مضت 4 عقود.. هل تحتفظ إيران بأسرى عراقيين من حرب الخليج الأولى؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم مرور 40 عاما على حرب الخليج الأولى، فإن ملف الأسرى العراقيين في إيران يتجدد الحديث عنه بين الحين والآخر، مستعيدا بذلك الجدل حول حقيقة وجود أسرى طيلة هذه السنوات حتى مع تغيّر العلاقة بين البلدين بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003.

خلّفت الحرب الإيرانية العراقية التي بدأت في سبتمبر/ أيلول عام 1980 وانتهت في أغسطس/ آب 1988، أكثر من مليون قتيل من الطرفين غالبيتهم من الإيرانيين، وأكثر من 80 ألف أسير عراقي، ونحو 50 ألف أسير إيراني، حيث اعتبرت الحرب الأطول في القرن العشرين.

ملف غامض

الجدل حول القضية، دفع جهات في البرلمان إلى مطالبة الجانب الإيراني بالكشف عما إذا كان لديه أسرى عراقيون لحسم الموضوع، إذ قال عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية عبد الخالق العزاوي في مارس/آذار 2020: إن "الشائعات والأقاويل قوية جدا بخصوص ذلك".

وأضاف العزاوي في تصريحات صحفية: أن "ايران مطالبة بالإعلان رسميا عن عدم وجود أي أسير لحسم الجدل في هذا الموضوع"، مبينا أن "إثارته بين فترة وأخرى أثر على نفسية الكثير من العوائل التي لا تزال تتمسك بأمل عودة أبنائها ممن فقدوا في حرب الثمانينيات".

وفي السياق ذاته، شدد الكاتب والباحث العراقي حسين المؤيد في تغريدة على "تويتر" في 19 يونيو/ حزيران 2020 على ضرورة تحريك ملف أسرى القوات العراقية في إيران، لافتا إلى أنه مع توقف الحرب، لا يزال نظام الملالي في إيران يحتفظ وخلافا للمواثيق والقوانين بعدد ليس بالقليل من أسرى الحرب العراقيين لأسباب مجهولة.

ولم تتمكن "الاستقلال" من الحصول على معلومات جازمة عن ملف الأسرى العراقيين، وذلك بعد اتصال مع نائب رئيس لجنة حقوق الإنسان البرلمانية قصي الشبكي، الذي نفى اطلاعه على نتائج زيارة وفد من اللجنة إلى إيران في يونيو/ حزيران 2019، لبحث الموضوع مع الجهات الرسمية، والتي لم تعلن النتائج في حينها عن الملف الذي يشكل أهمية بالغة عند العراقيين.

وعلى الرغم من أنه نائب رئيس لجنة حقوق الإنسان، بيد أن الشبكي قال في حديثه لـ"الاستقلال": إنه لا يمتلك أي معلومات عن الموضوع، لأن الزيارة إلى إيران ولقاء المسؤولين هناك أجرتها مقررة اللجنة وحدة الجميلي، وهي في الوقت الحالي مصابة بفيروس كورونا، وتلتزم الحجر الصحي.

وفي بيان صدر 17 يونيو/ حزيران 2017 عن نائب رئيس البرلمان بشير حداد-ترأس الوفد البرلماني العراقي إلى إيران- أعلن عن تشكيل اللجان للعمل المشترك مع طهران ومعالجة بعض الملفات ومنها قضية المفقودين العراقيين أيام الحرب.

خارج التسجيل

وبخصوص ما يؤكد وجود أسرى عراقيين في إيران، قال فهمي القيسي السفير العراقي الأسبق ورئيس لجنة ضحايا الحرب العراقية الإيرانية السابق في عهد نظام الرئيس الراحل صدام حسين: إن "الجانب الإيراني لا يزال يحتفظ بحدود 500 إلى ألف أسير عراقي"، حسبما أفاد خلال مقابلة تلفزيونية في 8 أغسطس/ آب 2017.

وكشف الأسير السابق لدى إيران محمد السيد محسن في مقابلة تلفزيونية في مايو/ أيار 2017 أن هناك 1117 أسيرا، مشيرا إلى أنه شكل مجموعة تتابع الأرقام الحقيقية عن أعداد الأسرى العراقيين في إيران، وعذاباتهم المريرة على مدى عقود من الزمن.

وفي أبريل/ نيسان 2014 أطلقت لجنة "المجلس الشعبي العراقي الكلداني السرياني الآشوري" (منظمة مجتمع مدني مقرها الدنمارك) حملة للبحث عن 600 أسير ومفقود في الحرب العراقية الإيرانية تعتقد اللجنة أنهم ما زالوا في سجون طهران.

أما الكاتب نزار السامرائي الذي يلقب بـ"عميد الأسرى العراقيين" كونه أمضى 21 عاما في الأسر، فيقول خلال مقابلة صحفية في 21 يونيو/ حزيران 2020: "أنا لا أعرف عدد الأسرى العراقيين بالضبط ولا توجد جهة تعرف عددهم لأن الجانب الإيراني كان يستخدم ورقتهم للكسب السياسي ويبالغ في أرقامهم".

لكن الدفعة الأخيرة التي جاءت بها اللجنة الدولية للصليب يوم 5/ مايو/أيار 2003 هي الدفعة الأخيرة ولم يتبق في إيران أسرى تنطبق عليهم صفة أسير حرب، وفق السامرائي.

وأضاف: "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق والذي تأسس برعاية مباشرة من خميني (المرجع الديني الشيعي في إيران) يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني 1982، تحرك على معسكرات الأسرى بكل ما يحمله من دعم إيراني واستعداد لدى عناصره لإلحاق الأذى بهم أو تحريك عامل الطائفية وتخويف الأسرى وتجويعهم".

وتابع السامرائي: "هذا كله أدى إلى سقوط كثير من الأسرى في خانة خيانة الوطن والاصطفاف مع العدو في زمن الحرب، مما أدى إلى إطلاق سراح آلاف من الأسرى العراقيين من المعسكرات وتم تجنيدهم في فوج بدر ثم صار لواء، ففرقة وأخيرا أصبح فيلق بدر بقيادة السياسي العراقي الحالي هادي العامري".

ونقل موقع " دويتشه فيله" الألماني عن الأسير العراقي السابق أوديشو ديكو، قوله: إن "الأسرى ذوي الدرجات الحزبية العالية (حزب البعث العربي الاشتراكي) كانوا ينقلون من معسكرات الأسر العادية إلى معسكرات خاصة حيث يجري احتجازهم تحديدا في معسكر قزوين"، مؤكدا أن "أسرى عمليات بنجوين وحلبجة لم يسجلوا في الصليب الأحمر"، بحسب تقرير نشر في 23 أبريل/ نيسان 2014.

أعداد المفقودين

في 24 فبراير/ شباط 2020 تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي أسماء لأشخاص قيل إنهم أسرى عراقيون عادوا إلى البلاد عن طريق إقليم كردستان العراق، لكن وزارة الدفاع العراقية نفت الموضوع جملة وتفصيلا.

وقالت الوزارة في بيانها: إن "أي خبر يتعلق بالموضوع يتم نشره عبر المنافذ الإعلامية الرسمية للجهات المسؤولة عن ملف الأسرى، ولا صحة لما تناقلته بعض الوكالات الإخبارية والقنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي".

وقبل ذلك، أعلنت وزارة حقوق الإنسان العراقية مايو/ أيار 2014 أن "العراق يبحث حاليا عن أكثر من 50 ألف مفقود عراقي من ضحايا الحرب العراقية الإيرانية التي جرت بين عامي 1980 و1988 لم يعرف مصيرهم إلى الآن".

وأوضح المتحدث باسم الوزارة كامل أمين أن هذا الملف ما زال العمل فيه مستمرا حتى الآن، حيث جرت عمليات تبادل متعددة خلال الفترات السابقة لأسرى ومفقودين، والتي تدل على التزام العراق بتنفيذ هذا الملف كاملا، لافتا إلى أن وزارة حقوق الإنسان "هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن استلام وتسليم الأسرى بين الجانبين بإشراف منظمة الصليب الأحمر".

وأكد أمين أن "ملف الأسرى بين الجانبين العراقي والإيراني يجرى وفق مذكرة تفاهم بين الجانبين بإشراف منظمة الصليب الأحمر"، مستدركا: "لا نتوقع وجود هذا العدد (50 ألفا) داخل منطقة العمليات في العراق ونتوقع من الجانب الإيراني الاستمرار بالبحث كون العمل إنسانيا".

"غسيل الدماغ"

اعتمدت السياسة الإيرانية في التعاطي مع ملف الأسرى العراقيين على التضليل والتكتم والمماطلة في إعطاء المعلومات للجانب العراقي، الأمر الذي تسبب بمشكلات اجتماعية كبيرة، ولا سيما في موضوع الأزواج والتوريث، لأن الكثيرين لم يعرف لهم مصير على مدار سنوات طويلة.

وغيرت سياسة إيران حياة الكثير من الأسرى العراقيين، وذلك بلجوئها في عمليات عدة مع الأسرى لمحاولة الاستفادة منهم وعدم إرجاعهم إلى بغداد، بل العمل على ضمهم إلى خندقها ضد النظام العراقي، ولا سيما في جبهات القتال.

وأطلق على هؤلاء الذين فضلوا البقاء في إيران والعمل على خدمتها اسم "التوابون" إذ أنشأت إيران مجتمعا منهم بواسطة أوسع عملية غسيل مخ في تاريخ البشرية وتاريخ الحروب على الإطلاق، بحسب دراسة للكاتب طالب الشمري نشرها في موقع "الراصد" في فبراير/ شباط 2008.

وأوضح الشمري أنه "لم يحدث في تاريخ البشرية على هذا النطاق الواسع أن تم تحويل عقيدة الأسرى ومن ثم استخدامهم بالقتال ضد المعسكر الذي كانوا فيه وإلى جانب القوة الآسرة مثلما حدث مع أسرى الجيش العراقي من قبل إيران بين عامي 1980 إلى 1988".

فقد تم تحويل قناعات الأسرى عبر ما نراه أكبر عملية غسيل مخ في التاريخ أسس بهم آسرهم جيشا لمقاتلة بلدهم وانتهى بعضهم إلى البقاء نهائيا في بلد عدوهم الأول بعد أن تبنى عقيدته السياسية، وفق تعبير الشمري.