مع تفشي كورونا.. أزمات جديدة تهدد الاستقرار في روسيا

12

طباعة

مشاركة

يوما بعد يوم، يزداد الحديث عن التغيرات التي ستعصف بالنظام الدولي الجديد بعيد مرحلة فيروس كورونا، ومن أبرز الآراء المطروحة أن تركيز الدولة القومية سيزداد، وسيتم التشكيك في موثوقية وصلاحية المنظمات الدولية وينتهي النظام العالمي الليبرالي.

فعلى غرار سياسة "أميركا أولا" التي تبنتها إدارة دونالد ترامب، بات الحال متشابها في عدد من الدول حيث "إنجلترا أولا" و"فرنسا أولا"، وعليه فمن المتوقع أن يتم التشكيك في مستقبل منظمات مثل الأمم المتحدة (UN) والاتحاد الأوروبي (EU) وحلف شمال الأطلسي (الناتو) ومنظمة التعاون الإسلامي (GIC) ومجموعة العشرين ومنظمة الصحة العالمية (WHO).

في العادة، عندما يكون القرار نابع من الشعب، أي من أدنى لأعلى، تكون آلية صنع القرار فعالة، لكن فإنه ومع أيام الوباء كان للحكومات المستبدة دور أكثر فعالية في مكافحة الفيروس الراهن من تلك المتسمة بالديمقراطية.

ويقول مركز "سيتا" التركي للأبحاث والدراسات: إن "تصور الحكومات الديمقراطية في مكافحة الوباء يؤثر سلبا على القيم الليبرالية السائدة في السياسة الدولية لسنوات عديدة".

من ناحية أخرى، يُقال إن الاعتماد المتبادل قوي بين الدول لدرجة أنه لا يمكنه منع العولمة، وستدخل البلدان السباق لزيادة نفوذها على بعضها البعض من خلال الوباء عبر مناحي الصحة والتعليم والأمن البيولوجي والسيبراني والغذائي والمنتجات الطبية الحيوية. 

ويوضح المركز في تقرير له: "مما لا شك فيه أن كل دولة تحاول وضع سياستها الداخلية والخارجية وفقا للتغيير المذكور، وتكشف هذه الجهود أيضا عن قضية التنافس الجديد على السلطة".

وعلى الرغم من أن الصين والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي هي النقطة المحورية لجميع هذه المناقشات، إلا أن نهج روسيا تجاه الفيروس وأحد العناصر الحاسمة في النظام العالمي متعدد الأقطاب له نفس الأهمية.

صراع مع كورونا

في سياق مكافحة الوباء، يمكن القول: إن عدد الحالات في روسيا كان منخفضا نسبيا مقارنة بالدول الأخرى في البداية، لكنه بدأ في الزيادة اعتبارا من 7 أبريل/نيسان 2020.

وعلى الرغم من جميع الإجراءات وحظر التجول، فقد بدأ عدد الحالات الجديدة في الارتفاع أولا كألف يوميا ثم قفز الرقم إلى أربعة آلاف وبشكل يومي، طبقا للأرقام الرسمية.

ويوم 1 مايو/أيار 2020، سجلت روسيا 7 آلاف و933 إصابة جديدة بفيروس كورونا، في أعلى معدل إصابات على أساس يومي تسجله البلاد.

وبذلك يرتفع إجمالي مصابي كورونا إلى 114 ألفا و431، فيما يخضع أكثر من 211 ألف شخص للمراقبة الطبية، وفقا للبيانات الصادرة عن فريق الطوارئ.

وارتفع عدد الوفيات بسبب الفيروس إلى ألف و169، بعد تسجيل 96 حالة جديدة، فيما بلغ إجمالي المتعافين 13 ألفا و220 شخصا.

وعند تحليل البيانات، يتبين أن روسيا تحتل المرتبة الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة في إجمالي عدد الاختبارات، في حين أن العدد الإجمالي للحالات والوفيات منخفض جدا مقارنة بعدد الاختبارات.

ويذكر الخبراء أن الزيادة في عدد الاختبارات تصل إلى 4 آلاف طالما أن الجمهور يطيع الإجراءات المتخذة، وستتم إدارة العملية بسهولة أكبر من حيث إشغال المستشفى وذروته مع تطبيق حظر التجول مبكرا.

وعلى الرغم من زيادة عدد الإصابات والاختبارات، فإن المستوى المنخفض لأعداد الوفيات يؤدي إلى مفاهيم معاكسة سيما وأن ظروف المشافي في روسيا، وخاصة العناية المركزة والمرافق المادية، ليست جيدة.

في هذا السياق، استمرت الادعاءات القائلة والتي تحدثت عنها المعارضة في روسيا وبعض الجهات الأخرى، بأن أعداد الوفيات أكثر من الأرقام المعلنة بكثير، وأن كثيرا منها سجلت على أنها فشل تنفسي أو التهاب رئوي مستمر منذ اليوم الأول.

ويقول المركز التركي: "إن انهيار أسعار النفط بعد الفيروس، والانخفاض المستمر في الدخل القومي، وانخفاض قيمة الروبل الروسي، يزيد من الضغط على إدارة موسكو".

فعلى عكس الدول الأخرى، يواجه هيكل الحكومة الفيدرالية في موسكو تحديا مهما بسبب الفيروس التاجي.

ويوضح المركز: "إذا لم تتم إدارة هذا التحدي بشكل صحيح، فمن المتوقع أن يكون لروسيا تأثير خطير على وضع نفسها في ترتيب ما بعد الوباء، لأننا نرى أن هناك صراعات بين إدارة موسكو والهياكل الفيدرالية".

على وجه الخصوص، جرى انتقاد رئيس الشيشان رمضان قديروف من قبل رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين بسبب تدابير مثل الحجر الصحي في المدينة الذي يستقل بها عن الحكومة المركزية. 

ويثير هذا الأمر مسألة أن حكومة الشيشان وموسكو قد تفتحان هوة كبيرة بين الحكومة المركزية والهياكل الفيدرالية، في المقام الأول في منطقة شمال القوقاز بأكملها، ثم في مناطق أخرى، خاصة في تلك التي يكون فيها عدد السكان العرقي الروسي منخفضا وعدد السكان المسلمين مرتفع، لأن الظروف الصحية تختلف في كل منطقة.

وأردف المركز: "إذا استمرت الظروف الصحية، التي هي أسوأ في المناطق المعنية - مقارنة بالهياكل الفيدرالية المركزية - في التصاعد بالأيام التالية، فقد تتسبب أيضا في قلق عام وفقدان للثقة".

في التحليل النهائي، يمكن أن يؤدي الفيروس التاجي إلى تغييرات جذرية في السياسة الروسية وفي شكل الحكومة. لهذا السبب، تعمل إدارة موسكو التي تنفي٫ حاليا عملية إصلاح في سياق التعديل الدستوري، بجدية منذ اليوم الأول لمكافحة الوباء وما سيجري بعده.

تحديات إضافية

يرى مركز "سيتا" التركي للأبحاث والدراسات أن بروز مفهوم الدولة القومية سيكون له تأثير سلبي ولكنه معتاد بالنسبة لروسيا، لأن الاتحاد الروسي لديه بنية مجزأة ومتعددة الأعراق.

ويتكون 20 ٪ من السكان هناك، من أشخاص ينتمون لمجموعات عرقية متنوعة كالتتار والشيشان والأوكران والبشكير وما يقرب من 12 مليون نسمة من السكان الأتراك، بما في ذلك المهاجرين، يعيشون في البلاد.

بداية، إن تعزيز الهوية بدلا من السياسة في روسيا، يمكن أن يؤجج صراعات الفيدرالية - المركزية التي نشأت مع الفيروس وكذلك مع التعديل الدستوري الجديد، يُرى أن عنصرا مشابها نُسب إلى الهوية العرقية الروسية زادت من أهميته المعطاة.

وقد اجتذب هذا الوضع ردود فعل من الشعوب الأخرى التي لها خصائص مؤسسية في العديد من مناطق البلاد منذ اليوم الأول.

ويتابع المركز: "عندما ننظر إلى هذا الجانب، قد تزيد الاضطرابات بين الشعوب الأخرى ذات الأصل العرقي التي تعيش تحت الاتحاد الروسي، وقد يتضرر الاستقرار والاستدامة في السياسة المحلية".

ومع ذلك، فإن انهيار أسعار النفط بعد الفيروس، والانخفاض المستمر في الدخل القومي، وانخفاض قيمة الروبل الروس، يزيد من الضغط على إدارة موسكو.

وبحسب المركز، فإن الأزمة الاقتصادية - حتى لو كانت الإدارة الصحية جيدة - ستجعل من الصعب إدارة الأمر في السياسة المحلية.

وعلى الرغم من أن الجمهور سيفضل القيادة المستقرة والقوية في هذه الأيام الصعبة (يتم التركيز أيضا على أعضاء مجلس الدوما)، إلا أن الأمر يمثل عتبة مهمة للحد من آثار الأزمة قبل انتخابات 2024 وإلا، حتى لو تمت الموافقة على التعديل الدستوري في الاستفتاء، فقد يكون مستقبل فلاديمير بوتين في خطر.

بالنظر إلى السياسة الخارجية لروسيا، يُعتقد أن رؤية أن تكون البلاد مركز نفوذ عالمي، ويمكن وصفه بأنه مذهب بوتين، يتم الحفاظ عليه. ويلي ذلك الأمن القومي، وسلامة الأراضي، وتنمية العلاقات الجيدة مع الدول المجاورة، وحماية حقوق المواطنين الروس، ونشر اللغة والثقافة الروسية في جميع أنحاء العالم.

كل هذه العناصر ذات الأولوية مدرجة في جميع الوثائق التي تحدد إستراتيجيات السياسة الخارجية التي نشرتها وزارة الخارجية الروسية منذ عام 2000.

ويوضح المركز: "عندما ننظر إلى ممارسات السياسة الخارجية لروسيا، نرى الخطوات المتخذة تجاه هذه العناصر وخطابات القادة ثابتة، ولكن يعد العامل الأكثر تحديدا هو الحفاظ على حالة القوة العظمى، أي على مركز التأثير العالمي، ووراء هذه الإستراتيجية بشكل رئيسي المبادرات التوسعية التي تبنتها موسكو والسياسات التي تتبعها في هذا الاتجاه".

ويضيف: "يمكننا قراءة هذه الإستراتيجية، التي يتم اتباعها بهدف موازنة التأثير الصيني المتزايد في الجغرافيا القريبة وسياسة الاحتواء الأميركية، كخطوات روسيا نحو الحفاظ على مركز نفوذها العالمي".

روسيا، التي هي دائما على الجهة المقابلة للنظام العالمي الليبرالي، هي واحدة من الدول التي سيكون من دواعي سرورها أن يتأثر هذا النظام أكثر جراء الفيروس.

كذلك ينظر إليها على أنها فرصة من قبل إدارة الكرملين حيث يتم التشكيك في مؤسسات مثل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.

ويقول المركز: "حقيقة أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لا تقدم الدعم الطبي لبلدان مثل إيطاليا وإسبانيا، التي هي في وضع أكثر صعوبة مقارنة بالدول الأخرى، وأنها سلبية للغاية من حيث توفير المساعدة، أثرت سلبا على الصورة العالمية للاتحاد وجعلت وظائفه موضع تساؤل من قبل الدول الأعضاء".

بالإضافة إلى ذلك، فإن الأقنعة والقفازات والملابس الواقية وأجهزة التنفس والعاملين الطبيين الذين أرسلتهم روسيا إلى هذه الدول، جعلوا جدوى وجودة الاتحاد الأوروبي مرة أخرى موضوعا للنقاش.

في الوقت نفسه، بدأت صورة روسيا تتغير أمام الجمهور والحكومة، كما يمكن ملاحظة أن موسكو تهدف إلى زيادة نفوذها من خلال تحويل الآثار المتساقطة لهذه المؤسسات إلى فرص ولا يقتصر هذا الهدف على الدول الأوروبية والغرب.

وبحسب المركز، تقدم روسيا المساعدة لأكثر من ستة عشر دولة في المجموع، وتقدم الدعم لدول أخرى في جوانب مختلفة مثل إيران والصين وكوريا الشمالية، وكذلك لثمانية بلدان مختلفة في الجغرافيا السوفيتية السابقة. 

يمكن أيضا قراءة هذه الإستراتيجية، التي يتم اتباعها بهدف موازنة التأثير الصيني المتزايد في الجغرافيا القريبة وسياسة الاحتواء الأميركية، كخطوات روسية نحو الحفاظ على مركز نفوذها العالمي. 

وفي حالة استمرار النظام الحالي بسبب الترابط القوي للغاية، لن يمنع الوباء العولمة، وفي الفترة القادمة، ستدخل البلدان السباق لزيادة نفوذها على بعضها البعض من خلال قطاع الصحة والتعليم والسلامة البيولوجية والأمن السيبراني والغذائي. وسيستمر هذا الوضع في الزيادة في فترة ما بعد الفيروس.

باختصار، يمكن أن تنشأ خلافات بين الهيكل المركزي والمناطق الفيدرالية التي لا تتمتع بفرص صحية متساوية مع زيادة عدد الإصابات والوفيات.

في نهاية المطاف، قد يؤدي تدهور الاقتصاد، وخاصة أسعار النفط، وانهيار الثقة في بوتين وإدارته في الرأي العام، إلى نتائج غير متوقعة في انتخابات عام 2024 وسوف ترغب في الحصول على أكبر حصة من الكعكة.

في هذا السياق، تخطط روسيا لتعميق نفوذها في أوروبا وخارجها من خلال موازنة المؤسسات الغربية، التي سيضعف تأثيرها، كمتطلب من سياستها الخارجية الحالية، وأيضا لتولي زمام القيادة في سباق العولمة.

باختصار، في النظام العالمي الذي سيتم تشكيله بعد الوباء، ستتبع روسيا سياسات أكثر استباقية للحفاظ على وضعها كقوة عظمى، لكن الصعوبات التي قد تنشأ جراء السياسة المحلية قد تحد من قدرتها على المناورة.