أزمة الصحراء بين المغرب وإسبانيا.. هل تفسد مشروع "نفق جبل طارق"؟

مدريد - الاستقلال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

بعد أن طواه النسيان لسنوات، عاد مشروع "النفق الإفريقي" الذي كان يفترض أن يربط المغرب بإسبانيا مرورا تحت مضيق "جبل طارق" البريطاني، إلى الواجهة من جديد. 

ومع بداية الأزمة الدبلوماسية التي تعيشها الرباط ومدريد، التي تأججت في مايو/أيار 2021 بسبب إقليم الصحراء الغربية، ناقشت حكومتا البلدين ملف "المشروع" مرة أخرى. 

ورغم "الخلافات العميقة" بينهما، يرتقب يوما أن يربط المشروع المملكة بشبه الجزيرة الإيبيرية، وإسبانيا بإفريقيا، إما بشراكة إسبانية مغربية بريطانية أم ثنائية بين الرباط ولندن.

تحد كبير

في 21 أبريل/نيسان 2021، عقد وزير التجهيز والنقل المغربي، عبد القادر اعمارة، اجتماعا بـ"الفيديو كونفرانس" مع نظيره الإسباني، خوسيه لويس أبالوس، تطرقا فيه إلى إعادة تنشيط مشروع الربط الثابت عبر مضيق جبل طارق.

وكان آخر لقاء عن الموضوع عقد في مدينة طنجة (شمال) سنة 2009.

الوزير اعمارة شدد على أن "المشروع لن يتيح الربط بين دولتين فحسب، بل بين قارتين أيضا، مسجلا أن المغرب سيكون بمثابة حلقة الوصل بين أوروبا وإفريقيا". 

ونشأت الفكرة، التي وصفتها مجلة "جون أفريك" الفرنسية، بـ"شبه المثالية" في أذهان المهندسين الفرنسيين ثم الإسبان في النصف الثاني من القرن الـ19، ثم تنافست الإمبراطوريات الاستعمارية، ولا سيما فرنسا وإسبانيا اللتان هيمنتا على المغرب، على خطط نقل الثروة الإفريقية إلى أوروبا.

في عام 1979، بدأ ملك إسبانيا السابق خوان كارلوس، 4 سنوات بعد تنصيبه على العرش، مناقشات مع ملك المغرب الراحل الحسن الثاني حول إمكانية الربط بين بلديهما، وكان حينها الحسن الثاني "يطمح في أن يصبح شريكا متميزا للاتحاد الأوروبي"، وفق "جون أفريك".

بعد عام من ذلك، نشأت "الجمعية الإسبانية لدراسة الاتصال عبر مضيق جبل طارق"، وتوأمها المغربي "الجمعية الوطنية لدراسة مضيق جبل طارق"، ثم بدأت بعدها 4 عقود من العمل الميداني والدراسات الاستشرافية.

ناقش البلدان خياري أن يربط بينهما جسر أو نفق، لكن في نهاية التسعينيات، أصبحت فكرة الجسر المعلق مستبعدة بسبب تكلفته الفلكية.

واجهت مشروع النفق -البالغ طوله 50 كيلومترا- إكراهات المسافة الفاصلة بين القارتين عند مستوى المضيق وهي 14 كيلومترا فقط، لكن المياه على امتدادها عميقة للغاية، ليتقرر تحويل مشروع البناء إلى الغرب لمسافة 38.7 كيلومترا، وكلها على عمق 300 متر كحد أقصى، على أن يكون النفق 75 مترا فقط تحت سطح البحر.

في عام 2003، بعد العديد من الدراسات والحفر والاختبار، اختارت الجمعية الإسبانية إنشاء نفق للسكك الحديدية، وعهد بالمشروع إلى المهندس السويسري المرموق، جيوفاني لومباردي، المشهور بتصميم نفق "قاعدة غوتارد" للسكك الحديدية تحت جبال الألب السويسرية، والذي يعتبر الأطول في العالم (57 كيلومترا).

لكن مشروع نفق السكك الحديدية بين المملكتين تعثر تدريجيا، لاعتبارات أبرزها عدم اليقين الاقتصادي والدبلوماسي والسياسي، وأدت الأزمة الاقتصادية لعام 2008 إلى تراجع كبير في الميزانيات العامة الإسبانية، مع تأثير قوي على المشروع، فتوقفت الاجتماعات المشتركة بين لجنتي البلدين، التي كانت مقررة في الأصل كل 6 أشهر.

ويفتقر المشروع إلى الحماس، إذ دعا رئيس الحكومة الاشتراكية، خوسيه لويس ثاباتيرو، عام 2007، أوروبا، إلى دعم هذا المشروع الذي سيغير العلاقة بين أوروبا وإفريقيا، لكن التكلفة تقدر ما بين 6 مليارات يورو و18 مليار يورو، شككت تقارير عدة في قدرة الاتحاد الأوروبي على التكفل بها.

في أعقاب بيان ثاباتيرو، راسلت الدبلوماسية الأميركية مدريد، وأفادت بأن العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي "تشكك في أهمية مثل هذا المشروع وقلقة بشأن تأثيره على تدفق المهاجرين غير النظاميين وتهريب المخدرات".

إمكانات ضخمة

في المغرب، اعتبرت تقارير صحفية أن المشروع "طموح بقدر ما هو خيالي"، لكن تأثير الجملة الشهيرة للحسن الثاني عام 1986، "لازال ساريا" بقوله: "المغرب شجرة تنغرس جذورها في إفريقيا وتتنفس بأوراقها في أوروبا".

على الجانب الإسباني، وفي نهاية 2020، عقد المدير الجديد لشركة الدراسات الإسبانية، خوسيه لويس جوبيرنا كاريد، اجتماعا حول دراسة مشروع النفق القاري بين إسبانيا والمغرب.

ومطلع 2021، ذهب فريق الشركة إلى "سان روك"، وهي بلدة قرب جزيرة جبل طارق، وقدر أن المشروع يمكن تنفيذه في العقدين 2030 أو 2040، كما تحدثت شركة الدراسات على طريق للسكك الحديدية، تجري دراستها حاليا.

وفي عام 2020، وقع المغرب اتفاقية شراكة مع المملكة المتحدة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، نصت على إمكانية ربط المغرب بجبل طارق، خاصة وأن شبه الجزيرة الخاضعة للسيادة البريطانية ستبقى في "منطقة شنغن"، رغم  خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

واعتبرت "جون أفريك" في  تقريرها أن مدينة طنجة الحدودية مع إسبانيا، هي "الأكثر عولمة في المملكة"، إذ تشهد طفرة جديدة في ميناء طنجة المتوسط وخط القطار الفائق السرعة (طنجة-الدار البيضاء)، وإنشاء مصنع شركة "رونو" للسيارات، وهو ما يكفي لإحياء الاهتمام بمشروع النفق.

وسيسمح خط السكك الحديدية بين إسبانيا والمغرب بعبور أكثر من 13 مليون طن من البضائع و12 مليون مسافر سنويا بحلول عام 2050، وتظل مدريد الشريك التجاري الأول للرباط، حيث يبلغ حجم التبادل العالمي 142 مليار درهم.

وجزم الصحفي الإسباني المعارض للمغرب في صحيفة "ألموندو"، إغناسيو سيمبريرو، بأن  "المشروع سيتحقق، لكن الوضع في الوقت الحالي غير مناسب".

وفي 18 مايو/أيار 2021، استدعت إسبانيا سفيرة المغرب كريمة بنيعيش لإخبارها بـ"عدم الرضى" فيما يرقى إلى تصرف متعمد من جانب الرباط لفتح الحدود بعد أن وافق الإسبان على معالجة زعيم انفصاليي جبهة "البوليساريو" إبراهيم غالي المصاب بكورونا.

وتريد الرباط أن تعترف مدريد بسيادتها على إقليم الصحراء، فيما كانت مدينتا سبتة ومليلية حاضرتين بانتظام في قلب الخلاف بين البلدين، حيث طالب المغرب بهما منذ استقلاله في 1956.

وجرى الاعتراف بالمدينتين في الدستور الإسباني لعام 1978 وفي 1995 حصلت على وضع "المدن المستقلة"، وتعود السيادة الإسبانية على سبتة إلى عام 1580 وعلى مليلية حتى عام 1496.

نفق بديل

السفير البريطاني السابق بالرباط، توماس ريلي، في مقابلة مع جريدة “الإسبانيول” في أغسطس/آب 2020، أشار إلى أن "هناك العديد من الفرص للربط بين المغرب وجبل طارق، ويجب الاستفادة منها في مختلف المجالات".

ويأتي المشروع البريطاني المغربي ليعوض المشروع الإسباني - المغربي الذي استمر التفكير فيه أكثر من 40 عاما دون نتيجة، إذ على المستوى الإسباني بدأت مرحلة تجريبية سابقة بحفر معبر تحت الأرض بطول 600 متر في مدينة قادس جنوب الأندلس، وما يزيد قليلا عن 200 متر في المغرب، وتم إغلاقه بعد ذلك بعامين بسبب الفيضانات ومشاكل الصيانة.

وبعد الاتفاق على ملف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، سيشرع البريطانيون في تولي المشروع وتطويره، وسيربط الخط بين أوروبا وإفريقيا عبر المدن الأقرب إلى صخرة جبل طارق.

وسيكون النفق قرب ميناء "طنجة المتوسطي" الذي يعتبر أبرز شريان اقتصادي في البحر الأبيض المتوسط، ولهذا يعتزم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون زيارة الرباط قريبا لبسط مشروع الربط القاري عبر جبل طارق.

ويمكن أن يكون المشروع جسرا معلقا على دعامات ثابتة، أو جسرا معلقا على دعامات عائمة، أو نفقا مغمورا ومدعوما في قاع البحر على غرار النفق الذي يربط بريطانيا بفرنسا، اعتمادا على التقنيات الحالية.

وبعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ينوي البريطانيون البدء في تولي المشروع وتطويره، وسيربط الخط أوروبا وإفريقيا عبر المدن الأقرب إلى صخرة جبل طارق.

وفي الوقت الحالي، لا يؤكد الطرفان رسميا أن لديهما خطة واقعية للمشروع، لكن نية استكمال ذلك النفق أو الجسر بين المغرب وجبل طارق ما زالت قيد المفاوضات منذ توقيع الاتفاقيات بين البلدين في أكتوبر/تشرين الأول 2019.

وعقد أول حوار إستراتيجي بين المملكة المتحدة والمغرب في يوليو/تموز 2018 بالعاصمة لندن، واستضافه وزير الخارجية آنذاك بوريس جونسون وحضره نظيره المغربي ناصر بوريطة. ويهدف إلى تعزيز التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية.