حفتر يتطلع لتوقيع اتفاق بحري مع تركيا.. ما موقف اليونان ومصر؟

الجنرال المتقاعد حفتر يتموضع من جديد عبر تحركات سياسية
في قراءتها لتحركاته الأخيرة، قالت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية: إن الجنرال الليبي الانقلابي خليفة حفتر يعيد تموضعه كليا، ويواصل التفاوض مع مختلف مراكز القوى وفقا لمصالحه السياسية فقط.
وقبل ست سنوات، حرّك حفتر قواته المتمركزة في شرق ليبيا صوب العاصمة طرابلس لمحاولة الاستيلاء عليها، إلا أن محاولته تلك باءت بالفشل.
وكان من بين الأسباب التي أدت لهزيمة قوات حفتر، الدعم العسكري والاستخباراتي الذي قدمته أنقرة لحكومة الوفاق الوطني السابقة المعترف بها دوليا.
واليوم، يبدو أن الجنرال المتقاعد حفتر يتموضع من جديد لمحاولة إعادة الكرة الفاشلة ولكن عبر تحركات سياسية، وفق الصحيفة الروسية.

قلق يوناني
فقد قرّر البرلمان الليبي المتمركز في مدينة طبرق الواقعة في الشرق الليبي تحت سيطرة حفتر، تشكيل لجنة فنية لدراسة إمكانية التوصل إلى اتفاق بحري مع تركيا، على غرار الاتفاق الذي وقعته طرابلس عام 2019، في خضم الحرب بين الطرفين.
وأسفر ذلك الاتفاق عن إضفاء طابع رسمي على الرؤية التركية لحدود النفوذ في شرق البحر المتوسط. ولذلك قوبل برفض ليس فقط من جانب حفتر، بل أيضا من دول الاتحاد الأوروبي، خاصة اليونان.
وخلال جلسة مجلس النواب في الثاني من يونيو/حزيران 2025، دعا رئيس مجلس النواب عقيلة صالح إلى تشكيل لجنة لمراجعة إمكانية التوصل إلى الاتفاق البحري، بانتظار تحديد جلسة مخصصة لهذا الغرض.
وأشارت الصحيفة إلى أن "هذا القرار أثار قلقا متزايدا في الأوساط اليونانية التي تخشى من إقدام السلطات في شرق ليبيا، على إبرام اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع تركيا".
وترى أثينا أن "تشكيل اللجنة يمثل تمهيدا للمصادقة الوشيكة على اتفاق مشابه مع شرق ليبيا، رغم أن هذا المعسكر كان ولسنوات طويلة من أشد المعارضين لمحاولات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تعزيز نفوذ بلاده في المنطقة".
وكانت حكومة طرابلس التي لا تزال حتى اليوم على خلاف مع معسكر حفتر، هي من وقّعت الاتفاق البحري الأول مع أنقرة قبل ست سنوات.
وأردفت الصحيفة الروسية: "تجاهل ذلك الاتفاق بشكل كبير حقوق اليونان وقبرص في مناطق اقتصادية حصرية في شرق المتوسط، وكرّس المطالبات الإقليمية التركية"، وفق زعمها.
لهذا السبب، أوضحت أن هذا الاتفاق "واجه حينها انتقادات حادة من أثينا ونيقوسيا والقاهرة وعواصم أوروبية أخرى، تجمعهم علاقات وثيقة مع حفتر".
وكشفت الصحيفة أن "اليونان طلبت من مصر -الشريك السياسي والعسكري القديم لحفتر- التدخل والضغط عليه ومنعه من المضي قدما في إبرام الاتفاق مع تركيا".

تقارب ملحوظ
في هذا السياق، لفتت إلى أن "الخطاب المعادي لتركيا الذي كان يُعد في السابق أحد أبرز الأدوات الدعائية لحفتر، خُفف من حدة لهجته بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة".
فعلى سبيل المثال، شارك صدام حفتر، نجل القائد العسكري والذي يرأس هيئة أركان القوات البرية، في معرض الصناعات الدفاعية التركية "صحا إكسبو SAHA EXPO" في إسطنبول خلال خريف 2024.
وفسرت الصحيفة هذه المشاركة بصفتها "خطوة نحو تنويع قنوات الدعم السياسي والعسكري؛ حيث تشير بعض التقارير إلى اهتمام صدام حفتر بشراء معدات متطورة من الصناعات الدفاعية التركية".
واستدركت: "الإشكالية الأساسية تكمن في أن إبرام اتفاق بحري جديد قد يمنح تركيا غطاء قانونيا لادعاءاتها في شرق المتوسط باسم ليبيا ككل".
وهو ما قد يضر بمساعي أردوغان للتقارب مع الاتحاد الأوروبي، الذي يضم كلا من اليونان وقبرص.
ونوّهت إلى أنه "بالرغم من إصرار أنقرة على نيل عضوية كاملة في الاتحاد الأوروبي، فإن العواصم الأوروبية لا تزال تتعامل بحذر في هذا الملف".
ففي 8 مايو/أيار 2025، صدق البرلمان الأوروبي على تقرير أكد فيه أن "عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد لا يمكن أن تستأنف في ظل الظروف الراهنة".
وأبدى أعضاء البرلمان الأوروبي قلقهم العميق من "التدهور المستمر في المعايير الديمقراطية بتركيا، والقمع المستمر للأصوات المعارضة".
كما “أدانوا بشدة القمع العنيف للمظاهرات السلمية الأخيرة، ومحاكمة المئات من المشاركين فيها بشكل جماعي ومتسارع دون تقديم أدلة على ارتكابهم جرائم جنائية”.
إضافة إلى ذلك، أوضحت الصحيفة أن "أنقرة تسعى حاليا إلى الحصول على حصة من صندوق الدفاع الأوروبي، الذي تبلغ قيمته 150 مليار يورو".
وصرّح وزير الدفاع التركي يشار غولر بأن بلاده تسعى إلى "بناء أمن المستقبل مع الاتحاد الأوروبي".
وأكّد في مقابلة حديثة مع وكالة "رويترز" البريطانية، استعداد أنقرة للتعاون مع "حلفاء غير متحيزين وذوي رؤى بعيدة المدى داخل التكتل الأوروبي".

ضبابية شديدة
وفي تعليقه على المشهد، قال الخبير في شؤون الشرق الأوسط، أنطون مرداسوف: إن "هناك ضبابية شديدة تحيط بأي اتفاقيات ليبية ومسألة المصادقة عليها، بسبب ازدواجية السلطة في ليبيا، فضلا عن الاضطرابات السياسية داخل حكومة طرابلس".
وأوضح للصحيفة الروسية: "على سبيل المثال، رُفض اتفاق رسمي يتيح للجيش التركي استخدام منشآت عسكرية في غرب ليبيا لعدم مصادقته من جانب الشرق".
كما أن محكمة في طرابلس علّقت العمل بالاتفاق البحري بعد تولي عبد الحميد الدبيبة رئاسة حكومة الوحدة الوطنية.
وأشار مرداسوف إلى أن "الساحة السياسية الليبية تشهد كثيرا من الخداع والمظاهر الشكلية، ما يصعب تقييم فرص المصادقة الفعلية من جانب شرق ليبيا على الاتفاق البحري".
ورأى الخبير أن "هذا الاتفاق يُعد مهما للغاية بالنسبة لأنقرة، التي تواصل توسيع علاقاتها مع الشرق الليبي وصدام حفتر تحديدا، حتى في غياب اتفاقات رسمية".
وتابع: "رغم أحداث الماضي، تواصل شركات البناء التركية عملها في شرق ليبيا، وهناك معلومات كثيرة عن صفقات عسكرية قيد الإعداد".
ويعتقد أنه “بالنسبة للشرق الليبي وعائلة حفتر، فإن العلاقات مع الحلفاء والخصوم السابقين تكتسب أهمية كبرى”؛ إذ إن الدعم الدولي من عواصم مختلفة يمكن أن يعزز سلطتهم ويضمن انتقالها مستقبلا إلى صدام، ويحول دون حدوث انقسامات داخل العائلة، وفق تقديره.