"ذا هيل": مناصرة القيم الأميركية في الخارج يجب أن تبدأ بدول شمال إفريقيا

12

طباعة

مشاركة

أكدت مجلة "ذا هيل" الأميركية، أن دفاع الإدارة الجديدة في البيت الأبيض عن قيم الديمقراطية، يجب أن يبدأ من دعم التجارب التي تتبنى هذه القيم في دول شمال إفريقيا.

وكان الرئيس الأميركي جو بايدن، قد أوضح في وقت سابق، أن القيم والمبادئ الديمقراطية ستكون أساس الدبلوماسية لدى بلاده.

كما قال إنه لمواجهة التحديات العالمية التي تهدد بلاده: "يجب أن نبدأ بالدبلوماسية المتجذرة في قيم أميركا الديمقراطية؛ الدفاع عن الحرية، ودعم الحقوق العالمية، واحترام سيادة القانون، ومعاملة كل شخص بكرامة"، وفق تقرير نشرته المجلة.

تحول مهم

ويمثل هذا التوجه تحولا مهما بعيدا عن السياسة الخارجية للسنوات الأربع الماضية، مع الاعتراف بأن مصالح الأمن القومي الأميركية تتقدم من خلال تبني القيم الديمقراطية في الداخل والخارج.

في غياب هذه القيم الديمقراطية، يزدهر الاستبداد وعدم الاستقرار. وربما لا يكون هذا أكثر وضوحا من شمال إفريقيا، حيث خرج ملايين الأشخاص الغاضبين والمحبطين واليائسين إلى الشوارع قبل 10 سنوات - أولا في تونس، ثم مصر، ثم في جميع أنحاء العالم العربي - للمطالبة بالحرية والفرص والكرامة.   

وبينما نجح الناشطون في الإطاحة بالديكتاتوريين زين العابدين بن علي وعبد العزيز بوتفليقة ومعمر القذافي وحسني مبارك، الذين أمسكوا بزمام السلطة لعقود في تونس والجزائر وليبيا ومصر على التوالي، فشلت الحكومات المتعاقبة في تلبية مطالبهم.

 ودفعت العديد من الظروف الناس إلى النزول مجددا إلى الشوارع، بما في ذلك الفساد المستشري والمستويات العالية من البطالة ووحشية الشرطة المستمرة والقمع الوحشي ضد أولئك الذين ينتقدون النظام، مما يجعل المنطقة تترنح على حافة الهاوية.

ويشير التقرير إلى أنه يجب أن يكون تحسين الحوكمة في شمال إفريقيا من أولويات صانعي السياسة في الولايات المتحدة، ذلك أن هناك علاقة واضحة بين الحكم السيء وعدم الاستقرار، وهو ما يمثل تهديدا لمصالح الأمن القومي للولايات المتحدة. 

وتعد المنطقة موطنا لمزيج خطير من التوقعات غير المحققة ومشاعر الحرمان النسبي. وبينما تفتخر شمال إفريقيا بمستويات تعليم عالية، غالبا ما يظل الحاصلون على شهادات جامعية عاطلين عن العمل لسنوات بعد التخرج. 

كما تعد أيضا موطنا لأكبر مجموعة من المقاتلين الأجانب الذين يدعمون تنظيم الدولة على مستوى العالم، تقول المجلة.

وقد وصلت دول شمال إفريقيا وفق المجلة الأمريكية إلى نقطة الانهيار، لذلك فإنه وبدون بذل جهود جادة ومستمرة لتحسين الحكم، فمن المرجح أن تتحول المنطقة إلى حالة من عدم الاستقرار. 

ولسوء الحظ، غالبا ما يُنظر إلى دعم الحكم الرشيد في الخارج على أنه مصدر قلق  بين العديد من صانعي السياسات الذين يفضلون تعزيز مكافحة الإرهاب وليس لديهم الوقت ولا الميل لاستثمار رأس المال السياسي الضروري. 

وقد تبنى العديد من صانعي السياسة، الحجة القائلة بأن أي دعم للحكم الرشيد هو منحدر زلق للتدخل العسكري المباشر والاحتلال وبناء الدول من جديد.  

وغالبا ما يستخدم هذا الخط من الحجة لتبرير إستراتيجية سياسة خارجية قائمة على عدم التدخل، وتفضيل الحكام المستبدين باسم الاستقرار وتصوير الديمقراطية كشكل فريد من أشكال الحكم الأميركي والغربي.

مهام الإدارة

في هذا السياق تؤكد مجلة ذا هيل أنه يمكن لإدارة جو بايدن إعادة اكتشاف سياستها الخارجية القائمة على القيم الأميركية مع شركاء محليين متقاربين ومتحمسين في شمال إفريقيا، التي تعد منطقة مليئة بالديناميكية السياسية. 

 وتمثل الحركات الشعبية التي تدعو إلى الحكم الرشيد، إشارات مشجعة على القيم المشتركة، ولكن يجب رعاية وتعزيز الخطوات الإيجابية إلى الأمام لمنع التراجع.

من جهتها خطت تونس خطوات مهمة نحو ترسيخ الديمقراطية، لكن حكومتها ونظامها الجديد يظهران بالفعل تصدعات مقلقة في التأسيس مع المحتجين في الشوارع، الذين يطالبون بالعمل والكرامة والحرية بصوت عال كما فعلوا في عام 2011، فيما مازالت الجزائر في خضم ثورة شعبية مستمرة. 

أما  مصر فهي تقدم اليوم واجهة من الاستقرار لإخفاء توازن غير مستقر للغاية بين الحكم المدني والعسكري والقمع الوحشي لحقوق الإنسان الذي خلق أكثر من 60 ألف سجين سياسي، تقول المجلة.

 وفي المغرب، يبقى بطء الاضطرابات السياسية تحت السطح، وتتصاعد بشكل دوري. أما ليبيا فهي دولة فاشلة تماما، وفق التقرير. 

وبالتالي، تقدم المنطقة لإدارة أميركية جديدة - تعمل مع حلفاء في أوروبا والمنطقة - فرصا لا تعد ولا تحصى لاستخدام مجموعة أدواتها الدبلوماسية والمنهجية للدفع من أجل تحسين الحوكمة وزيادة الاستقرار وبناء شراكات أقوى على أساس القيم والمصالح المشتركة.

وفي الداخل، تشير المجلة إلى أنه يجب على إدارة بايدن إعطاء الأولوية لإصلاح ديمقراطية أميركا، حيث أدى تآكل المعايير الديمقراطية والتحدي الذي تواجهه المؤسسات الديمقراطية إلى فقدان الكثير من الناس حول العالم الثقة في الدعم الأميركي. وشجع ذلك المستبدين الذين أصبحوا يشعرون الآن بالقدرة على تجاهل أي دعوات محلية للتغيير، إذا ظهرت.  

ومن خلال الدفاع عن الإصلاح الديمقراطي في الداخل، وكذلك في الخارج، يمكن لإدارة بايدن إرسال رسالة مهمة لدعم الناشطين الديمقراطيين في المجتمعات المغلقة، كما اعترف بذلك بايدن عندما قال "عندما نستضيف قمة الديمقراطية في وقت مبكر من إدارتي لحشد دول العالم للدفاع عنها عالميا وصد تقدم الاستبداد، سنكون شريكا أكثر مصداقية".

وفي تقدير المجلة، قد تميل إدارة بايدن إلى التحول نحو الداخل والتركيز فقط على التهديدات المحلية للديمقراطية. لكن مثل هذه الخطوة تشكل مخاطرها الخاصة، ذلك أن المستبدين قد يعتقدون أن لديهم حرية التصرف والإفلات من العقاب. كما قد يشعر الناشطون الديمقراطيون بأنه تم التخلي عنهم، وقد يلجؤون إلى العنف لتحقيق أهداف سياسية. 

وإذا تجاهلت إدارة بايدن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، أو فشلت في دعم المتظاهرين الجزائريين، أو وقفت مكتوفة الأيدي بينما الليبيون عالقون في مرمى نيران الحرب الأهلية، فإن مصداقيتها "كمدينة مشرقة فوق التل" سوف تنطفئ. 

ولم يؤد نهج السياسة الخارجية البسيط لإدارة باراك أوباما ولا فك الارتباط الذي انتهجته إدارة دونالد ترامب إلى مزيد من الاستقرار الدولي، أو جعل مؤسسات الدول تعمل بشكل أفضل في العالم النامي، أو جعل التهديدات الإرهابية  للمصالح الأميركية أقل أو حتى بناء تحالفات أقوى قادرة على مقاومة المبادرات الصينية والروسية.

لذلك، ترى المجلة أنه "من الأفضل أن تفكر إدارة بايدن في نهج السياسة الخارجية الذي يبني على دروس السنوات الـ 12 الماضية مع الاعتراف بالتحديات الأخيرة للديمقراطية الأميركية في الداخل".

 ولعقود من الزمان، كانت السياسة الخارجية الأميركية مبنية على فكرة أنه يمكنها إلهام الآخرين لتبني الأعراف والمبادئ الديمقراطية من خلال المثال الأميركي. 

 وفيما لا يزال الأمر ممكنا فإن ما تغير  هو أن أميركا لديها الآن فرصة لإظهار أن الديمقراطية ليست نهاية المطاف بل التزام يجب تجديده وتعزيزه. 

ويختم التقرير بالتأكيد على أنه "في شمال إفريقيا، يمكن أميركا إظهار هذا التواضع الجديد والبحث عن شراكات والعمل المشترك لدحر المد المتقدم للاستبداد".