اغتيال إسرائيل لقادة حوثيين بارزين.. تحوّل إستراتيجي أم عملية تكتيكية؟

يوسف العلي | منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

على وقع الضربة الإسرائيلية "الموجعة" التي استهدفت حكومة الحوثيين في صنعاء (غير معترف بها)، برزت تساؤلات عن مدى تمكن تل أبيب من اختراق هذه الجماعة التي تستهدف الأراضي المحتلة؛ إسنادا لقطاع غزة، وكيف سينعكس ذلك على مسار الهجمات بين الطرفين؟

وفي 28 أغسطس/آب، قتلت إسرائيل رئيس حكومة الحوثيين أحمد غالب الرهوي مع 9 وزراء إضافة إلى مدير مكتب رئاسة الوزراء وسكرتير مجلس الوزراء، وذلك في قصف على صنعاء.

ومنذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، يستهدف الحوثيون السفن الداعمة لإسرائيل في البحر الأحمر، ثم وسّعوها بضرب الأراضي المحتلة بالصواريخ، الأمر الذي ردت عليه تل أبيب بضربات مكثفة على منشآت حيوية، لكنها هذه المرة الأولى التي تغتال فيها شخصيات كبيرة.

“قطرة حظ”

ورغم إعلانها في 30 أغسطس مقتل هذه الشخصيات، لم تكشف جماعة الحوثي عن مجموع من لقي مصرعه.

لكن موقع "الخلاصة نت" اليمني، نقل عن مصادر يمنية لم يسمها في 30 أغسطس، أن "عدد الضحايا بلغ ما لا يقل عن 37 قتيلا بينهم نواب وزراء ومسؤولون عسكريون وأمنيون رفيعون".

وذكرت "رئاسة الجمهورية" التابعة للحوثيين في صنعاء، أن "العدو الإسرائيلي استهدف رئيس الوزراء وعددا من رفاقه الوزراء في ورشة عمل اعتيادية تقيمها الحكومة لتقييم نشاطها وأدائها خلال عام من عملها".

وأضافت أن "عدد الوزراء جُرِح بإصابات متوسطة وخطيرة نتيجة العدوان الإسرائيلي وهم تحت العناية الصحية"، لافتة إلى أن "المؤسسات ستستمر في تقديم خدماتها للشعب اليمني، ولن تتأثر مهما بلغ حجم المصاب".

وأكد البيان أن الجماعة "مستمرة في موقف إسناد ونصرة أبناء غزة، وكذلك مستمرون في بناء قواتنا المسلحة وتطوير قدراتها لمواجهة كل التحديات والأخطار كما هو موقف شعبنا اليمني الحاضر في كل الميادين والساحات".

وفي السياق ذاته، قال وزير دفاع الحوثيين، اللواء محمد ناصر العاطفي، إنهم مستعدون "على جميع المستويات لمواجهة العدو الصهيوني المدعوم من الولايات المتحدة" وذلك في بيان بثّه التلفزيون التابع لها بعد وقت قصير من إعلان الخبر.

وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي في 29 أغسطس، أنه استهدف خلال العملية رئيس أركان الحوثيين محمد الغماري ووزير دفاعهم (لم يقتلوا في الاستهداف بحسب الجماعة) إلى جانب مسؤولين آخرين، مؤكدا أن الهجوم كان "ضربة دقيقة ضد مراكز القيادة والسيطرة" في صنعاء.

وأوضحت القناة 12 الإسرائيلية، أن طائرات سلاح الجو نفذت العملية التي أطلق عليها اسم "قطرة حظ" وركزت ضرباتها على اجتماع ضمّ 10 من كبار قادة الحوثيين بينهم رئيس أركان الجماعة.

وأشارت إلى أن نتائج الهجوم الذي تزامن مع خطاب لزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، لا تزال قيد الفحص، مُبَيّنة أن سلاح الجو الإسرائيلي شنّ أكثر من 10 غارات على أنحاء مدينة صنعاء.

كما أكّد وزير الجيش الإسرائيلي يسرائيل كاتس، عملية الاغتيال، قائلا خلال بيان في 30 أغسطس، إنه جرى توجيه "ضربة قاضية غير مسبوقة" لقيادة الحوثيين.

اختراق الجدار

وعن تداعيات استهداف إسرائيل مسؤولين كبارا للحوثيين، ومدى اختراقها للجماعة، قال الخبير العسكري اليمني، محمد الكميم: إن "هذه الضربة قوية بحجمها ومكانها، ونوعية الأشخاص الذين استهدفتهم، كونهم يشكلون حكومة بكامل أركانها مع رئيس الوزراء".

وأوضح الكميم في حديث لـ"الاستقلال" أن "الضربة تؤكد أن إسرائيل تمكنت من إحداث ثغرة في جدار الجماعة الحوثية وبنيتها القيادية رغم أن الأخيرة حاولت بكل قوتها أن تتجنب أخطاء إيران وحزب الله، وذلك بتأمين تحركاتها واتصالاتها".

ورأى أن "فشل جماعة الحوثي في تجنب الأخطاء التي كلفتها الكثير، جاء بسبب التفوق التكنولوجي والعسكري الذي تتميز به إسرائيل عن غيرها".

وشدد الكميم على أن "هذا الحدث مهم وكبير وله ما بعده، بعدما رأت إسرائيل أن ضرب البنية التحتية اليمنية في السابق لن يغير من سلوك هذه الجماعة، لذلك وجّهت ضربة إقصائية كبيرة جدا لها".

وبحسب الخبير اليمني، فإن "الضربة الإسرائيلية استطاعت أن تشلّ قدرات الحوثيين من الداخل، وهذه الاستهدافات سيكون لها آثار كبيرة جدا في الوضع العسكري للجماعة".

وعن انعكاساتها على الحرب بين الطرفين، قال الكميم: إن "الحوثي هو من سيقرر المسار القادم فيما إذا كانت ستتصاعد الضربات أم لا؛ لأنها جماعة مرتبطة بإيران".

وتساءل قائلا: “هل ستستمر الحوثي في توجيه ضربات لإسرائيل رغم أنها لا تؤدي- من الناحية العسكرية- غرض الردع؟ أم أنها ستخضع لها كما فعلت مع الولايات المتحدة عندما اتفقت على وقف الضربات في البحر الأحمر، واضطرت للاستسلام لأميركا؟”

وأردف الخبير العسكري، قائلا: “لا نعرف إذا ما كانت هذه الضربات الإسرائيلية كافية؛ لأن تتوقف عن قصف الأراضي المحتلة، أم أنها ستستمر بتوجيه إيراني؟” وفق قوله.

وفي 24 ديسمبر 2024، هدد يسرائيل كاتس علنا بأن تل أبيب ستلاحق كبار قادة الحوثيين أيضا، قائلا: “سنضرب البنى التحتية الإستراتيجية للمنظمة الإرهابية، وسنقطع رؤوس قادتها. وهذا ما سنفعله في الحديدة وصنعاء أيضا”، وفق تعبيره.

وكانت الهجمات الإسرائيلية السابقة قد نالت في أغلبها البنية التحتية المدنية في اليمن كالموانئ ومطار صنعاء ومحطات كهرباء ومواقع تخزين وقود، بذريعة أنها تُستخدم من قِبل الحوثيين.

مسار جديد

وعلى الصعيد ذاته، قال الكاتب اليمني، عبدالوهاب العوج: إن ضربات إسرائيل تطرح سؤالا جوهريا عما إذا كانت قد بدأت فعليا في بناء بنك أهداف حوثي فعال، أم أن ما جرى كان ضربة ظرفية استندت إلى معلومة استخباراتية عابرة؟

وأضاف الكاتب خلال مقال نشره موقع "بلقيس نت" اليمني في 29 أغسطس، أن “من أبرز العوامل التي أعاقت مثل هذه العمليات غياب الاختراق البشري داخل بنية الجماعة”؛ إذ "تعتمد واشنطن وتل أبيب على الاستخبارات التقنية بينما تعلم الحوثيون من تجربة حزب الله في لبنان والحرس الثوري الإيراني أساليب التمويه الأمني بتجنب استخدام الهواتف الذكية وغيرها".

ورأى العوج أن الاستهداف الأخير وجه ضربة مباشرة لبنية القيادة غير أنّ الجماعة لا تعتمد على القيادات الفردية فقط؛ إذ تمتلك مؤسسات موازية تشكل رافعة للبنية العقائدية والتنظيمية وعلى رأسها المجلس الجهادي الأعلى، والهيئة القضائية.

وأضاف الكاتب أن هذه المؤسسات تضفي غطاء شرعيا ودينيا على القرارات وتستخدم كأداة لتثبيت السيطرة وإخضاع المعارضين، وهو ما يمنح الجماعة قدرة على الاستمرار حتى في حال فقدان أحد أركانها القيادية.

وأشار إلى أن البنية الهرمية للجماعة تجمع بين القيادة العقائدية العائلية والقيادة العسكرية الميدانية ونظيرتها الإدارية والمالية وتتداخل مع المؤسسات الموازية لخلق تماسك داخلي يحميها من الانهيار السريع.

ولفت العوج إلى أن الانتقال من استهداف البنية التحتية إلى ضرب القيادة يتطلب شبكة رصد استخباراتية متعددة الطبقات وتعاونا إقليميا ودوليا".

وبيّن أن نهج قطع الرأس أصبح ركنا ثابتا في العقيدة العملياتية الإسرائيلية تجاه "وكلاء إيران" وهو ما يفتح الباب أمام مقاربة مشابهة في اليمن، إذا تمكنت تل أبيب من اختراق البنية الاستخباراتية الحوثية بشكل مستدام.

وفي ضوء هذه المعطيات، يعتقد العوج، أنه "لا يمكن قراءة الضربة التي نالت صنعاء بصفتها رد فعل تكتيكيا على هجمات الحوثيين بالطائرات المسيّرة، بل قد تكون مؤشرا على بداية مسار جديد".

وخلص في ختام حديثه إلى أن "الضربة كانت أكثر من ردّ ظرفي وربما تمثّل الخطوة الأولى في مسار بناء بنك أهداف حوثي على غرار ما حدث مع حزب الله في لبنان".

وأقرّت سلطة الحوثيين في صنعاء خطة تحقيقات أمنية واسعة تنال موظفي رئاسة الوزراء وعددا من الموالين لعائلة الرئيس اليمني الأسبق علي عبدالله صالح، إضافة إلى صنّاع محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك على خلفية الضربات الجوية الإسرائيلية. وفق موقع "الخلاصة نت".