حرب إسرائيل وإيران.. لماذا تمثل خطرا أمنيا وفرصة استراتيجية لدول الخليج؟

"السعودية لا تعارض القضاء على بعض جنرالات الحرس الثوري الإيراني"
اتخذت دول الخليج موقفا موحدا من المواجهة الجارية بين طهران وتل أبيب، تمثل بإدانة الأخيرة التي بدأت هذه الحرب باغتيال قادة عسكريين وعلماء نوويين وقصف منشآت نووية في إيران فجر 13 يونيو/حزيران 2025.
البيانات الصادرة من دول الخليج كافة عدّت الهجمات الإسرائيلية انتهاكا صريحا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، كما دعت لتجنب التصعيد الذي قد يشعل فتيل صراع أوسع، ستكون له عواقب وخيمة على السلم الإقليمي والدولي.
مع ذلك، ترى صحيفة "معاريف" العبرية أن الموقف الفعلي لدول الخليج "يبدو غامضا"؛ إذ تعتقد أن تلك البلدان "ترى في الهجوم على إيران خطرا أمنيا وفرصة إستراتيجية في آن واحد، ما دام لا يُلحق بها أي ضرر".
وتزعم أن "وراء هذه الإدانات الموحدة ظاهريا، طبقات متضاربة من المصالح والمخاوف، بل وحتى شعور ما بالرضا".
وأردفت: "في الواقع، ترى معظم دول الخليج في الإجراءات الإسرائيلية تهديدا للاستقرار الإقليمي، ولكنه أيضا فرصة".
وتابعت أن "أي ضرر يلحق بالقدرات العسكرية أو النووية الإيرانية قد يُسهم في إضعاف جهة تعد منذ سنوات تهديدا إستراتيجيا، بل وجوديا أحيانا، للأنظمة الخليجية".
"لذا، تُلبي الإدانات العلنية الحاجة الخارجية للتضامن العربي والتباعد عن إسرائيل، بينما يأتي الرد الفعلي على الأرض معتدلا وحذرا، بل وغير مبال أحيانا"، وفق ادعاء الصحيفة العبرية.

رسالة مزدوجة
وزعمت أن موقف الرياض يحاول الحفاظ على التوازن "بين المسؤولية الإقليمية والحذر من التدهور".
وأردفت: "السعودية التي سعت خلال العامين الماضيين لإعادة بناء علاقاتها مع إيران بموجب اتفاق توسطت فيه الصين عام 2023؛ تبنت موقفا واضحا".
فقد "أدانت الهجوم، ودعت إلى ضبط النفس، وأكدت أنها لن تسمح باستخدام أراضيها أو مجالها الجوي لشن هجمات ضد إيران".
وترى أنها "من خلال ذلك، بعثت برسالة مزدوجة: فهي من جهة، تشدد على التزامها برفض التصعيد الذي قد يجرها إلى الصراع؛ ومن جهة أخرى، توجه رسالة إلى إيران بأنه لا علاقة لها بالهجوم".
واستدركت: "لكن، خلف الكواليس، من المؤكد أن السعودية لا تعارض القضاء على بعض جنرالات الحرس الثوري الإيراني، الذين يتحملون مسؤولية الأنشطة التخريبية في اليمن والعراق وفي الخليج نفسه".
واستطردت: "فكل إضعاف لأجهزة القوة الإيرانية في المنطقة، يُنظر إليه كمساهمة في الاستقرار والهدوء اللذين تسعى المملكة للحفاظ عليهما".
من جهة أخرى، أشارت "معاريف" إلى أن كلا من الإمارات والبحرين، اللتين وقعتا على اتفاقيات أبراهام مع إسرائيل، سارعتا إلى إدانة الهجوم، لكن بـ "صيغ متوازنة"، مع التأكيد على "القلق من تدهور الأوضاع".
وتابعت: "ومع ذلك، لم يُسجل أي قطع للعلاقات الدبلوماسية، أو استدعاء للسفراء، أو أي خطوات حادة أخرى". وفسرت ذلك النهج بالقول إنهم "يتمسكون بحبل التوازن".
وأردفت: "فمن ناحية، يحافظون على الموقف العربي العلني؛ ومن جهة أخرى، يتجنبون قطع العلاقات مع المحور الأميركي-الإسرائيلي، الذي أصبح حيويا لاقتصادهم وأمنهم القومي".
وأضافت: "أما قطر، فبقيت وفية لدورها كوسيط؛ حيث تحتفظ بعلاقات مفتوحة مع كل من طهران وواشنطن، مما يتيح لها مساحة مناورة دبلوماسية حتى في أوقات الأزمات".
وعقبت الصحيفة العبرية على تلك المواقف بالقول: "هكذا تستجيب كل دولة خليجية بما يتماشى مع مصالحها الداخلية".

أهداف سهلة
وأفادت بأن "القلق الرئيس لدول الخليج لا يتعلق بالهجوم على إيران بحد ذاته، بل برد الفعل المحتمل من جانبها".
وأردف: "فأي صاروخ يصيب أراضي السعودية أو الإمارات، كما حدث في هجمات 2019 على منشآت أرامكو النفطية؛ قد يدفع المنطقة إلى دوامة أمنية واقتصادية غير مسبوقة".
وحذر من أن إيران "قد تسعى إلى الانتقام، ليس بالضرورة من إسرائيل فقط، بل ربما تستهدف أهدافا سهلة في دول الخليج لتؤكد أنها لا تزال قوة مهددة، دون المخاطرة بحرب شاملة".
ومع ذلك، تعتقد الصحيفة أن "العلاقات المستعادة بين طهران والرياض قد تشكل قناة حوار تمنع التصعيد"؛ إذ وردت أنباء حول مكالمة هاتفية عاجلة جرت بين وزيري خارجية السعودية فيصل بن فرحان آل سعود وإيران عباس عراقجي بعد الهجوم مباشرة، بهدف تهدئة الأوضاع وضمان حياد المملكة.
"علاوة على ذلك، يعد التحدي الاقتصادي من أبرز التحديات التي تواجهها دول الخليج حاليا؛ حيث إنه لا يقل أهمية عن التحدي الأمني"، تقول الصحيفة.
وأكملت: "أدى الهجوم الإسرائيلي على إيران إلى ارتفاع فوري في أسعار النفط بنسبة 9 بالمئة تقريبا؛ حيث قفز سعر برميل برنت من 65 إلى حوالي 75 دولارا خلال أيام قليلة".
ولفتت إلى أن "هذا الارتفاع رغم أنه قد يزيد الإيرادات على المدى القصير، لكنه أيضا يحمل مخاطر متزايدة".
وتابعت: "فإذا تُركت البنية التحتية النفطية في المنطقة عُرضة للهجمات، أو إذا حاولت إيران تعطيل التجارة عبر مضيق هرمز، فقد يؤدّي ذلك إلى قفزة في الأسعار العالمية، وتسارع التضخم، وهروب رؤوس الأموال الأجنبية".
على المدى البعيد، تتوقع الصحيفة أنّ "يعيق أي تصعيد أمني في المنطقة المبادرات طويلة الأمد لدول مثل السعودية والإمارات، اللتين تسعيان لتحويل اقتصاداتهما إلى مراكز للسياحة والتكنولوجيا المتقدمة والتمويل واللوجستيات".
واستطردت: "فالمستثمرون الأجانب والشركات متعددة الجنسيات والمؤسسات المالية قد يترددون في الاستقرار في منطقة تتردد فيها أصوات الحرب".

دبلوماسية حكيمة
ولخصت الصحيفة سياسة دول الخليج قائلة: إنه "تتبع سياسة دبلوماسية حكيمة: فهي تتجنب المواجهة العلنية، وتعارض التصعيد باسم الاستقرار الاقتصادي، وتحافظ على قنوات الحوار مع طهران، وتأمل أن تؤتي سياسة الردع ثمارها".
وترى أنه "بالنسبة لدول الخليج فإن نجاح إسرائيل في استهداف قلب المؤسسة الأمنية الإيرانية دون إثارة رد فعل قوي يُعد نتيجة إيجابية، شريطة أن تظل هذه الدول خارج المعادلة".
واستدركت: “لكن مع استمرار الأزمة، يتزايد خطر التدهور”، خاصة مع التكهنات والتلميحات الأميركية المتزايدة بشأن إمكانية دخول واشنطن على خط الحرب بشكل مباشر وليس فقط عبر الدعم العسكري لإسرائيل.
وأجلت الولايات المتحدة دبلوماسيين بسفارتها في العراق إلى جانب كل من الكويت والبحرين، في خطوة جاءت في أعقاب تهديد إيراني بضرب قواعد عسكرية أميركية في الشرق الأوسط حال تدخل واشنطن.
وأفادت صحيفة "نيويورك تايمز" نقلا عن مصادر بأن إيران أعدت صواريخ ومعدات عسكرية أخرى لضرب قواعد أميركية في المنطقة إذا انضمت الولايات المتحدة إلى حرب إسرائيل ضدها.
وتوقعت أن تبدأ إيران في زرع ألغام في مضيق هرمز، وهو تكتيك يهدف إلى تثبيت السفن الحربية الأميركية، كما سيتم استهداف القواعد الموجودة في الدول العربية التي تشارك في هجوم عليها. وفق الصحيفة الأميركية.
وأضافت أن "إيران لن تحتاج إلى تحضيرات كبيرة لمهاجمة القواعد الأميركية في المنطقة؛ حيث يمتلك الجيش الإيراني قواعد صاروخية تقع ضمن نطاق إصابة سهل في البحرين وقطر والإمارات".
وبدورها تساءلت الصحيفة العبرية: “هل ستنجح دول الخليج في تحقيق التوازن بين مصالحها الأمنية والاقتصادية والدبلوماسية؟ وهل ستتمكن من التوسط بين واشنطن وتل أبيب من جهة وطهران من جهة أخرى، أم ستُجبر على اختيار طرف؟”
وأردفت: "بين الصمت الإستراتيجي والعمل الهادئ خلف الكواليس، تتحرك دول الخليج بحذر شديد، مدركة أن أي خطأ قد يكلفها غاليا".
واختتمت حديثها قائلة: "إنه عصر الحسابات الدقيقة والردود المدروسة، فحتى النفط باهظ الثمن لا يمثل بالضرورة خبرا سارا لدول الخليج".