك، مذكرا بأن تركيا عاشت وعانت الكثير من الانقلابات في تاريخها الحديث، وأنها الدولة التي قامت بإعدام رئيس وزراء منتخب لها شنقًا؛ في إشارة لعدنان مندريس.

نشرت صحيفة "ميلي غازيتي" مقالا للكاتب، حول ذكرى انقلاب 15 يوليو/ تموز 2016 الفاشل والدرس المطلوب الاستفادة منه.

تاريخ أسود

وعاد أوداباش في مقاله إلى صباح 27 مايو/أيار 1960، عندما تحرك الجيش التركي ليقوم بأول انقلاب عسكري خلال العهد الجمهوري، إذ تم وقف نشاط الحزب الديمقراطي واعتقال رئيس الوزراء عدنان مندريس ورئيس الجمهورية جلال بايار مع عدد من الوزراء، وأُرسلوا إلى سجن في جزيرة "يصي أدا".

وبعد محاكمة صورية سُجن رئيس الجمهورية مدى الحياة، فيما حُكم بالإعدام على مندريس ووزير خارجيته فطين رشدي زورلو، ووزير ماليته حسن بلاتقان، وكانت التهمة هي اعتزامهم قلب النظام العلماني وتأسيس دولة دينية.

في اليوم التالي لصدور الحكم -أي في 17 سبتمبر/أيلول 1961- تم تنفيذ حكم الإعدام في حق مندريس، ليكون أول ضحايا العلمانيين في الصراع الداخلي بتركيا.

ورجع الكاتب إلى انقلاب 15 يوليو/ تموز 2016 الفاشل، ليقول: "يجب أن يكون مرحلة مفصلية للأمة التركية وأن لا يكون ما بعد هذا التاريخ كقبله".

خلال الأيام القليلة المقبلة تمر على البلاد الذكرى السنوية الثالثة لمحاولة الانقلاب الدموية والصدمة التي وقعت في 15 يوليو/تموز، التي مرت وكأنها كابوس وتفتتت كمسمار صدئ في تاريخ الديمقراطية التركية؛ ذلك الانقلاب الذي رأى المقال أنه استهدف الديمقراطية التركية.

في منتصف ليلة منتصف تموز من 2016، جاء المهاجمون ككابوس مزعج، أرادوا الاستيلاء على الجمهورية التركية، وتنفيذ رغباتهم الخاصة وجعلها تنساق مع رغبات الدول الكبرى، عبر سيل من الدماء سال في مدن البلاد، وخاصة الكبرى منها.

وزاد الكاتب مشددا: نعم؛ "منظمة فتح الله غولن الإرهابية، أخرجت الدبابات والمدافع الرشاشة لتواجه الناس وشعبنا، ولكن الإرادة الشعبية التركية كانت فوق هذا كله، وأرغمت دباباتهم على العودة إلى ثكناتها بإرادة شعبية من فولاذ".

وتابع المقال، من بين هؤلاء أبطال عظام، كعمر خالص ديمير الذي تصدى بصدره العاري لرصاص الانقلابيين، ومعهم جموع الشعب الذي أجبر الانقلابيين على التراجع، بعد أن رموا بأنفسهم أمام الدبابات في الشوارع والطرقات وكان هتافهم ضد الانقلابيين. 

فازت الديمقراطية التركية على قوة السلاح بإيمان وصبر وجلد حقيقي. لقد ذابت الإرادة العسكرية داخل صندوق صلب لصالح شعبنا وأصبحت رمادا، على حد تعبير الكاتب.

"بلد الانقلابات"

وواصل في مقاله على "ميلي غازيتي"، "يجب أن نفكر دائما بأن ذكرى انقلاب 15 تموز كان تاريخًا مهمًا ودرسًا كبيرًا لأمتنا لحاضرنا ومستقبلنا، يجب علينا أن لا ننسى ذلك وأن نجعله تاريخا راسخا في الذاكرة الجماعية الخاصة بالأمة التركية". 

شدد أوداباش على ضرورة التذكير بهذا التاريخ باعتباره "انتصارًا مهمًا للغاية"، وذلك "حتى لا ننسى هذه المرحلة التي فازت فيها ديمقراطيتنا، وللحفاظ على ذاكرة شعبنا وعدم إعطاء فرصة لأولئك الذين يترصدون لبقاء جمهوريتنا".

أطلق كاتب المقال على بلاده لقب "بلد الانقلابات"، منذ تأسيس الجمهورية التي قامت بإعدام رئيس وزراء سابق لها، لافتا إلى أنها تجاوزت هذا كله، واتخذت لنفسها مكانا في الديمقراطية العالمية، والآن، زاد المقال: حان وقت إيقاف هذه الانقلابات.

ذكّر الكاتب، بانقلاب 12 سبتمبر/ أيلول 1980، الذي حصل بزعامة الجنرال كنعان إيفرين مع فريق من الضباط في الجيش التركي. وكان هذا الانقلاب ثالث تدخل للقوات المسلحة وإدارتها في النظام السياسي بعد انقلاب 27 أيار/ مايو 1960 والتهديد بالانقلاب في 12 آذار/ مارس 1971.

وفي هذا الانقلاب، أُلغي البرلمان التركي وتوقف العمل بالدستور حينها وتم إلغاءه تماما؛ أُغلقت كل الأحزاب السياسية، وتم اتخاذ قرار مراقبة زعماء الأحزاب بشكل دقيق قبل مُحاكمتهم؛ ثم سحبت الجنسية التركية من 14 ألف شخص وأُعلنت الأحكام العرفية التي استمرت 7 سنوات تمت فيها إعادة تصميم السياسة التركية من جديد.

اعتبر الكاتب أن هذا الانقلاب أعاد تركيا 50 عامًا إلى الوراء، حتى تاهت، خلال تلك الفترة، بين مفاهيم اليمين واليسار؛ "كانت فترة تفشت فيها الأمراض الداخلية والخارجية معًا وتم خلالها إعداد بيئة صالحة للانقلاب".

وبحجة حماية البلد من الهجمات والأخطار الخارجية والإرهاب، تحول ذلك الانقلاب إلى نعمة، ونُظر إليه كنهاية حتمية، قبل أن يتحول بفضل حراك شعبي إلى دولة شرعية، يعترف بها الجميع. 

تهديد العلمانية

انتهت الانقلابات في الثمانينات من القرن الماضي، أو هكذا كان يظن الجميع، لكن وبعد سنين قليلة عادت موضة الانقلابات من جديد. إذ أطيح بالحكومة الأكثر نجاحا في تاريخ الجمهورية التركية، وليس انقلابًا بالمفهوم المباشر، ولكن أطلق عليه عملية "الإطاحة بطريق الرفاه"، فقد زرع العسكر في أذهان الشعب جوًا من الخوف والقمع مرة أخرى.

يذكر أنه وفي الانتخابات التي أجريت عام 1996 حل حزب "الرفاه" في المرتبة الأولى ولكن هذا لم يكن كافيا لتولي السلطة، لذا قام زعيم الحزب نجم الدين أربكان بتشكيل الحكومة الائتلافية مع حزب "الطريق القويم" بزعامة تانسو جلر.

وبعد عدة خطوات، اعتبرت في تلك الفترة أنها تهديد لعلمانية الدولة، وتحديدًا في 28 فبراير/ شباط 1997، وبعد أطول اجتماع تاريخي لمجلس الأمن حتى تلك اللحظة -استغرق تسع ساعات- ازدادت الضغوطات على أربكان. وبُلّغت الحكومة بقرارات الاجتماع وطلب تطبيق مبادئ العلمانية، وتفتيش المدارس الدينية التابعة للجماعات المختلفة، وفرض التعليم الإلزامي لمدة 8 سنوات وبعد الضغوط أعلن أربكان عن استقالته لاحقًا في 18 يوليو/تموز من العام ذاته.

وسائل الإعلام والقضاء التي كان يجب أن تدافع عن الديمقراطية، غرست في عقول الشعب مصطلح "انقلاب ما بعد الحداثة" إذ انطلقت الدبابات في الشوارع، وذلك من أجل استيعاب مفهوم العالم وتصور العلمانية التي تريدها القوة العسكرية التركية في تلك الفترة.

مخلفات 15 تموز

مضت تركيا في الديمقراطية، حتى 15 من يوليو/ تموز، عندما أصبح الدرس مؤلما وقاسيا للجميع، خاصة لأولئك الذين يعملون كأُجراء لدى العسكر، ولدوا في كنف البيروقراطية وتحت بساطير (أحذية) الجيش، ثم حاولوا السيطرة على الدولة.

لم يكن هذا الدرس المؤلم دون أثر، فقد سقط مئات الشهداء (عددهم 251) لأجله وآلاف الجرحى (2193)، أصيبوا وهم يحملون أوسمة فاخرة عليها لقب محارب، ليبقى أثرهم في التاريخ.

وتساءل الكاتب: هل أخذنا الدرس من كل هذا؟

وأفاد المقال بأنه منذ انقلاب يوليو/ تموز 2016 لا زالت السلطات التركية تكافح من أجل اجتثاث أتباع منظمة فتح الله غولن، التي تؤكد أنقرة أنها المدبر الأول للانقلاب، واعتقلت على إثر ذلك مئات من المشتبه بهم ما بين موظفين مدنيين وعسكريين بينهم ضباط برتب مرتفعة، وبعضهم أصدرت قرارات قضائية في حقهم بالسجن لفترات طويلة وبعضهم بعدد من المؤبدات.

تقول أنقرة في غير تصريح لمسؤولين داخل أروقة الحكم؛ إنها "مصممة على محاربة منظمة غولن الإرهابية بالقانون والأخلاق والديمقراطية"، بحسب أوداباش.