أفغانستان ومعضلة الاختيار بين إسلام أباد وطالبان باكستان.. لمن الأولوية؟

منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

منذ سيطرة طالبان على أفغانستان في أغسطس/ آب 2021، دخلت العلاقات بين كابول وإسلام آباد في دوامة من التوتر المتصاعد، وسط اتهامات باكستانية متكررة للحكومة الأفغانية الجديدة بدعم الفرع الباكستاني للحركة وإيواء عناصرها في المناطق الحدودية المشتركة.

وفي أحدث جولة توتر الطرفين، نفذت القوات الباكستانية نهاية أغسطس 2025، هجوما بطائرات مسيرة استهدف مناطق في ولايتي خوست وننكرهار شرقي أفغانستان، ما أسفر، عن سقوط 3 قتلى وإصابة 7 آخرين في صفوف المدنيين.

مع ذلك، طرحت صحيفة "8 صبح" الأفغانية فرضية مفادها أن "الهجوم الباكستاني الأخير جرى بتنسيق مع طالبان أفغانستان وبضوء أخضر منها، وإذا ما ثبتت صحة هذا الطرح فإن ذلك يعني أن العلاقات بين الحركة وباكستان يُعاد تشكيلها من جديد".

فردا على التصعيد الأخير، اكتفت حكومة طالبان باستدعاء السفير الباكستاني في كابول وسلمته مذكرة احتجاج رسمية.

وتعد باكستان دعم الحركة تهديدا مباشرا لأمنها القومي، خاصة في ظل تزايد الهجمات التي تُنسب إلى التنظيم انطلاقا من الأراضي الأفغانية. 

في المقابل، تنفي طالبان هذه الاتهامات، مؤكدة أنها لا تسمح باستخدام الأراضي الأفغانية لتهديد أمن الدول المجاورة.

دبلوماسية متعثرة 

وترى الصحيفة أن "هذه الهجمات تكشف مرة أخرى عن محدودية نجاح الجهود الدبلوماسية الصينية في تسوية التوترات بين باكستان وطالبان".

فبعد أكثر من عام من الجهود الدبلوماسية، لم تنجح بكين في تحقيق اختراق ملموس في هذا الملف، رغم استضافتها المتكررة لاجتماعات ثلاثية جمعت ممثلين عن الصين وباكستان وطالبان.

وبينما استضافات كابول وبكين عدة جولات من المحادثات الثلاثية، اكتفت إسلام آباد بعقد لقاء واحد على أراضيها في مايو/أيار 2023.

ولفتت الصحيفة إلى أن "هذا الاجتماع عقد في وقت لم تكن العلاقات بين الطرفين قد وصلت إلى مستوى التوتر الحالي، ولم تكن الصين قد انخرطت رسميا بعد في جهود إنهاء النزاع".

أما الاجتماع الثلاثي الأخير الذي استضافته كابول نهاية أغسطس 2025، فقد رُوج له إعلاميا على أنه خطوة إيجابية، لكن الهجوم الباكستاني جاء ليقوض هذا التفاؤل.

الهجوم يكشف أيضا عن "تعقيدات أعمق"، إذ يرى مراقبون أن "فشل الوساطة الصينية قد لا يكون مجرد نتيجة لعجز دبلوماسي".

ويذهب المحللون إلى أن أطرافا إقليمية ودولية قد تسعى عمدا إلى إفشال الدور الصيني، عبر دعم مباشر أو غير مباشر لطالبان باكستان، أو من خلال تشجيع الحركة الأفغانية على التشدد في مواجهة إسلام آباد.

ورجّحت الصحيفة أن "تتولى الولايات المتحدة الأميركية والهند هذا الدور، نظرا لما تبديه كل منهما من رغبة واضحة في الحد من النفوذ الإقليمي والدولي للصين، وهو ما قد يدفعهما إلى اتخاذ خطوات من شأنها إعاقة هذه المساعي الدبلوماسية".

معضلة الاختيار 

"من جانبها، تبدو طالبان مُصرّة على الوقوف إلى جانب فرعها في باكستان، رغم إدراكها أنها غير قادرة على مواجهة إسلام أباد عسكريا، وأن الدخول في صراع مفتوح معها ستكون عواقبه كارثية على الحركة". تقول الصحيفة.

وترى أنه على الرغم من أن باكستان استخدمت العديد من الأدوات لإقناع طالبان بالتخلي عن هذا الدعم، فإن هذه المحاولات لم تجد نفعا يذكر.

واستدركت: "لكن إذا اضطرت كابول للاختيار بين إسلام أباد وحركة طالبان الباكستانية، فمن المرجح أن تختار الأولى وتتخلى عن الثانية".

وبررت ذلك قائلة: "تدرك الحكومة الأفغانية أن طالبان باكستان، مهما بلغت قوتها، لا تملك القدرة على تغيير النظام القائم في إسلام أباد".

علاوة على ذلك، أشارت إلى أن "طالبان تسعى إلى نيل الاعتراف الدولي كحكومة شرعية، وهو ما يتطلب منها التخلي عن الجماعات المصنفة إرهابية من قبل معظم دول العالم".

ورغم هذه المعطيات، أوضحت أن "طالبان لا تزال تتجاهل المخاوف الأمنية التي تبديها دول الجوار، ما يثير تساؤلات حول مدى استعدادها لتغيير نهجها".

و"يعيد هذا العناد إلى الأذهان موقف الحركة المتصلب سابقا في دعمها لزعيم تنظيم القاعدة الراحل، أسامة بن لادن، رغم الضغوط الدولية الهائلة لوقف هذا الدعم".

تنسيق مشترك 

ولم تستبعد الصحيفة أن "تكون أفغانستان قد وافقت على الهجوم الباكستاني الأخير ضد حركة طالبان باكستان".

وعزت ذلك بقولها: "إن طبيعة رد الحركة الرسمي توحي بذلك؛ إذ اكتفت طالبان بتسليم مذكرة احتجاج للسفير الباكستاني في كابول، دون أن تصدر عنها التصريحات الحادة المعتادة التي كانت تتوعد فيها بردّ قاس" على مثل هذه الهجمات.

وأضافت: "هذه المرة، بدا أن حكومة طالبان حرصت على أن تبقى ردودها ضمن الإطار الدبلوماسي".

وتعتقد أن "العامل الرئيس الذي قد يكون دفع كابول إلى التنسيق مع باكستان أو قبول الهجوم هو الجدل المثار حول مؤتمر معارضي طالبان المزمع عقده في إسلام آباد، والذي أُجل لمدة شهر".

فبحسب الصحيفة "أثار هذا المؤتمر ضجة كبيرة، حتى إنها أقلقت شخصيات بارزة مثل المبعوث الأميركي السابق للسلام في أفغانستان زلماي خليل زاد".

ففي مقابلة حديثة، أعرب خليل زاد عن عدم ممانعته عقد اجتماعات لمعارضي طالبان في أي دولة.

لكنه حذّر من اختيار باكستان كموقع لهذه اللقاءات، مشيرا إلى "حساسية دور إسلام آباد في الشأن الأفغاني، ماضيا وحاضرا ومستقبلا".

هذا القلق “يكشف عن مدى تأثير باكستان في ديناميكيات الصراع الأفغاني، مما يعني أن قلق طالبان من هذا المؤتمر قد يكون أكبر بكثير من قلق خليل زاد نفسه”. وفق الصحيفة.

ضربة قاضية 

من جانب آخر، أشارت إلى أن "الرأي العام الأفغاني انقسم حيال مؤتمر المعارضة المزمع انعقاده، بين المدح والتنديد".

وذكرت أن "الانتقادات انطلقت من قناعة متجذرة بأن معظم أزمات أفغانستان مرتبطة بدور باكستان، وبالتالي فإن استضافة المعارضة في هذا البلد أمر مرفوض".

كما أن الهجوم الباكستاني الأخير على الأراضي الأفغانية جعل من مشاركة المعارضة في أي مؤتمر لاحق داخل باكستان أكثر تعقيدا؛ إذ سيُقال إن إسلام آباد تضرب أفغانستان عسكريا، بينما يطلب معارضو طالبان دعمها السياسي.

ولذلك ترى الصحيفة أن "تنظيم المؤتمر في إسلام آباد بات أصعب من السابق، ما يجعل الضوء الأخضر لطالبان بمثابة ضربة قاضية" لهذا الاجتماع.

واستطرد: "وحتى في حال غياب أي تنسيق مباشر، فإن فرص انعقاده تقلصت كثيرا بعد هذه التطورات".

في هذا السياق، لفتت الصحيفة إلى أن "إفشال عقد المؤتمر يحمل أهمية بالغة لطالبان، أكثر مما يعني لباكستان نفسها".

فقد أفادت تقارير سابقة أن تأجيل مؤتمر إسلام آباد جاء نتيجة طلب مباشر من طالبان خلال الاجتماع الثلاثي في كابول.

وقد أكّدت قناة "سي إن إن نيوز 18" الهندية أن "الهجوم الباكستاني جرى بموافقة طالبان".

ونوَّهت الصحيفة إلى أنه "في ظل التنافس الحاد بين نيودلهي وإسلام آباد، فإنه لا يفترض بالإعلام الهندي نشر مثل هذا المحتوى".

وتابعت: "بل على العكس، من المفترض أن يُبرز الإعلام الهندي أي خلاف بين كابول وإسلام أباد، بما من شأنه تأجيج التوتر بين الحركة وباكستان، وهو ما يتماشى مع مصالح نيودلهي في إضعاف العلاقة بين الطرفين".