"مسرحية مكررة".. ماذا يعني إعلان نظام الأسد إجراء الانتخابات الرئاسية؟

مصعب المجبل | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في خطوة خالفت كل التكهنات السياسية بتأجيلها وفي موعد استباقي؛ باتت الأيام معدودة على إجراء النظام السوري انتخابات رئاسية يصفها السوريون بـ"المسرحية المتكررة" كونها محسومة النتائج وتمنح بشار الأسد فترة رئاسية غير شرعية حتى عام 2028.

وحدد برلمان النظام السوري 26 مايو/أيار 2021، موعدا للانتخابات الرئاسية، على أن تقام على أساس دستور عام 2012، الذي فصل على مقاس بشار الأسد.

فوفقا للمادة 88 من الدستور المشار إليه، فإن الرئيس لا يمكن أن ينتخب لأكثر من ولايتين كل منها من سبع سنوات، لكن المادة 155 توضح أن هذه المواد لا تنطبق على الأسد إلا اعتبارا من انتخابات الرئاسة عام 2014 الماضية.

كما يرى البعض أن جميع شروط دستور 2012، لا تنطبق أساسا على المعارضين المقيمين في الخارج، الذين يرفضون أصلا فكرة الترشح إلا تحت رعاية أممية وبعد تطبيق القرارات ذات الصلة وخاصة القرار 2254 الممهد لخارطة الحل السياسي في سوريا.

إذ ينص دستور 2012 أن يكون الراغبون بالترشح لمنصب رئاسة الجمهورية قد أقاموا في سوريا بشكل متواصل خلال الأعوام العشرة الماضية.

ولقبول ترشيح أي منهم، يحتاج المرشح تأييد 35 عضوا على الأقل من أعضاء برلمان الأسد، الذي يسيطر عليه حزب البعث الحاكم.

مسرحية هزلية

وفي هذا الصدد، وصف الائتلاف الوطني السوري المعارض، في بيان له بتاريخ 19 أبريل/نيسان 2021، الانتخابات التي سيجريها النظام السوري بالمسرحية الهزلية.

وأكد الائتلاف المعارض أن هذه الانتخابات لا قيمة قانونية أو شرعية أو أو سياسية لها، مبينا أن خيار الانتخابات الوحيد المقبول في سوريا هو ألا يكون بشار الأسد طرفا فيها.

وطالب الائتلاف المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات تجبر النظام على الدخول في حل سياسي وفق قرارات مجلس الأمن، وعبر هيئة حكم انتقالي تتمتع بالصلاحيات التنفيذية الكاملة.

وتقدم بشار حافظ الأسد بتاريخ 21 إبريل/نيسان 2021، بطلب ترشيح إلى منصب رئيس الجمهورية، ليصبح الطلب هو سادس طلب ترشيح تتلقاه المحكمة الدستورية العليا في الانتخابات الرئاسية المزعومة.

وعلى الرغم من أن الأسد لن يواجه منافسة جدية على منصبه، فإن برلمانه أعلن عن تلقي "المحكمة الدستورية العليا" طلبات الترشح لمنصب رئيس الجمهورية. 

لكن هؤلاء بحاجة في نهاية مهلة التقدم بالطلبات المحددة بتاريخ 28 من أبريل/نيسان 2021، لأن يحصل أي منهم على تأييد 35 عضوا من برلمان الأسد ليصبح حسب الدستور "مرشحا لانتخابات الرئاسة".

وجرى توريث بشار الحكم عام 2000 بعد وفاة والده حافظ، ويتوقع أن يفوز الأسد بولاية مدتها 7 سنوات، في مسرحية مشابهة لفوزه في الولايتين السابقتين بنسب تصويت بلغت عام 2007 الـ 97 بالمئة، وبلغت 88 بالمئة عام 2014.

واللافت أن بشار كان مرشحا وحيدا للمنصب عام 2007، وعندما ترشح لانتخابات عام 2014؛ كانت البلاد في حالة ثورة شعبية ضد حكمه، وسمح بإجراء انتخابات تعددية وهمية هي الأولى التي شهدتها سوريا منذ عهد والده.

وكانت انتخابات 2014 الأولى التي سمح لمرشحين اثنين للمشاركة فيها، ولم يكونا من الشخصيات المعروفة شعبيا.

إذ حصل وقتها المرشح حسان النوري على 500 ألف و279 صوتا أي بنسبة 4,3 بالمئة، والمرشح ماهر الحجار حصل على 372 ألفا و301 صوتا بنسبة 3,2 بالمئة.

حديث التأجيل

وكثفت وسائل الإعلام خلال شهر مارس/آذار 2021، التقارير والتحليلات التي تتناول احتمالية تأجيل روسيا الانتخابات الرئاسية بسوريا، والتريث في إجرائها على اعتبار أنها ستشكل عرقلة لأي حل سياسي، وتأتي وسط ظروف اقتصادية داخلية صعبة يعيشها السوريون بمناطق نفوذ الأسد.

إضافة إلى وجود رفض دولي قاطع من واشنطن والاتحاد الأوروبي، تمثل بتقديم فرنسا وثيقة باسم "مجموعة ذات تفكير متشابه"، هدفها رفض إجراء أية انتخابات رئاسية في سوريا، خارج قرار مجلس الأمن "2254"، وقطع الطريق على "التطبيع" مع الأسد عقب الانتخابات.

وكان نائب المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة بالإنابة جيفري ديلورنتس، صرح في 19 مارس/آذار 2021، بأن إدارة الرئيس جو بايدن لن تعترف بنتائج الانتخابات في سوريا إذا لم يتم التصويت تحت إشراف الأمم المتحدة ويراعي وجهة نظر "المجتمع السوري بأسره".

وهذا ما دلل عليه رئيس ومؤسس مركز جسور للدراسات محمد سرميني، بقوله: "لا أجد أن الانتخابات الرئاسية ونتائجها المتوقعة ستؤثر كثيرا في مسار القضية السورية".

لا سيما وأن الانتخابات لم تستطع فيها روسيا تسويق شيء جديد من مشاركة المعارضة أو قوات سوريا الديمقراطية (قسد) أو الرقابة الإقليمية أو الدولية ولو على الشكل الذي تقبله روسيا"، وفق ما يتابع سرميني  في تصريح لـ الاستقلال.

وهذه هي الانتخابات الرئاسية الثانية التي تجرى منذ اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011.

وجرت الانتخابات الأولى في عام 2014، ووصفتها المعارضة السورية آنذاك بأنها غير ديمقراطية وغير شرعية، ورفضت كذلك نتيجتها من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أيضا.

يصف عضو هيئة التفاوض السورية المعارضة الدكتور إبراهيم الجباوي الانتخابات "بالمسرحية المزيفة"، موضحا أنها من "إعداد وإخراج روسيا، وهي غير ديموقراطية وغير نزيهة وبالتالي غير شرعية، لأن من يشرع هذه الانتخابات هو الشعب السوري والذي نصفه مهجر وخارج مناطق سيطرة النظام".

واعتبر الجباوي في تصريح لـ"الاستقلال" أن "كل من يترشح من داخل مناطق النظام السوري لخوض الانتخابات ضد بشار الأسد يكون ترشيحه صوريا كما جرى في عام 2014، ولن ينالوا أصوات وسيكون التصويت لصالحه من قبل المواطنين بالتهديد والاعتقال".

قوائم جاهزة

وأكد عضو هيئة التفاوض السورية المعارضة، أن "هذه الانتخابات ستجري كما هو مبرمج لها من قبل روسيا والنظام السوري وإيران".

وبالتالي سنرى بأن قوائم المصوتين الاسمية جاهزة لمن هم أحياء وحتى الأموات وحتى لمن هو خارج البلاد وسوف توضع بطاقات التصويت داخل الصناديق بأسماء هؤلاء ليقول النظام أنه فاز بنسبة 99 بالمئة، وفق قوله.

وذهب الجباوي إلى أن "النظام السوري لجأ إلى خيار الانتخابات بإيعاز من روسيا بعد أن تفاقمت مشكلة أوكرانيا بين روسيا والولايات المتحدة".

 وبالتالي أرادت موسكو أن توجه رسالة لواشنطن من خلال الإيعاز للنظام السوري بالإعلان عن الانتخابات قبل موعدها بشهر والتي كانت مقررة بنهاية يونيو/حزيران 2021.

واعتبر الجباوي أن "الأسد لا يمتلك برنامجا انتخابيا سوى مزيد من تقديم الامتيازات والتنازلات للمحتلين الروسي والإيراني، لأنه لا يستطيع أن يقدم رغيف الخبز والمحروقات وأيا من مقومات الحياة للشعب السوري، ولكنه يريد أن يحكم أطلال سوريا وتدمير وتهجير ما تبقى وتحقيق التغيير الديموغرافي".

وبما يخص اللجنة الدستورية أوضح عضو هيئة التفاوض السورية المعارضة أن "انعقاد أول جلسة للجنة مضى عليها سنة ونصف وما زالت تراوح مكانها ولم تنجز حرفا واحدا بسبب تعطيل وفد النظام لها والمماطلة وعدم الانخراط الجدي في أعمال اللجنة الدستورية".

وبين أن الأسد يدرك أنه لو أنجز الدستور السوري الجديد قبل موعد الانتخابات الرئاسية فإنه سوف يكون خارج هذه الانتخابات بلا شك ولذلك عملوا على تعطيل أعمال اللجنة والوصول إلى مرحلة هذه الانتخابات.

أوراق تفاوض

وحول كيفية استثمار بشار الأسد إجراء انتخابات رئاسية بدعم روسي في ظل عدم توافق دولي وإقليمي واضح حول الملف السوري، لفت معن طلاع، مدير البحوث في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية إلى أن: "النظام السوري لم يلغ أي استحقاق انتخابي على المستويات الثلاث (محلي – برلماني – رئاسي) خلال السنوات الماضية".

وهذا متعلق بأن النظام لا يمكن أن يغير بأي أجندة على روزنامة الدولة، وفق ما قال طلاع في تصريح لـ"الاستقلال".

وبين أن "أي تغيير بهذه الأجندة هو يكون بمكان ما إقرارا بشرعية الحل السياسي في جنيف وهذا ما يظنه النظام السوري فرصة مجانية ليعطيها للمجتمع الدولي".

"لذلك هو يجهد في تنفيذ هذه الاستحقاقات وجعل كل العملية السياسية وكل الفاعلين يتأثرون بحركية هذه الاستحقاقات ووضع المشهد السياسي أمام متغير جديد وأنه سيكون رئيسا لعام 2028 بموجب هذه الانتخابات وبالتالي تعزيز أوراق تفاوضه خلال المرحلة المقبلة"، وفق قوله.

ويحاول بشار الأسد وفق الباحث معن طلاع أن يحقق مجموعة أهداف من إجراء الانتخابات الرئاسية وهي:

أولا، جعل الانتخابات فرصة لإبداء شرعيته أمام المجتمع الدولي ولإعادة تلمس مدى الطاعة الجماهيرية له في هذه المناسبة.

ثانيا، إبقاء استحقاقات الدولة السورية كما هي عليه دون تغيير جراء ضغوط من العملية السياسية أو من الفاعلين في الملف السوري.

لكن الكثير من المراقبين للشأن السوري، يرون أن الانتخابات الرئاسية وفوز بشار الأسد المحسوم، ستبقي الملف السوري في حالة من المراوحة وعرقلة الحل السياسي.

ولهذا رأى معن طلاع أنه "لا يمكن اعتبار إجراء بشار الأسد لانتخابات رئاسية أنها عرقلة سياسية أمام الحل في سوريا كون العرقلة موجودة من النظام ولم ينخرط في كل استحقاقات العملية السياسية بجدية بدءا من مفاوضات جنيف وصولا إلى اجتماعات اللجنة الدستورية في جولتها الخامسة".

وألمح الباحث في مركز عمران إلى أن "نظام الأسد يسعى لأن تكون هذه الانتخابات بمثابة موت سريري لقرارات 2254، بحيث لم ينجز دستور للبلاد بل قفز فوق كل هذه الأمور بدعم روسي ولا مبالاة دولية تتمثل بعدم جهوزيتهم للحل في سوريا واكتفائهم بدعمه شكليا".