المغرب وإسرائيل بعد إعلان ترامب.. اتفاق تطبيع أم استئناف للعلاقات؟

12

طباعة

مشاركة

في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، غرد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب عبر تويتر، قائلا: إن "إنجازا تاريخيا جديدا قد تحقق باتفاق اثنين من أكبر أصدقائنا إسرائيل والمغرب على علاقات دبلوماسية كاملة".

فيما ترك ترامب خبر اعتراف واشنطن بسيادة الرباط على الصحراء الغربية، للديوان المغربي، الذي أصدر بيانا في اليوم ذاته، يفيد بأن الملك محمد السادس أجرى اتصالا هاتفيا بالرئيس الأميركي.

البيان أكد إصدار ترامب "مرسوما رئاسيا، بما له من قوة قانونية وسياسية ثابتة، وبأثره الفوري، يقضي باعتراف الولايات المتحدة الأميركية، لأول مرة في تاريخها، بسيادة المملكة المغربية الكاملة على كافة منطقة الصحراء المغربية".

وأضاف البيان أن الولايات المتحدة  قررت فتح قنصلية بمدينة الداخلة بإقليم الصحراء، المتنازع عليه مع جبهة "البوليساريو"، المدعومة من الجزائر.

وضع ترامب بتغريدته المغرب في فوهة مدفع الانتقادات، ليظهر أنه وافق على صفقة "التطبيع مقابل الاعتراف"، ويكون الرئيس الأميركي بذلك قد وصل للرقم 4 من الوعد الذي أكد فيه أن 5 دول ستطبع مع إسرائيل في 2020. 

ذهب خبراء مغاربة إلى اعتبار الصفقة استئنافا للعلاقات وليست تطبيعا، وشكك آخرون في وعود ترامب للمملكة، بينما خرجت أصوات شاجبة للصفقة وأخرى عبرت في مسيرات عن وقوفها وراء قرارات المغرب لأجل الصحراء.

استئناف علاقات

بدأ المغرب مع إسرائيل، علاقات على مستوى منخفض عام 1993 بعد التوصل لاتفاقية "أوسلو"، وكانت الرباط قد أقامت علاقات دبلوماسية على مستوى مكاتب الاتصال في عام 1996، كما فتحت مكتبا للاتصال في غزة، لكنها جمدتها بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية.

وأعلن المغرب، في أكتوبر/تشرين الأول 2000، عن قراره وقف علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل عقب الأحداث التي شهدتها الأراضي الفلسطينية.

وقال بيان للخارجية المغربية -آنذاك-: إن المملكة قررت إغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط، ونظيره المغربي في تل أبيب، وبرر البيان القرار بإعلان الحكومة الإسرائيلية وقف عملية السلام، وهو ما وصفه المغرب بأنه "خطوة متعنتة".

وفي 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، قال البيت الأبيض: إن ترامب والعاهل المغربي اتفقا على أن "تستأنف المملكة علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، فضلا عن تعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي بين البلدين بما يدعم الاستقرار في المنطقة".

وشمل الاتفاق "إعادة فتح مكاتب اتصال في كل من تل أبيب والرباط، ثم تبادل فتح سفارات في كلا البلدين". وتحدث مسؤولون عن استعداد المغرب للسماح برحلات جوية مباشرة من وإلى إسرائيل.

خرج وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، بتصريحات صحفية في 11 ديسمبر/ كانون الأول 2020، قال فيها: إن "التطور الأخير في العلاقات بين بلاده وإسرائيل ليس تطبيعا".

وأكد ناصر بوريطة أن "المغرب كان لديه مكتب اتصال حتى عام 2002، وأن بعض القرارات التي تطلبت إعادة الاتصال مع إسرائيل لا تعد تطبيعا".

الدكتور محمد الشرقاوي، أستاذ تسوية النزاعات الدولية في جامعة جورج ميسون بفرجينيا، وعبر صفحته على فيسبوك قال: "مع احترامي لحرص وزير الخارجية المغربية ناصر بوريطة على أهمية ما يقرؤه في حديث الرئيس ترامب بشأن دعم السيادة على الصحراء أو أنه حدث تاريخي".

مضيفا: "فإن ثمة وجها آخر للعملة لا يمكن تغييبه أو تغطيته بالغربال، وهو مدى قبول الرباط بضغوط البيت الأبيض ومكتب نتنياهو في معركة دبلوماسية منذ عامين على الأقل، قبل أن يعلن ترامب نيته إصدار الإعلان الرئاسي".

وفي حوار تلفزيوني على قناة "دويتشه فيله" ركز الشرقاوي على تحديد القيمة الحقيقية للإعلان الرئاسي، الذي وقعه ترامب، وما يعنيه، وضعف دلالته القانونية والسياسية في السياق الأميركي لسهولة إلغائه نظرا لكونه مجرد "أداة عملية" في السياسة العامة.

وشدد على أنه "يعد أمرا رمزيا أو احتفاليا، ولا يرقى إلى مستوى معاهدة أو  صيغة قانونية ملزمة يقرها مجلس الشيوخ في الكونغرس"، مشيرا إلى أن الإعلام الأميركي وأيضا الإسرائيلي، "هرولا معا إلى اعتباره تطبيعا كاملا على غرار التطبيع الإماراتي الإسرائيلي".  

وزاد خبير النزاعات الدولية: "لا يمكن قياس ما يعد به ترامب المغاربة بقنصلية في الداخلة، بل في ما إذا كانت واشنطن ستضع ثقلها لاستصدار قرار في مجلس الأمن في نيويورك".

مضيفا: "ينبغي أن يستحضر المرء أن هذا الغزل السياسي مع الرباط لصالح نتنياهو يأتي قبل 40 يوما من موعد تسلم بايدن الرئاسة، وتولي ليندا توماس غرينفيلد منصبها على رأس البعثة الأميركية في الأمم المتحدة".

وتابع: "غرينفيلد ستوضح مجددا أن موقف واشنطن يدعم مبدأ تقرير المصير، ويحث جميع الأطراف: المغرب والبوليساريو والجزائر على التفاوض بحسن نية ودون شروط، كما جاء في تقرير مجلس الأمن 2548 الصادر في أكتوبر/تشرين الأول 2020".

وقال الشرقاوي: "ربما فكر المسؤولون في الرباط مليّا في ما كانوا سيقدمون عليه مع ترامب ونتنياهو خلال العامين الأخيرين بمنطق الصفقات والمكاسب مقابل التنازلات، لكن ما لم يمر في خلدهم على ما يبدو أن يذهب الخطاب الإسرائيلي إلى حد اعتبار الوجود المغربي في الصحراء مساويا للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين".

قيمة الاعتراف

وفيما شكك الدكتور في جامعة "جورج ميسون"، في مدى التزام بايدن والكونغرس بإعلان ترامب، استبعد الدكتور حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسط في جنيف، أن يلغي بايدن أي قرارات متعلقة بإسرائيل أعلن عنها سلفه.

وذهبت تحليلات أخرى إلى القول: إنه لن يكون هناك بالضرورة أثر مباشر على الأرض للخطوة الأخيرة التي قامت بها إدارة ترامب، لأن النزاع يبدو أكبر من نزوات الرئيس الأميركي.

البعض يرى أن تأييد ترامب موقف المغرب بشأن السيادة على الصحراء الغربية يعتبر صفقة كبرى تؤثر على آمال شعب يتطلع منذ عقود إلى استقلال الإقليم.

ولا تزال الأمم المتحدة مكلفة بالإشراف على استفتاء لاستقلال الصحراء الغربية - رغم عدم تحقق ذلك منذ عام 1991، عندما دشنت الأمم المتحدة بعثتها هناك. وكأية دولة مستقلة جديدة، تحتاج الدولة الصحراوية لكي تقوم أن تحظى باعتراف دولي، وهو ما يتبدد بإعلان الرئيس الأميركي دعمه سيادة المغرب على المنطقة.

وفي ظل تلك المستجدات، فإن الأوضاع في المنطقة التي شهدت توترا على مدار الأشهر الأخيرة باتت مرشحة لمزيد من التصعيد، وفق خبراء.

في 12 ديسمبر/كانون الأول 2020، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن حل قضية إقليم الصحراء "لا يعتمد على الاعتراف الفردي لأي دولة، وإنما يتوقف الأمر على تنفيذ قرارات مجلس الأمن التي نحن الأوصياء عليها".

جاء ذلك في مؤتمر صحفي على هامش قمة "طموح" المناخية، رد خلاله غوتيريش على أسئلة الصحفيين حول إعلان ترامب، وقال الأمين العام: إن "موقفنا في غاية الوضوح فيما يتعلق بالصحراء الغربية. كل شيء يبقى كما كان عليه الوضع من قبل".

شجب خجول

أدانت جماعة "العدل والإحسان" الإسلامية المعارضة في المغرب، مساء 11 ديسمبر/كانون الأول 2020، بشدة قرار السلطات الخاص بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، واعتبرته خطوة "غير محسوبة".

سبقها إلى ذلك، منظمة "شبيبة العدالة والتنمية"، التي عبرت عن "موقفها المبدئي الرافض للتطبيع" مع الاحتلال الإسرائيلي في بيان للمكتب المركزي للمنظمة التابعة لحزب العدالة والتنمية الحاكم.

وورد في البيان: "تؤكد الشبيبة موقفها المبدئي الرافض للتطبيع مع الاحتلال (الإسرائيلي) الغاصب، وتبرير جرائمه ضد الشعب المظلوم والأرض المحتلة في فلسطين".

منظمة التجديد الطلابي، المقربة من الحزب الحاكم اعتبرت عودة العلاقات بين الرباط وتل أبيب بمثابة "سقوط مُريع لا يليق بتاريخ المملكة المجيد وسُمعتها الأخلاقية والسياسية، ومكانتها الدولية".

ورأت المنظمة أن المرسوم الذي أصدره ترامب "لا يحمل أي قوة قانونية أو سياسية ملزمة، يقضي باعتراف الولايات المتحدة الأميركية بالسيادة المغربية على ما أسمته واشنطن الصحراء الغربية، وفتح قنصلية لها بمدينة الداخلة تقوم بالأساس بمهام اقتصادية".

ارتباط عودة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، باعتراف أميركا بمغربية الصحراء، أحرج عددا كبيرا من المؤسسات، بسبب حساسية ملف الصحراء لدى الدولة المغربية.

وفيما أصدرت الأحزاب بيانات داعمة للقرار الملكي، تأخر بيان حزب العدالة والتنمية (الذي يقود الائتلاف الحكومي)، وفي بيان أصدره بعد يومين من قرار استئناف العلاقات مع إسرائيل، قال "العدالة والتنمية": "مواقف الحزب ثابتة بخصوص الاحتلال الصهيوني وما يقترفه ضد الشعب الفلسطيني من جرائم تقتيل وتشريد وعدوان على المقدسات".

وأكمل: "وفي مقدمتها الاعتداءات المتواصلة على المسجد الأقصى ومصادرة أراضي الفلسطينيين، وإنكار حق العودة في خرق سافر لكل المواثيق والقرارات الدولية ومحاولاته تطبيع علاقاته واختراق المجتمعات الإسلامية".

وأعلن الحزب "اعتزازه وثقته في القيادة الحكيمة للعاهل المغربي محمد السادس، وما نتج عنها من إنجازات تاريخية وتحولات إستراتيجية تشهدها القضية الوطنية (إقليم الصحراء)".

أثار الاتفاق الجديد استنكارا واسعا على موقع تويتر، دفع ناشطين لإطلاق وسوم احتلت الأعلى انتشارا، أبرزها #مغاربة_ضد_التطبيع، #مغربيون_ضد_التطبيع، #التطبيع_خيانة، وغيرها، مؤكدين أن الأنظمة الحاكمة المطبعة لا تمثل إرادة شعوبها.

بالمقابل خرجت مسيرات ووقفات احتجاجية، الأحد 13 ديسمبر/ كانون الأول 2020، بعدد من المدن المغربية، لدعم المملكة في "تطورات إقليم الصحراء والتأكيد على مغربية الصحراء".

وردد المشاركون في المسيرات الاحتجاجية، التي دعت إليها جمعيات غير حكومية، "شعارات تدعم التحركات الدبلوماسية التي تقوم بها المملكة، فيما يتعلق بإقليم الصحراء". وأعلن المشاركون فيها، دعم بلادهم في القرارات الأخيرة، الخاصة بإقليم الصحراء.

"حل الدولتين"

عقب اتصاله بترامب، أكد الملك محمد السادس للرئيس الفلسطيني محمود عباس في اتصال هاتفي، في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، التزام بلاده بحل الدولتين.

وأشار الديوان الملكي المغربي في بيان، أن الملك أطلع عباس خلال المكالمة على مضمون الاتصال الهاتفي الذي أجراه مع ترامب.

أكد العاهل المغربي لعباس، أن موقفه الداعم للقضية الفلسطينية ثابت لا يتغير و"أبرز أن المغرب مع حل الدولتين، وأن المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي هي السبيل الوحيد للوصول إلى حل نهائي ودائم وشامل لهذا الصراع".

وشدد الملك على أن المغرب يضع دائما القضية الفلسطينية في مرتبة قضية الصحراء المغربية، وأن عمل المغرب من أجل ترسيخ مغربيتها "لن يكون أبدا، لا اليوم ولا في المستقبل، على حساب نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه المشروعة".

مساء الجمعة 11 ديسمبر/كانون الأول 2020، عبّر رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، في مؤتمر صحفي، عن رفضه لخطة "صفقة القرن" الأميركية، والمحاولات الإسرائيلية الرامية إلى تهويد مدينة القدس. 

وأكد على أن "الموقف المغربي عموما يبقى باستمرار داعما للقضية الفلسطينية"، وأن "صفقة القرن" خطة تسوية سياسية مجحفة بحق الفلسطينيين ومنحازة لإسرائيل، ولذلك رفضتها القيادة والفصائل الفلسطينية.

في المقابل، شكر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ملك المغرب وقال: إن شعبي إسرائيل والمغرب تربطهما "علاقة حميمة في العصر الحديث". وزاد في خطاب تلفزيوني، أن بلاده "ستبدأ بإنشاء مكاتب اتصال مع المغرب كخطوة أولى لعملية التطبيع".