آل زايد.. كيف تسببت عائلة صغيرة في تدمير أحلام شعوب ودول؟

محمد السهيلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

تلعب خلف الكواليس في الأزمة السورية، وتدعم بالمليارات انقلاب السيسي بمصر، أصابعها ملموسة في أزمة البلقان، والصراع شرق البحر المتوسط، تدخل مريب في دول المغرب العربي، وحشد مرتزقة إلى ليبيا واليمن.

كل ما سبق جزء مما تفعله الإمارة الخليجية المسماة دولة الإمارات العربية المتحدة بقيادة أولاد ابن زايد في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط.

عدة أخبار تصدرت الصحف والمواقع العربية خلال أيام قليلة، تؤشر بشكل كبير على دور إماراتي مثير للجدل بالإقليم، فسر دوافعه المراقبون بأنه رغبة إماراتية بحصار تركيا من الشمال بدعم أرمينيا بمواجهة أذربيجان في صراع البلقان، ومن الجنوب بدعم اليونان في مواجهة تركيا عدوها الإستراتيجي والتاريخي، ومؤخرا إشعال الفتنة بين المغرب والجزائر.

دعم أرمينيا

الخبر الأول يأتي نقلا عن وكالة الأنباء الإماراتية "وام"، التي أكدت أن الرئيس الأرميني أرمين سركيسيان، زار أبوظبي 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، وعقد مباحثات مع ولي عهدها محمد بن زايد. 

المثير في الأمر، أن ذلك اللقاء يأتي بعد أيام من توقيع أرمينيا وأذربيجان اتفاقا لإنهاء الحرب الدائرة بينهما منذ بداية أكتوبر/ تشرين الأول 2020، حول إقليم "قره باغ" الذي احتلته "يريفان" قبل 28 عاما، وهي الأزمة التي انتهت بالتوافق على انسحاب أرمينيا من الإقليم.

مراقبون أكدوا مخاوفهم من دور محتمل داعم من ولي عهد أبوظبي لأرمينيا التي اعتبرت إعلان الانسحاب هزيمة لها بمواجهتها العسكرية مع أذربيجان بعد دعم تركي قوي. 

وأشاروا لاحتمال أن يقوم ابن زايد، بتغيير الأجواء مجددا في قره باغ، نكاية في تركيا التي نجحت في تحجيم الدور الإماراتي المصري الداعم للواء خليفة حفتر في ليبيا، بتقديم الدعم لحكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا. 

مقاتلات "F-35"

الخبر الثاني، جاء نقلا عن وسائل إعلام يونانية والتي أكدت أن أثينا تطلب شراء مقاتلات "F-35" من واشنطن رسميا، ووفقا لصحيفة "إكاثيمريني" اليونانية، يرغب جيش اليونان في شراء 24 طائرة مقاتلة أميركية من هذا الطراز، بجانب مقاتلات "رافال" الفرنسية، ومركبات جوية بدون طيار وأنظمة الاستجابة للطائرات بدون طيار. 

و" F-35"، مقاتلات لا تملكها بالإقليم سوى إسرائيل، والإمارات، وتتعثر صفقتها بين واشنطن وأنقرة بعد استلام الأخيرة بطاريات منظومة "إس 400" الروسية في خطوة يعترض عليها "البنتاجون". 

طلب اليونان عقد كل تلك الصفقات العسكرية في الوقت الذي يعاني فيه اقتصادها أزمات متتابعة منذ سنوات، أثار التساؤلات حول من يدفع قيمة هذه الصفقة، فيما تشير التحليلات إلى أن أبوظبي، قد تتكفل بجزء من الصفقة نكاية في أنقرة.

وفي هذا السياق توجهت "الاستقلال"، إلى مدير منتدى شرق المتوسط للدراسات الباحث محمد حامد، بالتساؤل: "هل أثينا قادرة اقتصاديا على تكاليف مثل هذه الصفقة؟ وهل تدفع الإمارات؟"، فأجاب: "اليونان عضو في الاتحاد الأوروبي وبالتأكيد هي دولة لديها حلفاء من العرب وغير العرب"، في إشارة لاحتمال تكفل أصدقاء اليونان العرب (بينهم الإمارات) والأوربيين بتكاليف الصفقة. 

قنصلية الصحراء

في 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، نقلت العديد من الصحف العربية نبأ افتتاح الإمارات قنصلية في منطقة العيون بإقليم الصحراء في المغرب، وسط إشادة الرباط بالقرار.

أبوظبي أول عاصمة عربية تقوم بهذا الإجراء في الصحراء الخاضعة لسلطات الرباط منذ انتهاء الحكم الاستعماري الإسباني بالعام 1974، فيما تضغط جبهة البوليساريو، للاستقلال بالإقليم، الغني بالثروة السمكية والفوسفات.

مراقبون فسروا توقيت قرار أبوظبي، أنه دفع في هذا التوقيت لإشعال الصراع بين المغرب وجبهة "البوليساريو" المتوقفة منذ 30 سنة، بغية ضرب الرباط بجارتها الغربية الجزائر الداعمة للبوليساريو، وإشعال الصراع بالمغرب العربي وإشغاله بهذه الأزمة كخطوة أولى لتمزيقه كما ساهمت الإمارات في تمزيق دول أخرى مثل ليبيا واليمن. 

بعد أيام قلائل من الحديث عن افتتاح القنصلية الإماراتية بإقليم الصحراء، اشتعلت أزمة معبر الكركرات، وأطلق المغرب، في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، عملية عسكرية لإعادة فتح المعبر الحدودي بالمنطقة العازلة باتجاه موريتانيا، ما اعتبرته جبهة البوليساريو نهاية لاتفاق وقف إطلاق النار المعمول به منذ 1991، فيما تبادل الطرفان إطلاق النار. 

وفي تصعيد جديد في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أعلن أمين جبهة البوليساريو إبراهيم غالي، أن المغرب فرض "إراقة الدماء"، وأن "الشعب الصحراوي في حرب، وسيواصل الكفاح حتى يوم النصر"، مشيدا بدور الجزائر الداعم له. 

 جرائم حرب

موقف آخر كشف عن الدور الإماراتي في تأجيج الأزمة الليبية، ما نشره موقع "ميداباغ" الفرنسي، يوم 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أن فرنسا تقوم بأعمال الصيانة والتطوير لطائرات "ميراج" التابعة لدولة الإمارات والتي كانت تُقلع من قواعد عسكرية مصرية لقصف المدن الليبية، دعما لمليشيات خليفة حفتر، متهمة الطائرات الإماراتية بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين في طرابلس.

وفي نفس السياق، وحول الدور الإماراتي في اليمن، نشر المحامي الدولي المصري محمود رفعت، مقطعا مصورا يوثق عمليات القتل الجارية في اليمن.

وقال عبر "تويتر": "هذا ما أوصلت السعودية والإمارات له اليمن، مليشيات أبوظبي المسماة المجلس الانتقالي تنفذ يوميا إعدامات ميدانية وقتلا خارج القانون بهذه الوحشية بالأماكن التي تسيطر عليها خاصة عدن، وبأماكن أخرى يحصد طيران التحالف أرواح الأبرياء، ومن ينجو من هذا وذاك يقتله الجوع أو المرض بفعل الحصار".

تطبيع مع إسرائيل

وعلى الجانب الآخر، وفي ظل أدوار الإمارات بالإقليم، يأتي توقيعها اتفاق التطبيع مع الكيان الإسرائيلي في 15 سبتمبر/ أيلول 2020، ليتبعه عشرات الاتفاقيات التجارية والاقتصادية.

ويعتزم رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، زيارة الإمارات، في ديسمبر/ كانون الأول 2020، بأول زيارة علنية من نوعها، وفق دعوة ابن زايد له لزيارة أبوظبي، فيما يزور ابن زايد، تل أبيب بدعوة من رئيس الكيان رؤوفين ريفيلين، وفق صحيفة "يديعوت أحرونوت"، و"يسرائيل يهوم".

ومع ما شهده العالم الإسلامي من احتجاجات ومقاطعة للمنتجات الفرنسية على خلفية أزمة الرسوم المسيئة لنبي الإسلام، تدعم الإمارات فرنسا ودافعت عن موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من الرسوم المسيئة وبرغم هجومه على الإسلام والمسلمين. 

وزير الدولة الإماراتي للخارجية أنور قرقاش، قال لصحيفة "دي فيلت الألمانية" في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020: "يجب الاستماع لماكرون، هو لا يريد عزل المسلمين بالغرب، وهو محق تماما".

مضيفا: "يجب على المسلمين أن يندمجوا بشكل أفضل، ومن حق الدولة الفرنسية البحث عن طرق لتحقيق ذلك بالتوازي مع مكافحة التطرف والانغلاق المجتمعي". 

أدوار محتملة

"الاستقلال"، طرحت عدة تساؤلات على باحثين وأكاديميين، حول رؤيتهم لما تريده الإمارات من العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط، وحول أسباب إصرار أبوظبي على مواجهة تركيا في مناطق نفوذها، وأيضا حول دورها المحتمل في المغرب العربي. 

المحاضر في جامعة سكاريا التركية، الدكتور محمد الزواوي، قال: "هذا الدور الإماراتي إنما هو إحدى علامات انهيار النظام الإقليمي العربي، وبدء بحث الدول الصغيرة عن دول أخرى داخل وخارج الإقليم لعقد تحالفات معها وعمل توازنات ضد القوى الصاعدة للهيمنة والتي من المتوقع أن تقود النظام الإقليمي في المستقبل القريب، مثل تركيا وإيران". 

وحول هذا الهدف، أضاف الزواوي، في حديثه لـ"الاستقلال": "ومن ثم عملت الإمارات على التحالف مع إسرائيل باعتبارها وكيلا للولايات المتحدة بالشرق الأوسط، وكذلك لأنها لا تمثل تهديدا ثقافيا أو عسكريا، بعكس النموذجين التركي والإيراني على الترتيب". 

وأوضح، أنه وفقا للرؤية الإماراتية فإن "النموذج التركي يمثل تهديدا كبيرا للسلطة في الإمارات حيث إنه يقوض أسس السلطوية ويعرض بديلا إسلاميا معتدلا وفاعلا للنظم الاستبدادية من داخل الإطار السني، في حين يقدم النموذج الإيراني تهديدا عسكريا وأيدلوجيا في الوقت ذاته".

الباحث والأكاديمي المصري، تابع توضيح رؤيته بالقول: "ومن ثم فإن الإمارات، وهي دولة صغرى من حيث المعايير الجيوسياسية، وبدلا من أن تختار طريق الإصلاح السياسي والقبول بإرادات الشعوب والتحالف مع تركيا لحل مشكلات المنطقة، اختارت أن تحاربها وتعمل على تقويض نموذجها في كل مكان أملا في أن ينهار".

ويرى الزواوي، أن هذا الموقف من أبوظبي يأتي "استشعارا منها بأن ذلك يرضي حليفها الرئيس -الولايات المتحدة- ووكليه بالمنطقة -الكيان الصهيوني-".

واختتم حديثه بالقول: "ومن ثم فإن القضية المحورية هي قضية تبدل التحالفات، وانهيار النظام الإقليمي وعدم وجود دولة قائدة تستطيع أن تفرض نموذج نظرية استقرار الهيمنة (Hegemonic stability theory)، وعدم قدرة أي من التحالفات الحالية في حسم الصراعات البينية داخل المنطقة".

من جانبه يرى أستاذ مساعد العلاقات الدولية، بكلية العلوم السياسية، جامعة تكريت الدكتور حارث قطان، أن "ما يلاحظ على الدور الإماراتي هو دور يدخل ضمن إطار التنافس الإقليمي".

الأكاديمي العراقي، أكد لـ"الاستقلال"، أن "الموقف الإمارتي في كل من سوريا، وليبيا، والبحر المتوسط، والصراع ما بين أذربيجان وأرمينيا يدخل هذا الموقف بالضد من الموقف التركي، والصراع والتنافس الداخل بين مواقف أنقرة والموقف السعودي والإماراتي والمصري من قضايا الإقليم".

ويشدد على أن "الموقف الإماراتي من القضايا الأخرى يأتي بهدف البحث عن دور مميز لأبوظبي، كما أنه يختلف حتى ضمن إطار التحالف مع السعودية كما في اليمن، وقضية الصحراء الغربية في المغرب. الدور الإماراتي هو دور أكبر من حجمها".

سلوك نفاقي

وقال الباحث في مركز الدراسات الإقليمية والدولية في جامعة نجم الدين أربكان، بتركيا، معاذ عليوي: "لا يخفى الحال، حيث تريد الإمارات أن تلعب دورا إقليميا وعالميا يفوق قدراتها الحقيقية، وهذا عمليا ما تحقق فعليا على أرض الواقع منذ عملية التطبيع الإسرائيلي العربي والهرولة نحو إقامة علاقات مع تل أبيب".

عليوي، في حديثه لـ"الاستقلال" أضاف: "ثم لا يخفى الحال سعي الإمارات نحو شراء ما يقارب 50 مقاتلة أميركية من طراز (F35) وهي الأحدث في العالم، وفي حال إتمام الصفقة ستصبح أبوظبي، ثاني دولة بالشرق الأوسط بعد إسرائيل تحصل على هذا النوع من الطائرات".

ويعتقد أنه "وفي حال امتلاك الإمارات لمثل هذه المقاتلات سيشكل ذلك رادعا لأي تهديد مصدره إيران تستهدف مصالح أميركا والدول الخليجية والشرق الأوسط".

الباحث السياسي، أضاف: أن "امتلاك الإماراتيين مثل تلك الأسلحة سابقا وحاليا كان وما زال يستخدم في حرب أهلية واسعة في اليمن وليبيا، حيث عانت تلك الدول من انتهاكات واضحة لحقوق الإنسان".

وحول علاقات أبوظبي وأنقرة، أكد أن "الإمارات ترى في الدولة التركية منطق الدولة العثمانية، ولا يخفي الحال طبيعة علاقات البلدين خاصة على الصعيد الاقتصادي لكن هرولة أبوظبي نحو التطبيع مع تل أبيب أغضب أنقرة وما دعاها لوصف السلوك بأنه منافق".

وبشأن العلاقات الإماراتية المغربية، يرى عليوي، أن "إقامة أول قنصلية إمارتية في الصحراء المغربية هو بمثابة خطوة نحو دعم العلاقات بين البلدين؛ ومن المنتظر أن تتبعها خطوات خاصة من قبل دول الخليج في إطار دعم الوحدة الترابية للمملكة، ومن المرجح أن يستميل دعم المملكة في قضية جزرها الثلاث المحتلة من طرف إيران منذ عام 1971".