بينهم رئيس أركان الجيش.. كيف تستفيد الرباط من مغاربة إسرائيل؟

12

طباعة

مشاركة

لم يقطع المغرب الأواصر مع مواطنيه، يعتبرهم سفراء له في إسرائيل وباقي الدول التي هاجروا إليها، يدافعون عن مصالحه، ويحافظون على علاقاته المغربية-الإسرائيلية غير الرسمية. يحجون إلى المغرب بشكل سنوي في مواسم سنوية، ويتشبثون بتقاليد ولغة بلد حماهم ملكه من النازية والمحرقة.

700 ألف هو عدد المغاربة اليهود في إسرائيل، غادروا إليها مهاجرين أو مهجّرين ليعيشوا مواطنين من درجة ثانية إلى أن قاموا بثورة داخلها، فتقلدوا أعلى المناصب في الحكومة والجيش، وهم الآن يحكمون داخلها.

مع أن عددهم داخل المغرب الآن لا يتجاوز 1200، إلا أنهم يثيرون الكثير من الجدل، بين من يعتبر سفرهم وعودتهم من إسرائيل أو القدوم منها كسائحين تطبيع على المغرب مقاطعته، ومن يعتبرهم جزءا من البلد و "ممثلين دبلوماسيين عنه".

كيف جاؤوا؟

تواجد بإسبانيا 300 ألف يهودي، مثلوا في ذلك الوقت أكبر جاليات اليهود في العالم، وفي عام 1492 تزوج الملك فرناندو من آراغون والملكة إيزابيلا من قسطيليا، ليوحدان جميع الأراضي الإسبانية تحت حكمهما بشكل نهائي.

طُرد اليهود من إسبانيا بعد إجبارهم على اعتناق المسيحية أو مغادرة البلد، وتوجه أكبر عدد منهم إلى شمال إفريقيا. ومنذ 500 سنة، الذين أتوا منهم إلى المغرب، كانت حالتهم لا تشابه من وجدوا أنفسهم في الجزائر ولا تونس.

وقال رئيس الطائفة اليهودية في مدينة مراكش (جنوب المغرب)، جاكي كدوش في حديث لـ"الاستقلال"، إن "المغرب مملكة والملكية فيه مقدسة سواء للمسلمين أو اليهود".

وأوضح أن "الطائفة اليهودية مرت بأوقات صعبة لكنها استمرت، إلى أن حلت الحرب العالمية الثانية التي قتّل فيها 6 ملايين يهودي فيما يسمى بالإبادة الجماعية، حينها بدأ الخوف ينتاب يهود المغرب، خصوصا أن حكومة فيشي الألمانية كان لها نفوذ في المغرب في تلك الفترة، وكانت تطارد اليهود".

370 ألف يهودي كانوا يعيشون حينها في المغرب، وشدد كدوش في حديثه على أن الملك الأسبق محمد الخامس حينها، وقف في وجه الألمانيين قائلا: "لا فرق لديه بين اليهود والمسلمين"، وعقّب المتحدث، "الأمر احتاج شجاعة كبيرة".

وتابع رئيس الطائفة اليهودية: اليهود ظلوا ممتنين لموقف الملك، فهو من أنقذ حياتهم ورفض تسليمهم للألمان الذين كانوا يحكمون العالم حينها ويحرقون اليهود. و"بعد انتهاء الحرب وتوجه عدد منها إلى أوروبا اختار آخرون الذهاب إلى إسرائيل لبناء الدولة"، بحسب المصدر ذاته.

وعن الصعوبات التي واجهها اليهود في المغرب فور قدومهم إليه، أوضح كدوش، إن اليهود الذين كانوا يمارسون التجارة بشكل كبير، كانوا يتعرضون للسرقة عبر اقتحام مخازنهم والاستحواذ على ممتلكاتهم بسبب الظروف الاقتصادية التي كان يعيشها المغرب حينذاك واضطراب الوضع السياسي، لكن الدافع لم يكن أبدا كراهية أو عنصرية من طرف المسلمين.

موسم الحج إلى المغرب

كل سنة يأتي إلى المغرب 80 ألف إسرائيلي من مغاربة وأوروبيون أيضا، للتعرف على المغرب الذي لم يغادر أبناءه، مع أنهم غادروه منذ سنين إلا أنهم لازالو يحافظون على تقاليده وعاداته في كل المناسبات.

المغاربة في إسرائيل لازالوا يعلقون صور محمد الخامس في بيوتهم، بل هناك بلدات في إسرائيل يسكنها مغاربة لازالو يتحدثون الأمازيغية.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

Decoration de henné#mariage #mariageisrael #henne

A post shared by Yael Decorasion Sasseur (@yael_decorasion) on

زفاف مغربي في إسرائيل

هناك أكثر من 500 "ولي صالح" يأتون اليهود المغاربة لزيارتهم سنويا، في موسم "الهيلولة" السنوي -مزار ديني- ويقارب عددهم الـ50 ألفا، لكن الزيارات تتواصل طيلة السنة.

غير هذه الحالات القليلة لا توجد حالات للهجرة العكسية، بحسب كدوش، لكن في المقابل هناك إقبال كبير من  الشباب الذين ولدوا في "إسرائيل" من والدين مغاربة، وهؤلاء يأتون لاكتشاف أصولهم وبلدهم والحصول على أوراق تثبت جنسيتهم المغربية، لتفادي ما يواجهونه في كل زيارة لهم إلى المغرب، إذ تمنحهم السلطات تأشيرة أقصاها 15 يوما، غير قابلة للتمديد، وفي حال خرق المدة يضطرون إلى الدخول في دوامة من الإجراءات تصل إلى تقديمهم أمام المحكمة.

يعيش في إسرائيل 700 ألف مغربي يهودي، وفي المغرب 1200 أغلبهم في الدار البيضاء 850، طنجة 60، مكناس 50، مراكش 120، أكادير 70. وكل هؤلاء هم كبار السن ينتقلون للعيش مع أبنائهم سواء في إسرائيل أو في دول أخرى، لكنهم غالبا ما يعجزون عن التأقلم في بيئة مختلفة في سن متقدم.

هجرة أم تهجير؟

"أكبر هجرة كانت عند إنشاء الدولة العبرية، تمت من المغرب وذلك منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وإلى حدود 1973"، بحسب أستاذ التاريخ بكلية الآداب بمدينة الدارالبيضاء، عبد الوهاب الدبيش، في حديث لصحيفة "الاستقلال".

لازال البعض يردد رواية، أن المغرب عقد اتفاقية مع إسرائيل لتهجير اليهود رغما عنهم، لكن الكاتب والمفكر المغربي اليهودي، جاكوب كوهين، قال في حوار صحفي مع أحد المواقع المغربية، إن الموساد أرسل في سنة 1948 مئات العملاء له، وانتشروا بين المغاربة، وتمكن من خلق شبكة قوية جدا ونافذة، ساهموا في خلق توتر بين المسلمين واليهود.

وتحدث كوهين عما حصل عام 1961، قائلا: الموساد أغرق قاربا كان يحمل 43 يهوديا قرب مدينة طنجة (شمال المغرب)، وهو قارب مهترئ للهجرة غير النظامية -التي نشرها الموساد بين اليهود لأن المغرب كان يرفض السماح لهم بالمغادرة، لعلمه أن الذين دون جواز سفر يذهبون إلى إسرائيل- انطلق بهم في ليلة عاصفة.

المتحدث أوضح، أن القصة كانت مفبركة من الموساد وصاحبتها بلبلة إعلامية من وسائل الإعلام اليهودية، للضغط على المغرب والحسن الثاني، الذي كان مضطرا حينها للتوقيع على وثيقة تسمح بمغادرة المغاربة اليهود إلى إسرائيل، حفاظا على صورة البلد وعلاقاته الدبلوماسية مع الغرب.

بعد وصولهم إلى إسرائيل عومل المغاربة بعنصرية من الأوروبيين اليهود، وتم إسكانهم في مناطق فقيرة على خطوط المواجهة المباشرة، إلى أن تشكلت حركة "الفهود السود" في 1971، التي جمعت كل يهود المغرب العربي في إسرائيل للمطالبة بالحقوق والمساواة بينهم وبين اليهود الغربيين.

وأرجع رئيس الطائفة اليهودية في المغرب، جاكي كدوش، السبب في المعاملة السيئة إلى الفروق الاجتماعية التي كانت بينهم وبين اليهود الأوروبيين، فبينما تمكن هؤلاء من الدراسة والمساهمة في بناء إسرائيل كان أغلب اليهود من القرى.

وبالتالي، واصل، تقلد الأوروبيون المناصب الإدارية بينما ساهم المغاربة بالمهن اليدوية كالبناء والفلاحة والنجارة وغيرها، أما الآن وبعد 60 سنة، تمكنوا من تكوين أنفسهم والوصول إلى أعلى المراتب ولهم صوت قوي في البرلمان.

بدوره أشار أستاذ التاريخ، عبدالوهاب الدبيش إلى أن المغاربة اليهود أصبحوا الآن طبقة سياسية لها كلمتها ووزنها وهذا ليس وليد البارحة، بل مر الأمر بمراحل عديدة بداية من 1980، وتقلد العديد منهم مراكز القرار في إسرائيل، إذ التحق بعضهم بوزارة الدفاع وقوات الجيش ووزراء في الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.

ولو كان "حزب العمل" قد وصل إلى السلطة في الانتخابات الإسرائيلية -حسمت في التاسع من أبريل/نيسان الجاري لصالح بنيامين نتنياهو- كان أعلى منصب في الدولة، وهو رئيس الوزراء سيكون ذو جذور مغربية.

يحكمون في إسرائيل

لدى مغاربة إسرائيل ارتباط قوي بالمغرب، عكس باقي الجنسيات هناك، ويربط أستاذ التاريخ الأمر بالحنين إلى الوطن، مشيرا إلى أن اليهود يحتفظون بذكريات جميلة لبلدهم، إذ كانوا يسكنون أحياء تسمى بـ"الملاح" وهي أماكن كانوا يبيعون فيها الملح، وكان اليهود في المغرب تجارا للملح والصيرفة وتجارا نافذين وكذا باعة متجولين، ما جعل لهم موطئ قدم في كل أنحاء المغرب، بكل حرية يعيشون بين أهله متفرقين بين جميع المناطق.

وأشارت دراسة للمؤرخة المغربية اليهودية، نيكول سرفاتي، إلى أن السلاطين الوطاسيين والسعديين والعلويين الذين تعاقبوا على حكم المغرب، على امتداد القرون الخمسة الماضية، اعتمدوا في مسائلهم المالية والتجارية والاستشارية على الخبرات اليهودية، رغم أن اليهود كانوا يشكلون أقلية في بلاد الإسلام.

وبعد ولادة الدولة السعدية، ومنذ عهد المؤسس الأول للسلالة، انتهجت سياسة تتعامل مع اليهود بثبات ملحوظ، حيث عوملت الجاليات المحلية في المملكة معاملة حسنة، وشجعت الهجرة إلى المغرب، وحصل بعض اليهود على مناصب هامة في البلاط.

هذه المناصب التي عرجوا إليها من التجارة، تمكنوا من تقلّدها حتى في إسرائيل، وأبرزها في الساحة حاليا:

  • داني دانون: سياسي إسرائيلي وعضو في "حزب الليكود" في الكنيست، ولد في تل أبيب من أبوين مغربيين، ويتحدث اللغة العربية والأمازيغية بطلاقة. في 2017 نصّب سفيرا دائما لإسرائيل لدى الأمم المتحدة، وحصل على المنصب بالتزكية، باعتباره مرشحا عن مجموعة دول أوروبا الغربية.
  • آفي غباي: رئيس حزب العمل الإسرائيلي، رشّح عن الحزب لرئاسة الحكومة في أبريل/ نيسان الجاري. عيّن وزيرا للبيئة خلال عامي 2015 و2016. تلقى دعما، في مستهل حملته لرئاسة الحزب من رئيس الحكومة الإسرائيلي الأسبق عن حزب العمل إيهود باراك.
  • غادي أيزنكوت: رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، ولد لعائلة مغربية يهودية في طبريا وكبر في إيلات، شغل غادي أيزنكوت هذا المنصب بدءا من فبراير 2015 خلفا لبيني غانتز، ليكون أول رئيس أركان مغربي في تاريخ  إسرائيل.
  • شلومو عمار: من مواليد مدينة الدارالبيضاء، هاجر إلى إسرائيل في 1962، كان يترأس المحكمة الدينية في مدينة بِيتاح تِكفا. وفي آذار/ مارس 2002، انتُخب حاخاما أكبر لمدينة تل أبيب، وكان أول حاخام يؤدي مهام هذا المنصب وحده.
  • أرييه درعي: وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي الحالي، ورئيس حزب الشاس، يتقن الفرنسية واللهجة المغربية واللغة الأوكرانية. ولد في عام 1959 وسط عائلة يهودية في مدينة مكناس بالمغرب، قرر والدا درعي الهجرة إلى إسرائيل سنة 1968. انخرط درعي في السياسة الإسرائيلية في سن مبكرة أثناء دراسته في المعهد الديني، حيث التحق بالحزب المزراحي السفارديمي "شاس"، فارتقى سريعا وارتفعت شعبيته في أوساط الجمهور الديني الإسرائيلي، فتمت ترقيته على رأس القوائم الانتخابية لحزب شاس وانتخب عضوا في الكنيست. شغل منصب وزير بدون حقيبة في سن الـ 24، ومنصب وزير الداخلية في الـ 29.

"هم لا يشاركون فقط في قتل الفلسطينيين واقتلاعهم من أراضيهم، بل هم أصل في ذلك"، قال رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، أحمد ويحمان، في حديث لصحيفة "الاستقلال"، ذاكرا أن وزير الداخلية الحالي في حكومة نتنياهو هو من أصل مغربي أرييه درعي، ورئيس أركان الحرب في جيش الحرب الصهيوني هو مغربي أيزنكوت، وسامي الترجمان هو من أصل مغربي -لواء سابق في جيش الدفاع الإسرائيلي وقائد سابق للقوات البرية الإسرائيلية-، وهو الذي أحرق غزة كمسؤول على المنطقة الجنوبية في فلسطين المحتلة، وهو المسؤول الأول عن محارق غزة، وكثير غيرهم هم مسؤولون في الصف الأول سواء على المستوى السياسي أو العسكري أو الاستخباراتي، وبالتالي هم مجرمون ليس هناك أي اسم آخر يمكننا وصفهم به لمجرد كونهم مغاربة، بحسب المتحدث.

العودة إلى الوطن

أفاد جاكي كدوش، بأن عودة مغاربة إسرائيل للاستقرار في المغرب لا يحدث إلا بنسبة قليلة وتكاد تكون منعدمة، مشيرا إلى أنه -في عهده- رحب الملك السابق الحسن الثاني بهم، وأكد لهم أن الجنسية المغربية لا تسقط عنهم وأن يمكنهم العودة إلى بلدهم متى ما رغبوا بذلك.

وأردف في حديثه لـ"الاستقلال"، هناك عدد قليل -حوالي 60 حالة- من الإسرائيليين من أصول مغربية يعودون للاستقرار هنا، لكن دافع هؤلاء هو التهرب من حكم قضائي، والسبب في هذا هو انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل بعد عام 2000، ولكن هناك علاقات تجارية مستمرة بين البلدين.

ولم يخف جاكي كدوش تفاؤله بمستقبل اليهود في المغرب، قائلا: "مع الأحداث التي تعيشها أوروبا وفرنسا بشكل خاص وتزايد حوادث معاداة السامية، ليس من السهل على هؤلاء الذهاب للعيش في إسرائيل فيمكن أن تكون وجهتهم المغرب، بفضل الأمن والاستقرار الذي يعيشه البلد"، خاتما بالقول: "حينها يمكننا إحياء الطائفة اليهودية في المغرب من جديد".

ليس لويحمان اعتراض في تواجد اليهود في المغرب، لكنه رأى أن العديد من المغاربة هجّروا قصرا إلى فلسطين المحتلة، ويقول إن عودتهم إلى بلدهم المغرب هو الحل الأمثل، ومغادرتهم لفلسطين التي احتلوها واقتلعوا شعبها وشردوه في مخيمات اللجوء وارتكبوا بذلك -أو ارتكبت بهم بذلك- جريمة مضاعفة، اقتلاعهم من أرضهم وجريمة اقتلاع شعب آخر ليقيموا مكانه.

وشدد المتحدث على أن عودتهم إلى المغرب سياحا ويغادرونه وهم مواطنون محتلون في فلسطين هذا أمر مرفوض، متابعا: "في ذلك تزكية للإجرام الذي مورس في حق الفلسطينيين ولا يمكن أن نقبل مجرمين محتلين قتلة كمواطنين عاديين في بلادنا. فكما يعامل الإرهابيون من أصل مغربي في ساحات أخرى، يعامل الإرهابيون اليهود الصهاينة الذين يرتكبون جريمة الاحتلال في فلسطين".

واستدرك ويحمان، قائلا: "أما عن المواطنين العاديين الذين ليس لهم أي منصب فهم يتحملون مسؤولية أنهم يحتلون أرضا غير أرضهم، فهم يقيمون في منازل هي لفلسطينيين على أراضي انتزعت قصرا وجورا منهم، وهم ينظرون الآن إلى أراضيهم ومنازلهم ومصانعهم ومدارسهم من مخيمات اللجوء في لبنان وسوريا، حيث هم مشردون بينما أراضيهم يسكنها يهود من المغرب وباقي بقاع العالم، وهم من دون جنسية ولا وطن ينتظرون العودة إلى ديارهم. هل يستقيم قبول مثل هذا الأمر؟".

وختم بالقول: "لا يمكن لأي مغربي أن يكون جديرا بهذا الانتماء وبالجنسية المغربية وهو محتل ومجرم وقاتل ومغتصب لأراضي الآخرين، أما عودتهم لأرضهم ومغادرتهم لأرض الغير، ليكونوا مواطنين مغاربة لهم الواجبات والحقوق نفسها التي للمغاربة داخل أرض الوطن، فهذا أمر مطلوب ومرحب به".

وبحسب المعطيات التي كشف عنها المكتب الإسرائيلي للإحصائيات، سنة 2015، فإن هجرة اليهود المغاربة نحو إسرائيل ما زالت مُستمرة، إذ غادر المغرب إلى هناك سنة 2014 نحو 729 مواطنا مغربيا يهودي الديانة، والأمر لديهم مرتبط بالموت في "أرض الميعاد"، حسب معتقداتهم.

أبناء بررة

"حين يرحل يهودي من المغرب، فإن البلد يخسر مواطنا، ولكنه في المقابل يكسب سفيرا"، كانت الجملة للملك السابق الحسن الثاني، الذي قال إن عددا كبيرا من هؤلاء اليهود يفضلون السياحة في المغرب، وهم معروفون بالانفاق حين زيارتهم للمغرب، كما أنهم أسخياء حين يتعلق الأمر برعاية الموروث اليهودي في المغرب، من ترميم وصيانة للمقابر والمعابد والمؤسسات الخيرية، أي أنهم يساهمون في إنعاش المسالك السياحية بنفس قدر رعايتهم لإخوانهم في الدين ممن قرروا البقاء في الوطن الأم.

تحرص الدولة المغربية على تعيين على الأقل ممثل واحد لليهود المغاربة في كل الهيئات الاستشارية الدستورية والطارئة، لتأكيد رغبتها على الحفاظ على أواصر الانتماء حتى وإن تناقص عدد المغاربة اليهود المستقرين في أرض الوطن.

ويُظهر المغرب تنوعه وتعدده الثقافي بالحرص على تواجد الجالية اليهودية في المغرب سواء كمقيمين أو سائحين، إذ يفتح لهم الأبواب طيلة السنة وخصوصا في موسم "الهيلولة"، التي تحظى بتغطية إعلامية واسعة، وحذر أمني استثنائي من طرف السلطات المغربية.

وكذا وجود مؤسسات يهودية أماكن ثرائية خاصة بهم، وأفاد جاكي كدوش بأن الملك محمد السادس، استجاب لطلبه بإعادة تسمية مجموعة من أحياء الملاح بمراكش بأسماء أعلام يهودية بعد تغييرها من طرف أحد رؤساء البلديات.

اسم حي في "ملاح" مدينة مراكش

وبحسب محمد حاتمي، الذي نال الدكتوراه في التاريخ بأطروحة عن "الجماعات اليهودية المغربية والخيار الصعب بين نداء الصهيونية ورهان المغرب المستقل"، فإن المغاربة اليهود لا يدخرون جهدا للترويج لصورة رائعة للبلد وملوكه وأهله، إنهم كما عبر عن ذلك الملك الحسن الثاني خير سفراء.

وأضاف لـ"الاستقلال"، أنه "في آخر كلمة له أمام ممثلي يهود المغرب في العالم، أياما قبل وفاته، أوضح المرحوم الحسن الثاني نوع العلاقة التي تربط الدولة المغربية بيهود إسرائيل، وقال إنه لا ينوي إطلاقا التدخل في خياراتهم السياسية، فهم أحرار في اختيار من يمثلهم بين الطبقة السياسية في إسرائيل، وفي ذلك إدراك منه -وهو السياسي الواقعي- بإن الميل كله في صالح اليمين، ولكنه من المؤمنين بفضائل التجربة المغربية القائمة على التعايش والاعتراف بالآخر وبمصالحه وخصوصياته، تفترض منهم دعم مسلسل السلام والإقرار للفلسطينيين بالحق في إنشاء دولة والسيادة على أرضهم المضمونة دوليا".

وتعدّ مقولة الملك، التي تشبه الوصية، القاعدة في التعامل مع اليهود من ذوي الأصول المغربية المستقرين في إسرائيل، بحسب حاتمي، إذ أن الدولة المغربية تعول عليهم أن يكونوا سفراء لها في صف الحق، حتى تتمكن هي من الاستمرار في الدعوة إلى حل سلمي للصراع العربي الإسرائيلي، وتظل كما كانت دوما سندا ومدافعا للحق الفلسطيني.

وفيما يخص السؤال عن نوع وطبيعة استفادة الدولة المغربية من الإسرائيليين ذوي الأصول المغربية، قال المتحدث، "لا بد من الإشارة إلى أن النظام الملكي المغربي يراعي بشكل كبير سمعته في العالم ويعتبرها أحد ركائز الاستقرار الداخلي والإشعاع الخارجي، وهم في هذا الصدد أبناء بررة".  

بينما قال عبدالوهاب الدبيش، إن اليهود مارسوا التجارة بالجملة أيضا، مما أهلهم ليراكموا ثروات لا بأس بها فأصبحوا طبقة سياسة واقتصادية لها كلمتها عند السلطة والمنافع بينهم عديدة ومتبادلة، تشمل تجارة الممنوعات والتستر على قضايا حساسة. وأن اليهود المغاربة عبر العالم، من فضلوا الذهاب إلى أمريكا وكندا وغيرها، شكلوا جاليات وبعثات قوية، وهم يدافعون عن مصالح المغرب في البلدان التي يتواجدون بها، وأهمها ملف الصحراء.