من ليبيا إلى الجزائر.. الشعوب المغاربية تنتفض رفضا لتدخلات فرنسا

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بسترات صفراء على غرار المحتجين ضد الحكومة الفرنسية وشعارات مناهضة لفرنسا الاستعمارية، نزل الآلاف من الليبيين في طرابلس مندّدين بالتدخلات الفرنسية في بلادهم، ودعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر بالهجوم على العاصمة في 4 أبريل/نيسان الجاري، وارتكابه لجرائم عدة.

في الجزائر أيضا ، لا تخلو أي جمعة للحراك الشعبي المستمر منذ 22 فبراير/شباط، من رفع شعارات مناهضة لفرنسا وأدوارها المشبوهة في الجزائر، حين ردّدت الجماهير منذ أول يوم للمسيرات "ماكانش الخامسة يا ولاد فرانسا" (لا يوجد ولاية خامسة يا أتباع فرنسا).

هذا العداء الذي تحمله الشعوب المغاربية في ليبيا والجزائر وتونس، والتي سبق أن أطلق عدد من الناشطين حملات رافضة لاستمرار استغلال فرنسا لموارد البلاد منذ حقبة الاستعمار، واعتبار الاستقلال التي حصلت عليه بلادهم منقوصا، وكذلك وقوفها المستمرّ ضد إرادة الشعوب الساعية للتحرر وإرساء نظم ديمقراطية.

دعم سرقة الثروات

في الوقت الذي كانت فيه أجهزة نظام الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، تواجه المظاهرات الشعبية التي انطلقت في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، فقد كانت ميشيل آليو ماري وزيرة الخارجية الفرنسية في حكومة الرئيس نيكولا ساركوزي، تقضّي عطلة نهاية العام في تونس، وهي من الأصدقاء المقربين للعائلة الحاكمة في حينها، ما دفعها للاستقالة سريعا بعد الإطاحة بنظام بن علي.

الوزيرة ميشيل أليو ماري نفسها، عرضت  قبل ثلاثة أيام من فرار بن علي، تقديم مساعدة فرنسية لشرطة مكافحة الشغب لقمع المتظاهرين، حسبما كشفت صحيفة "التايمز" البريطانية، رغم ذلك ردّت الوزيرة على منتقديها بأن" تونس هي باحة فرنسا الخلفية".

هذا الخطاب الاستعلائي الذي يخرج في كلّ مرّة يجري فيها الحديث عن تونس التي كانت مستعمرة لفرنسا في 1881، إضافة إلى سياسة التدخل في شؤون هذا البلد، جعل منسوب الرفض والحساسية من أي اقتراب فرنسي لدوائر صنع القرار محلّ شكّ وريبة واتهام.

وضاعف ذلك من درجة البحث والتدقيق في إرث العلاقات بين البلدين خاصّة ما بعد توقيع بروتوكول الاستقلال في 20 مارس/ آذار 1956.

وأطلق التونسيون في 2015 حملة على مواقع التواصل الاجتماعي، سرعان ما تحوّلت إلى حركة احتجاجية واسعة، لقيت دعما شعبيا ومساندة من بعض أحزاب المعارضة والمنظمات، إذ اختارت الحملة "وينو البترول؟" (أين البترول؟) شعارا لها، للسؤال عن ثرواتهم الطبيعية التي وصفوها بـ"المنهوبة".

واتهموا الدولة التونسية بتوقيع عقود في منتصف القرن الماضي مع فرنسا وشركاتها الكبرى لاستغلال عدد من آبار النفط والغاز وأحواض صناعة الملح بأسعار ضئيلة، وسط غياب كامل لأي رقابة أو متابعة لعملها على الأراضي التونسية.

وكشفت رئيسة هيئة "الحقيقة والكرامة" سهام بن سدرين، عن وثائق تتعلق باتفاقيات أبرمت عام 1955 تتعلق باستغلال فرنسا لكل من النفط والملح والماء والفوسفات التونسي، وغيرها من الاتفاقيات التي لا تزال سارية المفعول وبشكل استعماري.

واستمرت الاحتجاجات لأشهر، وبلغت أوجها في أحداث الكامور بولاية تطاوين في أقصى الجنوب التونسي، بعدما أوقف المحتجون ضخ المحروقات من أحد حقول النفط في المنطقة، لينتهي بعدها الاعتصام بتوقيع اتفاق بين الحكومة والمعتصمين عقب سقوط شباب ضحية لعملية دهس بعربة قوات الأمن.

هذا الضغط المستمر والداعي إلى فتح ملفات الطاقة في البلاد ومراجعة العقود، جعل من الحكومة التونسية تقرر عدم تمديد اتفاقية تعود لحقبة الاستعمار، مع إحدى الشركات الفرنسية المستغلة لسباخ (برك) الملح في البلاد، والتي أمضاها الباي (ملك تونس) مع المندوب العام الفرنسي سنة 1949.

دعم لمافيا الحكم 

"ماكانش الخامسة يا ولاد فرنسا"، من أوّل الشعارات التي رفعت وسط التظاهرات الشعبية الواسعة في الجزائر، والتي خرجت رفضا لترشّح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، إذ لا يخفي الجزائريون عداءهم لفرنسا الاستعمارية، وهم يردّدون بشكل دائم في نشيدهم الوطني "يا فرنسا قد مضى وقت العتاب وطويناه كما يطوى الكتاب".

وبذلك يستذكر الجزائريون حرب التحرير ضدّ الاستعمار الفرنسي، كما أنهم يحمّلون الحكومات الفرنسية المتعاقبة بالتدخل في الشأن الجزائري بأشكال متفاوتة.

وذكرت "الاستقلال" في تقرير سابق، الأدوار التي لعبتها فرنسا منذ خروجها من الجزائر في 1962، ولم تنته حتى خلال الحراك الأخير، فقد وجه الرئيس الفرنسي، تحية لقرار بوتفليقة ترك السلطة، داعيا لفترة انتقالية "بمهلة معقولة".

وعبّر الرئيس الفرنسي ماكرون، عن أمله في عقد الندوة الوطنية (الحوار الوطني) الجزائرية التي وعد بها بوتفليقة في رسالته خلال "الأسابيع والأشهر المقبلة".

كان يمكن لتصريحات ماكرون، ألا تخرج عن دائرة المواقف الدبلوماسية لدول إقليمية تربطها مصالح مشتركة مع الجزائر، إلا أنّ حديثه عن المرحلة الانتقالية ومدّتها وشكلها أثار حفيظة الجزائريين على المستويين الرسمي والشعبي.

وقالت صحيفة "لوموند" الفرنسية في تقرير لها بعنوان "في الجزائر .. السلطات الفرنسية تدعم نظام المافيا"، إن الجزائريين يعتبرون الرؤساء ونظام الحكم في فرنسا، من إيمانويل ماكرون إلى سابقيه، شركاء مع النخب الفاسدة في بلادهم، ويقفون ضد مصالح الشعب الجزائري.

وتطرقت خلال تقريرها الذي نشرته في 19 أبريل/نيسان الجاري، إلى الأوضاع بالجزائر وحال المتظاهرين في أعقاب رحيل الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، مشيرة إلى أن بعض اللافتات حملت عبارات تنتقد فرنسا ودورها في دعم ما أسمته "نظام المافيا".

في صفّ الانقلاب

لم يعد خفيا على المتابعين للشأن الليبي الدعم الذي يحظى به اللواء المتقاعد خليفة حفتر من فرنسا، إذ قال وزير الدفاع التونسي عبد الكريم الزبيدي، الثلاثاء الماضي، إن السلطات التونسية ألقت القبض على مجموعتين من المسلحين وبحوزتهم جوازات سفر دبلوماسية بعضها فرنسية، أثناء محاولتهم دخول تونس قادمين من ليبيا.

وفي وقت سابق أكّد الإعلامي والخبير في الشأن الليبي ياسين خطاب في حديث لـ"الاستقلال" أنّ "ضباطا إماراتيين وصلوا إلى غريان برفقة ضباط فرنسين من أجل إنشاء قاعدة تحكم وسيطرة في المنطقة".

وتداولت وسائل إعلام ليبية خبر رسوّ بارجة حربية فرنسية بميناء رأس لانوف بالهلال النفطي في ليبيا، والذي يقع في مناطق سيطرة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وأنزلت زوارق وأسلحة هجومية.

ونقلت قناة "الجزيرة" عن مصادر ليبية قولها: "إن بارجة حربية فرنسية دخلت ميناء رأس لانوف في الهلال النفطي للتزود بالوقود والمياه"، مشيرة إلى أنها رست في الميناء لأكثر من ثلاث ساعات، وغادرت بعد ذلك إلى وجهة غير معلومة.

وأوضحت، أن "دخول السفينة تزامن مع انتشار قوة عسكرية تابعة لقوات حفتر، داخل الميناء وفي المناطق المحيطة به"، لكنها أكدت أن البارجة "أنزلت عددا من الزوارق السريعة وأسلحة هجومية خاصة بالضفادع البشرية".

هذا الدعم الفرنسي جعل الليبيين يرفعون من درجة احتجاجهم ورفضهم للتدخلات التي اعتبروها "استعمارا جديدا"، إذ نظم عدد من الناشطين الليبيين والعرب وقفة احتجاجية أمام القنصلية الفرنسية في إسطنبول وحملوا فيها لافتات تدين مساندة فرنسا لـ"مجرم حرب"، في إشارة لحفتر.

وخرجت تظاهرات كبرى في مدينتي طرابلس ومصراته بسترات صفراء، تزامنت مع هجوم حفتر على طرابلس، إذ لم تكن الأولى من نوعها، فقد شهدت نفس المدن مظاهرات مشابهة مندّدة بالتدخل العسكري الفرنسي في ليبيا، بعد مقتل ثلاثة جنود فرنسيين كانوا بمهمة استخباراتية في ليبيا.

وأعلن الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولند في 20 تموز/ يوليو 2016، مقتل ثلاثة جنود فرنسيين كانوا يقومون بعمليات استخباراتية في تحطّم مروحيتهم في بنغازي شرقي ليبيا، فقد كان أول اعتراف رسمي بوجود قوات لبلاده هناك، الأمر الذي أكده المتحدث الرسمي باسم الحكومة الفرنسية في اليوم ذاته، أن لبلاده قوات خاصة في ليبيا.