روسيا تعلن حق تركيا وأذربيجان في ممر "زنغزور".. لهذا غضبت إيران

"الطريق الذي كان مهما جدا بالنسبة لإيران منذ الماضي البعيد أصبح الآن يتفلت من بين أيديها"
أثناء زيارته إلى أذربيجان في 18 و19 أغسطس/آب 2024، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حق الأخيرة في امتلاك ممر بري يربطها بمنطقة نخجوان ذاتية الحكم التابعة لباكو لكنها منفصلة عنها جغرافيا بأراضي أرمينيا.
وهذه الخطوة أثارت غضب إيران بشدة، التي لا ترغب أن تتصل أذربيجان بنخجوان ومن ثم تركيا، وإنما تريد أن تبقى هذه الدول مضطرة للاتصال ببعض عبر الأراضي الإيرانية ما يزيد نفوذها بالمنطقة.
وفي هذا السياق، سلط موقع "فرارو" الإيراني الضوء على أزمة ممر "زنغزور" وتأثيرها على العلاقات بين روسيا وإيران.
ووصف الموقع تصريح بوتين بشأن الممر بالهدية إلى أذربيجان وتركيا، داعيا في الوقت نفسه إلى تعزيز العلاقات مع دول أوروبا بدلا من الاعتماد على روسيا كشريك رئيس.

إنهاء العزلة
في بداية التقرير، ينقل الموقع ما صرحت به المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، عن ممر "زنغرور"، قائلة إنه "طريق يمكن أن يربط الأراضي الرئيسة لأذربيجان بنخجوان عبر مقاطعة سونيك في أرمينيا".
ورغم تأكيد زاخاروفا أن روسيا اطلعت على مخاوف الجانب الإيراني بشأن ممر "زنغرور"، إلا أنها أشارت إلى أنه "سيُتواصل مع طهران للتوضيح".
وفي إطار ما ذُكر سابقا، يشير الموقع الإيراني إلى تأكيد بوتين ووزير خارجيته، في لقاء مع نظير الأخير الأرميني، نيكون باشينيان، على "ضرورة اهتمام الجانب الأرميني بطلب موسكو".
وكل هذا يحدث في ظل أن "إيران كانت قد أعربت سابقا بشكل واضح وفي مستويات عليا عن اعتراضها وقلقها بشأن هذا الممر".
وبالنظر إلى هذه الظروف، يطرح الموقع بعض التساؤلات، من بينها: “لماذا تصر روسيا كثيرا على مواقفها بشأن زنغرور؟ وما هي النتائج المترتبة على هذا الإصرار؟”
وللإجابة على هذه الأسئلة، تحدث "فرارو" مع علي بيكدلي، خبير السياسة الخارجية ومحلل العلاقات الدولية.
وفي إشارة إلى أن روسيا تخضع حاليا للعقوبات، قال بكدلي إنها "تبحث، نتيجة لذلك، عن الظروف التي يمكن أن تخلق مساحات جديدة للتخلص من العزلة".
وكانت زيارة بوتين إلى أرمينيا وأذربيجان رحلة سريعة لكسب أسواق جديدة، من وجهة نظر المحلل.
إضافة إلى ذلك، يلفت بكدلي إلى أن "بوتين يحتاج في الوقت الحالي إلى أموال من بعض دول المنطقة".
ومن جانب آخر، يشير الخبير إلى أنه "من المثير للاهتمام أن أرمينيا طلبت أخيرا المساعدة من فرنسا، (بصفتها الداعم التقليدي للدول المسيحية في العالم)، كما طلبت فرنسا من باشينيان أن ينأى بنفسه عن بوتين"، موضحا أن هذا كان أحد أسباب زيارة بوتين لأرمينيا.
منطقة حساسة
وفيما يتعلق بممر "زنغرور"، أكد الخبير أن "هذه المنطقة حساسة للغاية، إذ إن الشاحنات والقطارات والعربات تذهب إلى أرمينيا وأذربيجان، ثم إلى قره باغ وجورجيا، وأخيرا إلى أوروبا".
وفي هذا الصدد، يقول الخبير: "منذ فترة كان من المفترض أن تدخل البضائع إلى إيران من تركيا وأرمينيا، ومن ثم تذهب إلى أذربيجان وأوروبا. ونتيجة لذلك، ينبغي أن تحصل إيران على رسوم عبور مقابل عبور البضائع، ولكن مع خسارة قره باغ من أرمينيا، تغير الوضع".
ويكمل بكدلي: "في ذلك الوقت، وعلى الرغم من علاقاتها الوثيقة جدا مع أرمينيا، دافعت إيران عن أذربيجان إلى حد ما، وحتى المتحدثون الأتراك في إيران كانوا أكثر دعما لأذربيجان".
وهنا، يوضح الخبير أن هدف إيران من التحرك نحو أذربيجان كان "خفض مستوى التوترات الداخلية".
وبالنظر إلى الوضع الحالي، يوضح أنه "إذا واجه ممر زنغرور مشكلة، فإن اتصال إيران بأوروبا سيُقطع، وإذا فُتح طريق جديد، فإنه لن يكون متاحا لها بالتأكيد".
وبقول آخر، إن "الطريق الذي كان مهما جدا بالنسبة لإيران منذ الماضي البعيد، أصبح الآن يتفلت من بين أيديها"، بحسب الخبير.

هدية بوتين
وبوصفه هذا الممر بأنه "هدية من بوتين لأذربيجان وتركيا"، يذكر بكدلي أن "تركيا يمكنها إرسال بضائعها إلى أذربيجان عبر "زنغرور" والوصول إلى آسيا الوسطى عبر بحر قزوين".
وهذه خطة يتبناها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بشدة ويناور بشأنها، كما يؤكد السياسي.
والآن، وبفضل هذه الخطة، تستطيع تركيا إرسال بضائعها إلى أذربيجان، ومن ثم إلى آسيا الوسطى وباكستان.
وفي هذا الإطار، يذكرنا بكدلي أنه "قبل نحو 5 سنوات، أجرت أذربيجان وتركيا وباكستان مناورة بحرية في بحر قزوين، رافقتها انتقادات".
وبالنظر إلى ما يحدث الآن، يمكن القول -بحسب الخبير- إن "روسيا تفضل مصالحها عن إيران في المواقف الضرورية".
وفي هذا الصدد، يذهب الخبير السياسي إلى أنه "من الأفضل لإيران أن تتعلم من هذه التجربة بألا تعتمد على دولة أو دولتين كحلفاء، وأن تتجه إلى تطوير علاقاتها مع أوروبا".
وبإلقاء نظرة على الخطابات الأخيرة لجوزيب بوريل، الممثل السامي للاتحاد الأوروبي، وممثلي فرنسا وألمانيا وإنجلترا، يعكس الخبير أن "إيران تتعرض لضغوط للامتناع عن التعاون العسكري مع روسيا، وخاصة في حرب أوكرانيا".
جدير بالإشارة هنا أيضا إلى أن "الوضع في الشرق الأوسط يصبح أكثر تعقيدا بسرعة، وأن روسيا تشعر بالقلق بشأن مصالحها الخاصة بغض النظر عن مصالح إيران".
وفي النهاية، يرى بكدلي أنه "من المستبعد جدا أن تتخلى روسيا عن قرارها، لا سيما بالأخذ في الحسبان أن أردوغان قد طور تقاربا خاصا مع بوتين".
وتأكيدا على أن كلا منهما يدعم الآخر، تلفت "فرارو" إلى أن "أردوغان اشترى أسلحة من بوتين، الذي يبني موقعا نوويا لتركيا، كما يحاول الطرفان إنشاء سوق جديدة لأنفسهم وتوسيع أسواقهم إلى الصين".