على غير العادة.. ما سر إعلان "الناتو" دعمه لتركيا في معركة إدلب؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم تأزم العلاقات بين تركيا ودول حلف شمال الأطلسي "الناتو"، إلا أن أعضاء الحلف أعلنوا تأييدهم العسكري لتركيا، في الأزمة التي اندلعت مؤخرا بين أنقرة وقوات نظام بشار الأسد مدعومة بالقوات الروسية في إدلب، إثر استهداف جنود أتراك.  

الأمين العام للحلف، ينس ستولتتبرغ، أكد في مؤتمر صحفي، وقوفه إلى جانب تركيا، في عمليتها العسكرية "درع الربيع"، وقال: إن وزراء دفاع حلف الناتو "بحثوا تصاعد التوتر في محافظة إدلب السورية، وأن الحلف أظهر بعض القدرة على تعزيز نظام الدفاع الجوي لتركيا، كدليل على وقوفه إلى جنب أنقرة".

في المقابل، دعا ستولتتبرغ النظام السوري المدعوم من موسكو، لوقف الهجمات التي يشنها في محافظة إدلب، وقال: إن "ما نراه الآن هو نتيجة عنف النظام ووحشية هجماته واستهدافه المدنيين والأبرياء من دون تمييز، تلك الهجمات يجب أن تتوقف على الفور".

في 20 فبراير/شباط 2020، نشر تحالف الناتو في حسابه على تويتر، تسجيلا مصورا يستعرض قوة الجيش التركي، وكتب معلقا: "الناتو عائلة ذات قيم مشتركة، نحن متحدون مع حلفائنا من أجل السلام والاستقرار، تركيا هي الناتو".  

وأضاف الناتو: "بصفتنا حلفاء نشارك قيمنا المشتركة، من أجل هذه القيم ومن أجل أن نحمي أنفسنا، نتحرك معا".

 

دعم أميركي 

وإلى جانب تصريحات أمين عام حلف الناتو الداعم لتركيا، أظهرت واشنطن تقاربا مع أنقرة، رغم الأزمات التي نشأت بين البلدين خلال الفترات الماضية وكانت سببا لإلغاء الولايات المتحدة لصفقة طائرات إف 35 التي كان من المقرر أن تحصل عليها تركيا بموجب اتفاق سابق.

وسائل إعلام نقلت عن المتحدث باسم البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ناقش مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في مكالمة هاتفية، التطورات في كل من سوريا وليبيا، وأبدى دعمه الكامل للموقف التركي في إدلب.

جيمس جيفري، المبعوث الخاص للولايات المتحدة بشأن الأزمة السورية، ومبعوث التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، صرح لقناة إن تي في التركية، أن الولايات المتحدة تدعم تركيا ومصالحها المشروعة في إدلب.

وأثناء زيارته أنقره ناقش جيفري مع المسؤولين الأتراك الوضع القانوني في إدلب، قائلا: "نحن ندعم وجود تركيا ومصالحها المشروعة في إدلب، القوات التركية لها الحق في الدفاع عن نفسها في إدلب، والولايات المتحدة تتفهم حاجة تركيا للرد على قوات المعارضة".

وأضاف: "بصفتنا حلفاء في الناتو فإننا نتحقق كيف يمكننا المساعدة، لا يمكن لتركيا أن تكون وحدها مسؤولة عن الكوارث الإنسانية في سوريا، وروسيا والأسد مسؤولان عن ذلك الارتباك".

وتابع: "أنقرة وواشنطن لهما أهداف جغرافية إستراتيجية مشتركة في سوريا وليبيا، والتنسيق بين البلدين في مجال المعلومات مهم للغاية، قضيتنا اليوم هي إدلب، ونريد إيجاد حل دبلوماسي لهذا مع العديد من الدول".

سر التحول

الدعم الذي تلقته تركيا من حلف الناتو، ومن الولايات المتحدة على وجه الخصوص، بصفتها عضوا في الناتو، وضع تساؤلات عن سر ذلك الموقف تحديدا، مقارنة بخذلان كبير واجهته أنقرة من تحالف الناتو خلال أزمات عديدة مرت بها تركيا في الماضي.

حسب متابعين، فإن الولايات المتحدة تقدم الدعم لتركيا، لأنها تقف عائقا أمام الطموح الروسي في سوريا، الذي يعد المنافس التقليدي للولايات المتحدة، بالإضافة إلى وقوفها أمام التنامي الإيراني في سوريا.

ووفق المركز السوري للعلاقات الدولية والدراسات الإستراتيجية، فإن "ذلك الدعم الذي تلقته تركيا، يقف وراءه مجمل أسباب، من بينها: أن تركيا تقوم بدور الموازن للنفوذ الإيراني المتصاعد في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط، كما يمكن لتركيا أن تلعب دورا مركزيا في عملية تقليص نفوذ إيران المتصاعد في سوريا، في ظل عدم دلائل التزام روسيا بتقليصه.

السبب الثاني حسب المركز، فإن "التخلي عن تركيا وتركها وحيدة في مواجهة مشاكلها في سوريا، قد يؤدي إلى قيام أنقرة بتقديم بعض التنازلات في الملف السوري، لصالح إيران وروسيا، على غرار ما حصل عام 2015 بعد إسقاط الطائرة الروسية، حيث اتخذت تركيا إجراءات تصالحية مع روسيا، جعلتها أكثر قربا منها، وأكثر ابتعادا من الدول الأعضاء في حلف الناتو".

أما ثالث الأسباب وفق المركز فهو أن "عدم وفاء الناتو بالتزاماته ببنود الاتفاقية مع تركيا، فيما يتعلق بتقديم الدعم اللازم لأنقرة في أدلب، قد يؤدي إلى تراجع الثقة في مصداقية الحلف، وقد يدفع دولا إلى التراجع عن طلبها في الانضمام له، وبناء تفاهمات بديلة مع روسيا، وكانت أوكرانيا قد أظهرت رغبتها في الانضمام للحلف، وهو الأمر الذي يرغب به الحلف من أجل استقطاب مزيد من الدول للحد من النفوذ الروسي المتصاعد، ويقطع الطرق تجاه التقارب الأوروبي الروسي أيضا".

مخاوف الخذلان

لم يستغرق الأمر كثيرا، ليعلن الناتو دعمه للموقف التركي، فبعد أن وجه الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن الحلفاء في شمال الأطلسي إلى أخذ التهديدات التي يتعرض لها الأمن القومي التركي على محمل الجد، وقال قالن: "ننتظر دعما من حلف الأطلسي، والوقوف إلى جانب تركيا في حربها ضد الإرهاب، وعلى الحلف أن يتضامن معها".

ورغم إعلان الحلف مباشرة عن دعمه لأنقرة في مطالبها المشروعة، إلا أن مراقبين يحذرون من أن يتخلى الحلف عن تركيا في منتصف الطريق، وأن تكون تلك الإعلانات بالدعم السياسي والعسكري هي محاولة لتوريط تركيا وإقحامها في صراع استنزاف وإرهاق مع قوات الأسد والقوات الروسية.

غير أن المتفائلين في هذا الشأن يستندون إلى أن حلف الناتو لم يكن صادقا في دعمه لتركيا في عدة أزمات مرت بها الأخيرة، فقد ترك أنقرة لمصيرها عندما تصاعدت الأزمة بين البلدين إثر استهداف تركيا للطائرة الروسية، وقامت علاوة على ذلك بسحب بطاريات باتريوت المضادة للصواريخ.

كما ترك الحلف تركيا وحدها أثناء عملية "غصن الزيتون" إثر تعرض أمنها القومي لتهديد من قبل الوحدات الكردية في منطقة عفرين، وكذلك الحال عندما واجهت أنقرة بمفردها محاولة الانقلاب الفاشل صيف 2016.

وفي أزمة اللاجئين، ترك "الناتو" أنقرة وحيدة، بل العكس من ذلك أصدرت دول الاتحاد الأوروبي وهي أعضاء في "الناتو" تصريحات مناهضة لتركيا.

وبين الحديث عن رغبة الناتو الحقيقية في تقديم الدعم السياسي والعسكري، والأصوات الأخرى المنادية بالتعامل بحذر مع إعلان الحلف بالدعم، اتجه الرئيس أردوغان لفتح قنوات تفاهم مباشرة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين.

تلك التفاهمات أسفرت عن عقد قمة موسكو التي اتفق فيها الطرفان على إيقاف القوات التركية لإطلاق النار، مقابل انسحاب قوات النظام السوري إلى حدود اتفاقية سوتشي ووقف إطلاق النار، بالإضافة إلى قيام روسيا بدورها في وقف استفزازات نظام الأسد، ما أضفى مشروعية على "درع الربيع" التي شنتها القوات التركية على قوات الأسد.