تأخر تنفيذ "الضبعة النووي" في مصر.. لخلافات مع روسيا أم ضغط الديون؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

على طريقة رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي مع شعبه منذ أول يوم استولى فيه على السلطة؛ طالب مسؤول روسي القاهرة بفرض ضريبة على المصريين لاستكمال مشروع "نووي" تموله بنوك روسيا وتأخر إنجازه كثيرا.

مدير الشركة الروسية المنفذة لمشروع "مفاعل الضبعة النووي" جريجوري سوسنين، وفي ندوة للشركة بالقاهرة في 12 يوليو/ تموز 2021، طالب الحكومة المصرية بفرض "ضريبة" على المصريين، لجمع 4 مليار دولار لاستكمال تمويل إنشاء المشروع.

المفارقة أن موسكو سبق وأن وافقت على منح القاهرة قرضا بقيمة 25 مليار دولار، لبناء المفاعل المصري، في مبلغ يعادل نحو 70 بالمئة من الاحتياطي النقدي لمصر، وبفائدة كبيرة ترفع حجم سداد القرض إلى 41 مليار دولار.

وبينما تساءل اقتصاديون عن مصير القرض الروسي، رجح آخرون أن يكون الطلب الروسي بفرض ضريبة لجمع 4 مليارات دولار، "إشارة" لتعثر مصر في توفير نصيبها في بناء المشروع والإنشاءات الأولية.

وانتقد مصريون حديث مدير مشروع الضبعة بشركة روساتوم الروسية، ووصفه البعض بأنه "المندوب السامي الروسي" لمصر، مستغربين تدخله في شؤون مصر حد مطالبة الحكومة بفرض ضريبة على الشعب.

وقارن البعض بين وصفه كمندوب سام في القاهرة، ووصف السوريين "أليكسندر يفيموف" ممثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوريا بأنه أيضا "المندوب السامي الروسي في دمشق".

الانتقادات التي وجهت لـ "المندوب السامي الروسي بمصر" تزامنت مع حملة انتقادات لروسيا على مواقع التواصل في مصر.

وأيضا، حملة إعلامية، بالصحف والفضائيات تنتقد موقف موسكو من سد النهضة، وتطالب بإعادة تقييم علاقات مصر الخارجية مع من "خذلوها" ومنهم روسيا.

مصر كانت تعاقدت مع شركة الطاقة النووية الروسية المملوكة للدولة عام 2015، لبناء 4 مفاعلات نووية.

تبلغ تكلفة المشروع 30 مليار دولار، سيجري تمويل 85 بالمئة منها عبر قرض روسي بقيمة 25 مليار دولار.

وتبدأ مصر سداد الفائدة البالغة 3 بالمئة على القرض عبر دفعات نصف سنوية تستمر 22 عاما اعتبارا من أكتوبر/ تشرين الأول 2029.

تأخير لا إلغاء

رغم المصالح المشتركة بين القاهرة وموسكو وأهمها ملفات التسليح؛ إلا أن إنجاز مشروع الضبعة يسير ببطء لكن دون توقف المشروع؛ لأهميته الكبيرة للنظام في مصر.

مصدر في هيئة الطاقة الذرية المصرية -فضل عدم ذكر اسمه- قال: إن المشروع مستمر وبدأ فيه البناء فعلا وإصدار التصاريح لأنه يحقق مصالح مصر وروسيا معا.

أوضح لـ"الاستقلال"، أن التأخير لأسباب مالية، واعتبر مطالبة سوسنين، "أمرا غير لائق"، لكنه قال: إن هذا ربما لتأخر الاعتمادات.

المسؤول الروسي، أشار ضمنا لتأخير تنفيذ المحطة لأسباب مالية، وركز على المكاسب التي ستعود على مصر من إقامتها، ليذيب الجليد الناتج عن تحفظ مصر على موقف موسكو بشأن سد النهضة وتوقيعها أيضا اتفاقا عسكريا مع إثيوبيا.

زعم كذلك أن "كل دولار يتم استثماره في إقامة المحطة سيجلب دولارا ونصفا، كما سيجلب دولارا ونصفا ضرائب تعود للدولة، وأن كل دولار يدخل إقامة المحطة يجلب 4 دولارات للناتج القومي المصري".

عقب حديثه، كشفت مصادر رفيعة المستوى في وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة عن تأخر الجدول الزمني لمحطة الضبعة النووية.

وقالت لصحيفة "المال" 13 يوليو/ تموز 2021، إن التأخير سيكون لنحو عامين، وأن التشغيل الكامل سيرحل لمنتصف 2030، بدلا من فبراير/ شباط 2028، مرجعين السبب لتداعيات جائحة "كورونا".

وأرجعت المصادر تأجيل الجدول الزمني للمشروع إلى تأخر مصر في إصدار إذن بدء التنفيذ لنحو عامين والمرتقب صدوره منتصف 2022 بدلا من منتصف 2020.

يتضمن الجدول الزمني الجديد تشغيل المفاعلين الأول والثاني مطلع وأواخر عام 2028، وتشغيل المفاعل الثالث خلال 2029، والرابع منتصف 2030.

هشام حجازي، رئيس قطاع الوقود النووي بهيئة محطات الطاقة النووية المصرية، كشف خلال ندوة الشركة الروسية، أن الهيئة سلمت بالفعل يوم 29 يونيو/ حزيران 2021، وثائق الترخيص لوحدتي المحطة 1 و2.

اعتبر هذا "علامة بارزة" في تنفيذ المشروع، وأكد أن المحطة تنشأ في الاتجاه الصحيح، لإصدار تصريح البناء لأول وحدتين.

أسباب سياسية 

متابعون مصريون اعتبروا تأخر تنفيذ "الضبعة" له صلة بالفتور في العلاقات بين مصر وروسيا، مشيرين لسعي مصر للتقارب بالمقابل مع أمريكا.

وسعي مدير المخابرات المصرية عباس كامل لوضع أسس هذا التقارب خلال زيارته الأخيرة لواشنطن يونيو/ تموز 2021.

سياسيون وإعلاميون مؤيدون للنظام انتقدوا مواقف روسيا مع مصر رغم شراء القاهرة السلاح منها وإسناد بناء مفاعل الضبعة لموسكو.

وقالوا: "من ليس معنا في قضية السد فهو ضدنا"، مشيرين لشراء مصر سلاح بالمليارات من روسيا وفرنسا، وعليهما الاختيار بين مصر وإثيوبيا.

رئيس تحرير صحيفة "الشروق" عمادالدين حسين، أوضح من نقل الرسالة الرسمية المصرية من روسيا عبر مقال "الذين خذلونا في مجلس الأمن" يوم 10 يوليو/ تموز 2021.

إذ كتب حسين: "لو كان هناك درس مستفاد مما حدث في جلسة مجلس الأمن التي ناقشت قضية سد النهضة الإثيوبي، فهو ضرورة أن تعيد مصر النظر في كل علاقاتها الدبلوماسية مع جميع البلدان على أساس موقفها من هذه القضية".

السياحة الروسية

سبب آخر يستدعي الغضب المصري من الروس، هو استمرار تأخير روسيا عودة سياحها للشواطئ والمدن المصرية، منذ سقوط طائرة روسية فوق سيناء عام 2015.

وهو ما تعتبره القاهرة بمثابة "ورقة ضغط" في ظل حاجة الاقتصاد المصرية للانتعاش عبر السياحة.

روسيا أعلنت عدة مرات إعادة السياحة وفتشت المطارات المصرية، ثم تراجعت.

آخر هذه الإعلانات يوم 8 يوليو/ تموز 2021، وأكدتها الخارجية المصرية لكن لم يعلن بعد موعد تسيير هذه الرحلات.

القرار الأخير يأتي بعد مراوغات روسية على مدى السنوات الست الماضية منذ حظر السياحة الروسية لمصر.

كان آخر موعد معلن لاستئناف الرحلات الجوية الروسية في مايو/ أيار 2021 بعد أن وافق بوتين خلال اتصال هاتفي مع السيسي في أبريل/ نيسان 2021 على رفع الحظر. 

لكن سرعان ما ازدادت الأمور غموضا، عندما قال السفير الروسي بالقاهرة إن الرحلات ربما تعود بحلول يونيو/ حزيران 2021.

ثم صرح نائب رئيس الوزراء الروسي بأن قرار استئناف الرحلات يتوقف على "الوضع الوبائي".

وسبق لرئيس تحرير "الشروق" انتقاد روسيا عدة مرات بسبب ملف السياحة.

وكتب يوم 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، بعنوان "وقفة جديدة مع الصديق الروسي" يهاجم ضغط موسكو على القاهرة بسلاح عودة سياحها.

وقال: "هل نحتاج في مصر إلى وقفة مع الصديق الروسي لإعادة تقييم العلاقات، والتأكد أنها تسير بصورة طبيعية بين بلدين يفترض فعلا أنهما أصدقاء؟".

تأخير اقتصادي

خبير اقتصادي بأحد مراكز الأبحاث، فضل عدم ذكر اسمه، أشار إلى عوامل اقتصادية تسببت في تأخير تنفيذ مفاعل الضبعة.

وقال لـ"الاستقلال": مصر ليس لديها قدرة في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة الحالية، وتزايد الفوائد عليها بقرض التمويل الروسي الضخم (25 مليار دولار)".

وأضاف: ناهيك عن تشغيل المفاعل بأمان في ظل حوادث الإهمال والفساد التي تشهدها مصر.

وأشار لارتفاع الدين الخارجي لمصر بنسبة 21.12 بالمئة، ووصوله إلى 134.8 مليار دولار بنهاية مارس/ آذار 2021.

وذلك مقارنة بـ 111.29 مليار دولار قبل عام، حسبما أظهرت بيانات البنك المركزي المصري 12 يوليو/ تموز 2021.

أوضح، أن هذا الارتفاع الكبير معناه أن مصر اقترضت من الخارج في تسعة أشهر ما يقرب من ثلاثة أمثال ما كان مخططا أن تقترضه في عام كامل، تبعا للبيان المالي لموازنة عام 2020-2021.

وفي 11 ديسمبر/ كانون الأول 2017، شهد السيسي وبوتين توقيع عقد إنشاء محطة الضبعة بقرض روسي قيمته 25 مليار دولار.

وتم تمرير العقود من جانب الرئاسة المصرية رغم تحفظات قسم التشريع بمجلس الدولة، وجاء القرار الجمهوري في 19 مايو/ أيار 2016 بالموافقة على القرض، لإتمام الاتفاقية "مجهولة المعالم" و"بأسلوب تسليم المفتاح".

وحظر النائب العام السابق نبيل صادق 6 فبراير/ شباط 2016، النشر حول اتفاق الضبعة، ما وضع المزيد من علامات الاستفهام حول الاتفاقية، وخطورة بنودها على الأمن القومي المصري والسيادة المصرية.

الضبعة ومحطات سيمنز

الخبير الاقتصادي أشار إلى أن أحد أسباب تأخير تنفيذ مفاعل الضبعة بخلاف ارتفاع ديون مصر، هو زيادة بالطاقة الكهربائية تقدر بـ 25 بالمئة عن احتياجات البلاد من 3 محطات حرارية بنتها ألمانيا لمصر.

مصر تعاقدت مع شركة سيمنز الألمانية لبناء 3 محطات حرارية كهربائية بقرض 6.7 مليار دولار 3 يونيو/ حزيران 2015، وحاليا تفكر في بيعها للقطاع الخاص لخفض حجم ديونها.

أوضح أن مصر لم تكن في حاجة لبناء مفاعلات الضبعة في ظل مخاطر الأمان النووي، بعدما وفرت طاقة كهربائية تزيد عن حاجتها.

ورجح أن يكون الهدف من عرضها للبيع منذ 2019 هو تخفيض حجم ديون مصر استعدادا لسداد قرض المفاعلات النووية الروسية.

وفي 27 مايو/ أيار 2019 أكد وزير الكهرباء المصري محمد شاكر لوكالة "بلومبرج" عزم حكومته بيع الثلاثة محطات كهرباء التي قامت ببنائها شركة "سيمنز" الألمانية بمصر.

وقال الموقع الاقتصادي "بلومبرج": إن "هناك علاقة بين الصفقة المحتملة والديون المصرية التي تزداد ارتفاعا في عهد السيسي".

رغم أن الوزير المصري قال: إن مصر تلقت عروض شراء (استحواذ) منذ 2019، لم تبع مصر المحطات حتى الآن.

في 27 أغسطس/آب 2020 قال رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر جابر الدسوقي، لـموقع "الطاقة": إن صندوق مصر السيادي ما زال يدرس الملف الخاص ببيع محطات الكهرباء التي نفذتها شركة سيمنز الألمانية.

قال: "الملف الآن في أيدي صندوق مصر السيادي، وهو المسؤول عن الإفصاح عن أي تفاصيل".

المحطات الكهربائية الثلاثة في العاصمة الإدارية الجديدة والبرلس وبني سويف توفر 14.4 ألف ميغاواط، وتفيض عن حاجة مصر، أي نصف ما ستوفره مفاعلات الضبعة الأربعة.

بينما سيوفر مشروع الضبعة النووي بمفاعلاته الأربعة 28 ألف ميغاواط (تعادل 13 ضعف قدرة السد العالي)، بحسب موقع هيئة المحطات النووية المصرية.