"أرسل إشارات".. هل يقود الكاظمي العراق إلى التطبيع مع إسرائيل؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

للمرة الأولى، ومنذ احتلالها عام 1948، لم يخرج العراق بموقف رسمي غاضب يؤازر قضية فلسطين، والتزمت حكومته الصمت مثل أغلب الأنظمة العربية التي اعتبرت التطبيع الإماراتي الإسرائيلي شأنا يخص أبوظبي وحدها.

موقف العراق الرسمي اقتصر فقط على تصريحات رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي لصحيفة "واشنطن بوست" في 22 أغسطس/ آب 2020، حين أجاب على سؤالها بخصوص تطبيع الإمارات مع إسرائيل، بالقول: "هذا قرار إماراتي، ولا ينبغي لنا التدخل".

موقف بغداد الذي وصفه البعض بـ"السلبي والضعيف"، أثار تساؤلات عن مدى إمكانية انعكاس ذلك على علاقة العراق مع إسرائيل في المستقبل؟ وإلى أي حد يمكن لشخص رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي ذي التوجهات العلمانية، الأخذ بالعراق نحو تحسين العلاقة مع إسرائيل؟.

إشارات إيجابية!

في 26 أغسطس/ آب 2020، نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية مقالا للخبيرة الإسرائيلية في الشؤون العربية، سمدار بيري، قالت فيه: إن "العراق يرسل إشارات إيجابية للغرب، وربما لإسرائيل أيضا، وفقا لما جاء على لسان رئيس حكومته مصطفى الكاظمي، الذي أعلن أنه لن يواجه مشكلة في تحسين العلاقات مع تل أبيب".

وأضافت بيري: أنه "من السهل جدا التخمين بأن الكاظمي يعرف كبار المسؤولين الإسرائيليين من خلال منصبه السابق كرئيس للمخابرات. الكاظمي يوضح في محادثاته أنه لن يواجه مشكلة بتحسين العلاقات مع إسرائيل".

وتابعت: "لكن من الجانب الإسرائيلي تحديدا، مطالب بأن يسعى إلى تهدئة حماسه، فلا شيء سيتحقق بين بغداد وتل أبيب طالما استمر الحرس الثوري في إظهار وجود يقظ في العراق، وفي الوقت نفسه، هناك مجال للحديث، بمجرد نظرة إلى كيفية بدء العالم العربي والإسلامي يتحد في مواجهة واقع لم نكن نعرفه، وملخصه أن إسرائيل لم تعد هي العدو".

وأوضحت أن "القراءة الإسرائيلية لشخصية الكاظمي تظهر أنه شخصية غير عادية بين القادة العرب: فهو ابن 53 عاما، تم نفيه من بلاده في عهد صدام حسين، وأقام علاقات مع منظمات معارضة والمسؤولين الأميركيين، وعمل في موقع ميدل إيست مونيتور، الذي يوظف صحفيين إسرائيليين، وحين عاد للعراق عين رئيسا للمخابرات، وصولا لرئاسة الوزراء، ورغم أنه لا ينتمي للأحزاب، لكن المخابرات الأميركية تقف وراءه".

وأضافت بيري: "صحيح أن البيت الأبيض لا يعرض عليه الانضمام الآن لهذه الموجة التطبيعية، لأن العراق مطالب أولا بأن يجد طريقة لإخراج الحرس الثوري الإيراني، مع العلم أن الكاظمي مؤيد بالفعل لموقف الإمارات، ويتوقع أن يهبط في أبوظبي قريبا".

ورأت الكاتبة الإسرائيلية أن "الكاظمي يبعث بإشارة واضحة موجهة للغرب، فهو لا يدعو إلى انسحاب القوات الأميركية من العراق، ولا يعارض اتفاقات التطبيع مع إسرائيل، لكن في العراق رصاصة واحدة يمكن أن تلغي كل الخطط".

سفارة افتراضية

في 22 أغسطس/آب 2020، أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية عن فتح سفارة افتراضية في العراق، معربة عن أملها بانضمام بغداد لاتفاقيات التطبيع.

وقال المتحدث العربي باسم الخارجية الإسرائيلية حسن كعبية في تصريح صحفي: "اتفاق السلام بين الإمارات وإسرائيل نقطة تحول في منطقة الشرق الأوسط"، معربا عن أمله "بانضمام العراق إلى الدول العربية الأخرى التي وقعت اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل".

وأوضح أن إسرائيل "فتحت سفارة افتراضية في العراق تمثل الشعب العراقي"، لافتا إلى أن "العراق يستحق أن ينعم بالاستقرار، فهو يعاني من التدخلات الخارجية".

وردا على ذلك، قال عمار الحكيم زعيم تيار "الحكمة الوطني" عبر تغريدة على "تويتر" في 26 أغسطس/آب 2020: "نستنكر المحاولات الإعلامية الاستفزازية للكيان الصهيوني في إعلانه افتتاح سفارة افتراضية في العراق".

وأكد زعيم تيار الحكمة الشيعي أن "الثابت والمبدئي كما هو موقف العراق شعبا وحكومة من قضية القدس العادلة والشعب الفلسطيني الشقيق في استعادة كامل حقوقه".

من جهته، أعرب رئيس البرلمان الأسبق محمود المشهداني عن اعتقاده بأن الشيعة قد يذهبوا إلى التطبيع مع إسرائيل للبقاء في الحكم، بالقول: "الشيعة إذا أرادوا البقاء في الحكم ولا يذهب منهم ويعود إلى السنة، يذهبوا مع التطبيع وهذا الثمن".

وتابع خلال مقابلة تلفزيونية في 25 أغسطس/آب 2020: "الشيعة الآن يرفعون شعار (كلا)، وذلك معناه أن الحكم سيذهب لغيرهم".

وأردف: "الآن نحن في عصر بيع المبادئ وليس شراءها، 500 ألف يهودي يطالبون بالرجوع إلى العراق ويطالبون كذلك رئيس الوزراء بمنحهم الجنسية العراقية".

وبخصوص السفارة الافتراضية، قال المشهداني: "هناك داخل السفارة الأميركية في بغداد ممثلية إسرائيلية، وأنا رأيت بعيني النجمة السداسية (نجمة داود)، واشتكينا في وقتها لوزارة الخارجية العراقية وبعدها جرى إنزالها.

وأشار إلى أن غياب القرار العراقي الموحد يدفع إلى ذلك، بالقول: "الطريق إلى صيرورة عراقية مسدود، على العكس من طريق التبعثر والتشرذم فهذا طريق مفتوح".

كسر الحواجز

وعن احتمالات التطبيع بين العراق وإسرائيل، قال الباحث بالشأن العراقي لطيف المهداوي لـ"الاستقلال": "العراق يحكمه أمران، الأول: الضعف العام الذي يعانيه ويجعله غير قادر على أداء أي دور مؤثر على الساحة العربية والدولية، إذ إن لسان الحال يقول: إنه عاجز عن حماية أرضه فكيف ينتظر منه حماية أرض غيره؟".

أما الأمر الثاني، حسب المهداوي فيتمثل في "الوجه الجديد للعراق، والذي تتسلل له دون شك إسرائيل، وتجد لها مؤيدين بعدما أتت سياسة كسر الحواجز ثمارها".

وأعرب الباحث عن اعتقاده بأن "الانشغال العراقي بهمومه الداخلية، وعدم استقرار وضع الحكومة، وعدم الرغبة بفتح جبهات عداء، وتوجه رئاسة الجمهورية والوزراء واللذين يثار حولهما دوما علامات استفهام، وعلاقة الكاظمي المتينة بالخليج، كل ذلك يتجمع ليظهر في شكل موقف العراق من هذه القضية".

وأردف المهداوي، قائلا: "لكن أيضا لا ننسى المزاج الشعبي الوطني والذي لا يزال متمسكا في أغلبه بالموقف الرافض لوجود الكيان الصهيوني، مع أن الشعب هو آخر ما يفكر به الحكام".

من جهته، قال السياسي العراقي أثيل النجيفي: "التطبيع مع إسرائيل مضر للعراق أكثر مما هو نافع، لعدة أسباب، منها أن الدول التي طبعت العلاقة مع إسرائيل، سواء كانت مصر أو الأردن، كانت في حالة حرب مباشرة مع  إسرائيل، وتريد إنهاءها، كما كانت تحتاج دعما أميركيا، بغرض تسليح الجيش وغيره".

النجيفي أوضح خلال تصريحات صحفية في 21 أغسطس/آب 2020 أن "العراق ليس لديه أي مصلحة مباشرة لتطبيع العلاقة مع إسرائيل، بل على العكس، فهذا التطبيع يتسبب في إثارة مشاكل داخلية كبيرة في العراق".

وأوضح أن "هذا التطبيع سوف يسبب عملية انشقاق كبيرة في الوضع العراقي، بين السلطة والشعب، والحكومة في غنى من إحداث هكذا أزمات، خصوصا بهذا الوقت، ولهذا التطبيع سيكون له ضرر كبير على العراق والعراقيين".

الأرشيف اليهودي

ويربط مراقبون موقف الكاظمي من التطبيع مع قصة تهريب أرشيف يهود العراق إبان الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، وما رافقتها من اتهامات طالت شخصيات سياسية ودينية بارزة في حينها بالتورط في القضية، ومنهم الكاظمي نفسه.

وفي 29 يونيو/ حزيران 2012، كشفت منظمة "عراقيون ضد الفساد" في تصريحات نقلتها صحيفة "دنيا الوطن" أنها حصلت على معلومات بخصوص لغز اختفاء الأرشيف اليهودي من العراق.

ونقلت عن مسؤول في وزارة السياحة والآثار آنذاك (لم تسمه) قوله: "حسب المعلومات التي توفرت سابقا لنا والمؤكدة لي شخصيا فإن كلا من: برهم صالح (الرئيس العراقي الحالي) ومصطفى الكاظمي (رئيس الوزراء الحالي) ورجل الدين المعمم حسين الصدر، كان لهم الدور الفعال والمحوري في إيصال هذا الأرشيف إلى إسرائيل بسلامة وأمان وبمساعدة لوجستية من زمرة أحمد الجلبي (سياسي عراقي توفي عام 2015)".

وردا على سؤال للمنظمة بخصوص المقابل الذي حصلت عليه هذه الشخصيات قال المسؤول: "حسب معرفتي بهذا الموضوع، فإن برهم صالح حصل على منصب رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان، والآن يتم تهيئته لإعطائه منصب رئيس الجمهورية بعد رحيل جلال الطالباني (الرئيس العراقي الأسبق توفي عام 2017).

وأضاف: "أما مصطفى الكاظمي مدير مشروع التاريخ الشفهي المصور لمؤسسة الذاكرة العراقية، فحصل على دعم مالي كبير بغرض افتتاح مؤسسة إعلامية له تكون معها إحدى الواجهات الإعلامية التي يتخفى وراءها المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون المشرفون عن الملف العراقي في جهاز الموساد".

وتابع المسؤول العراقي، بالقول: "رجل الدين المعمم حسين الصدر، علاقته أكثر من ممتازة وجيدة مع أهم المسؤولين الأميركيين والبريطانيين والإسرائيليين ويرغب بتقديم دعم له من خلال تدخلهم بصورة مباشرة، بغرض أن يكون مرجعا أعلى للطائفة الشيعية بعد رحيل السيستاني".

ولفت إلى أن كل هؤلاء وغيرهم شاركوا بصورة أكثر من فعالة وحيوية لغرض تأمين نقل الأرشيف اليهودي العراقي جوا إلى تل أبيب بطائرة خاصة، وجميعهم قبضوا ثمن تهريبهم لهذا، سواء كان الثمن ماديا أو معنويا أو دعما سياسيا، خاصة الأسماء الثلاثة الأولى كان لهم دور فعال وتنسيق على أعلى المستويات مع جهاز الموساد".

وكشف المسؤول العراقي بأن "معظم الأرشيف كان موجودا في منزل رجل الدين المعمم حسين الصدر في مدينة الكاظمية طيلة أكثر من 4 أشهر، لأنه كانت هناك مساومة على هذا الأرشيف من قبل وتفاهمات خاصة مع الإسرائيليين لحين تأمين نقله إلى تل أبيب".