تشديد الهجرة وإلغاء امتيازات السوريين في ألمانيا.. تفاصيل خطة ميرتس الجديدة

مصعب المجبل | منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

عاد المستشار الألماني الجديد فريدريش ميرتس، إلى إثارة قضية اللاجئين في بلاده، وهذه المرة عبر محاولات جديدة للتضييق على السوريين.

 وخرج ميرتس رئيس الحزب الديموقراطي- المسيحي، بفكرة جديدة يسعى من ورائها "لخفض أعداد اللاجئين" في ألمانيا، على الرغم من أن طروحاته قبل توليه المنصب في 6 مايو/أيار 2025 للحد من الهجرة غير النظامية باءت بالفشل.

 "الحماية الفرعية"

وقال ميرتس: إن بإمكان السوريين الحاصلين على الحماية الفرعية العودة إلى وطنهم والمشاركة في إعادة الإعمار هناك، بعد تغيّر ما وصفه بالظروف الأمنية.

وأردف: "نتحدث هنا عن مجموعة من اللاجئين الحاصلين على إقامة مؤقتة، خاصة السوريين، وهؤلاء يستطيعون العودة إلى أماكن كثيرة في بلدهم، وهو ما نشجع عليه".

ويتعلق هذا الأمر بالأشخاص الذين يتمتعون بوضع "الحماية الفرعية" والذين ليس لديهم الحق في اللجوء أو الحماية.

لكن هؤلاء لا يمكنهم العودة إلى وطنهم لأنهم يواجهون تهديد "الأذى الجسيم" هناك على سبيل المثال، بسبب عقوبة الإعدام، أو التعذيب، أو اندلاع أعمال قتال في البلاد.

وأشار المستشار الألماني في مقابلة مع قناة “ZDF” نشرت في 29 مايو 2025 إلى أن حق اللجوء في ألمانيا لا يزال قائما لمن يثبت استحقاقه.

وأضاف أن "الجزء الأكبر من السكان" في ألمانيا يؤيدون النهج الذي تتبناه الحكومة الاتحادية بشأن تشديد سياسة الهجرة واللجوء.

وجاءت تصريحات المستشار الألماني، بعدما وافقت حكومته في 28 مايو 2025 على خطط لتقييد لمّ شمل العائلات لبعض المهاجرين، لمدة عامين، في قرار سيؤثر على الأشخاص الذين يتمتعون بـ"حماية فرعية"، وليس بوضع لاجئ كامل.

وتعليقا على خطط تقييد لم الشمل للأسر، قال وزير الداخلية ألكسندر دوبريندت للصحفيين إن الإجراءات الجديدة تُمثل "يوما حاسما" للحد من الهجرة غير النظامية.

وأكد دوبريندت أن هذه الخطوة ستسهم في "تخفيف الضغط" على المجالس المحلية المكلفة برعاية الوافدين الجدد واندماجهم. وأشار إلى أن إجراء مماثلا اتخذ بين عامي 2016 و2018 في أعقاب أزمة الهجرة الأوروبية.

كما أعلنت برلين في 28 مايو إلغاء إصلاح نفذته حكومة يسار الوسط السابقة برئاسة المستشار السابق أولاف شولتس، وسمح لبعض المهاجرين بالتقدم بطلب للحصول على الجنسية بعد 3 سنوات من الإقامة إذا أثبتوا "نجاحهم الملحوظ في الاندماج".

وسيتم الآن رفع الحد الأدنى لشرط الإقامة إلى خمس سنوات. وأشار الوزير إلى أنّ الإجراءات الجديدة ستساعد في الحد من "عوامل الجذب" للمهاجرين الذين قد يحاولون دخول ألمانيا بطرق غير قانونية.

وألمانيا تضمّ أكبر جالية سورية في أوروبا بعد استقبالها مليون لاجئ عقب اندلاع الثورة في بلدهم عام 2011.

أمام ذلك، تلقى اللاجئون السوريون الحاصلون على "الحماية الفرعية" في ألمانيا خبر تعليق لمّ الشمل "بصدمة كبيرة" كون كثير منهم ينتظرون لمّ شمل عائلاتهم منذ أربع سنوات.

وراهنا هناك كثير من الحاصلين على "الحماية الفرعية" من السوريين ينتظرون لم شمل زوجاتهم وأولادهم سواء من لبنان أو تركيا أو الأردن.

وتتبع القنصليات الألمانية في الدول المذكورة نظام الدور للحاصلين على لم الشمل كي يتم منحهم تأشيرات للسفر إلى أراضيها.

وقد خلط قرار وقف لم الشمل إلى ألمانيا أوراق السوريين أصحاب الحماية الفرعية الذين كانوا ينتظرون جلب عائلاتهم حتى بعد سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024.

في عام 2024 بلغ عدد الأشخاص الذين يتمتعون بوضع الحماية الفرعية في ألمانيا 350 ألف شخص، والغالبية العظمى منهم من السوريين، إضافة إلى الأفغان والعراقيين والإريتريين.

"ضغط اليمين"

وضمن هذا السياق، قال الصحفي السوري المقيم في ألمانيا محمد اللكود لـ "الاستقلال": "بعد سقوط نظام الأسد وجدت الأحزاب اليمينية المتطرفة الفرصة سانحة لإعادة أكبر قدر من اللاجئين السوريين خاصة أنه جرى تعليق طلبات اللجوء للذين وصلوا عقب تحرير سوريا من حكمه".

وأشار إلى أن “عرقلة لم شمل الأسر لأصحاب الحماية الفرعية هو قرار كان يتم دراسته قبيل تحرير سوريا لكن الحكومة الجديدة في ألمانيا أخذت قرارا بوقف الأمر لأغراض انتخابية وسياسية ومتاجرة بملف اللاجئين كي يتم تهدئة اليمين المتطرف”.

وأردف أن اليمين المتطرف "يتاجر كثيرا بملف اللاجئين وخاصة في ظل الحديث عن الجريمة التي ترتكب من قبل اللاجئين عموما على أراضي ألمانيا".

واستدرك "كذلك تم قطع الطريق أمام كل من يفكر بركوب البحر في الصيف للوصول إلى ألمانيا عبر تعليق قبول طلبات اللجوء وهذا يعني أن أي شخص يصل إلى البلاد بعد اليوم يتم وضعهم في كامبات (أماكن لجوء) دون إمكانية الحصول على أوراق قانونية".

وذكر أن "قرار وقف لم الشمل هو أحد طرق الضغط على السوريين من حاملي الحماية الفرعية بألمانيا لكي يعودوا خاصة أنه لا يوجد قانون في الوقت الراهن يسمح لهؤلاء بزيارة بلدهم مما يعني أن اللاجئ أصبح محروما من رؤية عائلته وليس أمامه خيار سوى العودة الطوعية".

علاوة على أن “قرار وقف لم الشمل يحمل في أحد جوانبه هدفا يتمثل بدفع الحاصل على الحماية الفرعية لدخول سوق العمل".

وهو ما يعني أن هناك أملا فقط في حال تغيير نوع الإقامة في ألمانيا أو البدء بتحقيق شروط الجنسية الألمانية والحصول عليها، وبعد ذلك يمكنه لم شمل عائلته قانونيا، بينما من ليس لديه نية للعمل فإن العودة الطوعية هي الخيار النهائي له، وفق الصحفي.

ولفت اللكود إلى أنه “من الناحية القانونية، أصبح هناك توقيف للم الشمل في ألمانيا لحملة الحماية الفرعية”.

لكن لكي يصبح قانون وقف لمّ الشمل لحاملي الحماية الفرعية نافذا فإنه يجب أن يصدق عليه البرلمان ثم مجلس المقاطعات الـ16.

وهذا يعني أن القانون بحاجة لموافقة ثلاث جهات في البلاد كي يصبح نافذا، ويتوقع خلال شهرين البت بالقرار من ناحية تمريره أو رفضه، بحسب تقديره.

حتى الآن، يُسمح لألف شخص من عوائل أصحاب "الحماية الفرعية" بالانضمام إليهم شهريا في ألمانيا.

ففي عام 2024، جرى إصدار 12 ألف تأشيرة من أصل 120 ألف لعائلات الأشخاص المؤهلين للحماية الفرعية. 

وينتقد حزب البديل من أجل المانيا اليميني المتطرف، وجود 100 ألف شخص سيظلون قادرين على دخول ألمانيا عام 2025 من خلال لمّ شمل الأسرة.

وقد تعهَّد ميرتس قبيل انتخابه مستشارا بجعل قضية الهجرة إحدى القضايا الرئيسة لحكومته، وأثار جدلا بعدما قرر من جانب واحد إبعاد معظم طالبي اللجوء الواصلين إلى حدود ألمانيا في خطوة أثارت استياء العديد من الشركاء.

لكن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ردت على ميرتس بالقول: "الهجرة تشكل تحديا يتطلب حلا أوروبيا مشتركا".

"تخلي عن السخاء"

ووعد المستشار الألماني بعدم "التصرّف بمفرده" في هذه القضية، قائلا: "أنا من المؤيدين للسوق الأوروبية الموحدة ومنطقة شنغن، وأريد أن أوضح هذا لجميع رؤساء الدول والحكومات في أوروبا الذين قد يخشون التصعيد".

إلا أن المتحدث باسم السياسة الداخلية في الكتلة البرلمانية للاتحاد، ألكسندر ثروم، دعا إلى وضع "الحماية الفرعية" تحت التدقيق العام بأثر فوري.

وقال ثروم وهو عضو برلمان ألماني ينتمي لحزب ميرتس: "هذه السياسة برُمّتها تعود إلى فترة لم يكن فيها لاجئو الحرب يصلون إلى أوروبا تقريبا... لقد حان الوقت لمراجعة جميع هذه الصكوك والعودة إلى جوهر ما كان من المفترض أن تحققه اتفاقية جنيف للاجئين في الأصل".

ويقصد ثروم أنه من خلال "الحماية الفرعية"، تمكن الاتحاد الأوروبي من منح نفسه "وضع حماية غير موجود في القانون الدولي" لسنوات، وفق ما قال في مقابلة مع موقع يورونيوز في 26 مايو 2025.

ومضى يقول: إنه "في ظل العبء الحالي، لم يعد لم شمل الأسرة بسخاء خيارا؛ لأنّ البلديات الألمانية ستضطر أيضا إلى توفير مساكن إضافية وأماكن مدرسية ورعاية طبية للأقارب الذين يأتون بعدنا".

وقبل أسابيع قليلة من الانتخابات الفيدرالية الألمانية في أواخر فبراير/شباط 2025، اضطر ميرتس إلى التراجع بعد فشل مناورته الجريئة؛ إذ أدت محاولته لكسب الأصوات من خلال فرض حملة صارمة على الهجرة إلى تمرد داخل حزبه الديمقراطي المسيحي. 

وبدلا من تنصيب نفسه قائدا قويا، قوّض ميرتس المؤسسة السياسية الألمانية بأكملها.

وتضمنت إستراتيجيته كسر أحد المحرمات بالاعتماد على القوميين اليمينيين المتطرفين لإقرار التشريعات لأول مرة في تاريخ ألمانيا ما بعد الحرب.

 وقد أدَّت هذه الخطوة إلى انقسام أحزاب الوسط في البوندستاغ "البرلمان"، التي عادة ما تعتمد على التوافق، وأشعلت احتجاجات حاشدة وأدّت إلى توبيخ علني نادر من المستشارة السابقة وزعيمة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي سابقا أنجيلا ميركل.

وحينها رفض البرلمان الألماني مشروع قانون لتشديد ضوابط الهجرة تقدّم به ميرتس بدعم من حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف؛ حيث عدت الخطوة وقتها خرقا لـ"جدار الحماية" القائم منذ فترة طويلة في ألمانيا بين اليمين المتطرف والتيار الرئيس.

وبعد سقوط الأسد، أكّد المسؤولون الألمان حرصهم على مساعدة سوريا الجديدة على النهوض اقتصاديا والمساهمة في إعادة الإعمار.

ترافق مع ذلك حديث الحكومة الألمانية في أبريل/نيسان 2025 عن دراسة خطة جديدة تهدف إلى السماح للاجئين السوريين بزيارة وطنهم دون أن يفقدوا وضع الحماية، وذلك وفق شروط صارمة ومحددة، في خطوة تعد تمهيدية لتشجيع العودة الطوعية.

وقالت حينها متحدثة باسم وزارة الداخلية الألمانية: إن الهدف من هذا التعديل القانوني هو تمكين السوريين من "تكوين صورة واقعية عن الأوضاع في بلدهم، على سبيل المثال، ما إذا كانت منازلهم ما تزال قائمة، أو ما إذا كان أقاربهم ما يزالون على قيد الحياة".

وترى وزارة الداخلية الألمانية أنه من الممكن الآن إيجاد استثناء قانوني يسمح للاجئين بزيارة بلادهم دون أن يُعد ذلك مؤشرا على زوال الخطر الذي دفعهم إلى اللجوء.

لكن مع ذلك، لم تعلن برلين عن سن آلية للراغبين في العودة لإجراء زيارة أولية إلى سوريا وتفقد إمكانية عودتهم وذلك ضمن حل لا يفقدون فيه حق اللجوء.

ومنذ مطلع عام 2025، يوجد في دمشق فريق دبلوماسي ألماني من أجل مواصلة دعم سوريا على المستويات كافة والاستمرار في تقديم المساعدات الإنسانية وتخفيف العقوبات بشكل أكبر عن البلاد.

وبحسب ما قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الألمانية أنيكا كلاسين إدريس، في تصريحات صحفية في 2 يونيو/حزيران 2025 فإن ألمانيا مستعدة لدعم عملية التحول السوري بشكل شامل، وتعهّدت في مؤتمر بروكسل حول سوريا بتقديم 300 مليون يورو لدعم السوريين.