جيشها مليونان.. فلماذا توظف روسيا شركات أمنية لتنفيذ عمليات خاصة؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أثبتت الشركات الأمنية الخاصة، ككيانات موازية للمؤسسات العسكرية الحكومية، قدرتها على تحقيق أهداف جيوسياسية وعسكرية، تسهم بزيادة نفوذ الدولة التي تعمل لحسابها، من دون أي ملاحقات قانونية قد تلحق بالدولة جراء الانتهاكات التي تمارسها تلك الشركات.

كانت روسيا أحد أهم الدول التي تعاقدت مع الشركات الأمنية الخاصة، لتنفيذ أجنداتها وأهدافها، وبرز ذلك واضحا منذ الأزمة السورية في 2011، ثم الأزمة السياسية في شبه جزيرة القرم مطلع 2014، وما تلا ذلك من أحداث في ليبيا وعدد من دول القارة الإفريقية.

وفق آخر الإحصاءات، فإن عدد جنود الجيش الروسي النظامي نحو 3 ملايين، بينهم نحو مليون جندي في قوات الاحتياط ورغم ذلك تعددت الشركات الخاصة التي يعتمد عليها الكرملين في تنفيذ أهدافه.

أشهر هذه الشركات هي فاغنر وباتريوت، بالإضافة إلى شركة سبيتسناز الشيشانية التي يشرف عليها الضابط الروسي المتقاعد دانييل مارتينوف، وتخضع بالكلية لإشراف الرئيس الشيشاني رمضان قديروف، صديق بوتين المقرب.

وعلى خلاف المؤسسات العسكرية الحكومية التي تمنع قوانين الدولة من ضم عناصر قد يكون لها سجل إجرامي أو تاريخ جنائي، أو تحول البيروقراطية دون قدرتهم على الانتساب إلى المؤسسات العسكرية الحكومية، فإن الشركات الأمنية الخاصة تضم عناصر أو مرتزقة عرف بعضهم بكونهم مجرمين أو أصحاب سوابق.

هؤلاء، بما لديهم من تاريخ جنائي، عادة ما يثبتوا كفاءتهم في تنفيذ بعض الأهداف الأمنية والعسكرية، أو في تنفيذ مهام الحماية للشخصيات الهامة، وتنعكس هذه الكفاءة على جودة ودقة تنفيذ المهام والأهداف.

حسب صحيفة بزنس إنسايدر الأميركية، "غالبا ما يرتبط هؤلاء المرتزقة بنشاط إجرامي أو انتهاكات لقواعد النزاع المسلح... حيث تتمتع مجموعة فاغنر على وجه الخصوص بسجل حافل في جرائم الحرب".

علاوة على ذلك، فإن هذه  الشركات الأمنية الخاصة تمثل خطا موازيا للمؤسسات العسكرية الحكومية، وهي ككيان يتم التعاقد معه غير ملزم بالضوابط الأخلاقية التي تلتزم بها المؤسسة الحكومية، كما لا يكون مسؤولوها في العادة ملاحقين أو معرضين للمساءلة والمحاكمة أو إلى العقاب والتجريد من المناصب والألقاب.

قصة البداية

لم تكن موسكو من أول من مارست هذا السلوك، وإن كانت قد اشتهرت به مؤخرا، فقد استفادت من تجربة الأميركيين والبريطانيين، في استئجار شركات أمنية خاصة لتنفيذ أهداف عسكرية وجيوسياسية.

وفق الدكتورة ماريا نيبولسينا العاملة في مركز العلوم السياسية للأمن الأوروبي والأطلسي ومعهد الدراسات الدولية في موسكو، فإن المملكة المتحدة كانت أول من انخرط في نشاط عسكري وأمني خاص في أوائل الستينيات، وذلك من خلال شركة Watchguard International البريطانية.

توضح الدكتورة ماريا في دراستها المنشورة في 30 يونيو/حزيران 2019 أن مؤسس القوات الجوية الخاصة في المملكة المتحدة ديفيد ستيرلينغ، اقترح أن الضباط المتقاعدين من القوات الجوية الخاصة يجب أن يتم توظيفهم بشكل خاص كمدربين لتدريب أنصار الملك على تشغيل الأسلحة والاتصالات وتزويدهم بالمساعدة الطبية.

وأضافت: أدت أحداث عام 1967 في اليمن إلى ظهور Watchguard International، أول شركة عسكرية وأمنية خاصة، وهكذا كانت العملية في الشرق الأوسط بمثابة بداية لشكل جديد من المواجهة السياسية بين القوى العالمية.

هذه الحيلة سمحت لها بتحقيق مصالحها الجيوسياسية دون إشراك القوات المسلحة النظامية وتجنب التدخل العلني في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، كما مهد هذا الطريق لاتجاهات جديدة في المجال العسكري الأمني: تعليم وإعداد وتدريب أفراد القوات المسلحة.

وأتى مقترح إنشاء شركة أمنية خاصة بعد أن كانت لندن قد رفضت الاعتراف بالسلطة الجديدة في عدن (كانت خاضعة للاستعمار البريطاني) عام 1962، في حين اعترفت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي بالسلطة الجديدة، الأمر الذي دفع المملكة المتحدة للنظر في خطة لاستعادة سلطتها السابقة بمساعدة مرتزقة دون إشراك القوات المسلحة البريطانية.

مصدر الإلهام

أما مصدر الإلهام للاستعانة بالشركات الخاصة فيعود للولايات المتحدة، وفق ما كشف معهد كريستيان ميشيلسن النرويجي للأبحاث في الدراسة التي نشرها في مارس/آذار 2018 بعنوان "كيف يؤثر استخدام روسيا للشركات العسكرية الأمنية على استخدام روسيا للقوة وما هي انعكاسات ذلك على الأمن الأوروبي والنرويجي؟".

الدراسة أكدت أن استخدام الولايات المتحدة المكثف للشركات العسكرية والأمنية الخاصة في العمليات العسكرية في العراق وأفغانستان "مثّل مصدر إلهام للعديد من البلدان الأخرى المهتمة بتوسيع ذخيرة القتال الحربي والصناعات الدفاعية".

وأوضحت أنه على مدى العقدين الماضيين أصبحت الشركات العسكرية والأمنية الخاصة فعالة في الحرب الحديثة، حيث سيطرت هذه الشركات الغربية حتى الآن على هذا الاتجاه، وبالتالي تم توجيه الجزء الأكبر من الاهتمام الأكاديمي والإعلامي إلى هذا الجزء من الصناعة.

تضيف الدراسة: "تزدهر أيضا أنواع أخرى من مقدمي القوات الخاصة في روسيا، بما في ذلك المليشيات الخاصة التي ينتمي إليها (الرئيس الشيشاني) رمضان قديروف، والشركات العسكرية والأمنية الخاصة الروسية". 

وبالفعل عملت عدد من دول الشرق الأوسط على الاستفادة من هذه التجربة، فقد عمدت الإمارات العربية المتحدة إلى استئجار شركة الرمح المملوكة للهنغاري الإسرائيلي إبراهام غولان لتنفيذ برنامج تصفية واغتيال يطال قائمة من قادة حزب الإصلاح في اليمن، وذلك بحسب تحقيق استقصائي أجرته وكالة بازفيد نيوز الأميركية في أكتوبر/تشرين الأول 2018.

مليشيا فاغنر

رغم كون الشركات الأمنية الخاصة انتشرت كظاهرة في موسكو، وذلك كمشاريع تجارية ينشئها ضباط روس متقاعدون، إلا أن أشهرها مجموعة فاغنر  التي تعد مثالا للشركات الخاصة وفخرا لصناعة المليشيات الروسية، ثم يأتي بعدها عدد من الشركات الصغيرة والناشئة.

وحسب موقع بزنس إنسايدر، فإن مجموعة فاغنر شركة عسكرية روسية خاصة لها علاقات وثيقة مع حكومة موسكو، ويعود صعود المجموعة التي أسسها ضابط سابق في المخابرات العسكرية الروسية، على المسرح الدولي إلى عام 2014 في أوكرانيا.

وتتألف مجموعة فاغنر من أفراد عسكريين سابقين، وتقدم المشورة القتالية والدفاع الداخلي والأجنبي، وتدريب القوات المحلية وخدمات العمل المباشر، وغالبا ما تعمل بالاشتراك مع أجهزة المخابرات الروسية ووحدات العمليات الخاصة.

صديق بوتين ورجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوزين الذي اتهمته الولايات المتحدة لدوره في التدخل في الانتخابات الرئاسية لعام 2016، يمول هذه الشركة.

ضبابية متعمدة

وحسب أحمد حسن، الرئيس التنفيذي لـ "Gray Dynamics"، وهي شركة استشارات استخباراتية، لبزنس إنسادير الأميركية فإن الموجة الثانية من "التدافع من أجل إفريقيا" هذه المرة تأتي من أجل الموارد والنفوذ الدولي.

وأضاف للموقع الأميركي: "تم نشر مقاتلي مجموعة فاغنر من قبل موسكو كامتداد لطموحاتها الخارجية والعسكرية لتقديم خدمات إلى الأنظمة الاستبدادية، التي غالبا ما تحاول حل الاضطرابات المدنية بالقوة. وفاغنر أداة من هذا القبيل".

وتابع: "تقدم هذه المجموعة لموسكو أداة سياسة خارجية ملائمة ومرنة تتماشى مع تفضيلها للعمليات منخفضة الرؤية، فيما يحافظ الكرملين على قابلية الإنكار عندما ينشر قوات شركة فاغنر، نظرا لعدم وجود سجل رسمي للشركة في روسيا".

وفي الواقع، فإن الضبابية المتعمدة التي تحيط بمجموعة فاغنر وعملياتها تمكن الرئيس فلاديمير بوتين من الادعاء بأن أي روسي يقاتل في ليبيا لا يحصل على رواتب أو دعم من حكومته.

وقد وجد مرتزقة فاغنر في ليبيا منذ عام 2018 على الأقل، في الوقت الذي تشير فيه وزارة الخارجية الأميركية، إلى أن هناك حوالي 2500 منهم يقاتلون مع قوات حفتر، بالإضافة إلى 3800 مقاتل سوري، يدعمون حكومة الوفاق الوطني، وفق الموقع.

مهام سرية

ورغم كون الشركات الخاصة غير قانونية في روسيا، إلا أن بوتين يتحدث عنها بشكل إيجابي، وذلك ما حصل في 2012 عندما تحدث عن مشروع لتطوير الشركات العسكرية والأمنية الخاصة.

وخلال السنوات القليلة الماضية كان هناك مشروع لتمرير تشريع لمنح هذه الشركات القانونية وتطويرها من خلال مجلس الدوما لكنها فشلت.

وحسب الدكتورة ماريا نيبولسينا العاملة في مركز العلوم السياسية للأمن الأوروبي والأطلسي ومعهد الدراسات الدولية في موسكو فإنه رغم أن جنود فاغنر وباتريوت معروفون بأنهم ينتقلون من صراع إلى آخر (أوكرانيا وليبيا وسوريا وجمهورية إفريقيا الوسطى وفنزويلا)، فإن غموض وظائفهم، بما في ذلك الارتزاق، يشبههم بأنهم غير قانونيين.

وتنفي روسيا ضلوعها في أي نوع من أنشطة المرتزقة في الخارج وسقوط ضحايا من المواطنين الروس المشاركين في هذه الجماعات.

فاغنر وباتريوت اللذان يتألفان من "جنود الثروة" بدلا من المتعاقدين يمكن مقارنتهما بالمرتزقة الأجانب الذين عملوا ذات مرة في أزمة الكونغو فترة الستينيات وفي العديد من الانقلابات الإفريقية في الثمانينيات والتسعينيات، وأخيرا لا يمكن للاستخدام غير القانوني لمجموعات المرتزقة حتى من قبل دولة قوية تجديد ترسانتها من الأدوات على المدى الطويل.

ولأنها غير قانونية، فإن مهامها عادة ما تكون سرية وينتابها الغموض، فحسب موقع "بيزنس إنسايدر" الأميركي، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستعمل مجموعة فاغنر في عمليات سرية لدعم طموحاته في إفريقيا.

يضيف الموقع: يأتي ذلك في الوقت الذي تسعى فيه روسيا إلى زيادة نفوذها في إفريقيا، والوصول إلى مواردها، ويعد مرتزقة فاغنر جزءا أساسيا من هذه الخطة حيث تتولى هذه القوات دعم أهداف روسيا في جميع أنحاء القارة.

وفيما قادت مجموعة "الرجال الخضر" المدعومة من موسكو غزو القرم وشرق أوكرانيا في 2014، ينفذ اليوم المرتزقة من مجموعة فاغنر السياسة الخارجية لروسيا في إفريقيا والشرق الأوسط.