صحيفة فرنسية: حرب النفوذ بين السعودية وإيران تصل إلى السنغال

12

طباعة

مشاركة

نشرت صحيفة "كورييه دو سوار" الفرنسية، تقريرا سلطت فيه الضوء على أسباب التنافس الدائر بين المملكة العربية السعودية وإيران في القارة السمراء، ومن بينها جمهورية السنغال، مشيرة إلى أن هذه الحرب غير الظاهرة من الممكن أن تدمر غرب إفريقيا.

وقالت الصحيفة في تقريرها: إن "الحرب الدينية بين السعودية وإيران عبرت الحدود منذ فترة طويلة، لكن هذه الحرب لم يعد اللعب فيها مقصورا على منطقة الشرق الأوسط فقط، بل انتقلت إلى أماكن أخرى، وأصبحت القارة الإفريقية إحدى الخيارات المفضلة لهاتين القوتين الإقليميتين اللتين تخوضان حرب نفوذ بلا رحمة".

تنافس سلفي- شيعي

وخلال العقود الأخيرة، بحسب التقرير، أصبحت إفريقيا وبالتحديد غرب القارة، هي "المكان المتميز للأيديولوجيتين السلفية والشيعية اللتان تسعيان إلى فتن القلوب والعقول"، مشيرة إلى أن "اختيار هذا الجزء من القارة يفسره التواجد الكبير للمسلمين، والفقر الذي يكتسب الأرضية، وأيضًا عدم الاستقرار السياسي الذي غالبًا ما يؤدي إلى الانتفاضات الشعبية والعنف".

وأكدت الصحيفة، أن كل من إيران والسعودية تسعيان إلى إنشاء محمية خاصة في هذا الجزء من العالم ومستعدتان لفعل أي شيء من أجل الحفاظ على هيمنتهما بهذا المكان.

وأوضحت، أن السنغال هو أحد البلدان التي أصبحت الآن ساحة للصراع بين الرياض وطهران فسكانه حوالي 95 بالمئة منهم مسلمون، ولعب الإسلام دورا مركزيا في التماسك الاجتماعي، ويعد غزو السنغال في هذا الجزء من إفريقيا أمرا بالغ الأهمية من أجل دخول الدول المجاورة، مثل غينيا وساحل العاج ومالي وموريتانيا وجامبيا وكذلك نيجيريا.

لماذا السنغال؟

وتساءلت "كورييه دو سوار": ما هي الفائدة التي ستعود على الأراضي الإفريقية من هذه الحرب؟ كما أن الأيديولوجية السلفية والشيعية التي نجمت عنها أضرار لا حصر لها في الشرق الأوسط، أليس من المحتمل أن تدمر غرب إفريقيا حيث الإسلام المعتدل منذ قرون؟ ولماذا السنغال؟

وأكدت، أن المواجهة الأيديولوجية بين طهران والرياض، يمكن أن تؤدي إلى مواجهة عسكرية حقيقية لن تعفي أحدا، لا في لبنان ولا في سوريا ولا في اليمن ولا في العراق، منوهة إلى أن الغرض من هذا التقرير، هو تحذير الرأي العام الإفريقي من الأخطار التي تواجه القارة، وكذلك منع أي خطر نتيجة أيديولوجيات محفوفة بالمخاطر مثل السلفية أو التشيع في القارة الإفريقية التي تواجه بالفعل العديد من التحديات.

وأشارت الصحيفة إلى أنه في عام 2017، أجرت وكالة "رويترز" تقريرا حول هذا الموضوع بعد رحلة إلى السنغال، وكان عنوانه: "في السنغال.. إيران والسعودية يتقاتلان من أجل التأثير الديني"، حيث ركز التقرير على أنشطة لكلا البلدين، لا يمكن إنكارها في السنغال.

جامعة المصطفى

وذكر التقرير أنه من ضمن هذه الأنشطة "جامعة المصطفى"، وهي جامعة شيعية مقرها العاصمة السنغالية (دكار)، وترتبط ارتباطا وثيقا بإيران، إذ أن المناهج التي يتم تدريسها هي: التاريخ والثقافة الإيرانية، العلوم الإسلامية وكذلك اللغة الفارسية، ومن أجل جذب السنغاليين، تعتمد الجامعة إستراتيجية فعالة للغاية، وهو توفير المنح الدراسية للطلاب إضافة إلى توفير نظام غذائي مجاني.

وبينت، أنه في مواجهة أيديولوجية "جامعة المصطفى"، هناك الأيديولوجية السلفية التي تجسدها (جمعية الوعظ الإسلامي للشباب)، حيث يُدرس الإسلام السائد في السعودية، كما تقول "رويترز"، وعلى غرار "المصطفى" يتم تخصيص موارد مالية كبيرة لها من السعودية وقطر ودبي وحتى الكويت.

وبحسب الوكالة، فإن مكتبات جمعية "الوعظ" مليئة بنصوص الأسس السلفية المكتوبة باللغة العربية، والنصوص التي يتم استخدمها للدعوة إلى السلفية في نحو 200 مسجد في السنغال، مؤكدة أن المؤسستين اللتان تقدر مواردهما بملايين الدولارات من دول لم يكن لها صلة في السابق لا سياسية ولا اقتصادية مع إفريقيا، غير الإسلام، تجريان مسابقة نفوذ في السنغال وبشكل عام في إفريقيا.

وقال الشيخ عباس متغيدي، عميد جامعة المصطفى عند سؤاله عن خطورة السلفية "لقد جاء السلفيون إلى إفريقيا لتدمير الإسلام"، في المقابل ترى جمعية "الوعظ"، القريبة من السعودية، أن التأثير المتزايد للشيعة في إفريقيا يمثل مشكلة.

من جهته، أوضح الشيخ إبراهيما نيانج: "لا يمكننا قبول النفوذ الإيراني في السنغال، وسنبذل قصارى جهدنا لمكافحته"، مضيفا: "نحتاج أن نظهر للعالم أن التشيع خاطئ".  

الوضع يزداد خطورة

وتقول "كورييه دو سوار" وفي مواجهة هاتين الإيديولوجيتين، يعتقد البعض أن الجماعات الدينية فقط مثل المريدية، التيجانية، الخادرية يمكنهم المساعدة في وقف هذا الخطر، حيث أوضح مدير معهد "تمبكتو" بداكار ومنسق "مرصد التطرف الديني والصراع في إفريقيا"، بكاري سامب أن "هذا هو المكان الذي تكون فيه الجماعات الدينية ضعيفة، كما هو الحال في شرق إفريقيا، حيث يظل خطر التطرف أكبر".

وترى الصحيفة، أن الوضع يزداد خطورة لأن جامعة المصطفى وجمعية الوعظ تخضعان لإشراف صارم من قبل السلطات السعودية والإيرانية، فـ"المصطفى"، التي تتخذ من قم الإيرانية مقرا لها، تعمل في 50 دولة حول العالم وتخضع لإشراف المرشد الإيراني علي خامنئي.

وتشير وكالة "رويترز" إلى أن آلاف الطلاب الأفارقة يحصلون على منح دراسية للدراسة هناك، ففي داكار وحدها يلتحق 150 طالبًا بجامعة المصطفى، مما يضمن لهم ثلاث وجبات يومية ومنحا دراسية، لكن رغم ذلك لا يوجد شيء مجاني فبمجرد الانتهاء من دراستهم، يجب على الطلاب المشاركة في الترويج للجامعة كشكر على ما فعلته لهم؛ وذلك من خلال إنشاء مواقع مخصصة للجامعة أو تكريس كتاب لها.

لكن وفقا للمسئولين عن الجامعة في قم، فالهدف هو: ثقافي وتعليمي، نسعى لتعزيز التعليم الجيد، قامت السعودية والكويت وتركيا وغيرها ببناء مدارس دينية في إفريقيا، إلى جانب هذه المدارس، توجد مدارس كاثوليكية تمولها إنجلترا أو الولايات المتحدة وحتى المدارس الهندوسية، لذلك هناك تنافس في إفريقيا، وإذا لم نضمن وجودنا في هذه القارة، فسوف نبقى في الخلف". 

ميزانيات ضخمة

وذكرت الصحيفة أرقاما عدة توضح أهمية هذه الجامعة بالنسبة للسلطات الإيرانية، فقد خصصت طهران في ميزانيتها لعام 2016 مبلغ 74 مليون دولار لصالح "جامعة المصطفى"، وتشير "رويترز" إلى أن الأموال التي حصلت عليها الجامعة من مكتب المرشد، أعلى من ذلك.

أما بالنسبة لجمعية "الواعظ"، فهناك عائد لا يقل عن 20 مليون دولار، وهناك تمويل آخر مخصص لمدرسة الفلاح التي تم إنشاؤها عام 1975، وهي حركة تعمل في ضواحي دكار ويديرها أحمد لو، الذي أمضى 17 عامًا من حياته في السعودية، وتأتي هذه الأموال إلى حد كبير من رجال الأعمال الأثرياء في الخليج.

وأكدت "كورييه دو سوار"، أن حرب النفوذ مستمرة لكن يستحيل إعلان الفائز، ففي السنغال، وفقًا للإمام الشريف مبالو، الأمين العام للحركة الشيعية "أهل البيت"، يتراوح عدد الشيعة بين ثلاثون و خمسون ألف في بلد يقطنه حوالي 15 مليون نسمة، من ناحية أخرى، لا توجد أرقام حول عدد السلفيين في البلاد، ولكن لا شك أنهم يسيطرون على العديد من المساجد السنغالية.

وأردفت الصحيفة: "إذا كان في السنغال، لا يمكننا تحديد الفائز في هذه الحرب، في أجزاء أخرى من القارة الإفريقية، تعمل إيران ببطء ولكن بثبات وتتقدم على السعودية، ففي نيجيريا، يوجد 20 مليون مسلم من الشيعة" ، إذ شكلت الحركة الشيعية في نيجيريا بالفعل تهديدا خطيرا للحكومة المركزية منذ اعتقال زعيمها إبراهيم زكزكي قبل أكثر من ثلاث سنوات.

وفي ختام التقرير، دعت الصحيفة، السلطات السنغالية إلى أن تأخذ التنافس بين إيران السعودية على محمل الجد من أجل ضمان أمن السكان، وأيضا أمن الشباب، العاطل، الذي يُترك لهم بسهولة، تتلاعب به قوى أجنبية لا تهتم إلا بمصالحها الجيوسياسية والجيوإستراتيجية.