منع طقوس رمضان.. هل يثير توترات في الدول الإسلامية؟

12

طباعة

مشاركة

في جميع أنحاء العالم الإسلامي، سيكون شهر رمضان مختلفا عن أي عام مضى؛ بسبب جائحة فيروس كورونا التي ستؤثر على إيقاع تقاليد وممارسات عمرها قرون.

واستعرضت صحيفة واشنطن بوست، في تقرير لها، الإجراءات التي اتخذت في مختلف البلدان الإسلامية استعدادا لرمضان ضمن حزمة أوسع من التدابير في إطار مواجهة الفيروس التاجي الجديد. 

فقد منعت السلطات المصرية الطاولات الخيرية المعروفة باسم "موائد الرحمن"، التي تزين جنبات الأزقة والشوارع وبجانب المساجد عند غروب الشمس، والتي عرضت عبر الأجيال وجبات إفطار الصائمين المجانية لأولئك الذين يصومون نهار رمضان الطويل.

كما قال مفتي السعودية: إن الصلوات خلال شهر رمضان - بما في ذلك صلاة العشاء التي تقام عادة في المساجد التي تعج بالمصلين - واحتفالات عيد الفطر التي تلي نهاية شهر الصيام يجب أن تقام في المنزل، وفق التقرير.

وقال التقرير: إن "الرئيس الإيراني حسن روحاني في لهجة أقرب للاعتذار، طلب من الإيرانيين عدم زيارة الأضرحة المقدسة خلال شهر رمضان أو المشاركة في تجمعات الإفطار، ووجبات العشاء الاحتفالية".

وقال روحاني لقوة المهام المعنية بمكافحة الفيروس التاجي في البلاد، في تصريحات كشف عنها في وقت لاحق: "في شهر رمضان المبارك، لن يكون لدينا الاحتفالات المعتادة، مثل الإفطار".

وفي حديثه عن الأضرحة والمساجد قال: "ستغلق لمدة أسبوعين آخرين بانتظار ما سينتج عن الاجتماع القادم". لكن رجال الدين، الذين يرتدون عباءة البر، اعترضوا في بعض الأماكن على قرارات الحظر الرسمية، وفق التقرير.

وتابع: "في باكستان، قررت الحكومة بأن مجموعات من خمسة أو أقل فقط يمكنهم حضور صلاة في المساجد، ولذلك فرقت قوات الأمن عددا من التجمعات الكبيرة للصلاة، مما أشعل الاشتباكات بين المصلين والشرطة". 

كما أصدرت مجموعة مؤلفة من 50 رجل دين بارز تحذيرا للحكومة لتخفيف هذه القيود، ووقف الاعتقالات. وظهرت نتائج هذا التحذير حين استسلمت الحكومة وألغت القيود المفروضة على حضور المساجد، وفقا للتقرير.

ونقلت صحيفة "جيو نيوز" الباكستانية المحلية عن الرئيس "عارف ألفي" قوله للصحفيين: "يريد الناس رؤية قادتهم السياسيين والدينيين على نفس الصفحة وأي صراع سيكون له نتائج عكسية".

تدابير صارمة

من مصر إلى ماليزيا وما وراءها، ألقت جائحة الفيروس التاجي الجديد بظلالها الطويلة على 1.8 مليار مسلم في العالم وهم يستعدون لأكثر الشهور قدسية في السنة.

وأوضح التقرير: "في العديد من البلدان، نفذت السلطات عمليات إغلاق شاملة، ففرضت حظر التجول والسفر بالإضافة إلى تعليق الصلاة في المساجد وحظر التجمعات الدينية الأخرى".

وقد ظهرت آثار هذه الإجراءات الصارمة، إلى جانب إغلاق الحدود والمطارات على الفقراء بشدة خاصة مع ارتفاع معدلات البطالة وأسعار المواد الغذائية مع بدء شهر رمضان.

خلال عطلة نهاية الأسبوع، حثت السلطات الدينية المصرية على إعطاء المنح للفقراء قبل بداية شهر رمضان لأن طاولات الطعام الخيرية التقليدية سيجري منعها، وفق التقرير

وتابع التقرير: "يحظر أيضا طقوس الاعتكاف التي يقضي فيها المسلمون العشر الأواخر من رمضان في المساجد للصلاة والتأمل. وقد تم إغلاق المساجد المصرية منذ شهر مارس/آذار 2020 لمنع انتشار الفيروس".

وانتقالا إلى السعودية نقل التقرير أنها تعلق تأشيرات الدخول للمسلمين الذين يسعون إلى زيارة الأماكن المقدسة في مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، هذه الزيارة الأكثر شيوعا خلال شهر رمضان.

كما أعلن المسجد النبوي في المدينة المنورة أنه يحظر أيضا تنظيم تجمعات إفطار الصائمين لتقديم وجبات الإفطار عند المغرب للفقراء. ونقل التقرير عن جهاد سليمان من القاهرة قولها: "رمضان هذا العام سيكون مختلفا ولا يوجد شيء يمكننا القيام به حيال ذلك".

وقالت سليمان: إنها ستختار مكانا في منزلها لأداء شعائر رمضان، مبينة أن التخلي عن تجمعات الإفطار سيكون "مؤلما حقا" لأن معظم أفراد عائلتها لن يتمكنوا من الحضور.

وتابعت: "نحن عائلة قريبة للغاية، نجتمع طوال الوقت، لكننا الآن نواصل إخبار بعضنا البعض بأننا لم نعد نستطيع اللقاء حاليا من أجل صحتنا. ونحن نفعل ذلك لحماية أحبائنا أكثر من أنفسنا". 

معارضون ومؤيدون

ونقل التقرير المواقف المتعارضة بالقول: "كان رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان مترددا في طلب إغلاق شامل خوفا من أن تدمر هذه التدابير الاقتصاد المتعثر بالفعل".

بدلا من ذلك، أصدرت الحكومات المحلية قيودها الخاصة، وأغلقت معظم الشركات في جميع أنحاء البلاد وأمرت الناس بالبقاء في منازلهم.

وأعربت صحيفة دون الباكستانية البارزة عن دعمها للقيود الحكومية في افتتاحيتها بقلم رئيس التحرير "لا ينبغي اعتبار ذلك إهانة للدين؛ إنها بالأحرى محاولة لإنقاذ أرواح عامة الناس".

وتابع التقرير: "لكن رجال الدين يبدو أن لهم رأيا آخر، فقد انتقدوا هذا النهج، زاعمين أن الإجراءات تضر بشكل غير متناسب بالفقراء والمتدينين في البلاد".

كما يعتقد الكثير من الباكستانيين المتدينين أن صلاة الجماعة ضرورية للدولة لهزيمة الفيروس التاجي.

وجاء قول مولانا حامد الحق، نجل رجل الدين الباكستاني القتيل مولانا سامي الحق ونائب رئيس معهد ديني كان له صلات بحركة طالبان تاريخيا، موافقا لهذه الرؤية، حين قال: "علينا العودة إلى الله للصلاة لإنهاء هذا الفيروس التاجي"، وفق التقرير.

وتابع التقرير: "بينما تم تمديد إغلاق المدارس والمواصلات العامة ومعظم الأعمال التجارية إلى رمضان، أعلنت الحكومة أنه سيتم فتح المساجد أمام مجموعات كبيرة للعبادة خلال الشهر الكريم".

ولم يقتصر هذا التضارب في وجهات النظر على الباكستانيين، "ففي شمال غرب سوريا، حيث تسيطر جماعة تحرير الشام، أعلنت الحكومة المحلية في وقت سابق من هذا الشهر أن صلاة الجمعة ستتوقف لمدة أسبوعين لحماية السكان من انتشار الفيروس".

وفي اليوم التالي، مخالفا للأمر، أجرى قائد سابق في هيئة تحرير الشام صلاة الجمعة في مسجد في إدلب، وفقا لقناته على تطبيق "تيليجرام" التي نقلت أخباره.

بحاجة للغذاء

ويوضح التقرير حقيقة الوضع الكارثي في العديد من الدول الإسلامية، والبداية من أفغانستان، فقد أفادت مجموعات الإغاثة والمنظمات الدينية عن ارتفاع عدد الأشخاص الذين يطلبون المساعدة الغذائية قبل شهر رمضان.

ونقل التقرير عن عبد الفتاح جواد، عضو جماعة الإصلاح، وهي جماعة إسلامية ذات جناح خيري كبير، قوله: "إن الطلبات ارتفعت بسرعة وتتجاوز التبرعات".

وقال أيضا: "الناس يتصلون ويرسلون الرسائل النصية وبعضهم يأتي شخصيا، يبكون ويتوسلون للحصول على تبرعات. بعض الأسر لا تحصل على الطعام حتى لمدة أسبوع، الوضع حرج للغاية".

وأضاف جواد أن منظمته عادة ما تتبرع بنحو 75 ألف دولار للفقراء في الفترة التي تسبق شهر رمضان، لكن هذا العام وزعت بالفعل أكثر من 100 ألف دولار، ولم يبدأ الشهر الكريم بعد.

وفي الحديث عن اليمن الذي سجلت فيه إصابة واحدة بالفيروس حتى الآن في 10 أبريل/نيسان 2020)، اكتفى التقرير بنقل قول المواطن اليمني "سمير أحمد الحربي"، 32 سنة، وهو طالب جامعي وأب لطفلين في محافظة مأرب الوسطى.

قال الحربي: "إن أسعار المواد الغذائية ارتفعت بشكل كبير. وإن الناس ليسوا مستعدين لرمضان أو لفيروس كورونا"، مضيفا: "رمضان يقترب، ولم نتمكن من شراء ما يكفي من الغذاء، الآن مع خطر هذا المرض، سيكون كارثيا إذا انتشر فعلا".

وتابع: أن "المساجد مفتوحة، وكذلك الأسواق، لم نر أي إجراءات احترازية اتخذتها السلطات المحلية في هذا الصدد". وقد أعلنت السلطات المحلية حظر التجول من الساعة 9 مساء حتى 9 صباحا، ولكن الناس لم يلتزموا بها، وفق التقرير.