باحثة بريطانية: اليمن يعيش حربا شنيعة.. هكذا أخفق التحالف

12

طباعة

مشاركة

نشرت صحيفة "أورينت21" مقالا للباحثة البريطانية المختصة بالشأن اليمني هيلين لاكنر، تحدثت فيه عن دخول الحرب التي شنتها السعودية ضد اليمن وأودت بحياة الآلاف، في عامها الخامس، مشيرة إلى "حجم التغييرات التي شهدتها اليمن في السنوات الأربع الماضية".

واستهلت الباحثة التي عاشت باليمن لمدة 15 عاما في سبعينيات القرض الماضي، مقالها بسرد أرقام عن ضحايا الحرب، قائلا: إن "أكثر من 60 ألف شخص قتل جراء أعمال مرتبطة بالحرب مباشرة في جميع أنحاء البلاد، معظمهم بواسطة غارات جوية شنتها قوات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية".

وأضافت: "مات آلاف آخرون بسبب الأمراض المرتبطة بسوء التغذية، بما في ذلك أكثر من 85 ألف طفل دون سن الخامسة، وهناك أكثر من 20 مليون يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وهو تعبير عن حالة الجوع المزمن، و 15 مليون على وشك المجاعة. كذلك في عام 2017، تم تسجيل أكثر من مليون حالة إصابة بالكوليرا، مقارنة بـ 380 ألف حالة فقط في عام 2018. فضلا عن أنه ليس لدى ملايين الأشخاص دخل مناسب، كما أن الآلاف من اليمنيين يعيشون في المنفى".

وأشارت لاكنر إلى أن الحملة العسكرية بدأت في 26 مارس/آذار 2015 وكانت من المفترض أن تستمر بضعة أسابيع، أو حتى أيام، وأعقب "عاصفة الحزم" الهجومية بقيادة السعوديين حملات أخرى بأسماء غير مناسبة تماما، ولم تكن سوى أداة في الصراع الإقليمي المناهض لإيران، رغم القول إنه "تم شن الحرب رسميا لإعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى العاصمة صنعاء بعدما فر منها، عقب أن غزاها التحالف الذي جمع بين الحوثيين والرئيس السابق علي عبد الله صالح".

إخفاق دائم

وأوضحت الكاتبة، أن التحالف بقيادة السعودية "حرر" حوالي ثلثي البلاد، التي تضم ثلث سكانها، لكن استخدام مصطلح "تحرير" أمر قابل للنقاش، لأن الحوثيين لم يضعوا قدمهم في هذه المناطق، فعلى سبيل المثال في عام 2015، وقعت معركة عدن بين قوات صالح والقوات الجنوبية، وفازت بها القوات البرية بقيادة الإمارات العربية المتحدة بما في ذلك قوات من جنسيات مختلفة. كما أن منطقة مأرب، حيث قاوم التحالف قوات صالح، وهي الآن معقل حليف صالح السابق، نائب الرئيس علي محسن.

وأكدت لاكنر، أنه منذ خريف عام 2015، لم يتم حل الجمود العسكري بشكل كبير إلا في "سهل تهامة" على طول ساحل البحر الأحمر، حيث وصل التحالف إلى "المخا" في عام 2017، بيد أنه لم يحرز أي تقدم كبير في "الحديدة" حتى عام 2018. ثم قام طارق، ابن شقيق صالح، بإحضار قوات مدربة جيدا لدعم التحالف، ووصل إلى ضواحي الحديدة، وهي الآن الجبهة العسكرية الأكثر بروزا.

في مكان آخر، بحسب الكاتبة، فقد استمر الجمود على نطاق واسع، وفي الآونة الأخيرة، لم ينتهز التحالف الفرصة التي أتاحها الصراع بين قبائل حاجور والحوثيين لإحداث تقدم كبير، مما يثير تساؤلات جدية حول إستراتيجيته ونواياه الحقيقية.

محادثات السلام

وفيما يخص محادثات السلام، نوهت لاكنر إلى أنه "بعد جولتين فاشلتين من المفاوضات المدعومة من الأمم المتحدة عامي 2015 و 2016، استغرق الأمر 27 شهرا، كذلك أدى اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي من حكومة بلاده لضغط دولي على النظام السعودي من أجل إجراء مفاوضات، استضافتها السويد في ديسمبر/كانون الأول 2018".

وبحسب لاكنر، فإن "الافتقار  إلى التحضير كان واضحا في النصوص المعتمدة، وتأكد بعد ذلك مع الانهيار التدريجي للعنصر الرئيسي في المحادثات، وهو وقف إطلاق النار في الحديدة، حيث كان الهدف منه منع هجوم كارثي على المدينة والميناء، وضمان انسحاب القوات من الجانبين للسماح باستيراد الغذاء والوقود اللازمين لإنقاذ ملايين الأرواح. وحتى اتفاق تبادل الأسرى لم يتحقق".

انهيار بالمرحلة النهائية

ولفتت الكاتبة البريطانية إلى أن البلاد تنقسم بين المناطق "المحررة" والمناطق التي يسيطر عليها المتمردون الحوثيون، حيث تفرض جماعة الحوثي سيطرة شبه حصرية على الأفراد والموارد، خاصة وأن الحوثيين قتلوا حليفهم السابق، الرئيس السابق صالح، في ديسمبر/كانون الأول 2017.

وأكدت أن الوضع مختلف في المناطق "المحررة" التي تتميز بغياب حكومة الرئيس هادي المعترف بها دوليا: فالقوة الوحيدة الموجودة هي تلك التي يتمتع بها الرجال المحليون الذين يحكمون مناطق واسعة، مع التزام أكبر أو أقل باحتياجات سكانها. قبل الحرب، كانت البلاد تعاني من خطر التفكك الداخلي لكنها وصلت الآن إلى مستوى التفتت الذي سيكون من الصعب للغاية إصلاحه.

أما فيما يخص الاقتصاد، فقالت لاكنر:  لقد انهار الاقتصاد اليمني ، الذي كان ضعيفا بالفعل في الأوقات العادية: في عام 2013، كان 54 بالمئة من السكان تحت خط الفقر؛ الرقم اليوم أكثر من 80 بالمئة، قبل الحرب، كان سكان الريف (70 بالمئة من اليمنيين) يعيشون على الزراعة والثروة الحيوانية، فضلا عن تحويلات مليون شخص يكسبون رزقهم في المملكة العربية السعودية وخارجها. ويعتمد ملايين آخرون، من الريف والحضر ، على أجور الدولة، غير الكافية لإبقائهم على قيد الحياة، بينما كان آخرون يعملون في القطاعات الخاصة والصناعية والتجارية.

واستدركت: لكن يتمتع اقتصاد الحرب بقاعدة مختلفة تماما حيث ترتبط معظم الدخول بالحرب، وتأتي الأموال من السعودية والإمارات، فضلا عن المساعدات الإنسانية الدولية في شكل مدفوعات نقدية من البنك الدولي ومنظمات دولية أخرى للفقراء، كذلك التهريب، "الرسوم الجمركية" و "الضرائب" على البضائع العابرة شائعة في جميع أنحاء البلاد.

"أسوأ أزمة إنسانية بالعالم"

وأوضحت هيلين لاكنر، أنه منذ عقود، كانت اليمن تستورد 90 بالمئة من الحبوب الأساسية. الوضع الإنساني كان سيئا للغاية بالفعل قبل الحرب، وأدى الصراع إلى كارثة. وصفتها الأمم المتحدة بشكل منهجي بأنها "أسوأ أزمة إنسانية في العالم" منذ عام 2017، ولا شك في خطورة الأزمة أو تفاقمها ، بغض النظر عن موثوقية الأرقام المقدمة.

وعرّجت الكاتبة إلى دور الإمارات في هذه الحرب، موضحة أن التحالف يتكون رسميا من تسع دول، لكن السعودية والإمارات هما صانعا القرار الوحيدان، ومن خلال تصوير الصراع على أنه "بقيادة السعودية"، فإن الإمارات تسمح لنفسها بالبقاء في الخلفية والحفاظ على سمعتها بشكل أفضل في ظل كارثة العلاقات العامة المتصاعدة. وهذا على الرغم من تورطهم في إنشاء سجون سرية وتعذيب المواطنين اليمنيين في المناطق الواقعة تحت سيطرتها.

السلام ليس غدا

واستبعدت الكاتبة، إمكانية التوصل إلى سلام في القريب ينهي هذه الحرب الكارثية، وقالت من المحتمل أننا سننشر خلال عام مقالة جديدة دون أي تغيير مهم آخر غير الزيادة في عدد الوفيات والتدمير. إذ يبين التفكيك الحالي لاتفاقية استكهولم في ديسمبر/كانون الأول 2018، أن صناع القرار أو المشاركين في القتال ليسوا على استعداد لوضع حد لمعاناة ملايين اليمنيين.

وبينت أن تركيز الأمم المتحدة على الحديدة، حتى لو كان مبرر نتيجة الكارثة الإنسانية، لن يمنع هذا التحالف من استئناف هجومه العسكري في الموقع، وسيصرف الانتباه عن الجوانب الأخرى، ومع تلاشي تأثير اغتيال خاشقجي، فإن ضغط الإدارة الأمريكية على النظام السعودي لإنهاء تدخله في اليمن سيتضاءل، وستواصل الإمارات استراتيجيتها، مما يؤدي إلى تفاقم الوضع.

وفي هذه الأثناء، بحسب لاكنر، فإن ملايين اليمنيين يدخلون عامهم الخامس من المعاناة والجوع والمرض والقتال البري والقصف الجوي، بينما يراقب المجتمع الدولي ذلك فقط.