آلية الزناد.. هل تشعل أوروبا فتيل المواجهة بين طهران وواشنطن؟

"إسرائيل قامت بالأعمال القذرة نيابة عن أوروبا"
إن مساعي فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على طهران ليست سوى الخطوة الأولى التي ترفع بها أوروبا احتمالات الحرب مع إيران.
هكذا يقيم المؤسس المشارك ونائب الرئيس التنفيذي لـ"معهد كوينسي" الأميركي، تريتا فارسي، المشهد، بعد أن أعلنت فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة أنها ستفعّل "آلية الزناد" (Snapback) ضد إيران.
وسيُطلق هذا التوجه عملية مدتها 30 يوما، ومن المرجح أن تُتوّج بإعادة فرض جميع العقوبات الأممية التي رُفعت بموجب الاتفاق النووي لعام 2015.
وأُنشئت هذه الآلية بموجب الاتفاق النووي الإيراني، وتسمح لأي طرف مُشارك بإعادة فرض العقوبات الأممية التي كانت سارية قبل هذا العام، إذا ارتأت أن إيران تُخالف التزاماتها.
وتحتوي هذه الآلية على نقطة تحول تجعلها قوية للغاية، فعادة ما يعمل مجلس الأمن على افتراض أن العقوبات تحتاج إلى إجماع إيجابي لإقرارها.
لكن في ظل “آلية الزناد” يُعكس هذا المنطق، فبمجرد تفعيلها، تبدأ مُهلة 30 يوما، وتُعاد العقوبات تلقائيا ما لم يُصوّت مجلس الأمن على إبقاء تعليقها، مما يعني أن أي عضو دائم يُمكنه إعادة فرضها باستخدام حق النقض (الفيتو) مرة واحدة.

أربع عواقب
غير أن هذه الخطوة تحمل أربع عواقب رئيسة، استعرضهم فارسي، في تقرير نشرته مجلة "ريسبونسبل ستيتكرافت" التابعة للمعهد.
أولا، سيعتمد مجلس الأمن رسميا الطلب -الذي دفعت به إسرائيل- بأن توقف إيران جميع أنشطة تخصيب اليورانيوم، وقد صاغت إسرائيل هذا الطلب لـ"تخريب الدبلوماسية النووية ودفع الصراع نحو الحرب". وفق توصيف فارسي.
ثانيا، سيعود حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران، مما قد يحد من قدرتها على إعادة بناء ردعها ضد أي ضربات إسرائيلية أو أميركية مستقبلية، شريطة أن تتعامل روسيا والصين مع إعادة فرض العقوبات على أنها شرعية.
لكن استبعد الباحث في كلية وودرو ويلسون للشؤون العامة والدولية بجامعة برينستون، سينا توسي، أن تطبق روسيا والصين العقوبات من جانب واحد.
وهذا سيؤدي -بحسب توسي- إلى تعثر تطبيقها، وجعله غير منظّم عبر النظام الدولي، وما يترتب على ذلك من إضعاف ليس فقط الاتفاق النووي، بل ومصداقية مجلس الأمن الدولي نفسه.
وتابع بارسي: "ثالثا، سيشهد اقتصاد إيران -الهش أصلا- مزيدا من التدهور؛ فقد تضررت عملتها بالفعل".
وأخيرا، بدلا من تعزيز الدبلوماسية، فإن هذا الإجراء ينطوي على خطر تسريع التصعيد.
احتمالات الحرب
وقال فارسي: إن "إسرائيل لا تحتاج في الواقع إلى ذريعة لشن ضربة جديدة ضد إيران، كما ذكرتُ سابقا، غير أن آلية الإعادة قد توفر غطاء سياسيا مفيدا -غطاء رقيقا من الشرعية- لهجمات متجددة".
وتقول دول الترويكا الأوروبية: إن تفعيل "آلية الزناد" ضروري للضغط على إيران حتى تعود إلى طاولة التفاوض مع الولايات المتحدة، وتمنح الوكالة الدولية للطاقة الذرية حق الوصول إلى منشآتها النووية، بما في ذلك الكشف عن مخزون اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة.
ويرى فارسي أن هذه المطالب "قد تبدو معقولة ظاهريا، غير أن لطهران تحفظات مشروعة".
فالمسؤولون الإيرانيون يشتبهون في أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية سرّبت معلومات حساسة مكّنت الموساد من تنفيذ حملة اغتيالات ضد علمائها النوويين، ويخشون أن يؤدي الكشف عن موقع المخزون إلى جولة جديدة من الغارات الأميركية.
وأشار فارسي إلى أن إيران كانت على طاولة التفاوض حين بدأت كل من إسرائيل والولايات المتحدة بقصفها، ومع ذلك، تُصرّ مجموعة الدول الأوروبية الثلاث على عودة طهران إلى المحادثات، دون أن يوجهوا مطلبا موازيا لواشنطن بالامتناع عن تكرار القصف.
وربما الأكثر أهمية، بحسب فارسي، أنه "مع الفجوة غير القابلة للجسر بشأن التخصيب، ونفاد صبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الدبلوماسية، والضغط الإسرائيلي لاستئناف المواجهات، فإن إعادة إطلاق محادثات هي أصلا مرشحة للانهيار لا يؤدي إلا إلى زيادة احتمال اندلاع الحرب عاجلا لا آجلا، ما لم يُبدِ الطرفان مرونة أكبر في ملف التخصيب".
لكن ربما يكون هذا هو المغزى -وفق فارسي- فمجموعة الترويكا الأوروبية اليوم لا تشبه كثيرا ما كانت عليه قبل عقدين.
فحين أُنشئت عام 2003 كان هدفها منع إدارة جورج بوش -الخارجة للتو من غزوها الكارثي وغير الشرعي للعراق- من شن حرب جديدة، هذه المرة ضد إيران.
واستدرك فارسي: "أما اليوم، فقد تبدل السياق الجيوسياسي، فارتباط إيران بروسيا في حرب أوكرانيا جعلها في نظر أوروبا تهديدا مباشرا".
واستطرد: "كما أن الاتحاد الأوروبي بات أكثر اعتمادا على العلاقات عبر الأطلسي مما كان عليه قبل عشرين عاما، فيما جعلت جولات العقوبات المتعاقبة من إيران شريكا اقتصاديا هامشيا بالنسبة لأوروبا".
آليات التحقق
وقال فارسي: إن "التصعيد مع إيران عبر تفعيل آلية الزناد يخدم اليوم هدفين أوروبيين رئيسين: معاقبة طهران على دعمها لروسيا في حرب أوكرانيا، والتموضع إلى جانب التيار المتشدد في إدارة ترامب".
وهو تموضع محسوب لتخفيف التوترات في مجالات أخرى من العلاقة عبر الأطلسي التي تواجه ضغوطا غير مسبوقة.
وأوضح فارسي أن "بهذا المعنى، فإن تشكيل الترويكا الأوروبية، الذي أُنشئ عام 2003 لمنع الحرب، قد يكون في 2025 يدفعنا نحوها بدلا من صدها".
وتابع: "لكن لا تأخذوا كلامي فحسب، فقد اعترف مستشار ألمانيا فريدريش ميرتس بصراحة أن إسرائيل (قامت بالأعمال القذرة نيابة عن أوروبا) عبر قصف إيران في يونيو/حزيران 2025".
من جانبه، ذكر توسي أن هناك طرقا بناءة للحفاظ على آليات التحقق وفتح المجال أمام الدبلوماسية.
ولفت إلى أن "إيران تعرّضت للقصف بينما كانت على طاولة المفاوضات، وبحسب بعض التقارير كان الاتفاق على وشك التحقيق".
وبالطبع، فإن الثقة عملية متبادلة -وفق وصفه- وتقع حاليا على عاتق أوروبا مسؤولية العمل كطرف موثوق به في الحوار، لا كقوة تصعيدية ضمن مثلث التوتر بين الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران.
وأضاف أنه "بدلا من استخدام التهديدات، يمكن لأوروبا وشركائها أن يسعوا إلى تمديد فني قصير ومحدد بوضوح لمهلة القرار 2231".
وتابع: "ويمكن ربط ذلك بحزمة مؤقتة من خطوات متبادلة وتخفيف للعقوبات المستهدفة، بما يكفي لاستعادة وصول المفتشين، والحفاظ على الرقابة، وضمان أن تحقق إيران فوائد اقتصادية ملموسة".
وأكد توسي أن "هذه هي جوهر الدبلوماسية: المقايضة المدروسة، لا المطالب الأحادية بلا مقابل".