دول مرشحة كبديل.. هل تنقل واشنطن مصانعها من الصين بعد كورونا؟

واشنطن - الاستقلال | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قبل جائحة كورونا وتصاعد التوتر بين الولايات المتحدة والصين بسبب أزمة الفيروس، لك أن تعرف أن الشركات الأميركية تعتمد على 1.4 مليار شخص بالصين في عملية التصنيع.

فهل يمكن أن تفكر أميركا بعد كورونا في نقل مصانعها من الصين إلى أي دولة أخرى في آسيا أيضا مثل فيتنام مثلا أو الهند، أو في أميركا اللاتينية مثل جارتها المكسيك؟.

في أبريل/ نيسان 2020، بلغ حجم الفجوة التجارية بين أميركا والصين نحو 22.87 مليار دولار، فيما لم يتجاوز في الشهر الذي سبقه 15.33 مليار.

وخلال الأشهر الأربعة الأولى من العام، سجل إجمالي فائض تجارة الصين مع الولايات المتحدة 63.68 مليار دولار.

ومع بداية مايو/ أيار 2020، حذر سفير الاتحاد الأوروبي لدى بكين، من تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة والصين بسبب أزمة فيروس كورونا. 

نيكولا ‬‬‬شابي اعتبر أنه على الصين أن تتحرك لتهدئة التوتر وتعزيز إصلاحاتها الاقتصادية لتجنب تضرر سلاسل الإمداد العالمية بسبب الخلاف بين أكبر اقتصادين في العالم.

ضرر كبير

دعوة السفير جاءت بعد زيادة حدة التوتر بين الصين وأميركا، عقب اتهامات متكررة من الرئيس دونالد ترامب ومسؤولين كبار آخرين، لبكين بالمسؤولية عن انتشار كوفيد 19.

وقال شابي لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية: إن الاتهامات لن تحل الأزمة وأنه على أميركا التوقف عن ذلك، مشددا على أن أي انفصال بين القوتين الاقتصاديتين سيشكل ضررا كبيرا.

السفير قال: "الصين لم تتكتم على البيانات الرئيسية، وبذلت قصارى جهدها من أجل تبادل المعلومات حول الفيروس".

فيما قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو: "كان يمكن للصين أن تمنع وفاة مئات الآلاف من الأشخاص في جميع أنحاء العالم"، وحملها "مسؤولية الانزلاق في ضائقة اقتصادية عالمية".

فيما لا يتوقف ترامب عن إلقاء اللوم على الصين لعدم احتوائها الفيروس قبل أن ينتشر خارج حدودها. ووصل الأمر إلى حد رفع دعاوى قضائية ضد بكين في الولايات المتحدة. في حين طرح مسؤولون أميركيون فكرة تقليل الاعتماد على سلاسل الإمداد الصينية، ولم يتم رفض إمكانية فرض رسوم جديدة عليها.

إصرار على القطيعة

اعتبر مسؤولون كبار في الإدارة الأميركية، أن الدمار الاقتصادي والوفيات التي سببها الفيروس في الولايات المتحدة، دافعان كافيان لإنهاء اعتماد الولايات المتحدة على الإنتاج وسلسلة التوريد الصينية.

وكيل النمو الاقتصادي والطاقة والبيئة في الولايات المتحدة، كيث كراش، قال لوكالة رويترز: "لقد قللنا اعتمادنا على سلاسل التوريد في الصين على مدى السنوات القليلة الماضية، لكننا الآن نتحمل مسؤولية إنهاء الأمر".

واعتبر كراش الجائحة فرصة مناسبة لحماية أمن الولايات المتحدة.

تبحث وزارة التجارة الأميركية ووزارة الخارجية ووكالات أخرى عن طرق لدفع الشركات إلى نقل كل من المصادر والتصنيع خارج الصين. وقال المسؤولون: إن الحوافز الضريبية وإعانات الدعم، من بين الإجراءات التي يجري بحثها لتحفيز التغييرات.

وأفاد مسؤول أميركي كبير للوكالة: بأن "الوباء قد بلور كل المخاوف التي كانت لدى الناس من التعامل مع الصين". وأضاف: أن "كل من عقدوا صفقات مع الصين في السابق سيلحق بهم الضرر الاقتصادي الذي تكبدته بسبب الجائحة".

قال المتحدث باسم مجلس الأعمال الأميركي الصيني، دوج باري: "إن التنويع وبعض التكرار في سلاسل التوريد سيكونان منطقيين بالنظر إلى مستوى المخاطر التي كشف عنها الوباء". 

فيما أفاد نائب الرئيس الأول للسياسة الدولية في غرفة التجارة الأميركية، جون ميرفي، بأن الشركات المصنعة الأميركية تلبي بالفعل 70٪ من الطلب الحالي على الأدوية.

وقال: إن بناء منشآت جديدة في الولايات المتحدة قد يستغرق من 5 إلى 8 سنوات. وعبّر مورفي عن قلقه من بحث الحكومة عن بدائل.

ما البدائل؟

بالحديث عن البدائل تتوجه الأنظار إلى أميركا اللاتينية، إذ قال السفير الكولومبي فرانسيسكو سانتوس، في أبريل/ نيسان 2020: إنه يجري محادثات مع البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي ووزارة الخزانة الأميركية وغرفة التجارة الأميركية بشأن حملة لتشجيع الشركات الأميركية على نقل بعض سلاسل التوريد إلى خارج الصين وتقريبها إلى الوطن.

المكسيك أيضا من الدول المرشحة لتكون بديلا عن الصين، وبدأت بالفعل العديد من الشركات، حتى قبل ظهور الفيروس ومع رفع قيمة الضريبة التجارية التي فرضها ترامب على المنتجات الصينية، في البحث عن البديل في دول جنوب شرقي آسيا.

ظهرت فيتنام والهند كخيارين آخرين، ولا يرى خبراء الاقتصاد في البلدين بديلا مناسبا لما تقدمه الصين من مصانع ومرافق وأيد عاملة ومهارة، إذ تعاني فيتنام من نقص كبير في الأيدي العاملة، مما يتسبب في تأخير الإنتاج في المنشآت الموجودة بالفعل في البلاد.

إنشاء المصانع المتمتعة بشهادات السلامة التي تركز عليها الولايات المتحدة، وتزويدها بالمعدات باهظة الثمن، قد يكون أيضا عائقا في جعل فيتنام البديل، بسبب التكلفة العالية.

وكانت فيتنام في 2019 صاحبة أكبر نسبة ارتفاع في تعاملات الولايات المتحدة التجارية مع كل دول العالم، بحسب وزارة التجارة الأميركية.

وفيما تمتلك الهند القوة البشرية، تفتقر إلى المهارات المطلوبة في التصنيع رغم سيطرتها على قطاع برامج الحاسب الآلي وتطبيقاته في العالم، كما أن سياسات الحكومة لا تعتبر مناسبة.

من المتضرر؟

من المرجح أن تتضرر كل الدول من الصراع الحالي، قال الخبراء: إن المشكلة تكمن في كون سلاسل التوريد ليست متنوعة بما يكفي.

ويقول جيفري غيرتز، الزميل في برنامج التنمية والاقتصاد العالمي في مؤسسة "بروكنجز" الأميركية: إن هناك الكثير من نقاط الاختناق حيث يتركز إنتاج سلع معينة بشكل كبير في بلد واحد، وأحيانا في مدينة واحدة أو حتى في شركة واحدة، وهذا يخلق مخاطر". 

وأضاف: "نحن بالتأكيد نرى ذلك مع الصين. هذا الوباء بالفعل يؤكد حاجتنا إلى زيادة الاستثمار في مرونة وتنوع سلاسل التوريد".

ويرى المتخصص في الخدمات اللوجستية لسلاسل التوريد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ديفيد سيمشي ليفي، أن الإستراتيجيات الصارمة لخفض التكاليف منذ سنوات مضت كانت وراء بعض أوجه النقص اليوم.

وقال: "لقد نجحت الشركات في خفض التكاليف، لكنها زادت بشكل كبير من المخاطر. وإذا كانت هناك مشكلة مثل تلك التي شهدناها في الأسابيع الماضية، فهناك خلل كبير في سلاسل التوريد".

ويشير سيمشي ليفي إلى أن حصة الصين من التجارة مع بقية العالم قد زادت بشكل كبير. ففي العام 2002، خلال وباء سارس، مثلت الصين 4.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ويقول: إن الصين اليوم تمثل 16 بالمئة.

ويوصي المتخصص الشركات في جميع أنحاء العالم يجب أن تستثمر أكثر في تنويع بلاد المنشأ لسلاسل التوريد. ويضيف: "إن الأمر لا يقتصر فقط على أنهم بحاجة إلى فهم مورديهم، ولكنهم بحاجة إلى فهم من يوردون إلى مورديهم".

يذكر جيفري غيرتز بالمحاولات التي سعت إلى مزيد من المرونة والتنوع في سلاسل التوريد خلال زلزال وتسونامي 2011 في اليابان، والذي أدى إلى نقص في المنتجات، لكن تلك الجهود لم تدم طويلا.

من جهته يعتقد سيمشي ليفي أن الأمور تختلف هذه المرة، ويقول: إن التوترات التجارية الأخيرة حفزت الشركات بالفعل على إعادة التفكير في سلاسل التوريد الخاصة بها، قبل أن يجزم بأن وجود الوباء سيسرع بذلك.

أزمة قديمة

تهدد أزمة سلاسل التوريد استمرارية الأعمال والتجارة والأمن القومي أيضا، لكن هذه الأزمة ليست وليدة الجائحة، بل بدأت مع الحرب التجارية بين القوتين الاقتصاديتين.

خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وإعادة تقييم سلاسل التوريد بعد مراجعة الولايات المتحدة لاتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية كان أيضا له تأثير على سلاسل التوريد.

الأزمات السياسية مثل مقاطعة الصين غير الرسمية لكوريا الجنوبية بسبب نشرها صواريخ ثاد وكارثة فوكوشيما كان لها أيضا وقع على سلاسل توريدها.