بلا حروب أو انقلابات.. هل تتحول موريتانيا إلى قصة نجاح قادمة في إفريقيا؟

منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تحوُّل موريتانيا إلى فاعل محوري في غرب إفريقيا، وسط بيئة إقليمية تعاني من الانقلابات والفوضى الأمنية، يُبرز تميزها من حيث الاستقرار السياسي والنجاح الأمني والطموح الاقتصادي.

وقال موقع "أتلانتيكو" الفرنسي: إنه "منذ وصول محمد ولد الشيخ الغزواني إلى الحكم عام 2019، ثم إعادة انتخابه في 2024، شهدت البلاد انتخابات هادئة وانفتاحا سياسيا مكنها من تحسين تصنيفها في مؤشرات الحوكمة وحرية الصحافة". 

وأضاف "كما لعبت دورا دبلوماسيا مهما في التهدئة داخل مجموعة الساحل (G5)، وتم ترشيح سيدي ولد طه لرئاسة البنك الإفريقي للتنمية، وهو ما يعكس طموحا دوليا متزايدا".

وأشار إلى أنه "في المجمل، موريتانيا نموذج استثنائي في الساحل، يوفّق بين الاستقرار والطموح، لكنه يواجه معارك مستمرة لتأمين مكاسبه وترسيخ تنميته".

صعود محور 

وقال الموقع الفرنسي: "في منطقة الساحل التي تعصف بها الانقلابات العسكرية والتدهور الأمني، تشق موريتانيا طريقا مختلفا".

وتابع: "فهذا البلد الواقع على تقاطع المغرب العربي وإفريقيا جنوب الصحراء يبرز كنموذج في الاستقرار السياسي والدبلوماسية المتوازنة والطموح الطاقي". 

وأردف مشيدا بموريتانيا: "رغم التحديات المستمرة -كالتغير المناخي والضغوط المرتبطة بالهجرة والهشاشة الاقتصادية- يبرهن هذا البلد أن الانهيار ليس قدرا حتميا". 

وأكد "أتلانتيكو" أن المسار الذي تنتهجه موريتانيا "لا بد أن يُقرأ من خلال الوقائع والأرقام والرهانات على المستقبل".

ولفت إلى أن "موريتانيا تعد من بين البلدان القليلة في منطقة الساحل التي شهدت انتقالا ديمقراطيا سلميا ومستداما خلال السنوات الأخيرة". 

فقد جرت انتخابات ولد الغزواني عام 2019، ثم أعيد انتخابه في 2024، “دون اضطرابات كبيرة”. 

وحسب الموقع: "أتاح هذا المناخ الهادئ عودة الحوار السياسي، وتلطيف العلاقات مع المجتمع المدني، وتحقيق تقدم ملموس في الحوكمة؛ إذ احتلت البلاد عام 2024 المرتبة 33 عالميا في تصنيف منظمة (مراسلون بلا حدود) لحرية الصحافة؛ وهو أفضل ترتيب تحققه دولة إفريقية".

وعلى الصعيد القاري، أفاد بأن "الرئيس الغزواني عزز دور موريتانيا كوسيط هادئ". 

ففي عام 2024، وأثناء توليه الرئاسة الدورية للاتحاد الإفريقي، عمل على تهدئة التوترات داخل مجموعة دول الساحل الخمس (G5)، وساند جهود الحوار بين مالي وشركائها. 

وفق ما ذكر الموقع: "لقيت هذه الولاية إشادة بفضل براغماتيتها وقدرتها على خلق التوافق".

إستراتيجية مشتركة 

وأفاد بأنه "في الوقت الذي تشهد فيه منطقة الساحل الأوسط حالة من ضعف الاستقرار، لم تُسجل أي هجمات إرهابية على الأراضي الموريتانية منذ عام 2011". 

ووصف العقيد الفرنسي شارل ميشيل، الملحق العسكري، هذا النجاح بأنه دليل على أن "الغرق الأمني في منطقة الساحل ليس أمرا حتميا".

وعزا الموقع الفرنسي هذا النجاح إلى عدة عوامل؛ مثل الإصلاح العسكري والاستقرار الداخلي، وتبني سياسة لمكافحة التطرف، ودمج "الإسلام المعتدل" في الردود الأمنية.

وأكَّد أن "هذا النهج البراغماتي بات يجذب اهتمام الفاعلين الإقليميين والدوليين، في وقت يشهد تراجع الشركاء الغربيين ميدانيا".

ومن الجانب الاقتصادي، قال "أتلانتيكو": إن "موريتانيا تدخل منعطفا اقتصاديا كبيرا مع بدء إنتاج حقل الغاز البحري (السلحفاة الكبرى- آحمييم)، الذي طُور بالشراكة مع السنغال وشركتي (بي بي) و(كوزموس إنرجي)". 

ويعد هذا الحقل، أحد أكبر الحقول في غرب إفريقيا، ويحتوي على 15 ترليون قدم مكعب من الغاز القابل للاستخراج. 

وتهدف المرحلة الأولى، التي بدأت مطلع 2025 إلى إنتاج 2.5 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا، على أن ترتفع القدرة إلى 10 ملايين طن. 

وقد تدر استغلالات هذا الحقل ما بين 80 و90 مليار دولار خلال 20 عاما، وهو رقم قال عنه الموقع: إنه "رقم ضخم يثير اهتماما عالميا، لا سيما من أوروبا".

وأوضح أن "أوروبا بشكل خاص تهتم بهذا الغاز في ظل بحثها عن موردين جدد بعد أزمة الطاقة الناجمة عن الحرب في أوكرانيا". 

وأشار “أتلانتيكو” إلى أن "موريتانيا تجمع بين القرب الجغرافي والاستقرار السياسي وكميات الإنتاج الكبيرة، مما يجعلها شريكا إستراتيجيا محتملا في أمن الطاقة الأوروبي".

التحول الأخضر

ومع ذلك، لفت الموقع إلى أن "نواكشوط لا تريد أن تقع في فخ التبعية للوقود الأحفوري". 

وتابع موضحا: "فالبلاد تسعى إلى (تخضير) اقتصادها، والاعتماد على مواردها الطبيعية -من أشعة الشمس والرياح- لتسريع الانتقال الطاقي". 

وفي عام 2018، أفاد التقرير بأن 38 بالمئة من الكهرباء جاءت من مصادر متجددة، ويُرتقب أن تصل النسبة إلى 50 بالمئة بحلول 2030.

وأضاف: "كذلك تسعى موريتانيا إلى أن تصبح منصة للهيدروجين الأخضر". 

وفي هذا الصدد، أطلقت مشروعين بارزين، "أمان" (40 غيغاواط) و"نافطا" (10 غيغاواط)، وهما مشروعان يقودهما ائتلافان أوروبيان. 

"ويمكن لهذه المجمعات أن تحول البلاد مستقبلا إلى مصدر للأمونياك والميثانول النظيف نحو أوروبا وآسيا، بالإضافة إلى توليد فرص عمل وبنية تحتية محلية"، حسب الموقع.

وأشار إلى أن ذلك "يُعد ردا على آثار التغير المناخي الذي ينال 80 بالمئة من الأراضي الموريتانية، عبر التصحر ونقص المياه وارتفاع منسوب البحر في نواكشوط".

أزمة الهجرة

من جهة أخرى، ذكر الموقع أن "البلاد وجدت نفسها أيضا في قلب مأساة أخرى: الهجرة غير النظامية"؛ حيث انتُشل، خلال عام 2024 وحده، أكثر من 500 جثة لشباب أفارقة على السواحل الموريتانية، وأكثر من 100 جثة خلال الأشهر الأولى من 2025. 

وأفاد بأن "جميع هؤلاء الضحايا كانوا يحاولون الوصول إلى جزر الكناري، عبر رحلة محفوفة بالمخاطر أصبحت من المحاور الأساسية للطريق الأطلسي نحو أوروبا. وأصبحت موريتانيا نقطة عبور رئيسة نحو أوروبا، مع تزايد تدفق الشباب من غرب إفريقيا".

وفي مواجهة هذه الضغوط، ذكر التقرير أن "البلاد تبذل جهودا للمراقبة والإنقاذ، لكنها تفتقر إلى الدعم الدولي". 

وتابع: "فالإمكانيات اللوجستية والمالية غير كافية لمراقبة أكثر من 700 كلم من السواحل، وإنقاذ المهاجرين في البحر، بينما تستضيف البلاد في الوقت ذاته حوالي 100 ألف لاجئ مالي". 

موضحا أنه "لا توجد أي مهمة إنقاذ أوروبية في هذه المياه، وتقتصر مساعدة الشركاء حتى الآن على بعض برامج التنمية المحلية الهادفة إلى تثبيت السكان". 

ولفت إلى أن "هذا الصمت شبه الكامل من المانحين الدوليين بشأن الجهد الإنساني الموريتاني يثير التساؤلات، في وقت يشيد فيه العالم باستقرار البلاد".

وكرر الموقع إشادته بموريتانيا، قائلا: "إنها تتقدم، ولم تستسلم لمنطق الانهيار، أمّنت أراضيها، واستعادت التواصل مع العمق القاري، وتستعد لمستقبلها الطاقي". 

واستدرك: "لكن التحديات لا تزال هائلة: اقتصاد غير متنوع، وبطالة مرتفعة، وتفاوتات اجتماعية مزمنة".

وأشار إلى أن “ريع الغاز ووعود الهيدروجين الأخضر لن تكفي وحدها”، متحدثا عن ضرورة "تعزيز الحوكمة، والاستثمار في التعليم، وتوسيع نطاق الاستفادة من النمو". 

واختتم الموقع قائلا: "أكثر من أي وقت مضى، يذكّر هذا البلد الساحلي بأنه من الممكن التوفيق بين الاستقرار والطموح والمرونة، شرط أن يكون الجهد جماعيا ومدعوما".