بالمخالفة للاتفاقيات.. ما خيارات العراق أمام احتجاز إيران حصته من المياه؟

يوسف العلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

انخفضت نسبة الإطلاقات المائية من إيران للعراق إلى "الصفر"، مع إيقاف الأخيرة تدفق المياه للأنهار التي تصب في بلاد الرافدين، الأمر الذي أثار تساؤلات بخصوص خيارات بغداد لمواجهة قرار طهران، الذي يلحق ضررا كبيرا بالعراق، لا سيما محافظة ديالى.

وحذرت الأمم المتحدة، في 12 أبريل/ نيسان 2021، من استفحال مشكلة التصحر في العراق وزحف الكثبان الرملية، وأن السنوات المقبلة ربما تشهد زيادة في نسبة دخول الرمال إلى شوارع المدن، وأن البلد يفقد سنويا نحو 100 ألف دونم من الأراضي الصالحة للزراعة.

على صعيد الموقف الرسمي العراقي، فإن وزير الموارد المائية مهدي رشيد الحمداني، هدد بالتوجه إلى المجتمع الدولي لإعلان مشكلة الجفاف التي بات يعانيها العراق نتيجة منع إيران وصول أي إطلاقات مائية إليه.

الحمداني، خلال مقابلة تلفزيونية في 11 يوليو/ تموز 2021، قال: إن "الإطلاقات المائية من إيران بلغت صفرا، سابقة خطيرة لم تحصل من قبل".

وأشار إلى "اللجوء للمجتمع الدولي من أجل تقاسم الضرر وإطلاق حصة العراق المائية حسب المواثيق الدولية".

ولفت الوزير إلى "اتخاذ حلول لتخفيف الضرر في ديالى بسبب شح المياه"، مبينا أن "الخزين المائي جيد لتأمين الخطة الصيفية والشتوية ومياه الشرب".

وأوضح أن الأزمة ستتفاقم في محافظة ديالى إذا استمرت إيران بقطع المياه عن أنهر سيروان والكارون والكرخة".

اتفاقية الجزائر

الكاتب والباحث العراقي يحيى الكبيسي، يقول في حديث صحفي 12 يوليو/ تموز 2021: إن "حديث الوزير عن وصول الواردات المائية من إيران إلى الصفر يعني أن نهر دجلة يتعرض للحرمان من روافد رئيسة".

ويضيف الكبيسي: "إذا أخذنا قلة الواردات المائية من تركيا، مع قطع المياه من إيران، فإن العراق مقبل على جفاف حقيقي".

"خطورة الوضع هي ما فرضت على الوزير التصريح بشأن المشكلة المائية"، وفق رؤية الكاتب.

ويوضح: "أننا أمام سياقين، قانوني وسياسي، لأن العراق لديه أوراق وإمكانية للضغط على إيران في هذا المجال".

ويشير إلى وجود "بروتوكول موقع بين البلدين عام 1975 بضمان التدفق الطبيعي للمياه، في هذه الروافد المتجهة لنهر دجلة".

"تحديد لكمية المياه التي تدخل العراق من بعض الروافد بموجب الاتفاق والبروتوكول ضمن اتفاقية الجزائر التي تقاسم البلدان فيها شط العراق"، حسب الاتفاقية.

ويلفت الكبيسي، إلى أن الاتفاقية تضمنت تحديدا زمنيا في حال الخلافات أو الفشل بالوصول إلى اتفاق بين البلدين، في فترة ثلاثة أشهر.

"اللجوء إلى دولة ثالثة للتحكيم الدولي، واللجوء كذلك إلى محكمة العدل الدولية، لكن بغداد لم تستخدم هذه الأوراق حتى اللحظة"، وفق الكاتب العراقي.

ويشدد الكاتب على أن الضغوط تمنع العراق من إلزام إيران بتنفيذ بنود لم تلتزم طهران بها، ولم تطبق منها سوى المتعلق بشط العرب الذي يحقق مصالحها".

"أما ما يتعلق بمصالح العراق فتقوم طهران بقطع روافد الأنهار فيه، وإن لجوء العراق إلى التحكيم الدولي يمنحه أفضلية لتحصيل حقوقه وتجنب الجفاف بالمحصلة".

ويؤكد الكبيسي على أن القضية في الأساس قانونية، واللجوء إلى التحكيم الدولي في باريس أو للعدل الدولية، سيحرج إيران".

ويشير إلى أن "عدم التزامها ببنود اتفاق ضمان التدفق الطبيعي للأنهار تجاه العراق، يمنح الأخير الحق في تنفيذ البند المتعلق بشط العرب".

ذلك البند يعني "العودة إلى وضع ما قبل عام 1975، والسيطرة الكاملة عليه"، وإذا امتلك العراق إرادة سياسية فإنه يمكنه الإقدام على الخطوة، وفق الكبيسي.

أوراق للضغط

مراقبون للشأن السياسي العراقي، أكدوا أن العراق يمتلك العديد من أوراق الضغط بإمكانه استخدامها لمواجهة إيران في حال كانت هناك إرادة سياسية.

وأوضحوا أن طهران تعاني من وضع اقتصادي مترد بسبب العقوبات الاقتصادية، إضافة إلى العزلة السياسية في المنطقة.

ملف التبادل التجاري أحادي الجانب بين العراق وإيران، أولى تلك الأوراق، إذ تصدر الأخيرة للعراق مختلف البضائع الغذائية والصناعية بنحو 12 مليار دولار سنويا.

وتأمل إيران في زيادة التجارة البينية مع العراق لتصل إلى 20 مليار دولار.

وفي ملف الطاقة، فإن إيران تصدر للعراق طاقة كهربائية وغازا لتشغيل محطات الكهرباء العراقية، بما يعود عليها بفائدة مالية كبيرة تصل إلى نحو 4 مليارات سنويا.

كذلك ورقة السياحة الدينية، فإن العراق بإمكانه رفع تعرفة الدخول التي قيمتها حاليا 10 دولارات أو التلويح بإيقاف تنظيمها.

وبذلك فإن نحو 2.3 مليون زائر إيراني لن يتمكنوا من زيارة "المراقد الدينية" المقدسة لدى الشيعة.

كما أن إيران تدفع الحكومة العراقية للبدء بتنفيذ الربط السككي معها الممتد عبر العراق وسوريا إلى البحر المتوسط، ضمن مشروع "الطريق والحزام" الصيني.

المحلل السياسي العراقي، غانم العابد، يقول بحديث صحفي في 26 يونيو/ حزيران 2021: إن "إيران تتنفس اقتصاديا من خلال العراق".

ويضيف: "ولولا ذلك لرضخت إلى شروط أميركا منذ سنوات".

على الصعيد السياسي، فإن العراق بإمكانه الخروج بقرار سياسي من دول الخليج وجامعة الدول العربية ومجلس الأمن يضغط على إيران.

إذ إن القوانين الدولية تؤكد أنه لا يحق لدول المنبع قطع المياه عن دول المصب التي تصلها المياه بعمق ألف كيلومتر، وفق حديث للمحلل السياسي، نبراس الكاظمي.

ويقول نبراس، عبر مقابلة تلفزيونية في 14 يوليو/ تموز 2021: إن "إيران لا تتعامل مع العراق على أنه دولة حقيقة".

"فهي تضغط على الحكومة العراقية لتنفيذ ما تطلبه، وعلى الأخيرة تنفيذ ذلك حتى تطلق إيران بالمقابل الحصة المائية".

أمن قومي

دراسة إستراتيجية عراقية نشرتها شبكة "نبأ" توصلت في 10 يوليو/ تموز 2021، إلى أن "عنصر المياه سيكون فعالا في أية إستراتيجية دولية مقبلة".

كما أنه "سيلعب دورا كبيرا في إعادة توزيع خريطة القوى السياسية في المنطقة"، وفق الدراسة.

التي أكدت أن "الدول ذات المصادر المائية المتوافرة تصبح القوى الإقليمية الجديدة والمؤثرة من الناحية السياسية".

ومن الناحية الاقتصادية، أضافت الدراسة، أنه "من المتوقع أن يصبح الماء سلعة تباع وتشترى مثل النفط، ومن المتوقع أيضا ازدياد حدة الأزمة الغذائية".

وقالت: "كل هذه النتائج السلبية من آثار تفاقم أزمة المياه وانخفاض كميات تدفقها إلى الأراضي العراقية من دول المنبع المتمثلة بتركيا وإيران إذ لكل منها أهداف من هكذا سياسات".

"ولأن الأمن المائي في حوضي دجلة والفرات مثل واحدة من أبرز التحديات والقضايا التي أثرت في الأمن القومي العراقي في المستقبل القريب"، وفق شبكة "نبأ".

التي أوضحت أنه "منذ وقت ليس بقصير أصبح ذلك واضحا بسبب السياسات المجحفة التي اتبعتها دول جواره".

وألمحت إلى "إقامة المشروعات والسدود وتحويل مجاري الأنهار وقطع البعض منها أو تخفيض مناسيبه".

وشددت على أن هدفها "استعمال المياه سلاحا سياسيا وورقة ضغط عليه وضده للوصول إلى هدفها في مقايضة المياه بالنفط العربي وأهداف أخرى".

الدراسة ترى أنه من الضروري التفاوض على اتفاقات لتقاسم المياه مع الدول المتشاطئة الأخرى من أجل وضع اتفاقات وقوانين تكفل التوزيع العادل للمياه".

كذلك "لضمان الحصص المائية لتلك الدول وفق ما تقرره الأعراف والقوانين الدولية، والاتفاق مع دول الجوار حول الخطة التشغيلية".

وذلك "فضلا عن المعلومات الفنية الأخرى الخاصة بالإطلاق والتخزين في البحيرات المرتبطة مع السدود في تلك الدول".

وشددت على ضرورة تنمية الموارد المتاحة على المستويين القطري والقومي الشامل مع تدبير موارد جديدة.

والعمل على وضع سياسات مائية دقيقة وواضحة تمثل فيها الاحتياجات الحالية والمستقبلية.

والعمل وفق إستراتيجية الردع للضغط على دول المنبع للعزوف عن سياستها المائية الضارة بمصالح العراق، وفق الدراسة.

التي أشارت إلى أنه ورغم كل ما تقدم يبقى هناك قصور كبير من قبل الجهات المسؤولة عن أمن المياه في ملف المياه المشتركة.

وتقدر مجموع الروافد النهرية بين البلدين، الناتجة عن نهر دجلة، بنحو 40 بالمئة، ويشكل شط العرب النقطة الأبرز للنزاع على الحصص المائية.

وبسببه وقعت العديد من المناوشات وأبرمت اتفاقيات لتنظيم الوضع المائي.

اتفاقيات تاريخية

وكانت العوامل الخارجية، من أهم مسببات أزمة المياه في العراق، خاصة وأن العديد من الاتفاقيات لتنظيم تقاسم المياه عقدت إبان حكم الدولة العثمانية، مع المملكة القاجارية.

وهي المملكة التي كانت تحكم إيران قبل حكم الدولة البهلوية مطلع القرن الـ20.

وعقب سيطرة بريطانيا وفرنسا على المنطقة، تولتا توقيع اتفاقيات مع الدول الجديدة مثل إيران وتركيا، إحداها عام 1913، لتنظيم المياه في شط العرب.

أعقبتها اتفاقية تنظيم استخدام مياه دجلة والفرات عام 1920، وأخرى عام 1930.

وبعد حصول العراق على الاستقلال، عام 1932، أبرمت اتفاقية مع إيران حول شط العرب، عام 1937.

تنص على سيطرة العراق على كامل المجرى النهري الملاحي على شط العرب، باستثناء أماكن معينة تم تحديدها عبر فرق فنية.

ووقعت الاتفاقية في قصر سعد أباد في طهران، لكنها فسخت لاحقا من قبل الطرف الإيراني، بسبب انسحاب العراق من حلف بغداد.