تطبيع المغرب في عهد "المصباح".. كيف تستفيد منه جماعة العدل والإحسان؟

12

طباعة

مشاركة

في الوقت الذي لم يصدر فيه حزب العدالة والتنمية "المصباح" الإسلامي في المغرب بيانه بشأن اتفاق التطبيع مع إسرائيل إلا بعد مرور يومين على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب وبيان القصر الملكي، كان موقف جماعة "العدل والإحسان"، المعارضة في البلاد حاضرا وبقوة.

في مساء 11 ديسمبر/كانون الأول 2020، أصدرت الجماعة "، المحظورة في المغرب، بيانا يدين بشدة قرار السلطات الخاص بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، واعتبرته خطوة "غير محسوبة"، ما جعل قياديين بحزب "المصباح" يصفون توقيع رئيس الحكومة والأمين العام للحزب سعد الدين العثماني لاتفاق التطبيع بـ"المكسب" للعدل والإحسان.

"العدل والإحسان"

"المستفيد رقم واحد من كل هذا الذي وقع هو جماعة العدل والإحسان"، الكلام جاء على لسان أحد قياديي الحزب في اتصال مع الصحفي مصطفى الفن، وكرره عدد من المراقبين، الذين ذهبوا إلى المقارنة بين موقف الحزب والجماعة التي لا تربطهما سوى المرجعية الإسلامية.

ورغم أن "العدل والإحسان" لا تدخل السباق الانتخابي، فقد جرى الحديث عن تزكية "خط سياسي بمرجعية دينية" يدعو إلى التغيير من خارج المؤسسات لا من داخلها، وهذا الخط هو الذي تتبناه الجماعة.

توقيع العثماني على اتفاقية التطبيع العلني مع إسرائيل سيكون "كلفة أخلاقية وسياسية كبيرة على شعبية الحزب"، وفق دكتور العلوم السياسية المهتم بالجماعات الإسلامية عبد الرحمن منظور، الذي قال: إن المصباح "لطالما استثمر القضية الفلسطينية في كسب التعاطف الشعبي".

وتابع الباحث في حديثه للاستقلال: "حضور العثماني حفل التوقيع رفع كثيرا من مصداقية المعارضين، ومنهم جماعة العدل والإحسان، لأن ما حصل أظهر للجميع التناقضات الكبيرة بين خطاب وممارسة حزب العدالة والتنمية في مسألة التطبيع".

نازلة توقيع العثماني، أضحت بمثابة انسداد أفق المشاركة الحكومية لحزب العدالة والتنمية، وهذا الموقف كانت دوما تعلنه "العدل والإحسان" في خطابها، برأي المتحدث.

"خرجة بنكيران"

وتابع منظور قائلا: أعتقد بأن قوة الاستثمار السياسي لجماعة العدل والإحسان للحدث عمقت من تذمر قواعد الحزب من العثماني، وأخرجت رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران للدفاع بشراسة عنه وعن مشروع الحزب المؤسس على الولاء المطلق للملكية.

وأفاد خبير العلوم السياسية، بأن "خرجة بنكيران الأخيرة جاءت لرفع معنويات أعضاء الحزب المنهارة من هول صدمة التطبيع، وضمنيا للجدال ضمنيا مع توجه العدل والإحسان".

مشكلة حزب العدالة والتنمية، بحسب المتحدث، هي أنه "لم يعدّ نفسه فكريا للتعامل الواضح مع مثل هذه القضايا الشائكة التي تطرح على الدولة الوطنية من قبيل حدود التعامل مع إسرائيل".

مضيفا: في حين نجد أن تجربة حركة حماس (ميثاق 2017) وحزب العدالة والتنمية التركي كانت واضحة في هذا السياق (توجه أردوغان استثمار قرارات الأمم المتحدة وحل الدولتين للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني).

بينما تكمن المشكلة السياسية لحزب العدالة والتنمية في أنه يؤدي ضريبة تحمله لقرارات سياسية مكلفة لا يستشار في صياغتها، وذلك وفق سقف دستوري معروف وأعراف سياسية جد راسخة، وفق الباحث.

ملف سيادي

في تصريحات صحفية، وصل عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، عبد العزيز أفتاتي، إلى "الدعوة لفك الارتباط بالحكومة وتكليف نائب الأمين العام بتدبير الحزب والاكتفاء بالمساندة النقدية بخصوص الأمور الوطنية"، مع "التموقع في معارضة ومواجهة التطبيع والاختراق الصهيوني".

وعلى المستوى السياسي، رأى أفتاتي أنه "على الحزب تجنب سياسة المحاور الدولية، والثبات على خط الدفاع على القضية الوطنية، ومواجهة المشروع الصهيوني". ويعتقد عضو الأمانة العامة، أنه على الحزب أيضا، "مواجهة أي نكوص في شأن الانتقال الديمقراطي والتنزيل الفعلي للملكية البرلمانية". 

تصريحات أفتاتي استدعت خروج رئيس الحكومة والأمين العام السابق للعدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، في بث مباشر عبر صفحته على موقع "فيسبوك"، قال فيه: إن "مصلحة الوطن فوق مصلحة الحزب، وأن قضية الصحراء قضية سيادية، وأن اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء، هو اعتراف قيّم".

أفاد الرجل الأول في الحزب -حتى بعد أن اختار العزلة عقب إعفائه من مهامه من طرف الملك- بأن العثماني كان إمكانه الاعتذار عن حضور التوقيع، لكن الحزب ليس من الوارد أن "يتخلى عن الدولة"، في ظرفية كهذه. 

خاطب ابن كيران كوادر حزبه، وكل المنتمين له، قائلا: "يمكن أن نكون غير راضين عن ما حصل، ويمكننا أن نعبر عن ذلك بكل حرية، لكن ما ليس من حقنا هو أن نحكم على العثماني دون سماع تبريره، وأن ننهي علاقتنا به بين ليلة وضحاها، دون الاحتكام إلى مؤسسات الحزب".

سجل ابن كيران رفضه للتطبيع، لكنه في الوقت نفسه قال: إن الظرفية تحتاج "الاصطفاف وراء الملك"، مشددا على أن العمل من داخل مؤسسات الدولة مختلف عن العمل من المعارضة. وكشف رئيس الحكومة السابق أن ملف الصحراء -والعلاقات الخارجية عموما- هو ملف سيادي، لا ينظر فيه إلا الملك، وأنه عندما كان رئيسا للحكومة لم يكن يتدخل فيه.

صدمة شعبية

منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، مقابل عقد اتفاق سلام بين المغرب وإسرائيل، بدا التردد واضحا في التعبير الصريح عن موقف الحزب الذي يقود الائتلاف الحاكم في المغرب.

ولم يصدر الحزب بيانه إلا بعد مرور يومين على إعلان ترامب وبيان القصر الملكي، وقال "المصباح": إن "مواقف الحزب ثابتة بخصوص الاحتلال الصهيوني وما يقترفه ضد الشعب الفلسطيني من جرائم تقتيل وتشريد وعدوان على المقدسات".

الحزب أكد وقتها "اعتزازه وثقته في القيادة الحكيمة للعاهل المغربي محمد السادس، وما نتج عنها من إنجازات تاريخية وتحولات إستراتيجية تشهدها القضية الوطنية (إقليم الصحراء)".

لكن فجأة، مساء الثلاثاء 22 ديسمبر/كانون الأول 2020، وقع رئيس الحكومة والأمين العام للحزب الإسلامي الحاكم سعد الدين العثماني، اتفاق التطبيع مع الوفد الإسرائيلي الأميركي بالقصر الملكي بالرباط.

المشهد الذي رصدته كاميرات القنوات المحلية والعالمية كان صادما وشديد الغرابة، خاصة وأن من وقع الاتفاق هو العثماني الذي طالما تبوأ قياديو حزبه الصفوف الأولى في المسيرات التي جابت الرباط دفاعا عن حق الفلسطينيين في أرضهم، واستنكارا لجرائم "العدو" الإسرائيلي.

كان سعد الدين العثماني أحد الوجوه البارزة في هذه المسيرات، لذا لم يتوقع أعضاء حزبه أنفسهم، رؤيته على طاولة الوفد الإسرائيلي خلال توقيع اتفاق التطبيع. 

ظهور العثماني مع الوفد الإسرائيلي أحدث رجة داخل "العدالة والتنمية"، وجعلت الكثير يتساءلون عن مصير ومستقبل الحزب السياسي في ظل اقتراب موعد الانتخابات التشريعية في 2021.

البعض استدعى موقف العثماني المتشدد من التطبيع في 23 أغسطس/آب الماضي، خلال لقاء داخلي للحزب، وقوله: "المغرب يرفض أي تطبيع مع الكيان الصهيوني، لأن ذلك يعزز موقفه في مواصلة انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني".

كلام العثماني جاء تعليقا على إعلان الإمارات والبحرين موافقتهما على توقيع اتفاق تطبيع مع إسرائيل، لكن يبدو أن تصريح العثماني لم يكن محسوبا وقتها، ولم يرجع فيه للملك، حيث خرج بعدها ليؤكد أنه تكلم بصفته الحزبية لا الحكومية.

حجر واحد

لماذا أصر عاهل المغرب الملك محمد السادس أن يمثل رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية "المصباح" سعد الدين العثماني بلاده في توقيع اتفاق التطبيع مع إسرائيل، وليس وزير الخارجية التكنوقراط ناصر بوريطة، أو أحد مستشاريه.

هل أراد الملك "الذكي" أن يضرب عصفورين بحجر واحد، كسب تأييد دولي لمغربية الصحراء من جهة، وضرب شعبية الإسلاميين في الشارع المغربي من جهة أخرى بعد إظهارهم أمام الرأي العام بأنهم براجماتيون قبلوا ما كانوا يرفضونه من قبل وهو التطبيع؟.

بعد إعلان ترامب في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2020، أن المغرب سيطبع العلاقات مع إسرائيل، أصوات كثيرة في المغرب أبدت تعاطفها مع حزب العدالة والتنمية.

وفي الوقت الذي اكتفى القصر الملكي في بيانه بالإعلان عن فتح الولايات المتحدة قنصلية في مدينة الداخلة بإقليم الصحراء، بات "المصباح" معلقا بين خيارين أحلاهما مر، الانتصار لإحدى ثوابته (القضية الفلسطينية)، أو الملف الأكثر حساسية للدولة التي يقود حكومتها (ملف الصحراء).

توقعت مصادر، بعد الإعلان عن زيارة الوفد الإسرائيلي الأميركي للرباط، أن يوقع وزراء من العدالة والتنمية اتفاقيات الزراعة والماء والاقتصاد وفتح المجال الجوي بين البلدين، أو أن يتبادل وزير الخارجية المغربي التكنوقراط، ناصر بوريطة، التوقيعات مع الوفد، لكن أحدا بمن فيهم أعضاء الحزب، لم يتوقع أن العثماني سيكون من الموقعين على الاتفاق.

الصحفي المقرب من قياديين داخل العدالة والتنمية مصطفى الفن، نشر تدوينة على فيسبوك، قال فيها: إن بعض القادة رأوا في توقيع العثماني لاتفاق التطبيع مع إسرائيل نوعا من "الإذلال".

فيما ذهب أحد القادة، الذين استند إلى مواقفهم الصحفي، إلى حد القول: "الذي وقع الاتفاق مع الكيان الصهيوني، ليس هو نفسه العثماني الذي كان دائما ضد التطبيع والمطبعين".

رسائل القصر

دكتور العلوم السياسية، عبد الرحمن منظور، أوضح أنه من المقاربة الدستورية، لم يكن إلزاميا أن يوقع رئيس الحكومة على اتفاقية عودة العلاقات مع إسرائيل، لأن مجال السياسة الخارجية مجال محفوظ للملك بمقتضى رئاسته للدولة (الفصل 42 من دستور 2011) والفصل 55 من الدستور، الذي يمنح في فقرته الثانية للملك الحق في توقيع المعاهدات والمصادقة عليها.

وقال منظور في حديث مع "الاستقلال": "كان من الممكن أن يوقع وزير الخارجية مثل ما حصل مع الإمارات والبحرين، خاصة أن الوزير ناصر بوريطة وكبار مستشاري الملك محمد السادس، هم من كانوا على اطلاع وثيق بكواليس المفاوضات مع الوفد الأميركي بقيادة جاريد كوشنير، لكن قرار تكليف رئيس الحكومة بالتوقيع يحمل في طياته رسائل سياسية لأميركا وإسرائيل.

ورأى دكتور العلوم السياسية، أن رسائل الدولة تتلخص في، قدرة المغرب على دمج للإسلاميين الحزبيين في بنية الدولة بشكل ناجح ومتحكم فيه ولا لبس فيه، كما أنه رسالة للحزب وقاعدته الخلفية -حركة التوحيد والإصلاح- بضرورة الابتعاد عن الازدواجية في الخطاب أي الجمع بين "شرف المعارضة وحلاوة السلطة".

واستطرد المتحدث: بهذا التوقيع يعلن القصر "لإسلامي الحكومة" بأن للدولة ضوابطها وتقاليدها الملزمة وعليهم أن يتأقلموا بالكلية مع التوجهات العليا للدولة بدون أي تحفظ، في ذلك رد عملي من السلطة الحاكمة عن بيان حركة التوحيد والإصلاح وإحراجات النائب البرلماني الشهير عن الحزب المقرئ أبو زيد الإدريسي.

أما من الناحية القانونية الصرفة، يضيف منظور: "التوقيع على المعاهدات من صلاحيات الملك، وتوقيع الدكتور سعد الدين العثماني واضح بأنه بأمر من الملك، لأننا دستوريا وسياسيا بإزاء ملكية رئاسية في علاقتها برئيس الحكومة وليس في "سياق التعايش"، كما حصل في التجربة الفرنسية لأكثر من مرة".

وتابع المتحدث: أن "في مثل هذه الاتفاقيات الدولية كان من المتوقع أن يوقع إما رئيس الحكومة أو وزير الخارجية بتفويض طبعا من الملك، لكون مستشاري الملك ليست لهم صفة دستورية، وإن كانوا في الحقل السياسي هم موظفون سامون ومنهم يتلقى الوزراء التعليمات والتوجيهات الملكية".

أما بالنسبة لمسألة التفاوض، يقول منظور: فهي آلية غير مقبولة في الثقافة السياسية المغربية في علاقة الحكومة بالقصر، كما أن ذلك يحتاج لشخصية كارزيمية لرئيس الحكومة وبصلاحيات حقيقية وهذا غير موجود الآن في الحقل السياسي المغربي الذي يعد فيه رئيس الحكومة بمثابة رئيس للجهاز الإداري للدولة تحت رقابة الملك.

"نقطة طلاق"

الباحث السياسي المغربي، المتخصص في الحركات الإسلامية والتحولات الديمقراطية في العالم العربي، بلال التليدي، توقع أن الحزب - وبعد البيان الذي أصدرته الأمانة العامة- يقبل بالوضع الدستوري، الذي يجعل الملك مختصا في السياسة الخارجية، وأنه في سبيل قضية الصحراء، يساند قرارات الملك، مع استمرار موقفه من مناهضة التطبيع.

وقال التليدي في حديث مع "الاستقلال": "كان من المتوقع أن الحزب تعامل بمنطق ما كان له حكم الضرورة من أجل تحقيق مصالح وطنية، لا يمكن أن يتحول إلى نقض مبدئي في الأصل"، قبل أن يضيف: "لكن لم يكن أحد يتصور أن التوقيع سيتم من قبل رئيس الحكومة، والأمين العام لحزب العدالة والتنمية".

وشدد العضو في "المصباح"، أن أحدا لم يتوقع أن "هذه الصورة ستكون جزءا من تاريخ الحزب، وستشكل نكسة سوداء من الصعب جدا نسيانها، خاصة وأن الحزب سجل مواقف تاريخية في مناهضة التطبيع وإسناد المقاومة والدفاع عن القضية الفلسطينية". 

التليدي قال: "ما من شك أن الحدث سيكون له تأثير كبير على الداخل الحزبي، وقد ابتدأت الارتدادات والتداعيات السلبية من ليلة توقيع الاتفاق". وكشف المتحدث، عن وجود مطالب بعقد مجلس وطني استثنائي لمساءلة القيادة ومحاسبتها، وأن البعض ذهب إلى حد المطالبة بمؤتمر لإقالة هذه القيادة.

يعتقد التليدي، أن الأمر سيتعدى الأبعاد التنظيمية إلى ما هو أكبر من ذلك، موضحا ارتباط قاعدة ناخبة بالحزب عقائديا ومرجعيا، سيدفعها إلى النظر في موقفه هذا باعتباره نقطة طلاق بينها وبينه، وهذا من شأنه أن يؤثر على شعبية الحزب وعلى حضوره وعلى صورته لدى الشعب المغربي.

اعتقد كثير من أبناء الحزب، بحسب الباحث، أن التوقيع لن يكون من طرف رئيس الحكومة، وإنما ستكلف الدولة أحد موظفيها أو وزير الخارجية للقيام بذلك، حتى يخرج الحزب من الحرج، إنما، وبحسب ما وقع، فإن التداعيات ستكون كبيرة جدا، و"توقيع رئيس الحكومة سيكون مكلفا بالنسبة لوضعه ووضع الحزب".

هل كان للأخير وقيادته خيارات لتجاوز هذا الوضع، تساءل التليدي قبل أن يجيب: "نعم"، وكان بإمكان رئيس الحكومة أن يدخل على الخط ويبلغ سيادة الدولة، بأن توقيع إحدى قيادات الحزب لهذا الاتفاق سيكون محرجا للمصباح. 

مضيفا: "كان من الأفضل إخراج المصباح من دائرة الحرج، ما دام الحزب -من خلال بيان أمانته العامة- قد ساند رؤية الملك وتوجهه بشكل عام، وأنه من الأفضل التوقيع من طرف وزير الخارجية غير المحسوب على أي توجه، دون أن ينسب التوقيع إلى أي حزب بعينه فهذا مكلف بالنسبة إليه ديمقراطيا وانتخابيا".