الجرائم الإسرائيلية أمام "الجنائية الدولية".. ما السيناريوهات المحتملة؟
.jpg)
رغم البطء الشديد، وبعد انتظار دام 4 سنوات، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية (مقرها مدينة لاهاي بهولندا) قرارا يقضي بولايتها القضائية على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967.
القرار الصادر في 5 فبراير/شباط 2021، قد يمهد الطريق لمحاسبة الاحتلال الإسرائيلي على ارتكابه جرائم حرب في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
جرائم حرب
القرار الأخير سبقه عدة محاولات وإجراءات كان آخرها إعلان ممثلة الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، في 20 ديسمبر/كانون الأول 2019، أن "جرائم حرب ارتكبت أو ترتكب" في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل و"القدس الشرقية" وقطاع غزة.
وقالت بنسودا إنها طلبت من المحكمة حكما بخصوص الأراضي المشمولة ضمن صلاحياتها، ليأتي الحكم بالفعل عبر قرار يحقق في جرائم حرب محتملة ناتجة عن الأعمال العسكرية الإسرائيلية، الأمر الذي أثار غضبا واسعا في تل أبيب.
وقتها، علق مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي في إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في بيان قائلا: "نعارض بشدة هذا التحقيق وأية أعمال أخرى تهدف إلى اضطهاد إسرائيل ظلما".
وفي يونيو/ حزيران 2020، فرض ترامب عقوبات على مسؤولين بالمحكمة الجنائية، لسعيهم التحقيق في جرائم حرب أميركية محتملة في أفغانستان، وكذلك التحقيق مع حلفاء واشنطن، بما في ذلك إسرائيل.
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2014، أودعت دولة فلسطين أيضا إعلانا منحت بموجبه المحكمة الجنائية الدولية اختصاصا قضائيا رجعيا حتى 14 يونيو/حزيران 2014، لتعطي المدعية العامة صلاحية النظر في العدوان الذي شنته إسرائيل على غزة في نفس العام.
واستشهد في العدوان 1742 فلسطينيا 81 بالمئة منهم من المدنيين، بينهم 530 طفلا و302 امرأة، و64 لم يتم التعرف على جثثهم لما أصابها من حرق وتشويه، وجرح 8710 من مواطني القطاع، وفي 2008 و2012، شنت إسرائيل عدوانين آخرين.
وفي عام 2015 سلّمت السلطة الفلسطينية مكتب المدعية العامة بالمحكمة الجنائية ملفا بخصوص جرائم الحرب شمل شكاوى أساسية في 3 ملفات هي: الاستيطان واعتداءات المستوطنين، الأسرى، والعدوان على غزة عام 2014.
غضب إسرائيلي-أميركي
كالعادة ومثلما هو متوقع، جاء رد الفعل الأميركي سريعا وداعما لإسرائيل ورافضا لخطوة الجنائية الدولية.
بعد صدور قرار الجنائية بيوم واحد، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس: "لقد تبنينا دائما موقفا مفاده أن اختصاص المحكمة يجب أن يشمل حصرا البلدان التي تقبله أو القضايا التي يحيلها مجلس الأمن الدولي (إلى المحكمة)".
وأضاف برايس في بيان: "لا نعتقد أن الفلسطينيين مؤهلون كدولة ذات سيادة، وبالتالي ليسوا مؤهلين للحصول على العضوية كدولة أو المشاركة كدولة في المنظمات أو الكيانات أو المؤتمرات الدولية، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية".
بدوره، ندد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالقرار الجديد واعتبر أنه "يضعف قدرة الدول الديمقراطية على الدفاع عن نفسها في مواجهة الإرهاب"، وفق تعبيره.
وأضاف نتنياهو في سلسلة تغريدات على تويتر أن المحكمة الجنائية الدولية أثبتت "مرة أخرى أنها مؤسسة سياسية وليست هيئة قضائية"، وأنها تتجاهل "جرائم الحرب الحقيقية"، حسب زعمه.
Prime Minister Benjamin Netanyahu:
— PM of Israel (@IsraeliPM) February 6, 2021
"When the ICC investigates Israel for fake war crimes – this is pure antisemitism. The court established to prevent atrocities like the Nazi Holocaust against the Jewish people is now targeting the one state of the Jewish people. " pic.twitter.com/EKfk8cqJwr
ورغم ترحيب السلطة الفلسطينية بالقرار، فإنها تتخوف من عرقلة عمل الجنائية الدولية، بسبب وقوف واشنطن وراء تل أبيب، علما بأن الأخيرة تتخذ ذات الموقف من المحكمة، وهي غير منضمة لنظام روما، "لأن هذا الأمر قد يفتح باب محاسبتها على جرائمها في العراق".
وفي 31 ديسمبر/كانون الأول 2000، بادر الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون إلى التوقيع على نظام روما، غير أن خلفه جورج بوش الابن ألغى ذلك التوقيع في مايو/أيار 2001، ودشن حملة عالمية ضد المحكمة، انتهت بالفشل.
واعتُمد نظام روما الأساسي عام 1998 ودخل حيّز التنفيذ عام 2002، وتأسست بذلك أول محكمة جنائية دولية دائمة، بعد جهود استمرت عقودا طويلة.
ورفضت كل من إسرائيل والولايات المتحدة الانضمام إلى الجنائية، والتي أصبحت المحكمة العالمية الوحيدة التي تحاكم أسوأ جرائم العالم وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
وعن الموقف الأميركي الداعم لتل أبيب، يقول المستشار القانوني للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان محمد عماد: "لا يمكن إنكار أن دور واشنطن كان له تأثير كبير من ناحية سياسية على أداء المحكمة، حيث تمثل في تهديدات مباشرة وغير مباشرة من أجل وقف التحقيق في جرائم الاحتلال".
لكن أثبتت المحكمة إلى حد كبير التزامها بالمعايير الأساسية والقانونية في تعاملها مع القضية الفلسطينية، وفق ما يقول محمد عماد لـ"الاستقلال".
ويرى أن الموقف الأميركي "يجب أن يواجه بدور من السلطة الفلسطينية يتمثل في حشد الرأي العالمي من قبل الدول الصديقة للشعب الفلسطيني لصالح القرار الأخير ولمواجهة تهديدات واشنطن للمحكمة الدولية وإتاحة الفرصة أمام العدالة لتأخذ مجراها".
رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية اعتبر القرار بمثابة "انتصار للعدالة وللإنسانية ولقيم الحق والعدل والحرية، وإنصاف لدماء الضحايا وذويهم"، مبينا أنه انتصار للمحكمة نفسها التي أفشلت محاولة إسرائيل إضفاء الطابع السياسي على مداولاتها.
اشتية طالب المحكمة "بتسريع إجراءاتها القضائية في الملفات المرفوعة أمامها، والتي تتضمن الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل خلال 3 حروب شنتها على قطاع غزة، إضافة إلى ملفي الأسرى والاستيطان".
وإلى جانب موقف السلطة الفلسطينية، يعتقد محمد عماد أن البعد الشعبي مهم جدا في مواجهة دعم واشنطن لتل أبيب، من خلال إبراز أن "الولايات المتحدة التي تدعي الديمقراطية وحفظ حقوق الإنسان هي نفسها التي تحمي إسرائيل التي ارتكبت أبشع الجرائم في التاريخ المعاصر".
سيناريوهات التحقيق
أمام المحكمة عدة سيناريوهات بشأن فرص فتح التحقيق، من بينها وجود صلاحية قضائية للمحكمة، وهذه تم إعطاؤها عبر أغلبية قاضيين مقابل قاضي واحد، وفق ما تقول صحيفة "غلوبس" العبرية.
وأضافت الصحيفة في 8 فبراير/شباط 2021 أن الخيار الثاني هو ألا تفتح المحكمة تحقيقا "ضد دولة سليمة من الناحية القانونية وذات نظام قضائي مستقل"، وفق قولها.
وادعت أن إسرائيل "حققت بنفسها في تجاوزات خلال الحرب على قطاع غزة عام 2014، وجرى فتح تحقيقات جنائية بهذا الخصوص"، بحسب ما نشرت وكالة صفا الفلسطينية.
وعن ذلك، يقول موقع أوريان 21 الفرنسي في مقال للمحاضرة بالقانون الدولي شارون فايل: "في الحالات التي بدأ فيها التحقيق، فإنه يمكن إيقافه إذا أبلغت الدولة المعنية المحكمة بأنها ستفتح تحقيقا من جانبها".
وأضافت في المقال المنشور في ديسمبر/كانون الأول 2019: "يمكن لإسرائيل فتح تحقيق كما فعلت عام 2002، وأحبطت بذلك تحقيقا موازيا فتح في إسبانيا على أساس الولاية القضائية العالمية".
وأعلنت تل أبيب رسميا في ذلك الوقت أنها فتحت 13 تحقيقا جنائيا فيما يتعلق بقتل 27 من أفراد أسرة واحدة، بينهم 19 قاصرا وسيدتان، وحالات من النهب واستهداف مدرسة تابعة لـ"أونروا" قتل فيها 15 مدنيا، لكن جرى إغلاق عشرات الملفات بسرعة دون أن يكون لها أثر قانوني.
أما بخصوص البناء في المستوطنات فمن الواضح، حسب صحيفة غلوبس أنه "لا توجد تحقيقات إسرائيلية كوننا نتحدث عن سياسة حكومية". أما الخيار الثالث الذي تحدثت عنه صحيفة غلوبس فهو "عدم وجود مصلحة للعدالة تبرر البدء بالتحقيق".
لكن يستبعد المستشار القانوني للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان محمد عماد هذا الخيار بالنظر إلى "وجود شهادات موثقة وملفات جاهزة من قبل منظمات حقوق الإنسان بشأن الاعتداءات الإسرائيلية"، مشيرا إلى "وجود بقايا من الصواريخ والشظايا المتفجرة المحرمة دوليا التي استخدمتها إسرائيل في عملياتها العسكرية".
ومن ضمن السيناريوهات وفق ما تحدث عماد لـ"الاستقلال" أن ترسل المحكمة الجنائية الدولية لجنة إلى الأراضي الفلسطينية لمعاينة الأماكن التي حدثت فيها الجرائم مع الاستماع إلى شهادات المتضررين، مبينا أن القرار بالعموم يؤشر لمرحلة جديدة من التحول القانوني في التعامل مع فلسطين.
قائمة المطلوبين
والسيناريو الأخطر بالنسبة لـ"إسرائيل"، وفق صحيفة غلوبس "هو اتخاذ المحكمة قرارا بفتح التحقيق مع مسؤولين إسرائيليين وإصدار أوامر اعتقال بعدها وتقديم لوائح اتهام".
ولفتت الصحيفة إلى "وجود توصية حاليا لكبار المسؤولين بعدم السفر إلى الخارج رغم أن المحكمة أصدرت عددا قليلا جدا من أوامر الاعتقال منذ إنشائها".
خطوات الجنائية الدولية من شأنها أن تهدد باعتقال مسؤولين سياسيين وعسكريين إسرائيليين حاليين وسابقين في أكثر من 100 دولة، إذا ما خلصت التحقيقات إلى "ارتكاب جرائم حرب"، حسب تقرير نشره موقع "يديعوت أحرونوت" في 21 ديسمبر/كانون الأول 2019.
قائمة المسؤولين الإسرائيليين الذين ستشملهم التحقيقات، أو يمكن أن تشملهم، تبدأ بنتنياهو، ولا سيما بفعل تصريحاته وإعلاناته المتكررة منذ عام 2014 بشأن الاستيطان وتكثيفه، الأمر المخالف للقانون الدولي الذي يدخل في خانة جرائم الحرب، وفق ذات التقرير.
وقد تشمل القائمة أيضا مسؤولين عسكريين ووزراء إسكان سابقين وحاليين لدورهم في العدوان المستمر والتصاعد الاستيطاني على حد سواء، وإذا لم يمثل هؤلاء للتحقيق، فستُصدَر مذكرات اعتقال بحقهم، وفق "يديعوت أحرونوت".
وكشفت صحيفة "هآرتس" في 6 فبراير/شباط 2021 أن إسرائيل تعكف حاليا على بلورة قائمة سرية، تضم 200 إلى 300 مسؤول، سيطلب منهم عدم السفر للخارج، خشية أن يتم توقيفهم في أعقاب قرار المحكمة.
المصادر
- واشنطن ترفض قرار الجنائية الدولية بشأن ولايتها على الأراضي الفلسطينية
- قائمة سرية بمسؤولين إسرائيليين ممنوعين من السفر خوفاً من الاعتقال بأمر من الجنائية الدولية
- ما هي سيناريوهات محكمة الجنايات الدولية التي تخشاها "إسرائيل"؟
- إسرائيل أمام الجنائية الدولية.. خطوات التحقيق واحتمالات الإدانة
- أوريان 21: ما الذي تغيره عضوية فلسطين في المحكمة الجنائية الدولية؟