تشجيع السعودية دول العالم على الاعتراف بدولة فلسطين.. مبدأ أم مصلحة؟

منذ ١٤ ساعة

12

طباعة

مشاركة

رغم موقفها الضعيف من الإبادة الإسرائيلية المتواصلة في غزة، تتحرك السعودية بخطوات دبلوماسية متسارعة على الساحة الدولية لدفع العالم نحو الاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

وقد أثارت التحركات السعودية الرامية لإحياء فكرة حل الدولتين وإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، التساؤلات حول الأهداف الحقيقية من وراء هذه الخطوات.

في هذا السياق، تساءل موقع "دويتشه فيله" الألماني المناصر لإسرائيل، عما إذا كانت تحركات الرياض تنبع من دافع إنساني بحت، أم أن وراء هذه الخطوة مصالح إستراتيجية خاصة بالدولة الخليجية الغنية بالنفط؟

إنجاز دبلوماسي

وأشار الموقع إلى أن هذا التحرك السعودي بدأ قبل نحو عام. ففي سبتمبر/ أيلول 2024، أعلنت المملكة بالتعاون مع النرويج عن تأسيس "التحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين"، ونظمت أول اجتماعين لهذا التحالف في العاصمة الرياض.

ثم في ديسمبر/ كانون الأول 2024، أكدت 157 دولة على أن حل الدولتين هو السبيل الأمثل لمعالجة الصراع بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية.

وفي نهاية يوليو/ تموز 2025، قادت السعودية وفرنسا "المؤتمر الدولي لتسوية قضية فلسطين بالوسائل السلمية وتنفيذ حل الدولتين" في نيويورك.

وخلال المؤتمر وبعده، أعلنت عدة دول -من بينها فرنسا وكندا ومالطا وبريطانيا وأستراليا- أنها ستعترف رسميا بدولة فلسطين، أو على الأقل ستدرس هذا الخيار بجدية كبيرة.

وقد أسفر المؤتمر عن تبني ما يُعرف بـ "إعلان نيويورك"، الذي وقع عليه كل من الاتحاد الأوروبي، وجميع الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، إلى جانب نحو 17 دولة أخرى.

وحسب التقرير، يرسم الإعلان مسارا تدريجيا نحو حل الدولتين، ويطالب حركة حماس بتسليم أسلحتها، وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المتبقين، والتخلي عن دورها القيادي في قطاع غزة.

وأضاف الموقعون على البيان الختامي: "ندين أيضا الهجمات الإسرائيلية على المدنيين والبنية التحتية المدنية في غزة، والحصار والمجاعة التي تسببت في كارثة إنسانية مدمرة".

ويعتقد الموقع الألماني أن "توقيع جميع الدول الـ 22 الأعضاء في جامعة الدول العربية على الإعلان يعد إنجازا دبلوماسيا غير مسبوق، إذ إنها المرة الأولى التي تنتقد فيها هذا العدد من الدول العربية حركة حماس علنا".

وبحسب الموقع، "يعزو الخبراء هذا الإنجاز بشكل رئيس إلى جهود السعودية وفرنسا".

تصحيح الصورة

وأشار الموقع الألماني الداعم لإسرائيل إلى أن مؤيدي هذا التحرك السعودي يصفونه بـ "إنجاز دبلوماسي بارع يحمل فرصة حقيقية لتحقيق السلام في الشرق الأوسط".

على النقيض، يرى المنتقدون في هذا التحرك السعودي "محاولة لتحسين صورة المملكة دوليا، خاصة أنها غالبا ما تتصدر العناوين العالمية بسبب انتهاكات حقوق الإنسان".

وأشار إلى أن السعودية كثيرا ما توصف في العالم العربي بأنها "تخون" القضية الفلسطينية، وذلك بسبب مساعيها المتكررة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل خلال السنوات الماضية.

ولذا، يعتقد بعض المنتقدين -وفق التقرير- أن "التحركات السعودية الأخيرة في الأمم المتحدة، تهدف بالأساس إلى تصحيح هذه الصورة السلبية في العالمين العربي والإسلامي".

وهنا، يشير التقرير إلى رأي المحلل السعودي عزيز الغشيان في مجلة "القاهرة للشؤون العالمية"، الذي اعتبر أن "من أكثر المفاهيم المغلوطة شيوعا هو اعتبار استعداد السعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل أمرا مستجدا، بينما تعود جذور هذا التوجه إلى أواخر ستينيات القرن العشرين".

مضيفا: "وفي عام 2002 طرح ولي العهد السعودي آنذاك، الأمير عبد الله (الذي أصبح لاحقا ملكا)، مبادرة السلام العربية، وقد أقرّتها جميع الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية خلال قمة بيروت في العام نفسه".

وتنص المبادرة على أن "الدول العربية ستعترف بإسرائيل وتطبع العلاقات معها، بشرط أن تنهي إسرائيل احتلالها وتوافق على قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967".

إحياء المبادرة

مع ذلك، أوضح التقرير أن المبادرة "واجهت عقبات متعددة على مدار السنوات، من بينها الخلافات حول حق العودة للفلسطينيين الذين هُجروا أو فروا خلال نكبة عامي 1947-1948".

وتابع: "علاوة على ذلك، غيرت ثورات الربيع العربي عام 2011 أولويات السياسة الإقليمية".

"وأخيرا، خلقت اتفاقيات إبراهيم، التي طبعت بموجبها عدة دول عربية مع إسرائيل، واقعا إقليميا جديدا"، وفق قوله.

وعقب كريستيان كوتس أولريكسن، الخبير في شؤون الشرق الأوسط بمعهد بيكر للسياسات العامة بجامعة رايس، قائلا:"لسنوات طويلة، كانت مبادرة السلام العربية تمثل الموقف الرسمي للسعودية، وقد أعادت المملكة تأكيد هذا الموقف في عام 2020".

ويضيف: "في ظل الوضع الكارثي في غزة وتصاعد العنف في الضفة الغربية، يبدو أن السعودية خلصت إلى أنها لم تعد تستطيع التزام الصمت أمام هذا الدمار والمعاناة الإنسانية".

بدوره، يرى الموقع الألماني أن "إعلان نيويورك" الذي صدر في التاسع والعشرين من يوليو/ تموز 2025 يعد بمثابة إعادة إحياء لمبادرة السلام العربية التي قادتها السعودية عام 2002.

إعادة تموضع

وإضافة إلى ما سبق، يقدر الموقع الألماني وجود دوافع إضافية وراء تبني السعودية دورا قياديا في ملف الاعتراف بدولة فلسطين.

أحد هذه الدوافع -بحسب الموقع- هو "السعي لتحقيق الاستقرار الإقليمي، وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة للسعودية لإنجاح خططها الطموحة لتنويع الاقتصاد بعيدا عن الاعتماد على النفط".

كما أن "الدبلوماسية السعودية تسعى لتحقيق أهداف خارجية أخرى"، مشيرا إلى أن "دور القيادة الذي تتبناه الرياض هو جزء من إعادة تموضع محسوبة للمملكة على الساحة الدولية".

ولفت التقرير إلى أن "السعودية حولت مبادرة السلام العربية إلى أداة سياسية ذات وزن دولي، وشكلت كتلة تصويت عربية وإسلامية مؤثرة، واكتسبت نفوذا في مفاوضات الطاقة والأمن مع الغرب، وربما الأكثر أهمية من ذلك، عززت موقعها في النظام العالمي لما بعد الحرب".

في هذا السياق، يقول كريستيان كوتس أولريكسن: "نظرا لمكانة السعودية في العالمين العربي والإسلامي، ومسؤوليتها عن الأماكن المقدسة في مكة والمدينة، فإن لكل خطوة تتخذها المملكة وزنا كبيرا".

وأردف: "تشير تصريحات كل من المملكة المتحدة وكندا بشأن الاعتراف المشروط بفلسطين إلى أن المبادرة السعودية-الفرنسية أحرزت فرقا على الساحة الدولية".

غير أن الموقع يعتقد أن هذه المبادرة "ما زالت تواجه مقاومة قوية من إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة، فقد امتنعت الدولتان عن المشاركة في المؤتمر، ووجهتا انتقادات له".

إذ وصفت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المؤتمر بأنه "حدث دعائي"، بينما اعتبر مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة أن "منظمي المؤتمر أجروا مناقشات وجلسات عامة منفصلة عن الواقع".