تقارب أسمرة مع تيغراي.. هل تشهد المنطقة حربا بين إثيوبيا وإريتريا بدعم سوداني؟

منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في تحول دراماتيكي بعد أكثر من عامين من تجنب الخوض في المسألة، وجّهت إثيوبيا في يوليو/ تموز 2025، أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، اتهامات إلى إريتريا باحتلال أجزاء من إقليم تيغراي شمال البلاد وارتكاب انتهاكات هناك.

وكانت القوات الإريترية قد شاركت إلى جانب الجيش الإثيوبي في حرب تيغراي (2020-2022) ولم تنسحب بشكل كامل حتى بعد انتهائها.

ورغم أن اتفاق بريتوريا لعام 2022 بين الحكومة الإثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وضع حدا للحرب، فإنّه أدى في المقابل إلى تأزم العلاقة بين أديس أبابا وأسمرة.

تصاعد التوترات

وفي هذا السياق، نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية مقالا للمحلل دانيال برهان، يرى فيه احتمالية قيام حرب بين إثيوبيا وإريتريا، مع وجود دعم سوداني للأخيرة.

وتصاعدت التوترات مع الموجة الأخيرة من تبادل الاتهامات، ففي مايو/أيار، اتهم الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، إثيوبيا بأنها تنخرط في "حملة تسلح واسعة" وتتآمر ضد حكومته.

وردّت أديس أبابا في يونيو/حزيران بمذكرة دبلوماسية اتهمت فيها إريتريا و"الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" بالتخطيط لشن "هجوم كبير" داخل الأراضي الإثيوبية.

ويرى الكاتب أن “التطورات الأخيرة تحمل في طياتها ملامح أزمة إقليمية شاملة”.

ومع ذلك، فإن إعادة إثيوبيا ضبط مقاربتها تجاه الملف الإريتري وعملية السلام في تيغراي، يُمكن الحكومة الإثيوبية - والمجتمع الدولي الأوسع- من تخفيف حدة الصراع أو تجنبه.

ومنذ انفصالها عن إثيوبيا عام 1991، اتبعت إريتريا نهجا صداميا في المنطقة، شمل اشتباكات متكررة ورعاية جماعات مسلحة، ما دفع الأمم المتحدة إلى فرض عقوبات عليها. 

أما علاقاتها الودية السابقة مع حكومة إثيوبيا بقيادة "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي"، فقد انهارت مع نهاية العقد نفسه.

وأشعلت أسمرة نزاعا حدوديا للضغط من أجل الحصول على تنازلات سياسية متصلة بمسألة تكافؤ العملة، ما أدى إلى حرب دامية بين 1998 و2000.

ومنحت لجنة الحدود الإريترية الإثيوبية، التي شُكّلت لاحقا، قرية بادمي المتنازع عليها لإريتريا؛ وأدى إصرار أديس أبابا على ترسيم الحدود عن طريق التفاوض إلى طريق مسدود دام قرابة عقدين من الزمن.

وبحسب المقال، بدا أن إريتريا تفتح صفحة جديدة عام 2018، حين التقى الرئيس أفورقي برئيس الوزراء الإثيوبي الجديد حينها، آبي أحمد، ووقع معه اتفاق سلام هش لاستعادة العلاقات الدبلوماسية وحركة النقل والتجارة والاتصالات، ما دفع الأمم المتحدة إلى رفع العقوبات.

آليات رقابة

ورغم تراجع حدة العداء، فإن أسمرة لم تنه أو تخفف خدمة التجنيد الإجباري غير محددة المدة، بل شرعت في شراء الأسلحة، مظهرة قدرا ضئيلا من الاهتمام بتطبيع التجارة أو حسم ترسيم الحدود.

وأوضح أن أفورقي استغل هذه الصداقة لمواصلة طموحاته الإقليمية، بينما رأى فيها آبي أحمد فرصة لتأمين حليف محتمل في مواجهة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي.

وقد أدّى صعود آبي أحمد للسلطة عام 2018 إلى تهميش الجبهة التي كانت تهيمن سابقا على المشهد السياسي الإثيوبي، وحصر نفوذها في إقليم تيغراي.

وعلى مدى عامين من تصاعد التوترات السياسية والإجراءات المؤسسية، ازداد شعور التيغراي بالتهميش، ليتوج ذلك باندلاع حرب تيغراي؛ حيث غزت القوات الإثيوبية والإريترية والأمهرية تيغراي وارتكبت فظائع ممنهجة. وفق المقال.

وجاء اتفاق بريتوريا ليُرسي وقفا لإطلاق النار، وسعى إلى استعادة النظام الدستوري والتطبيع السياسي والمساءلة والتعافي الاقتصادي و"تسوية دائمة للنزاع".

غير أنه كان إطارا هزيلا بآليات رقابة ضعيفة، فيما اتجهت الحكومة الإثيوبية إلى مقاربات غير رسمية مع قادة التيغراي بدلا من الالتزام بالمسار الرسمي.

وفي البداية، تحقق تقدم في قضايا مثل وصول المساعدات الإنسانية، واستئناف خدمات الاتصالات والنقل، ونزع السلاح، وترتيبات الأمن، وتشكيل إدارة إقليمية مؤقتة، وذلك من خلال لقاءات ثنائية غير رسمية.

لكن هذا الانفراج الأولي أخفق في تنفيذ التزامات أساسية، أبرزها الانسحاب الكامل للقوات الإريترية و"قوات الأمهرة"، وإعادة الذين نزحوا قسرا، وإطلاق حوار سياسي ذي مصداقية.

وقال برهان: "رغم وجود فرصة لإعادة ضبط العلاقات مع إريتريا عقب الانفراج بين أديس أبابا وجبهة تحرير تيغراي الشعبية، رفض الطرفان المساعدة الأميركية في ترسيم الحدود".

"وبدلا من ذلك، أقامت إريتريا نقاط تفتيش داخل تيغراي، مدعية الالتزام بقرارات لجنة الحدود، أما أديس أبابا فتغاضت عن تقارير الاحتلال والانتهاكات التي ارتكبتها القوات الإريترية، معتبرةً ذلك حاجزا أمام أي تقارب محتمل بين جبهة تحرير تيغراي وإريتريا".

تكتيكات غير مجدية

لكن سرعان ما اتضح أن هذه التكتيكات لم تكن مجدية -بحسب المقال- ومع تدهور العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا، تحركت أسمرة بهدوء نحو التقارب مع جبهة تحرير تيغراي.

وتسارع هذا التحول بعد تعهد آبي أحمد عام 2023 باستعادة حق إثيوبيا في الوصول السيادي إلى البحر الأحمر، وهو الأمر الذي شكّل هاجسا مزمنا للنخبة الإثيوبية منذ انفصال إريتريا. 

وقد رأت أسمرة في التحالف مع تيغراي وسيلة لتأمين حاجز إستراتيجي على حدودها مع إثيوبيا.

وكانت الاتصالات عبر قنوات خلفية قائمة بحلول أوائل عام 2024 على الأقل، وتزايدت، بحسب التقارير، بنهاية العام.

وفي مايو، بعد أيام من إزالة القوات الإريترية نقطة تفتيش عسكرية داخل شمال شرق تيغراي، مما خفف من حركة المدنيين إلى بلدة زالامبيسا الحدودية الإثيوبية، هنأ زعيم جبهة تحرير شعب تيغراي، ديبريتسيون جبريميكائيل، إريتريا علنا بعيد استقلالها.

وتأكد هذا التقارب في يوليو، عندما أشار قائد تيغراي، في خطاب مثير للجدل، إلى أن إريتريا ستبقى على الحياد -إن لم تكن تميل إلى تيغراي- في حال اندلاع الحرب.

وفي مارس/آذار، أجبر فصيل من الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وضباط مسلحون متحالفون معها مسؤولي الإدارة الإقليمية المؤقتة على الرحيل.

وبعد أسابيع، في مايو، ألغت الحكومة الإثيوبية الاعتراف القانوني بالحزب بذرائع إجرائية، وزُعم أنها بدأت في دعم فصيل منشق.

وقال برهان: "تُحاكي تكتيكات أديس أبابا القسرية العشوائية -مثل قطع الوقود وقيود السفر إلى تيغراي- تلك التي سبقت حرب تيغراي".

ففي مايو، أغلقت لفترة وجيزة طرق الإمداد والأسواق الحيوية جنوب تيغراي، متذرعة بالتهريب عبر الحدود الإريترية.

هذه الإجراءات قد تُعزز، دون قصد، نفوذ جبهة تحرير شعب تيغراي من خلال تمكين خطابها الحربي -باستدعاء إرثها في المقاومة ووصم المعارضين كتهديد أمني- إلى جانب زيادة الدعم لإنشاء ممر إمداد بديل عبر إريتريا، بحسب تقييم الكاتب.

وأوضح جبريمايكل، في أغسطس أن التقارب مع إريتريا -المُصاغ على أنه دبلوماسية بين الشعبين- من شأنه أن يكسر الحصار الذي عانت منه تيغراي في ظل التحالف الإثيوبي الإريتري.

ومع ذلك، فإن إعادة تقييم العلاقات هذه قد تدفع أديس أبابا إلى بدء صراع استباقي، أما الدبلوماسية المعتمدة على المصالح المؤقتة والاقتصاد المحدود لإريتريا، فهي لا تقدم لمنطقة تيغراي سوى تحالف عسكري تكتيكي مؤقت. بحسب المقال.

بدوره، قلّل آبي أحمد من أهمية التحالف المحتمل بين إريتريا وجبهة تحرير شعب تيغراي، مشيرا إلى تفوقها التكنولوجي، ومتجاهلا القدرة العسكرية لأسمرة، كما أنه يعول على إرهاق شعب تيغراي من الحرب وتنامي معارضته لجبهة تحرير شعب تيغراي.

ومع ذلك، فإن شعبا خاب أمله من تعثر عملية السلام ومحدودية مكاسب السلام قد يستسلم بهدوء لعجلة القدر، بحسب تعبير الكاتب.

انجرار السودان

وأشار المقال إلى أن هناك تداعيات إقليمية مهمة لتحالف إريتريا وتيغراي. 

ففي حال اندلاع أي صراع على هذا الأساس، ستصبح عاصمة إثيوبيا وممرها البحري إلى ميناء جيبوتي معرضة للخطر نظرا لقربها من أقصى جنوب إريتريا، كما ستُلغى قدرتها على فرض الحصار والتعتيم الإعلامي.

علاوة على ذلك، اتهمت الحكومة العسكرية السودانية المحاصرة -المدعومة من إريتريا- إثيوبيا أخيرا بتوغلات عبر الحدود، مما أثار احتمال انجرار السودان إلى الصراع الأوسع.

وسعت سلسلة من الزيارات الأخيرة لدبلوماسيين أميركيين وأوروبيين إلى ميكيلي، عاصمة إقليم تيغراي، للحفاظ على مسار عملية السلام من خلال التأكيد على دعم التنفيذ الكامل لاتفاق بريتوريا.

إلا أن رسم طريق مستدام نحو تسوية سياسية يتطلب تبني تحولات إستراتيجية فيما يتعلق بإريتريا، واتفاق بريتوريا، وتنسيق الجهود الدبلوماسية، وفق المحلل برهان.

واستدرك: "اليوم، تبدو آفاق التدخل الفعّال قاتمة، فمنطقة القرن الإفريقي تقع في أسفل قائمة أولويات واشنطن، ولم يُعيّن بعد مبعوث خاص لها".

ولفت برهان إلى أنه “ولملء هذا الفراغ، يجب على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التنسيق حول أولويات واضحة ونتائج محددة، وتمكين كبار دبلوماسييهما في المنطقة من اقتراح مبادرات مستهدفة وتنسيقها والإشراف عليها بشكل مشترك”.