تقرير الحالة العربية: فبراير/شباط 2020

12

طباعة

مشاركة

المحتويات
مقدمة
أولا: محور حراك الشعوب
  • حراك السودان
  • حراك الجزائر
  • تظاهرات العراق
ثانيا: محور الحالة السياسية
  • القضية الفلسطينية.. جدار جديد
  • الحالة السودانية.. تطبيع وبذور تقسيم
  • الحالة الليبية.. دعم اختلال القوة
  • سوريا والصراع حول إدلب
  • حكومة تونسية
ثالثا: المحور الاقتصادي
  • تأثير أزمة كورونا على الاقتصاديات العربية
  • قضايا اقتصادية مهمة على أجندة رئيس وزراء تونس الجديد
  • هل يدعم الخارج اقتصاد السودان؟
رابعا: المحور الفكري
  • الفتوى والسلطان
  • في يوم المعلم العربي

مقدمة

ثمة شواهد على استمرار حراك الشعوب العربية رغم حالة الهدوء التي تمر بها بعض دول الثورات الربيع العربي في موجته الثانية، فلم تهدأ بعد الأوضاع في السودان أو لبنان، أو الجزائر والعراق.

كما لوحظ أن هناك مجموعة من التطورات في ملفات مختلفة بالمنطقة العربية، سواء في ليبيا أو سوريا، حيث تطورت الأوضاع لتظهر المزيد من التدخل الإقليمي والدولي في الصراع بهاتين الدولتين العربيتين، لتصفية حسابات إقليمية ودولية على حساب شعوبهما. كما يعتبر فبراير/شباط 2020 مرحلة مهمة لقياس مدى تأثر المنطقة العربية بالتداعيات السلبية على صعيد أزمة كورونا.

وفي ضوء مجريات الأمور بالمنطقة العربية، لا يمكن التنبؤ بالاتجاه نحو حالة من الهدوء على الصعيدين السياسي والاجتماعي في الأجلين القصير أو المتوسط، بل الشواهد تشير إلى مزيد من تعقيد الأمور، وتفجير بعض الملفات القطرية، كما هو الحال في ليبيا وسوريا.

كما يمكن القول بأن الفاعلين الإقليميين والدوليين أصبح بيدهم مفاتيح إدارة الأزمات في المنطقة العربية أكثر من ذي قبل، بينما المؤسسات العربية أو الدول العربية نفسها، لا تملك من أمرها شيئا، بل أصبحت تستخدم كأدوات في يد القوى الدولية.  


أولا: محور حراك الشعوب

الفضاء الشعبي العربي شهد 3 نماذج قوية خلال شهر فبراير/شباط 2020، حيث تبنى الشعب السوداني 3 مسارات للحراك: أولها عالج بعض القصور في أداء الحكومة الجديدة في مواجهة الدولة العميقة، وثانيهما ثوري تمثل في مساندة العلاقة البناءة بين ضباط القوات المسلحة ومشروعات الثورة المستقبلية، وثالثهما تمثل في تظاهرات الغضب ضد التطبيع وصفقة القرن.

أما ثاني النماذج فتمثلت في استمرار الحراك العراقي برغم بروز تحديات مثل "فيروس كورونا"، ومحاولات الالتفاف على إرادة العراقيين بتسمية رئيس وزراء جديد، محسوب على النخبة التي أثارت غضب العراقيين، وثالث التحديات يتمثل في انضمام التيار الثوري لقوى قمع الحراك. النموذج الثالث تمثل في استمرار الحراك الجزائري الذي تزامن مع ذكرى مرور عام كامل على بدئه، وهو ما استدعى حالة تقييم لمستقبله.

  • حراك السودان

كان حراك السودانيين من أبرز الحراكات العربية، حيث تحرك في 3 اتجاهات، أولهما تحرك على أرضية اجتماعية، مثلت سعيا من أهالي السودان لتعويض أوجه القصور في الأداء الحكومي، وكان ثاني التحركات على أرضية ثورية. فما هو موضوع الحراكات الثلاثة؟

1. لجان مراقبة الخبز: الموضوع الأول من موضوعات الحراك السوداني تمثل في السعي لتغطية قصور الدولة فيما يتعلق بالرقابة على القوت، حيث شكل السودانيون لجانا من المتطوعين حملت اسم "حراس الثورة"، هدفها التصدي لظاهرة تهريب الطحين (الدقيق) والخبز المدعومين اللذين من المفترض أن ينتهي بهما الأمر في أيدي المواطن البسيط[1].

المجموعات التي ترتدي سترات صفراء على شاكلة الحراك في الشارع الفرنسي، في محاولة لتمييزهم عن بقية المتعاطين مع المخابز من مواطنين أو من عمال المخابز أنفسهم، انطلقوا في حركتهم من تكرار الشكاوى باستمرار تهريب الدقيق والوقود وإعادة طرحهما في السوق السوداء، الأمر الذي رأوا أنه من شأنه خفض الروح المعنوية، وإضعاف ثقة رجل الشارع السوداني في الثورة وحراكها، هذا فضلا عما تؤدي إليه من تعجيز الحكومة عن الاستجابة لآمال المواطن البسيط.

يأتي اختيار قضية الخبز كأول أطروحات الحراك المساند لحكومة الثورة السودانية، بالنظر لكون "قضية الخبز" أحد أهم محركات الشارع السوداني الذي خرجت إرهاصاته في مدينة عطبرة بعد إعلان حكومة البشير رفع سعر الخبز. وبرغم الثورة، إلا أن أجهزة الرقابة والشرطة السودانية ما زالت على ثقافتها القديمة تشارك في عملية التهريب، وتتقاسم العوائد. وتفيد عدة تحقيقات إعلامية عن حالات التدافع بين الدولة العميقة واللجان الثورية، والتي تبلغ حد تهريب أجهزة الدولة للمتهمين بتهريب الدقيق.

وبرغم المساندة الحكومية التي أبداها وزير التجارة والصناعة مدني عباس مدني، المسؤول عن وضع سياسة الخبز، ما تمثل في شكر لجان المقاومة علنا على عملها، ونشره صورا للمتطوعين وأنشطتهم التي تبلغ حد النوم على أجولة الدقيق، إلا أن هذه اللجان لم تدعم بخاصية الضبط القضائي، ومن ثم يقتصر عملها على المراقبة الدقيقة لحركة أجولة الدقيق بعد تسليمها للمخابز، وحساب ما يدخل من الأجولة للمخابز، وعدد ما ينتج من الأرغفة في المخبز المكلفين بمتابعة العمل فيه، وحصر ما يتم توزيعه على مخابز مجاورة.

وفي إطار هذا الحراك، قام أحد الناشطين السودانيين، وهو متخصص في تطبيقات الهاتف الجوال، ببناء تطبيق للهواتف الجوالة يستخدمه المتطوعون في تداول المعلومات والبيانات حول حركة الدقيق والخبز في المخابز المكلفين بمتابعة العمل فيها. ويتناوب المتطوعون في المخابز على مدار اليوم، حتى لا يتركوا فسحة من اليوم يمكن فيها للمهربين التلاعب في حصص المناطق من الدقيق المدعوم.

الحكومة التي سبق لها قبل أيام أن طلبت معونة صندوق النقد الدولي ليس بمقدورها الإقدام على أحد خطوتين فيما يتعلق بالرقابة على الدقيق المدعوم: الخطوة الأولى التي حذر منها الصندوق كل الدول التي تعاطى معها بالإقراض، هي اتساع نطاق الإنفاق الحكومي، وهو ما يعني القيود الواردة على تحويل نشاط الرقابة على الدقيق المدعوم إلى نشاط دولة.

أما النشاط االثاني الذي لا يمكنها الإقدام عليه في هذه اللحظة التاريخية الحرجة أنها لا يمكنها الضغط على عناصر الشرطة، ما قد يؤدي لانسحابها من أداء وظيفتها التأمينية، وهو ما يعني تكرار الظاهرة التي عرفتها مصر قبل نحو 9 أعوام، حين أعلنت الشرطة في أعقاب تولي الرئيس الراحل محمد مرسي، أنها في إجازة لمدة 4 سنوات، في إشارة لعزوفها عن أداء مهامها الأمنية، ما يصب في صالح "فشل الدولة" خلال إدارة الرئيس مرسي.

2. الحراك الثوري: المسعى الشعبي الثاني في حراك أهل السودان تمثل في دعوة "تجمع المهنيين السودانيين" لاحتجاجات في الشارع السوداني لمناصرة خطوة المؤسسة العسكرية السودانية لطرد ضباط عسكريين سودانيين تولوا مهمة حماية الثوار السودانيين إبان الاحتجاجات التي أفضت لعزل الرئيس السابق عمر البشير.

وذكر بيان للتجمع، صدر في 20 فبراير/شباط 2020، في ختام حملة انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي أنه "ينبغي إعادة كل ضباط الجيش والجنود إلى أعمالهم بعد استبعادهم من الخدمة بشكل تعسفي". وأعلن التجمع في بيانه: "من انحاز لثورة شعبه وحماه جدير بالاحتفاء والترقية والتقديم لمواقع القيادة"[2].

وكانت قيادة القوات المسلحة قد أصدرت في 17 فبراير/شباط 2020، كشوفا محدودة ضمن حركة تنقلات وتقاعد واسعة كان من المفترض أن تنشر بحلول تاريخ كتابة هذه السطور، وتضمنت الكشوف المنشورة أسماء عدد من الضباط أحيلوا للتقاعد وآخرين حصلوا على ترقيات، وهو إجراء معتاد بداية كل عام.

تضمنت هذه الكشوف تقاعدات لضباط سبق أن اتخذوا قرارات بحماية للثوار والانحياز للثورة، حيث تضمنت اسمي الضابطين محمد صديق ومحمد سليمان بابكر، الذين كانا قد تعرضا للمحاكمة في وقت سابق، إلى جانب النقيب حامد عثمان حامد الذي تعرض للإصابة بأعيرة نارية أثناء تصديه لقوات حاولت فض الاعتصام في الأول من أبريل /نيسان 2019.

وفي أعقاب نشر هذه الكشوف، انتشرت حملة على منصات التواصل، حملت وسم "#الرهيفة_ تنقد" دعت لمليونية لإنقاذ هؤلاء الضباط أسمتها "مليونية رد الجميل" لشرفاء القوات المسلحة الخميس 20 فبراير/شباط 2020.

"الرهيفة تنقد" هو تعبير عامي سوداني يعني: "فليكن ما يكون"، وهي عبارة مستقاة من خطاب الملازم أول محمد صديق إبراهيم الذي أحيل للتقاعد أمام المعتصمين في 9 أبريل /نيسان 2019، حيث خالف صديق أوامر اللجنة الأمنية بقيادة الفريق أول عوض بن عوف، وانضم للمعتصمين بجنود تحت إمرته وسيارة مسلحة، قائلا: "نحن خالفنا تعليمات والرهيفة تنقد"[3].

وتحت دعاوى المهنية، ومخالفة الأوامر، تسعى المؤسسات العسكرية العربية للتخلص من الضباط الذين يبدون ميولا للتعاطي مع موقف الشارع العربي، أو ميولا للتدين، وهي خطوة يستهدف بها قادة المؤسسة العسكرية ضمان وجود التزام مطلق وطاعة عمياء من الضباط للأوامر الصادرة إليهم من قياداتهم، وهي حالة باتت موضع شكوك، بالنظر لمواقف المؤسسات العسكرية العربية المناوئة لإرادات الشعوب العربية، والتي تحمل أجندات لا يمكن القول بأنها وطنية، بالنظر لما تتضمنه من تنكر لحقوق الشعوب وإراداتها، وتخالف وظيفة المؤسسات العسكرية التي من المفترض بها أن تحمي التراب الوطني، فإذا بها توجه سلاحها لشعوبها (نماذج القوات المسلحة المصرية والليبية واليمنية والسودانية.. إلخ)، وتفرط في أراضيها (حالة التفريط في تيران وصنافير)، وتفرض سياسات خارجية ضد إرادات الشعوب (نماذج التطبيع في مصر والسودان مؤخرا). وتحمل هذه التقاعدات رسالة للضباط العسكريين بأن الشارع الذي انحازوا له لن يتحرك لمناصرتهم، ولن يعينهم على مشاق ومصاعب الحياة بعد "تقاعدهم".

تحركات وتصريحات الضباط المنحازين للشارع أتت في محاولة لضبط بوصلة القوات المسلحة، من حيث أنها تعمل لصالح شعوبها وليس لصالح "أجندتها الخاصة"، كما أنها دعت إلى "تأهيل" قوات الدعم السريع عسكريا، ثم استيعابها في بنية القوات المسلحة، وهو ما يعني تحويلها من ميليشيا تدين بالولاء لمؤسسها ورئيسها محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى قوة نظامية تأتمر بأمر القائد العام للقوات المسلحة، وتدين بالولاء للدولة. وهو ما كان يمثل خطرا على القوة الخاصة لهذا الأخير، ويهدد إمكانية استخدامه لقواته للحفاظ على استمراره في السلطة مهما ارتكب من مخالفات.

وبخلاف المتوقع من حالة ثورية، وبالتوافق مع المتوقع من عمق تأثير "الدولة العميقة" التي يخلفها استمرار وجود أي نظام عسكري في السلطة لفترة طويلة، فقد تصدت الشرطة السودانية للتظاهرات المناصرة لهؤلاء الضباط باستخدام الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، ما أدى لإصابة 19 سودانيا في هذه المواجهات[4].

وأدانت الحكومة السودانية استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين، وتوعدت بمحاسبة المخطئين، وأعلن مجلس الوزراء السوداني عن فتح تحقيق بشأن هذه الأحداث[5]. ليتبقى السؤال: هل يمكن فعلا محاسبة من أصدر هكذا قرار؟ وهل يمكن للسودان التخلص بهذه السرعة من "الدولة العميقة" والقوى ذات النفوذ المدعوم من الخارج؟ الإجابة على هذه التساؤلات تثير قلقا في سودان يبدو أنه يتجه الآن لما يعرفه تاريخ السياسة باسم "مصيدة ميانمار"[6].

3. تظاهرات رفض التطبيع: في أعقاب لقاء البرهان - نتنياهو، شهدت العاصمة الخرطوم تظاهرات واسعة رافضة للتطبيع مع إسرائيل، ومجددة الرفض لصفقة القرن، حملت اسم مواكب "جمعة الغضب". وانطلقت التظاهرات عقب صلاة الجمعة من مساجد مجمع الجريف الإسلامي، ومجمع خاتم المرسلين، ومسجد الخرطوم الكبير. وجاءت دعوة تظاهرات الجمعة من "تيار نصرة الشريعة ودولة القانون". كان لافتا في التظاهرات أنها جمعت أكثر من هدف، حيث عبرت عن مواقف لـ"تيار نصرة الشريعة" رافضة لبعض مسارات الأداء الحكومي، ورفعت في هذا الإطار شعارات: "الإسلام قبل القوت"، "الإسلام خط أحمر"، "اسمع.. اسمع نصر الدين (وزير العدل، عبدالباري).. نحن نموت عشان الدين"، "اسمع اسمع يا برهان.. لن يحكمنا الأمريكان"[7].

التظاهرات التي خرجت في المناطق ذات الهوية العربية فسرها مراقبون بأنها تعبير عن حالة مراجعة حادة يشهدها الشارع السوداني حيال قضايا هويته[8]، بما يعكس حالة استياء واسعة حيال عملية فرض الهوية العربية خلال فترة حكم الرئيس المعزول عمر البشير. غير أن هذه الرؤية إن صحت، فإنها تعكس خلطا بين دائرتي الهوية العربية والإسلامية، وتكشف عن أزمة في خطاب الهوية السودانية، ربما تكون أحد عوامل تضمين "تيار نصرة الشريعة" قضية الهوية الإسلامية في شعارات التظاهر.

  • حراك الجزائر

رغم إنفاذ المؤسسة العسكرية الجزائرية رؤيتها السياسية بإجراء انتخابات رئاسية، إلا أن التظاهرات لم تنقطع من الشارع الجزائري خلال شهر فبراير/شباط 2020، حيث شهدنا استمرار الحراك للجمعات الثلاثة من الحادية والخمسين وحتى الثالثة والخمسين، حيث توافق الأخيرة ذكرى مرور عام كامل على بدء الحراك الجزائري.

واستمر رفع نفس الشعارات في الجمعات الثلاثة، رفضا لهيمنة المؤسسة العسكرية على السلطة، والمطالبة بالإفراج عن المعتقلين الذين لم يخرج منهم إلا متظاهر واحد برغم قرار الرئيس عبدالمجيد تبون بالإفراج عن 9700 جزائري.

وترى وكالة فرانس برس أن أعداد المتظاهرين في الجمعة الحادية والخمسين كانت أقل من سابقاتها[9]. وفي الجمعة الثانية والخمسين، خرجت التظاهرات أقوى من الجمعة التي سبقتها، وفي هذه الجمعة، طالب المحتجون برحيل "تبون" نفسه، وأكدوا أنهم لا يرغبون في بقاء أوجه نظام بوتفليقة، ويرغبون في مزيد من أوجه هذا النظام الذين ما زالوا في واجهة النظام، واعتبروا أي انتخابات تجرى في وجود النخبة الحاكمة القديمة في السلطة وانخراط الجيش في السياسة غير شرعية[10].

ولم تزد الجمعة رقم 53 عن سابقاتها إلا في دعوة أعضاء "العقد السياسي لقوى البديل الديمقراطي" من أحزاب وجمعيات داعمة للحراك، إلى "جعل يومي الجمعة 21 والسبت 22 فبراير/شباط 2020، مرحلة تاريخية في التجنيد الشعبي السلمي من أجل إفشال مخطط إعادة إنتاج نفس النظام وإرساء أسس الجمهورية الجديدة التي تمكن الشعب الجزائري من الاختيار الحر لشكل وطبيعة مؤسساته"[11].

وافقت الجمعة الثالثة الذكرى الأولى لمرور عام على بدء الحراك، وكانت مناسبة أن يفتح عدد من المفكرين الباب لتقييم "عام من الحراك"، واصفين نموذج السلطة في الجزائر بأنه "قادر على التكيف"، وأنه "يتبدل ولا يتغير"، وأن التحرك في طريق التغيير يتطلب تقييم العفوية التي يجري بها الحراك، وبداية التعرف على ثقافة "الإصغاء" من أجل الوصول إلى توافق. المؤرخة "كريمة ديريش" ترى أن الجزائريين لم يدخلوا بعد مرحلة "الانتقال الديمقراطي"، بل ما زالوا في "مرحلة التفكير فيه"[12].

نفس المسار أكدت عليه الباحثة بمركز "كارنيجي" "داليا غانم"، حيث لفتت إلى وجود "اتفاق على شعارات الحراك"، وهي: "سلمية و"يتنحاو قاع" (ليرحلوا جميعا)، من دون التفكير في مأسسة الحراك. ترى "غانم" أن "غياب المؤسسية" أفاد الحراك نتيجة عدم وجود تنظيم يحظر أو قيادة يلقى القبض عليها أو "احتوائها"، لكنها تشير للجانب الآخر لهذه المؤسسية، حيث إن غياب شخصيات بارزة يعوق قدرة الحركة على التفاوض مع السلطة.

ويتفق خبراء على أن الحراك "يجرب"، ويطور آليات، لكن من غير المعلوم توقيت وصوله لآلية فعالة للتغيير، لكن التجريب والاستمرار نفسه قيمة مهمة في بلد تكلست فيه السياسة لعقود طويلة.

  • تظاهرات العراق

واجه متظاهرو العراق، في فبراير/شباط 2020، تحديا مزدوجا هو الأول من نوعه منذ اندلاع "احتجاجات تشرين"، مطلع أكتوبر /تشرين الأول 2019، هذا التحدي  يتمثل في تكليف الرئيس العراقي مرشحا جديدا لتشكيل الحكومة، وهو وزير الاتصالات الأسبق: محمد توفيق علاوي. أما الوجه الثاني للتحدي فيتمثل في اكتشاف أول إصابة بفيروس كورونا في العراق، أصيب بها طالب عراقي كان يدرس في الحوزات الإيرانية.

احتجاجات تشرين، التي تركزت في مناطق الجنوب العراقي، وهي مناطق ذات أغلبية شيعية، كانت كاشفة عن اتجاه شعبي لبلورة مفهوم للمصلحة الوطنية ومواجهة الفساد والحكومات الفاسدة التي تدعمها إيران. الاتجاه الآخذ في التبلور يكشف عن عمق التحولات التي يترقبها مستقبل العراق، والتي تنحو منحى غير طائفي، ما يكشف عن سير التشكيلات الموالية لإيران في العراق بقوة الدفع الذاتية، وأنها تتآكل لصالح تيار يتنامى.

رئيس الوزراء المكلف "علاوي" جاء في إطار توافقات بين الزعيمين الشيعيين، مقتدى الصدر وهادي العامري، تم جزء منها في إيران وبرعايتها"[13]. هذا التقدير الأخير يبين سبب استمرار التظاهرات العراقية حتى اليوم، وسبب رفضها تكليف الوزير السابق "علاوي" باعتباره محسوبا على جملة النخبة التي خرجت التظاهرات العراقية منددة بها وبفسادها.

آخر المواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن وقعت في وسط العاصمة "بغداد"، وأفضت إلى مقتل 3 متظاهرين جراء الاشتباكات مع قوات الأمن في مقابل إصابة 22 فردا من قوات الأمن، برغم أن المواجهات تشهد استخدام أدوات غير متكافئة، حيث ما يزال العراقيون يستخدمون الحجارة، فيما تستخدم قوات الأمن الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع[14].

غير أن الاحتجاجات ما عادت اليوم تواجه قوات الأمن وحدها، ولا قطاع من الميليشيات المحسوبة مباشرة على إيران، بل انضم لهذه القوة أنصار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، وذلك بعدما شهد موقفه من الحراك تحولا جذريا، إثر محادثات جرت بينه وبين قادة فصائل مسلحة مقربة من طهران، كان يصفها من قبل بأنها فصائل "وقحة".

اللقاء الذي جرى في مدينة قم الإيرانية في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2019 أعقبه تحول كبير في توجهاته حيال الحراك، حيث لم يكتف بالامتناع عن مناصرة الحراك، بل تمادى ليبلغ موقفه حد استخدام القوة المفرطة في مواجهته[15].


ثانيًا: محور الحالة السياسة

شهدت الساحة السياسية الرسمية العربية عدة أحداث مهمة خلال شهر فبراير/شباط 2020، حيث تبدو إسرائيل وقد اكتسبت أرضيتين جديدتين على حساب العالم العربي، لتبدأ السودان من جهة مسيرة تطبيع علاقتها مع هذا الكيان تحت زعم المصلحة الوطنية، فيما اتجهت سلطة 3 يوليو/تموز في مصر للاستغناء عن دور قطاع غزة في تأمين حدها الشمالي الشرقي لتستبدله بجدار خرساني.

كما تطور المشهد في سوريا بدخول الطرفين التركي والروسي حالة تدافع تسبب قلقا على الصعيدين الإقليمي والعالمي. كما بدأت روسيا والاتحاد الأوروبي في مواجهة تركيا في الساحة الليبية بسلاحين مختلفين، لكنهما متكاملان، حيث يتجه الأوروبيون للتضييق على تسليح حكومة الوفاق، فيما توسع روسيا من عمليات تدفق المرتزقة الروس والسوريين لتغذية المواجهات الأهلية الليبية.

وتختتم تونس المشهد السياسي الملتهب فيها بنجاح رئيس الوزراء المكلف إلياس الفخفاخ بالحصول على الثقة في حكومته الجديدة التي بدت فيها كل الأطراف المشاركة فائزة، وبخاصة حركة النهضة.

  • القضية الفلسطينية.. جدار جديد

منذ توقيع اتفاقيتي كامب ديفيد في 1978، ثم معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في 26 مارس/آذار 1979، تمثل القضية الفلسطينية مصدر استمرار الدعم الغربي لمصر التي تلعب دور الوسيط الذي يحافظ على اتفاقية استسلامه لعدوه فيما يدفع الطرف الفلسطيني نحو نفس المصير.

وبرغم هذا، يمكن القول - بصفة عامة - بأن تلاشي أسطورة "من النيل إلى الفرات" يرجع للمقاومة الشرسة التي يبديها رجل الشارع الفلسطيني والحركات السياسية المعبرة عنه في القطاع بصفة خاصة. غير أنه يبدو مما شهده شهرا يناير/ كانون الثاني وفبراير/شباط 2020، أن الأمر بطريقه لاستغناء القوات المسلحة المصرية عن الدور الفلسطيني في حماية حدود مصر الشمالية الشرقية، وذلك عبر جدار جديد يضاف لمتتالية الجدران العازلة التي تسجن الفلسطينيين.

الإرهاصات وحجج الأمن القومي المصري: في 28 يناير /كانون الثاني 2020، وفي نفس يوم إعلان إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطته لتصفية القضية الفلسطينية، المعروفة إعلاميا باسم "صفقة القرن"، وبحسب قبائليون من سيناء[16]، بدأت الهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة المصرية في بناء جدار خرساني، بإجمالي ارتفاع 11 مترا، 6 منها فوق الأرض ويمتد في باطن الأرض بعمق 5 أمتار. ويبتعد الجدار الجديد مسافة 10 أقدام عن جدار صخري بارتفاع 3 أمتار بنته مصر على حدودها مع القطاع في أعقاب فوز حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بانتخابات القطاع في يونيو/حزيران 2006.

الجدار الأخير مثل إحدى محاولات أربع لعزل القطاع عن الجانب المصري، كان أولها بناء إسرائيل سياجا على الحدود مع مصر، وذلك قبيل انسحابها من قطاع غزة عام 2005، إلا أن القطاع لم يصمد طويلا أمام هجمات قطاع من المسلحين الفلسطينيين، قبل أن يقتحم مئات آلاف الفلسطينيين الحدود مع مصر في يناير/كانون الثاني 2008 للحصول على مواد غذائية واحتياجات أساسية بسبب الحصار الإسرائيلي، وهو ما سمحت به القاهرة لبضعة أيام، ثم أعقبته بالشروع في بناء هذا الجدار الصخري في نفس العام، قبل أن تشرع في 2009 في زرع حاجز حديدي تحت الأرض للتصدي لأنفاق التهريب[17]، ولم يلبث الطرف المصري أن دعم الفصل الحدودي بإنشاء منطقة حدودية عازلة بعمق 1.5 كم منذ 2014، وذلك بعد أن قام بتسوية المناطق الحدودية ومدنها بالأرض، وبخاصة بعد هدم كامل مدينة رفح وقراها، وتجريف مئات الأفدنة الزراعية[18].

يتذرع الطرف المصري في بنائه لهذا الجدار بحجة الأمن القومي، ورغبته في إنهاء عمليات التسلل من وإلى سيناء. ويشير مراقبون فلسطينيون إلى أن نشاط البناء في الجدار تضاعف بعد زيارة وفد من المخابرات المصرية إلى القطاع مؤخرا، رافقه وفد هندسي، زار المنطقة الحدودية[19].

ويتشكك المراقبون في الحجج المصرية، وبخاصة مع توجيه حركة حماس المئات من جنودها لتأمين الحدود مع مصر، وفقا لمطالب مصرية، وهو ما أدى لتلاشي عمليات التسلل بصورة شبه كاملة، وتجريفها مناطق بأكملها، ونصبها أسلاكا شائكة وكاميرات مراقبة، وتسييرها دوريات من قوات الضبط الميداني التي تشمل عناصر من "القسام" والداخلية على الحدود، بالإضافة إلى نشاطها الواضح في ملاحقة واعتقال المنتمين للتنظيمات المتشددة ومؤيديهم، وتحويلهم للمحاكمات العسكرية والزج بهم في السجون.

الصورة السابقة تدفع مراقبين إلى وصف الإجراء المصري بالتزامن مع صفقة القرن، ورغبة مصر في الحصول على حصتها من الجانب الاقتصادي المرتبط بتنفيذ هذه الصفقة، وبخاصة الجانبين الخدمي (الكهرباء) والتجاري، فضلا عن بقية الحزمة المرتبطة بملفات المياه والطاقة وخطوط النقل.

*** التكامل مع خطط إسرائيل الأمنية: في الثالث من فبراير/شباط 2019، شرعت إسرائيل في تنفيذ المرحلة الثالثة والأخيرة من الجدار العازل الذي تبنيه على طول حدودها البرية والبحرية مع القطاع، وهو الجدار الذي فسره باحث بمركز كارنيجي الشرق الأوسط بأنه وسيلة إسرائيل لتخفيف/ تحييد الضغوط الأمنية الرامية لدفعه إلى قبول "حل الدولتين"[20].

الجدار الإسرائيلي الذي سيمتد حين انتهائه بطول 65 كيلومترا، يجد امتدادا بحريا له متمثلا في جدار بحري من 3 طبقات بارتقاع 200 متر يمثل امتدادا للخط الحدودي بين القطاع والأراضي المحتلة في عمق البحر، وهو مصنوع من ألواح إسمنتية ثقيلة وقضبان معدنية، ويتضمن "سياجا ذكيا" مزودا بأجهزة استشعار ونظام إنذار، ويحيط بمكسر الأمواج. ويأتي هذا الجدار البحري ردا على عملية قامت بها حركة حماس في حرب 2014، حيث دخل فريق من المقاتلين إسرائيل عن طريق البحر[21].

الحجة الخاصة بتحييد الضغوط الرامية لدفع إسرائيل لقبول حل الدولتين، متضافرة مع ما سبق وأشرنا إليه من رغبة الجانب المصري في تحصيل العوائد الاقتصادية "المستدامة" المرتبطة بـ "صفقة القرن"، علاوة على هشاشة الوضع الداخلي لسلطة 3 يوليو/تموز، التي تجعلها أكثر ميلا للانسياق خلف الضغوط الصهيوأمريكية، كلها عوامل تشي بأن الإجراء المصري ليس سوى إجراء مكمل لخطة إسرائيل بتحييد جهود الفلسطينيين لإفشال صفقة القرن.

وفي هذا الإطار، فإن الجانب المصري لن يستطيع الاستمرار في الالتزام بالأدوار المسندة إليه في إطار صفقة القرن فيما يترك خيار تأمين حدوده الشمالية الشرقية في يد حركة "حماس" التي تعد بالإضافة لعمق الشعب الفلسطيني، المتضرر الأساسي من هذه الصفقة القاتلة، وهو ما يجعل مصر متخوفة من أن يؤدي التزامها بهذه الصفقة إلى أن تخفت حماسة الجانب الفلسطيني حيال قضية تأمين الحدود المصرية، وهو ما دفع مصر للاستغناء عن خدمات "حماس" الحدودية، واستبدالها بهذا الجدار.

كما أن أية جهود لإخضاع الجانب الفلسطيني قد يدفعه لتكرار نموذج اقتحام الحدود المصرية على غرار سابقة 2008، وهو ما يعني أن مصر ملتزمة تجاه هذه الصفقة بمنع تكرار هذا النموذج لأنه يمثل مدخلا محتملا لا بد من استبعاده لتجنب احتمال وجود أي منفذ قد يخفف الضغط على الفلسطينيين في المستقبل.

  • الحالة السودانية.. تطبيع وبذور تقسيم

استدراج السودان: تمثل السودان حلقة جديدة ضمن متتالية تطبيع الأنظمة العربية مع إسرائيل، لكن التطبيع السوداني يأتي بمذاق متفرد، حيث إن خطوة التطبيع السوداني تأتي في أعقاب سلسلة من الأحداث التي شهدتها الأراضي العربية المحتلة، حيث تولت الإدارة الأمريكية تنفيذ قرار الكونجرس باعتبار مدينة القدس الشريفة عاصمة إسرائيل، ونقلت سفارتها إليها، واعترفت بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل، وأسبغت المشروعية على قرار مترقب بضم مستوطنات الضفة الغربية، وبدأت تنفيذ قرار الضم ميدانيا، وهو القرار الذي أتى بعد نشر الإدارة الأمريكية "خطة ترامب للسلام"، أو ما درج على تسميته خلال السنوات الأربع الأخيرة باسم "صفقة القرن".

قام الجنرال عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني، في الثالث من فبراير/شباط 2020، بلقاء رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في العاصمة الأوغندية "كمبالا"، وهو اللقاء الذي دام لأكثر من ساعتين، وتضمن الحديث عن خطوات لتطبيع العلاقات بين الطرفين.

أفادت الأنباء بأن الرئيس الأوغندي بدأ الترتيب لهذا اللقاء قبل أسبوع من حدوثه[22]، غير أن المتحدث باسم وزارة الدفاع السودانية كشف أن مباحثات تحضيرية سبقت اللقاء بنحو 3 أشهر، وأنها شملت لقاءات مع رئيس وزراء إسرائيل ووزير الخارجية الأمريكي[23].

في نفس يوم المقابلة، تلقى "البرهان" دعوة رسمية لزيارة واشنطن، وهي الدعوة الأولى لمسؤول سوداني لزيارة العاصمة الأمريكية منذ 30 عاما، هي فترة حكم الرئيس الأسبق عمر البشير، والتي أدى وجوده في السلطة خلالها إلى تدهور واسع في العلاقات بين البلدين[24]. الدعوة الأمريكية، والتي وجهها "بومبيو" شخصيا للبرهان، زامنها بيان مقتضب لوزارة الخارجية الأمريكية توجه بالشكر لرئيس المجلس السيادي.

لم ينف السودان الدور الذي لعبته الإمارات وسيطا لترتيب اللقاء، باعتباره حلقة ضمن ما اعتبر مسعى السودان لتطبيع علاقته بالمجتمع الدولي، ورفع اسمه عن قائمة الإرهاب، وبالتالي رفع العقوبات المفروضة على الخرطوم[25].

جدير أن نذكر أن السودان خضع لمسلسل عقوبات طويلة بدأت مع وضع اسمه على لائحة الدول الراعية للإرهاب في 12 أغسطس /آب 1993، وذلك إثر استضافته زعيم تنظيم القاعدة الراحل، أسامة بن لادن.

ورغم عدم وجود إحصاءات دقيقة عن إجمالي الخسائر، قدرت حكومة الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير جملة خسائرها خلال 20 عاما من العقوبات الأمريكية بنحو 500 مليار دولار، وتقدر الخسائر غير المباشرة التي يتكبدها السودان جراء العقوبات بـ4 مليار دولار سنويا، بينما بلغت قيمة الفرص الاستثمارية الضائعة بنحو تريليون دولار.

ومن بين الخسائر المباشرة، الخطوط الجوية السودانية، حيث بقي معظم أسطول طائراتها على الأرض لافتقادها قطع الغيار والصيانة الدورية لطائراتها، كما فقد قطاع السكك الحديدية 83% من بنيته التحتية، وتدهورت الصناعات المحلية التي تسهم بنحو 26% من إجمالي الناتج المحلي، مما أدى إلى تسريح آلاف العمال، وتمثلت أبرز المجالات تضررا في التمويل والاستثمار، فقد حرم عدد كبير من شركات القطاع الخاص السوداني من التمويل الخارجي والاستثمار الأجنبي، كما أضرت العقوبات بقطاع الصحة، فتعذر معها استيراد الأدوية الرئيسية والأجهزة الطبية[26].

محور الثورة المضادة: السودان في هذا الإطار بين مفارقتين، فمن جهة، تبدو فترة استبداد العسكري عمر البشير وكأنها أدت دورا في تسليم السودان خاضعا لكل أنماط الابتزاز المحتملة للمجتمع الدولي. وكان لافتا أن تخضع السودان منذ اليوم الأول لتقاسم السلطة في أعقاب الثورة لضغوط إماراتية طرحت ملف التطبيع منذ اليوم الأول، وهو ما يتبدى من تصريحات المتحدث باسم المؤسسة العسكرية السودانية، بحيث يمكن تصوير الأمر لاحقا وكأن الحكومة المدنية افتتحت أعمالها بعد الثورة بالدخول في دائرة التطبيع.

ومن جهة ثانية، يبدو السودان اليوم مرتعا لمحور الثورة المضادة الذي يرعى - من بين ما يرعى - تمكين إسرائيل في المنطقة، وهو ما يبدو معه "البرهان" وكأنه يسوق نفسه كضامن سوداني لـ"صفقة القرن"[27].

جدير في هذا الإطار أن نلفت إلى أن دفع الحكومة السودانية لعقد هذا اللقاء جاء بعد إقدام الإدارة الأمريكية على رفع اسم السودان من قائمة الدول المقلقة في الحرية الدينية[28]، وصورت للسودان أن عملية رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب هو عملية روتينية[29]، غير أنه في أعقاب اللقاء، وما تبعه من إعلان رئيس وزراء إسرائيل طيران "خطوط العال" في أجواء السودان[30]، سارعت المحكمة العليا الأمريكية لتبدي استعدادها لرفع قيمة التعويضات المفروضة على الخرطوم بعد اتهامها بالتواطؤ في هجومي تنظيم القاعدة على سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا اللذين أسفرا في عام 1998 عن مقتل 224 شخصا بينهم 12 أمريكيا[31].

المحكمة العليا طلبت رأي الحكومة الأمريكية في تطبيق قانون التعويضات الصادر في عام 2008، على وقائع حدثت قبل صدوره بنحو 10 سنوات، وجاء رد إدارة "ترامب" بأنه من الممكن تطبيق القانون على هذه الواقعة[32]، فيما بدا وكأنه فخ نصب لمجلس "البرهان" السيادي، أو تمهيد لبيان تأثير "التطبيع" مستقبلا بعد تدخلات "محتملة" من قبل إسرائيل.

سلام الشرق وتسليم البشير: على صعيد آخر، متصل ومنقطع في آن، توصلت الحكومة السودانية لاتفاق سلام نهائي مع ما تسميه حكومة عبد الله حمدوك "مسار الشرق"، وتم التوقيع في مدينة جوبا" عاصمة جنوب السودان، في 21 فبراير/شباط 2020.

كانت حكومة "حمدوك" قد حددت 5 مسارات للتفاوض من أجل إحلال السلام، هي: إقليم دارفور (مسار غرب)، وولايتي جنوب كردفان (مسار جنوب) والنيل الأزرق (مسار جنوب شرق)، و(مسار شرق السودان)، ومسار شمال السودان، ومسار وسط السودان.

ويعد توقيع فبراير/شباط 2020 التوقيع الثالث بعد توقيع "مسار الوسط"، أو كردفان،  في ديسمبر/ كانون الأول 2019، ثم توقيع اتفاق "مسار الشمال" (ولايتا جنوب كردفان والنيل الأزرق) في يناير/ كانون الثاني 2020[33]، وبلغ الأمر حد إعطاء هاتين الولايتين وضعا خاصا داخل السودان، ما أثار مخاوف من سير السودان على طريق تقسيم أكثر عمقا وأثرا من تقسيم بين الشمال والجنوب[34].

وتثار شكوك حول قدرة "حمدوك" ابن إقليم "كردفان" على ضبط مسار الوحدة بالاستناد لعامل العصبية، خاصة وأن المرحلة الانتقالية يتبقى منها عامان ونصف العام، فيما لا تملك السودان الموارد الكافية لإغواء هذه الأقاليم، غير أن مراقبين يشيرون إلى أن الاتفاقات الموقعة لا تتضمن نصا على إمكانية استمرارها بعد الفترة الانتقالية[35]، وربما يكون هذا الإغفال أحد مداخل وأد الاتفاقات إذا هدأت الأوضاع مع انتهاء الفترة الانتقالية.

وفي هذا الإطار، قد يكون لجوء "حمدوك" لطلب قوة سلام تابعة للأمم المتحدة[36] جزءا من خطة مركبة لاحتواء الاحتراب الداخلي ريثما تتبلور صورة حسن النية للحكومة السودانية يمكن البناء عليها لاحقا لخلق حالة تماسك ذاتي.

وفي نفس السياق، فإن عملية تسليم البشير لمحكمة العدل الدولية، والذي كان محل مماطلة، من قبل المكونات العسكرية في الحكومة الانتقالية، وبلغ الأمر حد ربطه بوجود حكومة منتخبة[37]، أعيد طرحها مع تقدم المفاوضات مع "مسار الغرب"/ دارفور، وشهد الخطاب الرسمي السوداني تحولا في هذه القضية، حيث شدد مفاوضو الإقليم خلال زيارة حمدوك مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2019 على ضرورة تسليم البشير، وأنه "لا عدل.. لا سلام"[38].

وهو المطلب الذي تجدد هذا في منتصف فبراير/شباط 2020، وفق تصريح عضو مجلس السيادة السوداني محمد الحسن التعايشي، بأن المفاوضات بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة في إقليم دارفور قد استقرت على تسليم البشير ومعاونيه للجنائية الدولية، والمثول أمامها من أجل تحقيق العدالة والمصالحة. وأن الاتفاق بين الطرفين ركز على العدالة الانتقالية والمصالحة، وأن الوصول لاتفاق سلام شامل لن يتم دون الاتفاق على مؤسسات تنجز مهمة العدالة، وتحقق مبادئ عدم الإفلات من العقاب[39].

تطور خطاب الحكومة يواجه مفارقة جادة. فمن جهة، أعلنت الحكومة أن البشير قد يحاكم عبر المحكمة الجنائية الدولية أو محكمة سودانية خاصة، أو محكمة مختلطة[40]. ومن جهة أخرى، فإن مجلس السيادة السوداني لم يصادق على ميثاق روما، وهو ما يجعل تسليم البشير - إذا تم - محض عملية توافق سياسي وليس تسليما وفق القانون الدولي أو بموجب التزامات السودان الدولية. فهل يصادق السودان على ميثاق روما؟.

  • الحالة الليبية.. دعم اختلال القوة

دخلت ليبيا منذ مقتل العقيد معمر القذافي في بؤرة انتباه محور الثورة المضادة، وبعد انقلاب 3 يوليو/تموز 2013 في مصر، بدأ محور الثورة المضادة في محاولة لإنهاء الربيع الليبي عبر الجنرال خليفة حفتر، الذي يريدون عبره استنساخ التجربة المصرية.

ومع تكالب محور الثورة المضادة والاتحاد الأوروبي على الحكومة المعترف بها دوليا في طرابلس، سارعت ليبيا للخوض في علاقة تحالف مع المحور الرافض للثورة المضادة، والداعم لحرية الشعوب العربية، وهو المحور الذي يدرك أن استعادة المصريين، وسائر الدول العربية لقرارها، من شأنه أن يوقف النزيف الواسع الجبهات الذي تعانيه المنطقة على الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية، وهو ما دفع ليبيا للتفكير جديا في توفير الدعم لتركيا في معركتها في شرق المتوسط، وذلك عبر ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، وهو ما يضمن لحكومة الوفاق مناصرة تركيا لها، أملا في الحفاظ على الاتفاق وعدم إلغائه، في حال سقطت الحكومة المعترف بها دوليا.

ومع دخول تركيا لعبة صراع المحاور في ليبيا، بدأ الاتحاد الأوروبي وروسيا في التحرك لاحتواء الدور التركي، وهو ما تم عبر تحركين أساسيين شهدهما شهر فبراير/شباط 2020:

أوروبا وخنق الوفاق: خلال فبراير/شباط 2020، أعلن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في 17  فبراير/شباط 2020، اتفاقهم على بدء مهمة بحرية جديدة في البحر المتوسط لمراقبة تطبيق حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا والذي يتم انتهاكه بشكل متكرر[41].

القرار كان أوروبي الروح، ومن ثم، فإن تعامل القارة الأوروبية مع الانتهاك المتكرر للقرار، والذي يبلغ حد تجاهله تماما، انصب على منع تدفق السلاح من شمال المتوسط إلى جنوبه، وبخاصة الشواطئ الليبية.

القرار بهذا الاتجاه يعني أنه موجه إلى حكومة الوفاق المعترف بها دوليا وحدها، حيث إن الطرف المنشق عن الصف الليبي يتلقى دعمه إما برا عبر حدوده مع مصر، أو جوا عبر مطار بنغازي.

ولهذا، قوبل القرار الأوروبي برفض من جانب حكومة الوفاق، علاوة على رفض حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا له. فالبحر هو الوسيلة الأساسية التي تتلقى من خلالها حكومة الوفاق الدعم اللازم من أجل الدفاع عن العاصمة الليبية طرابلس ضد هجمات ميليشيات حفتر المستمرة منذ 4 أبريل /نيسان 2019، في تجاهل لقرارات الشرعية الدولية التي مددت الأمم المتحدة سريانها حتى مارس /آذار 2021.

ولم يلبث وزير خارجية لوكسمبورج "جان أسيلبورن" أن استدرك بأن رؤية الاتحاد الأوروبي العملية الجديدة تشتمل على 3 محاور، جوي وبحري وثالث يقوم على المراقبة عبر الأقمار الصناعية، وهو التوضيح الذي يبدو أنه موجه إلى كل من حكومة الوفاق وتركيا.

وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو قال: "إن الاتحاد الأوروبي سينشر سفنا في المنطقة الواقعة شرق ليبيا لمنع تهريب الأسلحة، لكن إذا أدت المهمة إلى تدفّق قوارب المهاجرين فسيتم تعليقها".

وأضاف: أن "المهمة ليست إحياء للعملية صوفيا (هي عملية لمراقبة الهجرة غير الشرعية)، وسيتم نشرها على الساحل الشرقي لليبيا حيث يجري تهريب السلاح"، وأن "الدول الأعضاء في الاتحاد اتفقت على تقديم 7 طائرات و7 زوارق للمهمة في حال توفرها"[42].

وفي تحليله لفلسفة قرار الاتحاد الأوروبي صرح "أسيلبورن" بأن تراجع مخزون الأسلحة والذخيرة لدى الطرفين سيؤدي إلى انخفاض في حدة العمليات العسكرية للأطراف المتحاربة في ليبيا. كما أكد مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي "جوسيب بوريل" أنه "لا يمكن للاتحاد نشر قوات على الحدود المصرية الليبية، لكن ما يمكن فعله بهذه الخصوص، هو تتبع السفن التي تتجه إلى الشرق الليبي عبر الرادارات لمعرفة إن كانت تحمل أسلحة أم لا"[43].

وبرغم وجاهة التبرير الأوروبي، وبرغم أن التصريحات الإعلامية لقادة الاتحاد الأوروبي حافلة بالتصريحات الاستدراكية مثل (تقديم المعدات في حال توفرها، ونشر الدوريات البحرية على سواحل "شرق ليبيا".. إلخ) إلا أنه لم يعد ثمة مجال للثقة بين ليبيا وحكومتها المعترف بها دوليا وبين أوروبا بالنظر لسوابق التحايل الأوروبي العديدة لإرسال السلاح والمعدات القتالية إلى الميليشيات المنشقة، ومن بينها ما كشفه خبراء أمميون من تحايل أوروبي لتسليم سفينة من البحرية الإيرلندية لقوات حفتر.

هذا التحايل الذي تواطأت فيه دول أوروبية عدة، من بينها أيرلندا وهولندا، حيث باعت الأولى سفينة عسكرية لشركة هولندية، والتي باعتها بدورها لشركة إماراتية بنحو 4 أضعاف ثمن البيع الأيرلندي، وقامت هذه الأخيرة بتسجيلها في بنما باعتبارها "زورق ترفيه"، ثم تركتها على ساحل بنغازي[44].

هذه العملية نموذج لعشرات العمليات المماثلة، أبرزها تسليم الإمارات منظومة روسية مضادة للطائرات والمسيرات (بانتسير أس-1) لقوات حفتر، علاوة على المدرعات الأردنية والمصرية. ولا يمكن التغافل عن شحنة صواريخ "جافلين" التي عثرت عليها قوات حكومة الوفاق في مدينة غريان، والتي اعترفت الحكومة الفرنسية أنها لها، واستدركت بأنها كانت مخصصة لحماية فريق عسكري استخباراتي فرنسي موجود في هذا البلد لأهداف مكافحة الإرهاب[45]! ولا يمكن تجاهل دور كندا في تمرير مرتزقة سودانيين لدعم ميليشيات "حفتر"عبر شركة "ديكنز أند مادسون إنك"[46].

وبافتراض صدق اللهجة الاعتذارية التي حفلت بها تصريحات غالبية القادة الأوروبيين، واعتزام الدول الأوروبية مراقبة الطرفين، وهو ما لا يمكن التعويل عليه، إلا أنه مع أشد التصريحات اعتدالا، نجد أن ميزان تدفق الأسلحة نحو ليبيا سيظل مختلا، حيث أكد قادة الاتحاد الأوروبي أنهم لا يمكنهم نشر قوات على الحدود البرية المصرية الليبية. تصريح المفوض الأوروبي بهذا الصدد كشف عن أن الرادارات الموجهة لخدمة المهمة ستراقب حمولات السفن التي ترسو في شرق ليبيا، وهو ما يعني استمرار تدفق الأسلحة عبر البوابة المصرية.

الروس وتعدد روافد المرتزقة: لم يكن اكتشاف مقاتلي شركة "فاجنر" الأمنية الروسية الخاصة في ليبيا نهاية المطاف بالنسبة للمرتزقة الروس، حيث كشفت وسائل إعلام سورية - مطلع هذا العام - أن روسيا أعطت الضوء الأخضر لشركتين روسيتين أمنيتين جديدتين بالانضمام لمقاتلي "فاجنر": أولاهما "مجموعة موران"، والتي تعرف أيضا باسم "الفيلق السلافي"، وهي شركة أمنية خاصة مسجلة في هونج كونج باسم اثنين من العسكريين الروس السابقين، وتضم عسكريين روس سابقين من وحدات الاستجابة السريعة الخاصة والقوات المحمولة جوا، وشارك الكثير من منتسبيها في الحرب الأهلية الطاجيكية والحرب الشيشانية في وقت سابق. والشركة الأخرى هي "شركة شيت"، ونقل مرتزقة هاتين الشركتين إلى ليبيا في طائرات عسكرية روسية منتصف يناير /كانون الثاني 2020، وذكرت مصادر سورية لصحيفة العربي الجديد أن تمويل هاتين الشركتين إماراتي[47].

وفي فبراير/شباط 2020، بعد انهيار عملية توسيع شبكة المرتزقة السودانيين في يناير /كانون الثاني 2020، كشفت شبكة "صوت العاصمة" السورية عن إرسال روسيا مجموعة أولى قوامها 25 مقاتلا من أبناء دوما إلى بنغازي، وأنها بدأت منذ مطلع 2020 بتجنيد العشرات من أبناء المدينة لإرسالهم للقتال في ليبيا إلى جانب قوات حفتر، وأن الرواتب الشهرية المعروضة على المقاتلين السوريين تبلغ 800 دولار.

المجموعات التي تحمل اسم "أصدقاء روسيا"، يجري تجنيدها من "الغوطة الشرقية" و"دوما" ومحافظات سورية أخرى[48]، ثم نقلهم هذه المجموعات تتم من خلال مطار دمشق عبر شركة الطيران المملوكة لرجل الأعمال رامي مخلوف صهر رأس السلطة السورية[49].

ورغم تشكيك المصادر السورية في وجهة المجموعات التي تم تجنيدها بالفعل، وهو التشكيك الذي استند لصعوبة اعتماد روسيا على "عناصر مصالحة، فإن قائد عملية "بركان الغضب" بث بيانا في الثلث الأخير من شهر يناير/كانون الثاني 2020، يشير إلى توالي هبوط طائرات سورية في مطار "بنينا" ببنغازي[50].

ورغم الاتهامات والانتقادات التي سبق لدول أوروبية أن وجهتها لتركيا مشفوعة بادعاءات إرسال تركيا مقاتلين سوريين إلى ليبيا[51]، ورغم إعلان مصادر إعلامية أوروبية واسعة الارتباطات، ورغم نفي رئيس المجلس الرئاسي الليبي فايز السراج، إلا أن الدول الأوروبية لم تصدر بيانا تدين فيه إشراك شركات "فاجنر" و"شيت" و"موران" في القتال في ليبيا، ولم تدن اتفاق الشركة الكندية الموقع نهاية يناير /كانون الثاني 2020، ولم تدن كذلك تجنيد السوريين، وهو ما يؤيد وجود حالة من فقدان ليبيا الثقة في الشريك الأوروبي.

وبالنظر لدقة الموقف في شرق المتوسط، تسعى الإمارات لتوسيع اعتمادها على روسيا، والشركات الأمنية المقربة من "بوتين" لاحتواء النفوذ والعون التركيين، خاصة مع وجود أطماع روسية ببناء قاعدة عسكرية في ليبيا ليصبح قاب قوسين أو أدنى من بطن أوروبا الرخو، في الوقت الذي ما يزال موقف الاتحاد الأوروبي مضطربا مما يحدث من تغيرات في شرق المتوسط بالنظر لتطور المشهد ليشمل "الفاعل الروسي".

وتتبع روسيا في مواجهة تركيا اقتراب تغيير الحقائق على الأرض، ثم التفاوض انطلاقا من الواقع الجديد، وهو ما يمثل أرضية الرؤية الإماراتية التي قد ترضى بنفوذ قوي لها في ليبيا في حال لم تتمكن من "إخضاع" طرابلس.

  • سوريا والصراع حول إدلب

وقعت كل من روسيا وتركيا وإيران، في أستانا، في 4 مايو/آيار 2017، اتفاقا حمل اسم المدينة، وتولى تحديد مناطق تنخفض فيها حدة التصعيد، تضمنت 9 محافظات، كان من بينها محافظة إدلب.

وفي 17 سبتمبر/أيلول 2018، وقع الطرفان الروسي والتركي "اتفاق سوتشي" الخاص بمحافظة إدلب (تضمن أجزاء من ريفي اللاذقية وحماة)، خلص فيه الطرفان إلى تحويل هذه المحافظة إلى منطقة منزوعة السلاح، وانسحاب كافة الفصائل المسلحة منها، بما فيها جبهة النصرة، وسحب جميع الأسلحة الثقيلة منها، وتسيير دوريات مشتركة من روسية - تركية بمراقبة الخط الفاصل[52]، على أن يلي ذلك فتح الطرق الدولية أمام التجارة، بصرف النظر عمن يسيطر عليها.

الاتفاق شابه انتهاكات عدة، من جانب المعارضة والنظام السوريين، وحرص النظام السوري على إثارة المناوشات، واستخدامها لإحكام سيطرته على محافظة إدلب.

تطور أهداف عمليات إدلب: كان للنظام من جراء العمليات الهجومية على إدلب هدفان: أولهما لوجيستي يتمثل في وصل مناطق ريف حماة، بريف حلب، لاختصار المسافات في عمليات التنقل بين حماة وحلب، وذلك من خلال السيطرة على الطريق العام الذي يربط مدينة خان شيخون شمال حماة، بمنطقة سنجار جنوب شرق إدلب[53].

أما ثاني الهدفين فاقتصادي، ويتمثل في السيطرة على الطريقين الدوليين "إم4" و"إم5"، خاصة وأنه يسيطر على الطريق "إم1" المفضي إلى لبنان[54]. غير أن الهدف غير المعلن يتمثل في القضاء المبرم على المعارضة التي أورثته إرهاقا وإذلالا بعد 9 سنوات من القتال[55].

استهداف الجنود الأتراك: خلال الشهرين الماضيين، كثف النظام السوري العمليات العسكرية للأطراف المعاونة له من أجل السيطرة على "إدلب"، برغم اتفاق سوتشي، واتسع نطاق سيطرته على المحافظة إلى الحد الذي دفعه لاقتحام "خط سوتشي"، وتجاوزه لثلاث من نقاط المراقبة التركية أضحت داخل مناطق سيطرة النظام بحلول 7 فبراير/شباط 2020[56]، وذلك من بين 12 نقطة مراقبة تنشرها تركيا في إدلب بموجب "سوتشي".

غير أن المستجد ذا الدلالة الخاصة أن قوات النظام بدأت تستهدف الجنود الأتراك مباشرة في مناطق تمركزهم، حيث قتل 8 عسكريين أتراك في 2 فبراير/شباط 2020 ما فسرته روسيا بأنهم تحركوا من دون إبلاغ القوات الروسية، فوقعوا ضحية قصف النظام[57].

ومع تصاعد التراشق اللفظي بين تركيا وروسيا حول ضرورة أن تخلي موسكو بين تركيا وجيش النظام، استجد حادث آخر، حيث قتل 5 جنود أتراك وأصيب عدد آخر بجروح في 10 فبراير/شباط 2020، جراء قصف شنته القوات الحكومية السورية على نقطة عسكرية تركية في منطقة "تفتناز" في محافظة إدلب[58].

هجمات النظام لاقت رد فعل تركي غاضب، حيث ردت أنقرة بهجمات واسعة على مواقع النظام السوري، والتحرك لمساندة المعارضة في استرداد بعض المناطق التي سيطر عليها النظام، وآخرها التحرك لاستعادة "سراقب" بعد استرداد النيرب"[59]، وقنص لضباط سوريين[60]، بالإضافة إلى تهديد النظام باستهداف قواته في أي مكان في حال تكرار الهجمات على الجنود الأتراك[61]، ثم إعلان أردوغان مهلة حددها بنهاية فبراير/شباط 2020، سيبدأ بعدها بالتحرك لطرد قوات النظام السوري خارج حدود نقاط المراقبة السورية[62]، وهو ما ردت عليه تحالفات النظام السوري بعملية قصف أدت في 27 فبراير/شباط 2020، لمقتل 34 جنديا تركيا.

مع بدء تدحرج كرة الثلج هذه، لجأ الطرف الروسي السوري لمعركة "عض أصابع" تهدف لاستكشاف حدود الموقف التركي، وسط تكهنات بأن تركيا لا تريد مواجهة واسعة مع روسيا قد تكون أكبر الخاسرين فيها، بالنظر لكونها وحيدة بعد فتور تباطؤ الاستجابة الفرنسية الألمانية التي بلغت حد سعيهما لترتيب قمة رباعية ينضم لهما فيها كل من روسيا وتركيا بحلول 5 مارس/آذار 2020[63]، وهو ما حدث غداة منع تركيا 4 طائرات عسكرية روسية من عبور مجالها الجوي إلى سوريا[64]، وهو ما سبب إزعاجا كذلك للولايات المتحدة التي سبق أن طالبت الطرفين باحتواء التصعيد[65]، ثم تلكأت في الاستجابة لتركيا فيما يتعلق بنشر بطاريات "باتريوت"[66]، بعد تصريحات تركية اعتبرت تقرب واشنطن من أنقرة عقب ارتفاع وتيرة المواجهة في إدلب بأنها "استغلال للظرف"[67].

التدخل الألماني الفرنسي ربما يجد محركه الأساسي في منع تدفق الهجرة التي قد تنجم عن اشتعال الحرب في هذه المحافظة. كما أن التدخل يهدف للإبقاء على "شعرة معاوية" مع تركيا برغم الخلافات الأوروبية التركية بشأن ملفي ليبيا وشرق المتوسط. وينتهي الشهر بمحاولة أردوغان استخلاص صفقة "باتريوت" من الولايات المتحدة، بعد احتواء أثر التصريحات الذكية والحادة في آن لوزير الخارجية التركي.

  • حكومة تونسية

بعد محاولات عسيرة استغرقت 4 أشهر، نجح رئيس الوزراء المكلف "الثاني" إلياس الفخفاخ في تشكيل حكومته بعد ما يربو على شهر من تكليفه بتشكيل الحكومة في 12 يناير /كانون الثاني 2020، في أعقاب رفض مجلس نواب الشعب منح الثقة لتشكيلة الحكومة التي تقدم بها المكلف الأول "الحبيب الجملي"[68].

أعلن "الفخفاخ" تشكيلة حكومته في 20 فبراير/شباط 2020[69]، وتقدم بهذه التشكيلة لمجلس نواب الشعب، لينال الثقة في تشكيلها بعد 14 ساعة من النقاش، انتهت بمنح 129 نائبا الثقة في الحكومة، مقابل رفض 77 نائبا[70]. ولم يكن الفخفاخ لينجح في تشكيل الحكومة لولا تدخل من رئيس الجمهورية بالتهديد بحل المجلس وفق نص المادة 89 من الدستور[71].

بين الخلاف والتهديد: اختط رئيس الوزراء المكلف"الفخفاخ" لنفسه خطا باستبعاد حزبي "قلب تونس" و"الدستوري الحر" من القوى التي سيناقش معها ترشيحات الحكومة، وهو ما علله بأن الحزبين "ليسا في مسار انتظارات الشعب خلال هذه المرحلة"[72]، وهو تعبير مخفف عن انتماء الحزبين للمحور الإقليمي للثورة المضادة.

وربما لعبت مواقف الحزب الأخير من الاعتصام في البرلمان ضد حزب النهضة دورا رئيسيا في بلورة صورة للحزب تتعارض مع مصلحة تونس، التي تعاني أزمة اقتصادية قوية، في الاستقرار والتفرغ لمواجهة المشكلة الحقيقية: الاقتصاد.

وربما لنفس الدائرة في مدرك "الفخفاخ" أيضا ينتمي حزب "قلب تونس"، وبخاصة بعدما أثير من علامات استفهام واسعة حول "المال السياسي" واختراقات محور الثورة المضادة للانتخابات التونسية بمساريها الرئاسي والتشريعي[73].

وعلى خلاف موقف "الفخفاخ"، قرأت حركة النهضة التونسية نفس المقدمات في اتجاه وجود محاولات إقليمية للإضرار بوحدة تونس، واستخدام سلاح المال لدفع تونس للاحتراب، على نحو ما حدث في مصر، ما أفضى إلى انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، وهو ما غلفه رئيس مجلس نواب الشعب التونسي، وزعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي بالحديث عن وحدة الصف ورفض الإقصاء[74]، والتلويح بأن الحكومة القادمة لن تنال ثقة البرلمان التونسي[75]، وهو ما دفع الرئيس التونسي للتنبيه للنص الدستوري، وإعلانه الالتزام به.

وهو الموقف الذي ربما حمل رسالة مفادها أن تعطيل تشكيل الحكومة ربما يؤدي لتغير مزاج الشارع التونسي، ويدفع لقلب موازين القوى في المجلس، وهو ما تبعه تهدئة حزب "قلب تونس" للهجته، وقراره بالقبوع في مربع المعارضة، بالإضافة لاتجاه حركة النهضة لمعاودة المشاورات مع "الفخفاخ"، وعودتها للحكومة بعد أن كانت قد غادرتها[76].

تشكيل الحكومة وفرصها: برغم أن "الفخفاخ أعلن عند تكليفه أنه سيعمل على "تشكيل حكومة سياسية مُصغّرة ومنسجمة، من أجل تحقيق أكبر قدر من النجاعة والفاعلية، تضم كفاءات، وفيها تمثيل حقيقي للمرأة والشباب وتستوعب دقة وخصائص المرحلة، ولا يتجاوز أعضاؤها 25 عضوا"، وجدنا التشكيلة تقليدية من حيث عددها، حيث تضم حكومة "الفخفاخ" 30 وزيرا، منهم 16 عضوا منتمين للأحزاب و14 مستقلا، بالإضافة إلى كاتبين للدولة مستقلين عن الأحزاب.

كما ضمت الحكومة 4 شخصيات "مستقلة" على رأس وزارات السيادة، وهي: الداخلية والدفاع والعدل والخارجية. ومن جهة النوع، ضمت الحكومة 6 أعضاء من النساء، 3 وزيرات لحقائب الثقافة والمرأة والعدل، بالإضافة إلى وزيرة لدى رئيس الحكومة المكلف بالمشاريع الوطنية الكبرى، وكاتبتا دولة اثنتان بوزارتي الخارجية والفلاحة[77].

ومن جهة التشكيل الحزبي، فمن بين 16 وزيرا حزبيا، ضمت 7 حقائب وزارية من "حركة النهضة" (إسلامي)، و3 حقائب لـ"التيار الديمقراطي"، وحقيبتين وزاريتين لـ"حركة الشعب" (قومية)، ومثلهما لحركة "تحيا تونس" (ليبرالية)، وحصل كل من حزب البديل التونسي (ليبرالي) على وزارة واحدة كما حركة نداء تونس (ليبرالي).

ويمكن القول: بأن "حركة النهضة عادت للحكومة بوزن أقوى مما كانت عليه في التشكيلة قبل انسحابها، حيث زادت حصتها الوزارية إلى 7 وزراء بدلا من 6 حقائب، فضلا عن نجاحها في الإفلات من العزلة التي أريد ضربها حولها، والتي قاد جهودها الحزب الدستوري الحر[78].

ومن بين 217 نائبا، هم إجمالي عدد أعضاء مجلس نواب الشعب، تبلغ القاعدة المساندة للحكومة بالمجلس 111 نائبا بوزن نسبي يبلغ 51.1% من إجمالي عدد النواب، منهم 54 نائبا من "حركة النهضة"، و22 نائبا عن "التيار الديمقراطي"، و15 نائبا عن "حركة الشعب" القومية، و14 نائبا عن حركة "تحيا تونس"، و3 نواب عن "حزب البديل التونسي"، و3 نواب كذلك عن "حركة نداء تونس"[79].

ويمكن القول: بأن استمرار الثقة في الحكومة مكفول بسبب الإحساس بـ"المسؤولية الوطنية" لدى تركيبتها، بالنظر لغياب الأحزاب الراديكالية مثل الحزب الدستوري الحر. أما عن الأداء، فلا يمكن الحكم عليه من قراءة الأسماء التي يغلب على غالبيتها ممارسة العمل الحكومي لأول مرة.


ثالثًا: المحور الاقتصادي

في الوقت الذي كان العالم يستعد لتحسن الأوضاع فيما يتعلق باتفاقيات أمريكا والصين حول حرية التجارة، أتت أزمة فيروس كورونا، لتضيف بعدا جديدا يحد من النمو الاقتصادي العالمي، ويعمق من حالة التشاؤم تجاه تعافي الاقتصاد العالمي. ويرتبط الاقتصاد العربي بالاقتصاد العالمي عبر واحدة من السلع الإستراتيجية وهي النفط، الذي لا يزال يمثل عصب الحضارة الحالية، ولذلك ثمة تأثيرات اقتصادية سلبية على الدول العربية بسبب تداعيات أزمة كورونا.

كما شهد شهر فبراير/شباط 2020، على الصعيد الاقتصادي أحداثا بارزة، منها تشكيل حكومة تونس واعتماد برنامجها من مجلس نواب الشعب، وأتى البرنامج ليركز على قضايا اقتصادية واجتماعية مهمة، كما تم رصد حركة حكومة السودان خلال فبراير/شباط 2020 تجاه العالم الخارجي للبحث عن مخرج لأزمتها الاقتصادية. وفيما يلي نتناول هذه القضايا الثلاث بالشرح. 

  • تأثير أزمة كورونا على الاقتصاديات العربية

التداعيات السلبية لأزمة فيروس كورونا تركت آثارها على كافة مناطق العالم، ومن بينها المنطقة العربية، ولعل أبرز مظاهر تأثر الاقتصاديات العربية بأزمة كورونا تتجلى في مظهرين اثنين هما: النفط، والعلاقات التجارية بين الصين والدول العربية. وبخاصة بعد ظهور حالات إصابة في بعض الدول الخليجية ولبنان، والسودان، ومصر.

ومؤخرا اتخذت المملكة العربية السعودية قرارا بوقف رحلات العمرة، وحتى منع دخول مواطني مجلس التعاون إلى مكة والمدينة[80]. وسيكون لهذا القرار تأثير سلبي على الجوانب الاقتصادية المختلفة بالسعودية والمرتبطة بأنشطة العمرة مثل شركات الطيران، وقطاع النقل والفنادق والتجارة بكل من مكة والمدينة، وستكون الأوضاع أشد خطورة إذا ما امتدت الأزمة إلى موسم الحج.

فعلى صعيد العلاقات التجارية، تظهر إحصاءات عام 2018، أن التبادل التجاري العربي الصيني كان بحدود 239.8 مليار دولار، منها 136.8 مليار دولار صادرات سلعية عربية للصين، ونحو 103 مليار دولار واردات سلعية للدول العربية من الصين. وتستحوذ الصين على نسبة 12.5% من إجمالي الصادرات والواردات السلعية العربية[81].

وفي الغالب يشكل النفط النسبة الكبيرة من الصادرات العربية للصين، في حين تستورد الدول العربية المنتجات الصناعية والعدد والآلات من الصين.

ويتوقع أن تتراجع معدلات التجارة العربية مع الصين خلال الربع الأول من عام 2020، ويتوقف مستقبل التجارة العربية مع الصين، على سيناريوهات السيطرة على فيروس كورونا، فكلما كانت السيطرة ممكنة في الأجل القصير، كلما عادت التجارة بين الطرفين إلى معدلاتها الطبيعية، وإذا تأخر الأمر إلى الأجل المتوسط والطويل، فسيكون لذلك تداعياته بلا شك، والتي سيكون من آثارها تحول التجارة العربية إلى جهات أخرى، لتعويض احتياجاتها من الواردات السلعية.

وسوف تكون البلدان العربية النفطية هي المتضرر الأكبر من أزمة كورونا، لما يتعرض له النفط في السوق الدولية من تراجعات ملحوظة، وبالتالي ستقل الصادرات السلعية العربية للصين بشكل كبير. وقد تتجه الدول العربية إلى دول أوروبية أو دول آسيوية لم يصلها بعد فيروس كورونا، لتفعيل علاقاتها التجارية معها.

وسيكون ثاني متضرر من أزمة كورونا على الصعيد العربي،  إذا ما امتدت للأجلين المتوسط والطويل، بعد الدول العربية النفطية، هي مصر، نظرا لأن تراجع التجارة الخارجية للصين بشكل عام، وتجارة النفط العالمية بشكل خاص، سوف يؤثر على حركة مرور السفن في قناة السويس، وبالتالي تراجع العائدات منها، فضلا عن تراجع حركة السياحة الصينية لمصر، وكذلك المصير المجهول للمشروعات التي تنفذها الصين في مصر، وكذلك خطوط الائتمان التي فتحتها الصين لمصر منذ سنوات في تمويل مشروعات مختلفة.

أما النفط العربي، فهو المتضرر بصورة واضحة، فبعد أن كانت الأسعار في السوق الدولية مطلع عام 2020 بحدود 62 دولارا للبرميل، انحدرت الأسعار بنهاية فبراير/شباط 2020 إلى نحو 50 دولارا للبرميل من خام برنت، وحوالي 45 دولارا للبرميل من الخام الأمريكي[82].

وهي معدلات من شأنها أن تحدث أزمات كبيرة في ميزانيات الدول العربية النفطية، وبخاصة إذا شهدت سوق النفط تراجعا أكثر مما هو عليه في يوم الجمعة 28 فبراير/شباط 2020/شباط 2020، حيث سيكون البديل لتعويض إيرادات النفط، هو اتساع دائرة الاقتراض الخارجي للدول النفطية العربية، وكذلك لجوؤها للسحب من احتياطيات النقد الأجنبي، أو تسييل بعض الأصول المالية، وبخاصة سريعة التسييل، مثل الأسهم والسندات.

وعلى أي حال، فإن أزمة فيروس كورونا، ستكون إضافة إلى أجندة المشكلات الاقتصادية العربية، المتمثلة في أزمة التمويل، وارتفاع معدلات المديونية، والأضرار الاقتصادية المترتبة على استمرار حالة الصراع بالمنطقة بشكل عام، وفي دول بعينها بشكل خاص (سوريا، وليبيا، واليمن، والعراق، والصومال). 

وكانت كريستالينا غور غييفا، مدير عام صندوق النقد الدولي، قد توقعت أن تنحسر أزمة كورونا في الأجل القصير، وأن ذلك سيكون له تداعيات سلبية على معدل نمو الاقتصاد العالمي في الرابع الأول من 2020 بنحو 0.1%، بينما سيتراجع الاقتصاد الصيني خلال نفس الفترة بنحو 0.4%[83].

وحسب تصريحات غور غييفا، فإن الصين ستعاود أداءها الاقتصادي بشكل طبيعي خلال الربع الثاني من 2020. لكن انتشار كورونا خارج نطاق الصين، وتصريحات تيدروس غيبرييسوس مدير عام منظمة الصحة العالمية[84]، تجعلنا أمام سيناريوهات أخرى، قد يترتب عليها أضرار للاقتصاد العالمي والعربي، أكثر مما توقعته مديرة صندوق النقد الدولي.

ومثل باقي الأزمات التي مرت بها الدول العربية من قبل، لا توجد آلية عربية لمواجهة أزمة كورونا على الصعيد الإقليمي، لكن تتفرق الجهود في ضوء رؤية كل قطر لإدارة الأزمة.

  • قضايا اقتصادية مهمة على أجندة رئيس وزراء تونس الجديد

تعيش تونس حالة من عدم الاستقرار السياسي، وإن كانت قد خاضت عدة انتخابات رئاسية وبرلمانية منذ ثورة ديسمبر/كانون الأول 2010، وأدى ذلك إلى خلل الأداء الاقتصادي من حيث زيادة معدلات البطالة لتتجاوز نسبة 15% لمن هم في سن قوة العمل (15 – 64 عاما) وزيادة العجز في الميزان التجاري، وارتفاع الدين العام، واللجوء بشكل مستمر للاستدانة الخارجية، وبخاصة بعد الدخول في عدة برامج مع صندوق النقد الدولي، من أجل الإصلاح الاقتصادي.

لكن بعد عدة محاولات لتشكيل حكومة تونسية عقب الانتخابات البرلمانية، صدق مجلس نواب الشعب على حكومة إلياس الفخفاخ، وتضمن برنامج حكومة الفخفاخ الذي قدمه للمجلس، 7 بنود مهمة تتعلق بالجانب الاقتصادي والاجتماعي[85]، وهي تشكل قضايا ملحة للمجتمع التونسي، ومن شأن نجاح الحكومة في تحقيقها أن تصل تونس إلى الطريق الصحيح للتنمية.

مثلت قضية مواجهة تهريب السلع المدعمة والاتجار فيها بالسوق السوداء، القضية الأولى التي تعهد رئيس الوزراء بمواجهتها، من خلال الرقابة الصارمة على منافذ التوزيع، وإن إستراتيجية حكومته تعتمد على تقديم الحقوق الاجتماعية التي كفلها الدستور، وليس فقط مجرد تقديم مساعدات عابرة.

كانت قضية الاستثمار هي القضية الثانية على أجندة الفخفاخ، وتعهد بمساعدة المستثمرين والمصدرين، ومعتبرا أن نسبة الاستثمارات إلى الناتج المحلي غير مناسبة، حيث تبلغ 18% فقط، وهو ما يستلزم زيادة هذه النسبة لتواكب متطلبات زيادة الناتج المحلي ومعدلات نموه للتغلب على مشكلة البطالة، والوفاء بالاحتياجات اللازمة للمجتمع.

كذلك كانت قضية مكافحة الفساد خاصة في مجال المناقصات الحكومية، محل اهتمام الفخفاخ، لوقف التربح عبر الفساد والرشوة في هذه المجالات. إلا أن القضية الصعبة التي أدرجت على أجندة الحكومة وهي العمل على زيادة تعبئة الموارد المالية من الأسواق الدولية والمؤسسات المالية، دون استخدام القروض خارج نطاق الاستثمار (بلغ الدين العام في تونس نحو 30 مليار دولار في يونيو 2019)[86]، وهي مهمة صعبة، خاصة في ظل استمرار ارتفاع سقف المطالب الفئوية والشعبية، واستمرار عجز الموازنة. إلا أن هذا هو الطريق الصحيح، حتى لا تتحول القروض إلى أعباء على الموازنة العامة، وكذلك تحميلها أعباءها للأجيال القادمة.

كانت السياسة النقدية حاضرة في برنامج الحكومة، من خلال التعهد بالعمل على تحسين سعر الصرف ومواجهة التضخم، وهذا أمر جيد على الصعيد النظري، لكنه يتطلب أمورا تخص تحسين معدلات الإنتاج، وتخفيف حدة الاعتماد على الخارج، وزيادة موارد البلاد من النقد الأجنبي.

أيضا تضمن البرنامج الحكومي الإشارة إلى تقليص العجز التجاري وتشجيع التصدير (بلغ العجز التجاري لتونس بنهاية الشهور العشرة الأولى من عام 2019 نحو 5.8 مليار دولار)[87]، والحفاظ على مناجم الفوسفات مع مراعاة الأبعاد الصناعية والبيئة، كما أتت قضية بعض الفئات التي تعاني اقتصاديا في ختام القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تضمنها برنامج الحكومة، وهي عمال الحظائر، والأساتذة والمعلمين.

بلا شك أن هذه المحاور السبعة في برنامج حكومة الفخفاخ تمس حياة التونسيين بشكل كبير، وبقدر ما تعكس هذه الأهمية، بقدر ما ستكون اختبارا كبيرا للحكومة الجديدة، ومدى قدرتها على التنفيذ، فتونس ليست بمعزل عن المجتمعات العربية، حيث لازالت الدولة العميقة، تمثل أحد العقبات المهمة أمام أي إصلاح، وأجندة الحكومة الجديدة التي أعلنت عنها تضرب مصالح الدولة العميقة في مقتل، فهم أصحاب اليد الطولى في التجارة بالسلع المدعمة، والحصول على المناقصات العامة عبر الرشوة والفساد، وهم كذلك من يحرصون على بقاء شرائح كبيرة من الشعب تحت خط الفقر.

وسيكون من المناسب لو وضعت الحكومة التونسية الجديدة، برنامجا تفصيليا لتنفيذ خطتها في القضايا السبع الكبرى، بحيث يمكن قياسها عبر برنامج زمني، يستطيع المجتمع الأهلي رصد معدلات التقدم أو الإخفاق بشأنها. 

  • هل يدعم الخارج اقتصاد السودان؟

في الوقت الذي تشهد فيه الأوضاع الاقتصادية في السودان حالة من عدم الاستقرار، بسبب النقص في السلع الرئيسة التي يحتاج إليها المجتمع، تتجه الحكومة السودانية للخارج للحصول على دعم يؤدي إلى رفع السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، وكذلك الوصول إلى حل لقضية المديونية الخارجية، والتي تمثل فيها الفوائد المتراكمة أكثر من أصل الدين. فضلا عن رغبة السودان في استقدام استثمارات أجنبية مباشرة.

ومؤخرا زار الرئيس الألماني السودان، وذلك ضمن وفد ألماني ضم رجال أعمال وممثلي شركات، ووزير التنمية الألماني، وتعتمد ألمانيا سياسة إيجابية تجاه السودان، تمثلت في تصريحات الحكومة الألمانية التي عبرت فيها عن عدم إضاعة الوقت بخصوص الاستثمار في السودان، وقدمت ألمانيا مساعدات لحكومة حمدوك بالسودان بنحو 80 مليون يورو، لقطاعات النفط والطاقة والبنية الأساسية[88].

لم تكن ألمانيا هى الدولة الوحيدة التي رحبت بالتعاون مع حكومة السودان الجديدة بعد التخلص من نظام البشير، لكن هناك كل من الإمارات والسعودية على الصعيد العربي، حيث تقدم المساعدات، والودائع بالبنك المركزي السوداني، وكذلك تتعهد بضخ استثمارات في شرايين الاقتصاد السوداني.

ومؤخرا صدقت مفوضية الاتحاد الأوروبي على السماح للسودان بتصدير منتجاته إلى أوروبا، بدون تعريفة جمركية، أو التقييد بكميات[89]، وهي فرصة يجب على المستثمرين من أبناء السودان استغلالها في أقرب وقت، حتى لا تكون فرصة للاستثمارات الأجنبية التي يمكنها أن تستغل هذه الفرصة فتركز على وجودها بالسودان للنفاذ للأسواق الأوروبية.

لكن هذا لم يمنع من استمرار الأزمات الاقتصادية في السودان، فسعر صرف الجنيه السوداني يواصل الانخفاض بمعدلات عالية (الدولار يساوي 108 جنيهات سودانية في السوق الموازية)[90]، ويؤثر هذا بشكل كبير على معدلات التضخم. ويزيد من الأعباء المعيشية بشكل كبير في بلد ينتشر فيه الفقر بمعدلات عالية.

والمتابع للشأن السوداني، يلاحظ أن الاتجاه لدى الحكومة السودانية يؤشر على اقتراب الدخول في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وذلك من خلال المساحات الكبيرة التي أعطيت للقطاع الخاص خلال الشهور القليلة الماضية، والطريقة التي تتعامل بها الحكومة مع السياسات الاقتصادية الخاصة بسعر الصرف أو الدعم، أو كيفية التعامل مع احتياجات الأفراد المختلفة من سلع وخدمات.

كما تستعد السودان لانعقاد مؤتمر للمانحين في يونيو/حزيران القادم، وذلك حسبما صرح وزير المالية الدكتور إبراهيم البدوي، بعد زيارته للسويد[91]، واستعداده لزيارة أخرى إلى باريس، وتصريحه بأنه سيكون هناك مؤتمر لأبناء السودان في مارس/آذار 2020، يجري فيه أبناء السودان حوارا مجتمعيا حول الاقتصاد.

هذه الإجراءات هي بمثابة تأهيل الأجواء لاستقبال المفاوضات وأجندة صندوق النقد الدولي، بحيث يخرج من مؤتمر الحوار الوطني السوداني في مارس، ثم مؤتمر المانحين، الاتفاق على الأجندة المتعارف عليها من تحرير سعر الصرف، وتقليص دور الحكومة في إنتاج السلع والخدمات، والاتجاه لتمويل التنمية عبر الديون المحلية والخارجية، وكذلك بيع المؤسسات العامة، ولعل ما حدث في مصر ولبنان خير شاهد على ما ذهبنا إليه من تحليل حول خطوات الحكومة السودانية.

سيكون أمام الشعب السوداني أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة، خلال النصف الثاني من عام 2020، إذا ما تم التوصل إلى اتفاق مع المؤسسات المالية الدولية، وتبني برنامج للإصلاح الاقتصادي، حيث لن تراعى التداعيات السلبية للأجندة  الأوضاع الاجتماعية في السودان، وسيكون العلاج هو مجرد مساعدات لا تثمن ولا تغني من جوع لبعض الطبقات الفقيرة، بينما سيكون العائد الأكبر لصالح الاقتصاد الريعي، وسيطرة قطاع الخدمات على مقدرات الاقتصاد السوداني، سواء كان مالكي قطاع الخدمات من المستثمرين المحليين أو الأجانب. في حين أن السودان مؤهل ويحتاج لبناء قاعدة إنتاجية في قطاعي الصناعة والزراعة، ومن الضرورة بمكان أن يعتمد السودان في أمنه الغذائي على إنتاجه المحلي.


رابعا: المحور الفكري

يتناول هذا المحور موضوعين مهمين: الأول: الفتوى والسلطان، والذي يوضح علاقة السلطة السياسية بالفتوى، وأن المنعطفات الكبرى تظهر انصياع الفتوى لرغبة السلطة، وذلك لتسويغ الآراء السياسة لها، وإعطائها نوعا من المشروعية.

والموضوع الثاني هو: في يوم المعلم العربي، ذلك الذي يوافق 25 شباط/ فبراير/شباط 2020، من كل عام، وتركّز الحديث فيه عن وظائف المعلم - كما عبرت عنها بعض أدبيات من التراث الإسلامي - ودور المعلم تجاه النشء كما طرحها بعض المختصين في العصر الحديث.

أولا: الفتوى والسلطان

استقر الإجماع عند علماء الإسلام على أن يكون المفتي صادقا، نزيها، بعيدا عن الأهواء، وأن يُدلي برأيه في المسائل الخلافية دون أن يحتكر النّظر في الشأن الديني، ودون أن يمارس الوصاية على عقول الناس واجتهاداتهم[92]، لكننا في هذه الأيام نجد تزاوجا قويا بين الفتوى والسلطة، وهذا التزاوج ليس مستحدثا، فعلاقة كل منهما بالآخر علاقة قديمة، ولكنها تظهر جلية عندما تمر الأمة بمنعطفات كبرى، تُطوَّع فيها الفتوى لرغبات الحاكم، ويصاحب ذلك - عادة - استبدادا  من السلطة ، يصحبه ظلم يقع على الشعب.

ومن صور هذا التزاوج أيضا استغلال بعض مشايخ السلطان في مكائد ذات أغراض سياسية. كما حدث- مؤخرا - من الشيخ عائض القرني في خطابه عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

ويكون دور علماء الدين – في هذا السياق – هو تخريج آراء السلطة وقراراتها تخريجا شرعيا، حتى وإن كان في ذلك خروج على المتفق عليه بين علماء الأمة الثقات. أو كان هؤلاء المشايخ قد قالوا بحرمة هذه المسائل في وقت ما. وتتخذ السلطة من هؤلاء "العلماء" أبواقا لها يسوِّغون كل أفعالها، مهما كانت.

ومهمة المفتي هي الإعلام بحكم الشرع، وعندما ظهر المفتون كان ظهورهم من بين مؤسسات العلم بتزكية العلماء وانتخابهم، فكانت مؤسسة الإفتاء مؤسسة مدنية المنشأ، وليست إفرازا سلطانيا، ومع الزمن أصبحت مؤسسة الإفتاء تبعا لمؤسسات الحكم [93].

وفي هذا الوقت من عمر الزمن، أعادت حوادث الثورة والثورة المضادة النقاش مجددا عن إشكالية العلاقة بين العالم والسلطان، خصوصا مع كثرة الفتاوى والبيانات الدينية -التي صدرت عن أفراد وهيئات دينية رسمية وشبه رسمية- فيما يخص الشأن السياسي.

وقد أُثر عن جعفر الصادق أنه قال: "الفقهاء أمناء الرسل، فإذا رأيتم الفقهاء قد رَكَنوا إلى السلاطين فاتهموهم"، ولذلك كان الفقهاء يتدافعون منصب القضاء لما فيه من الاحتكاك بالسلطان، وكان علماء الحديث يذمون مَن يتقرب من السلطان أو يعمل معه أو يغشاه، لأنهم كانوا يرون ذلك تهمة تؤثر في ديانته والثقة به.

وكان العلماء يرون أن من وظائفهم حَمْل الناس على مقتضى الشرع عبر البيان والجهر بالحق وإنكار المنكر لتغييره، أي القيام بوظيفتين: وظيفة معرفية تقوم على بيان أحكام الشرع، ووظيفة أخلاقية تقوم على اتخاذ الموقف الواجب[94].

ومع ميلاد الدول الوطنية الحديثة في العالم العربي، ومع حرص حكامها على تسييس الفتوى لصالحهم، صارت بوابة الإفتاء هي المدخل الأوسع لتشريع ما يحبّه الحاكم، خلافا لإرادة الشرع الذي جاء ليحتكم إليه الحاكم والمحكوم، ويكونان أمامه سواسية[95].

أما بخصوص المشايخ والعلماء، فلا بد من التذكير بأنهم برٌ تؤثّر فيهم 3 عوامل فيما يخص فتاوى الشأن العام: الكفاءة العلمية والتكوين، والميول والمواقف السياسية، والرغبات الشخصية والمطامع (الأهواء). فالمعرفة الدينية أصبحت سائلة، نتيجة تحطم التقاليد العلمية، وفساد الدولة القومية ونظامها، وعبَث الأنظمة السياسية والإعلامية في صناعة وتسويق الرموز الدينية.

أما الميول السياسية للمفتين أو الموقعين على البيانات، فهي محورية في تفسير الفتاوى والبيانات، فالذين هم جزء من جهاز الدولة لن ينطقوا إلا بإرادتها رغَبا أو رهبًا، ولذلك رأينا أن كل الفتاوى المناهضة لثورات ما عرف بالربيع العربي (نموذجا) صدرت من موظفي دولة، ومعادين لكل حركات التحرر والانعتاق من الاستبداد.

وتتسم المواقف السياسية للعلماء بخصائص محددة: أنها تتناغم مع إيقاع السلطة وحاجتها، وأنها تتبنى الرواية الرسمية ولا تتخذ مسافة تفصلها عن الموقف السياسي للسلطة، وفي أحيان عدة تدخل في سجال "سياسي" مع الفتاوى المناقضة لها.[96]

مصر:

  • طوبى لمن قتلهم وقتلوه

      كانت شبكة «رصد» قد نشرت في وقت سابق تفاصيل خطبة علي جمعة (المفتي السابق) غير المعلنة، لضباط الشرطة والجيش في مصر، والتي حرضهم فيها على قتل مؤيدي الدكتور محمد مرسي (الرئيس الراحل)، واستباح دماءهم ووصفهم بالأوباش ، مشيرا إلى  أن القتال هو عمل الفرسان، أما رافضو الانقلاب فهم أهل القتل الأوباش، على حد وصفه.

  • إعدامات مصر

كما أصدرت المحاكم أحكاما بالإعدام على المئات من المعتقلين السياسيين، ثم أحيلت الأوراق إلى مفتي الديار المصرية شوقي علام، الذي صادق على الإعدامات بمجرد وصولها إلى مكتبه، دون الاستماع إلى أقول المتهمين، ودون الإفصاح عن الأدلة الشرعية التي استند إليها في حكمه، وفي "جلسات قصيرة لا تكفي لقراءة أسماء كل المتهمين"، بحسب منظمات حقوقية.

فقد صادق المفتي المصري على إعدام أكثر من 1000 متهم بقضايا مختلفة، تتهم المنظمات الحقوقية السلطات المصرية بتلفيقها بدوافع سياسية، كتهمة "الإرهاب والانتماء إلى جماعات دينية متطرفة".
وقد وصفت منظمة (هيومن رايتس ووتش) الإعدامات في مصر بأنها قائمة على اعترافات انتزعت تحت التعذيب[97].

سوريا:

  • تشريع الإبادة:

لم يتخلف مفتي النظام السوري أحمد حسونة عن ركب مشرعي أفعال الحكام، بل تجاوز ذلك إلى إضفاء الشرعية على المجازر التي يرتكبها الطيران الروسي في مناطق سورية مختلفة بحجة "محاربة الإرهاب" ودعم الشرعية، ومن دون حجة أحيانا، كما يقول معارضو الرئيس السوري بشار الأسد. واختار حسونة روسيا ليتحدث منها شاكرا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والطيارين الروس.[98]

السعودية:

بعد صمتها عن إعادة فتح السينما، وترحيبها بقرار العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، بالسماح للمرأة بالقيادة، بعد أن كانت قد أشبعت الأمر بسلسلة فتاوى تؤكد تحريمها، تبرر اليوم - أيضا - قرار الحكومة السعودية زيادة الأسعار، والتي أثارت جدلا واسعا، عندما قال أحد المشايخ (خالد الفليج): إن "الله هو من يرفع الأسعار"، بل تعدى الأمر ذلك، بسلسلة من الفتاوى التي تتعلق بحياة الناس الخاصة، وهي التي كانت في السابق من المحرمات.

كما أن هيئة كبار العلماء أيدت ببيان لها، في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، الاعتقالات التي طالت علماء وأمراء ووزراء ومسؤولين سابقين، وقالت: إن محاربة الفساد لا تقل عن محاربة الإرهاب، وإن الحفاظ على الوطن يتطلب ذلك.

وقبل ذلك، تعدى الأمر الجانب الاجتماعي بدعم المواقف السياسية المتحولة للرياض، فعلى الرغم من تأكيدها وحدة الأمة ونبذ الخلافات على مر عقود، سارع المفتي العام للمملكة، الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، بعد إعلان بلاده مقاطعة قطر وفرض حصار عليها، إلى تأييد الخطوة[99] . هذا غيض من فيض.

تونس:

مقترَح الرئيس السبسي، المساواة في الميراث بين الذكر والأنثى في تونس، سارع ديوان الإفتاء إلى مباركة المبادرة الرئاسية والثناء عليها، وانصرف المفتي عثمان بطيخ يبذل جهده في تمجيد التوجّه الرئاسي، وتزكيته، والتشريع لوجاهته[100].

إن أزمة الثقة بالمفتي الرسمي من جهة وفوضى الفتوى - والتي لا تخفى مخاطرها وأشدها سفك الدماء بغطاء ديني- من جهة أخرى، تقتضي البحث عن حلول، ولن تحل المشكلة إلا بإعادة مؤسسة الإفتاء إلى طبيعتها المدنية، ونزع سلطة الدولة عنها، وسن قانون يضمن استقلاليتها بحيث لا يتولاها إلا من هم أهل للإفتاء، فينتخبون من قبل أهل الشأن، مع تأمين حصانة للمفتي من بطش السلطان، كي يثق الناس أن ما يصدر عن المفتي وإن توافق مع رأي السلطة فليس بالضرورة هو نتيجة ضغط منها[101] .


ثانيًا: في يوم المعلم العربي

يُحتفل باليوم العالمي للمعلمين يوم 5 تشرين الأول/أكتوبر سنويا منذ عام 1994، وهو بمثابة إحياء لذكرى توقيع التوصية المشتركة، الصادرة عن منظمة العمل الدولية، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) في عام 1966، والمتعلقة بأوضاع المعلمين [102].

وخصصت الدول العربية يوما للاحتفاء بالمعلم، يوافق 25 فبراير/شباط 2020 من كل عام، وأسمته "يوم المعلم العربي"[103].

وعيد المعلم هو عيد العلم، فالمعلم يعلم الأجيال جيلا بعد جيل، فهو النبراس الذي يضيء لهم الدرب نحو المستقبل الأفضل، ويهذب الأخلاق ، وينشِّئ العقول [104].

يقول أحمد شوقي:

أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي   يبني وينشئُ أنفساً وعقولا

لا ينتبه كثير من رجال التدريس إلى الموقع الذي يشغلونه داخل النسق المجتمعي، فهم حجر الرحى الذي يوجد بحوزته كل فئات المجتمع، ومن يُنتظر منهم تغذية العقل والوجدان، ليس بمواد تعليمية وحسب، وإنما بوضع النواة التي تتشكل من خلالها رؤية الناشئة والأجيال للحياة والعالم برمته، فالمدرسة أهم حلقة من حلقات النسيج المجتمعي الذي يلقن القيم ويفتح ذهن المرء على الوجود برمته، لذلك إذا اختلت وظيفة أحد عناصرها، أو طالها التقصير، وران عليها الكسل والفتور، اختلت كل البنيات الاجتماعية بانهيار عماد المؤسسة البانية للعقل الفردي والجمعي[105].

وقد اهتم علماء التراث الإسلامي بقضية المعلم والمتعلم، ومن أشهر من تحدث في هذا الباب، الإمام أبو حامد الغزالي(450هـ- 505هـ)، والعلامة ابن خلدون (732هـ - 808 هـ).

وقد أوضح الإمام الغزالي وظائف المعلم في كتابه إحياء علوم الدين، ونعت المعلم بالمرشد، "وإنما وصفه بالمرشد، لأن القصد من التعليم في الحقيقة هو الإرشاد في سبيل الله تعالى، ومتى فارقه لم ينفعه، وذهب نصبه مجانا"[106].

يقول الإمام أبو حامد الغزالي: "فمَنْ عَلِم وعمِل وعلَّم فهو الذي يدعى عظيمًا في ملكوت السموات فإنه كالشمس تضيء لغيرها، وهي مضيئة في نفسها، وكالمسك الذي يطيِّب غيره وهو طيب، والذي يعلم ولا يعمل به كالدفتر الذي يفيد غيره وهو خال عن العلم، وكالمسَنِّ الذي يشحذ غيره ولا يقطع ، والإبرة التي تكسو غيرها وهي عارية ، وذبالة المصباح تضيء لغيرها وهي تحترق كما قيل:

ما هو إلا ذُبالة وقدت   تضيء للناس وهي تحترق

ومهما اشتغل بالتعليم فقد تقلد أمرا عظيما وخطرا جسيما فليحفظ آدابه ووظائفه" [107] . وقد عدد الإمام الغزالي هذه الوظائف، فقال في بيان وظائف المعلم  المرشد[108]:

  • الوظيفة الأولى: الشفقة على المتعلمين وأن يجريهم مجرى بنيه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا لكم مثل الوالد لولده".
  • الوظيفة الثانية: "أن يقتدى بصاحب الشرع صلوات الله عليه وسلامه فلا يطلب على إفادة العلم أجرا ولا يقصد به جزاء ولا شكرا بل يعلم لوجه الله تعالى وطلبا للتقرب إليه.

وهذا الجانب أضحى ضعيفا لدى الكثير من رجال التربية، فأصبحت المهمة جني ثمار المال من المهمة التربوية، دون استحضار البعد الرسالي للوظيفة التربوية والرقابة الإلهية ومدى الإخلاص في العمل. والإخلاص في أداء المهمة التربوية هو الاصطلاح الأنسب للوظيفة الثانية عند الغزالي، حيث يستحيل أداء المهمة التعليمية بدون أجر، فالمطلوب هو الجد والإخلاص في القيام بالوظيفة التعليمية من طرف رجال التعليم والتربية دون تهاون أو لَهْث عند من يدفع أكثر.

  • الوظيفة الثالثة: استدامة النصح.
  • الوظيفة الرابعة: تجنب التصريح بالعتاب والتوبيخ ونهج الإشارة والتلميح.
  • الوظيفة الخامسة: تحبيب العلوم للمتعلم بمختلف صنوفها دون تنفير من أحدها.
  •  الوظيفة السادسة: مراعاة مدارك المخاطب ومستوى فهمه واستيعابه.
  • الوظيفة السابعة: مراعاة التدرج في تقديم المعارف وفق منهجية منظمة.
  •  الوظيفة الثامنة: ملازمة العمل للعلم، "يكون المعلم عاملا بعلمه فلا يكذب قوله فعله لأن العلم يدرك بالبصائر والعمل يدرك بالأبصار".

تلكم هي وظائف المرشد المعلم في رؤية الإمام الغزالي التي ينبغي أن يتحلى بها كل من يزاول مهمة المربي المعلم.

إنّ وراء كل طالب نجيب، همة عالية، ومعلم اجتمع له عقل وعلم، فليس كل من علّم بلغ في تعليمه رتبة "المعلم المربي"، وقد يقوم بالفعل شخص فلا يؤاخذ عليه، ويقوم به آخر فيعاتب ويؤنب لموقعه القدوة، الذي قيده بحبال الالتزام، فليس الغرض من التعليم، تحصيل العلم فحسب، ولكن الأساس هو تقوية الخُلق والارتحال عن الصغائر، والاستيعاب جيدا بأن العلم أنفس بضاعة يراد لها أطهر وعاء، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم، ومن أرادهما معا فعليه بالعلم"[109].

ومن أهم مسؤوليات المعلم:

  • المسؤولية الأخلاقية.
  • المسؤولية بصفته مستخلفا في الأرض ، وصاحب رسالة.
  • المسؤولية الحضارية[110].

ويمكن تفريع هذه المسؤوليات إلى عدد من العناصر التي ينبغي للمعلم الانتباه إليها ، والعمل على غرسها في النشء[111]:

  1. الخطاب الأخلاقي.
  2. وقف نزيف القيم.
  3. بناء الوجدان السَّوي.
  4. تجسيد القيم وتجديد مناشطها.
  5. بناء خارطة للقيم.
  6. قيمة العمل الصالح (تقدير العمل- الجدية – المثابرة – الأمانة – الأخلاقية).
  7. التربية على معاني الإيمان.
  8.  التربية على الهوية وبناء دوائر الانتماء.
  9. التربية على محورية (الزمن – الوقت)
  10. التربية على انطباق الاعتقاد على الواقع المعاش، وتحقيق المثل الإسلامي الأعلى.
  11.  التربية على العبادة واتساعها.
  12. التنمية العلمية على أساس من التوحيد.

المصادر:
[1] وكالات، في السودان.. فرق ثورية لحراسة "الخبز"، موقع قناة "سكاي نيوز العربية"، 19 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/2Vctu1Z
[2] وكالات، السودان.. احتجاج بشأن "الضباط المستبعدين" والأمن يتصدى، موقع قناة "سكاي نيوز العربية"، 21 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/2PmRGep
[3] أحمد فضل، دعوة لمليونية رد الجميل.. غضب سوداني بمنصات التواصل لفصل ضباط "ناصروا الثورة"، موقع "الجزيرة نت"، 18 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/3c7SnBJ
[4] عبد الحميد عوض، 19 جريحاً بقمع الشرطة السودانية تظاهرة تطالب بهيكلة الجيش، صحيفة "العربي الجديد"، 20 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/2PnvX5N
[5] وكالات، الحكومة السودانية تعد بمحاسبة مستخدمي العنف ضد المتظاهرين، موقع "العين" الإماراتي، 21 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/2w4zDTa
[6] «مصيدة ميانمار» مصطلح يطلق على أنصاف الثورات التي انتصرت على نظام عسكري، فأتت بنظام عسكري آخر؛ لكنه يحمل وجها مدنيا؛ كما حدث في دولة ميانمار التي سبق لثورة مماثلة فيها أن أسقطت نظاما عسكريا ليحل محله نظام عسكري آخر، وإن كان النظام الثاني قد تصدرته السياسية المدنية أونج سان سوتشي.
[7] وكالات، تظاهرات في الأردن والسودان ضد صفقة القرن، صحيفة "الشرق" القطرية، 7 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/2I4m3Ss
[8] محمد عصمت، إسرائيل.. والثورة المضادة فى السودان!، صحيفة "الشروق" المصرية، 17 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/2HV35h8
[9] المحرر + وكالات، شاهد: للأسبوع الـ 51.. المظاهرات في الجزائر متواصلة، موقع "يورونيوز"، 7 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/2Tjnxh8
[10] المحرر، آلاف المتظاهرين بشوارع العاصمة الجزائرية مع اقتراب حلول الذكرى الأولى للحراك الشعبي، موقع "قناة فرانس 24"، 14 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/2T1OsPA
[11] المحرر + وكالات، الجمعة الـ53 من التظاهرات في الجزائر يصادف مرور سنة على الحراك، موقع "يورونيوز"،21 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/2vcfESL
[12] المحرر + وكالات، الجمعة الـ53 من التظاهرات في الجزائر يصادف مرور سنة على الحراك، موقع "يورونيوز"،21 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/2vcfESL
[13] ماجد السامرائي، هل يتخطى المكلّف علاوي إملاءات إيران، صحيفة "العرب" اللندنية، 2 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/381dFxO
[14] المحرر، العراق.. قتلى وجرحى بتجدد الاشتباكات في بغداد، موقع "قناة سكاي نيوز العربية"، 25 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/2vmPs7R
[15] عامر الحساني - نازا محمد، الصدر يُحجِّم احتجاجات العراق.. وينال "عداء الحراك" (تقرير)، وكالة الأناضول للأنباء، 14 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/2I1l9qb
[16] محمود خليل، ماذا وراء بناء جدار مصري على حدود غزة؟، صحيفة "العربي الجديد" المصرية، 31 يناير 2020. http://bit.ly/2vik6iy
[17] المحرر، محاولة رابعة .. قصة الجدار العازل بين مصر وغزة، موقع "قناة الحرة، 19 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. https://arbne.ws/2w5rr54
[18] محمود خليل، ماذا وراء بناء جدار مصري على حدود غزة؟، صحيفة "العربي الجديد" المصرية، 31 يناير 2020. http://bit.ly/2vik6iy
[19] مراسلون، مصر تسرِّع بناء جدار مع غزة لمنع تسلل مسلحين عبر الحدود أو الأنفاق، صحييفة "الشرق الأوسط"، 18 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/3a6gizE
[20] باسم علي، جدار غزة وتداعياته، مركز كارنيجي للسلام، جدار غزة وتداعياته، 27  مارس 2019. http://bit.ly/2vfcsFQ
[21] باسم علي، جدار غزة وتداعياته، مركز كارنيجي للسلام، جدار غزة وتداعياته، 27  مارس 2019. http://bit.ly/2vfcsFQ
[22] المحرر، تفاصيل لقاء البرهان ونتنياهو في كمبالا، موقع "روسيا اليوم"، 4 فبراير/شباط 2020 /شباط 2020.  http://bit.ly/2V0mKUT
[23] مير حسنى، الجيش السودانى: لقاء البرهان مع نتنياهو هدفه رفع اسم البلاد من قائمة الإرهاب، صحيفة "اليوم السابع" المصرية، 5 فبراير/شباط 2020 /شباط 2020. http://bit.ly/2SRqTYu
[24] المحرر، تفاصيل لقاء البرهان ونتنياهو في كمبالا، موقع "روسيا اليوم"، 4 فبراير/شباط 2020 /شباط 2020.  http://bit.ly/2V0mKUT
[25] المحرر، اللقاء بين البرهان ونتنياهو "مر عبر الإمارات" وبمباركة أمريكية، موقع "بي بي سي"، 4 فبراير/شباط 2020 /شباط 2020. https://bbc.in/2SRQ0uj
[26] مرتضى الشاذلي، القصة الكاملة لمسلسل العقوبات الأمريكية على السودان، 23 يوليو /تموز 2017. http://bit.ly/37FalIq
[27] محمد عصمت، إسرائيل.. والثورة المضادة فى السودان!، صحيفة "الشروق" المصرية، 17 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/2HV35h8
[28] المحرر، واشنطن تتخذ خطوة أولى لشطب اسم السودان من القائمة السوداء، موقع قناة "العربية"، 20 ديسمبر /كانون أول 2019. http://bit.ly/39CMUAW
[29] المحرر، واشنطن تتخذ خطوة أولى لشطب اسم السودان من القائمة السوداء، موقع قناة "العربية"، 20 ديسمبر /كانون أول 2019. http://bit.ly/39CMUAW
[30] أحمد حسن، نتنياهو: الطائرات الإسرائيلية بدأت تطير في أجواء السودان، موقع وكالة "رويترز" للأنباء، 16 فبراير/شباط 2020 /شباط 2020. http://bit.ly/2u4hGDE
[31] آندرو تشونج، المحكمة العليا الأمريكية تبدي استعدادا للحكم على السودان بدفع مزيد من التعويضات، موقع وكالة رويترز للأنباء"،  25 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/2HSEGsH
[32] بيير غانم، السودان باقٍ على لائحة الإرهاب.. وواشنطن: تعويض الضحايا أولوية، موقع "قناة "العربية"، 25 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/2ViFb79
[33] مراسلون، جوبا.. الحكومة السودانية و"مسار الشرق" يوقعان اتفاقا نهائيا للسلام، وكالة الأناضول للأنباء، 21 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/2T85zOw
[34] مراسلون، حزب الترابي يتهم دحلان بالتخطيط مع إسرائيل لتفكيك السودان، وكالة الأناضول للأنباء، 17 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/3a9pmEh
[35] محمد جميل احمد، اتفاق مسار شرق السودان.. سقط بين السطورـ موقع "الأمة برس"، 23 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/3cgU1Bo
[36] مرتضى كوكو، السودان يطلب بعثة "سياسة" أممية لدعم السلام، موقع "العين" الإخباري، 9 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/2uyOULS
[37] وكالات، السودان يوضح "شرط تسليم البشير" للمحكمة الجنائية الدولية، موقع قناة "سكاي نيوز العربية"، 16 أبريل 2019. http://bit.ly/32qUvjV
[38] المحرر، حمدوك في دارفور لأول مرة.. ويعد بإحلال السلام، موقع قناة "سكاي نيوز العربية، 5 نوفمبر 2019. http://bit.ly/38ZDAaz
[39] صبري عبد الحفيظ، كواليس تسليم البشير لـ"الجنائية الدولية" بعد لقاء البرهان ونتانياهو، موقع "إيلاف"،  13 فبراير/شباط 2020 /شباط 2020.  http://bit.ly/2ucRbw4
[40] مراسلون، السودان: لم يصل وفد من الجنائية الدولية لا أمس ولا اليوم، موقع "قناة العربية"، 18 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/2T8W2Xu
[41] المحرر، اتفاق أوروبي على مراقبة تطبيق حظر الأسلحة إلى ليبيا، موقع ثناة "دويتشه فيله"، 17 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/32Go9ln
[42] المحرر، اتفاق أوروبي على مراقبة تطبيق حظر الأسلحة إلى ليبيا، موقع ثناة "دويتشه فيله"، 17 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/32Go9ln
[43] المحرر، ليبيا.. حكومة الوفاق ترفض مهمة أوروبية لمراقبة حظر السلاح، "الجزيرة نت"، 18 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/3akAqP1
[44] المحرر، هكذا انتهت سفينة أيرلندية في ترسانة "حفتر" عبر الإمارات، صحيفة "العربي الجديد"، 14 ديسمبر 2019. http://bit.ly/2VsRqym
[45] سامية مكي، باريس تعترف: الأسلحة التي عُثر عليها في غريان فرنسية ولنا قوات في ليبيا، موقع "يورونيوز" العربي، 10 يوليو 2019. http://bit.ly/2Prtg3c
[46] المحرر، من يحارب من في ليبيا؟.. خرائط المتنازعين وصور الدعم العسكري، موقع "قناة الحرة"، 17 ديسمبر 2019. https://arbne.ws/2Vqn0N1
[47] المحرر، بعد "فاغنر"... مرتزقة "شيت" و"موران" الروسيتين يصلون إلى ليبيا بتمويل إماراتي، صحيفة "العربي الجديد"، 6 يناير 2020. http://bit.ly/2PpOmis
[48] المحرر، روسيا تُغري شبان "دوما" بالمال لزجهم بمعارك ليبيا، 12 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/3c6Tkul
[49] مصطفى محمد، "أصدقاء روسيا"..ميليشيا أبناء الغوطة للاستخدام داخل سوريا وخارجها، موقع "المدن"، 14 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/3ccSuMv
[50] المحرر، استمرار هبوط طائرات سورية في مطار بنينا ببنغازي، موقع "ليبيا أوبزرفر" الإخباري، 21 يناير 2020. http://bit.ly/37ZNqYJ
[51] لمحرر، ماكرون يطالب بوقف إرسال مقاتلين سوريين إلى ليبيا، موقع قناة "دويتشه فيله"، 19 يناير 2020. http://bit.ly/3a4PpMw
[52] سامر عبد الهادي علي، اتفاق سوتشي بشأن ادلب اتفاق ثنائي تركي – روسي بدعم دولي، موقع "ترك برس"، 26 سبتمبر 2018. http://bit.ly/32yhuJz
[53] يمان نعمة، مراقبون: هذا الهدف المرحلي لهجمات النظام وروسيا في إدلب، موقع "عربي 21"، 26 نوفمبر 2019. http://bit.ly/2T0P4F0z
[54] المحرر، «إم 4» و«إم 5».. سر الطريقين اللذين نفذت روسيا 5 مذابح الشهر الماضي لأجلهما، موقع "ساسة بوست"، 19 ديسمبر 2019. http://bit.ly/2wMyTm4
[55] المحرر، تحليلات: لماذا يريد النظام السوري السيطرة على إدلب؟، موقع "قسيون" الإخباري، 11 مايو 2019. http://bit.ly/2Tj4P9t
[56] وكالات، نقاط مراقبة تركية أصبحت ضمن مناطق سيطرت عليها قوات النظام السوري.. وبوتين يرسل وفداً لأنقرة لبحث هجوم إدلب، موقع "عربي بوست"، 7 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/2VqxsnG
[57] المحرر، عقب مقتل جنود أتراك.. توتر غير مسبوق على الحدود السورية التركية، "الجزيرة نت"، 4 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/2w7Cn2g
[58] المحرر، الحرب في سوريا: مقتل جنود أتراك في قصف للقوات السورية على إدلب، موقع "بي بي سي" العربي، 10 فبراير/شباط 2020/ شباط 2020. https://bbc.in/3a7bCK2
[59] المحرر، إدلب.. سراقب بيد المعارضة وأردوغان يتوعد بطرد قوات النظام لما وراء نقاط المراقبة هذا الأسبوع، الجزيرة نت، 27 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/2Vy3Ftv
[60] المحرر، بالفيديو.. تركيا تقصف مواقع لقوات الحكومة السورية رداً على مقتل جنود أتراك قرب إدلب، موقع "روداو" الكردي، 3 فيبراير 2020. http://bit.ly/3a8Jq9z
[61] وكالات، أردوغان: سنضرب النظام السوري في أي مكان لهذا السبب، صحيفة "السبيل" الأردنية، 2 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/32w6SLh
[62] المحرر، أردوغان يهدّد بضرب القوات السورية وطردها وراء نقاط المراقبة التركية، موقع "أحوال" التركي، 12 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/2w6pSnN
[63] المحرر، أسباب تدفع ألمانيا وفرنسا لسحب فتيل الأزمة بين روسيا وتركيا في إدلب، موقع "عنب بلدي" السوري الإخباري، 23 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/388eTqV
[64] المحرر، تركيا تمنع أربع طائرات عسكرية روسية من العبور إلى سوريا، موقع "الدفاع العربي"، 22 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/32v170w
[65] المحرر،واشنطن تحذر من نزاع عسكري روسي تركي في سوريا، "الجزيرة نت"، 19 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/2Pqj3nG
[66] بيير غانم، واشنطن ترفض مساعدة تركيا بإدلب.. وتمنع التطبيع مع الأسد، موقع "قناة العربية"، 23 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/2Tn0i5A
[67] المحرر، على هامش مؤتمر ميونيخ.. جاويش أوغلو يتحدث عن إدلب واستغلال “واشنطن” لهذا الأمر، موقع "ستيب نيوز"،  16 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/3a9iwOP
[68] سيف الدين العامري، البرلمان التونسي يرفض منح الثقة لحكومة الجملي، موقع "قناة سكاي نيوز العربية"، 11 يناير 2020. http://bit.ly/2TlnMby
[69] يسرى ونّاس، تونس.. حكومة الفخفاخ فسيفساء من المستقلين والحزبيين (إطار)، وكالة الأناضول للأنباء، 20 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/3a7cnCT
[70] المحرر، تونس: حكومة رئيس الوزراء المكلف إلياس الفخفاخ تنال ثقة البرلمان، موقع "قناة فرانس 24"، 27 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/2vjtXok
[71] سيف الدين العامري، البرلمان التونسي يرفض منح الثقة لحكومة الجملي، موقع "قناة سكاي نيوز العربية"، 11 يناير 2020. http://bit.ly/2TlnMby
[72] المحرر، ونس..الفخفاخ يستبعد حزب القروي و"الدستوري" من تشكيلته، موقع "قناة العربية"، 24 يناير 2020. http://bit.ly/3c6hAN0
[73] إيمان الحامدي، تونس: مال سياسي في الانتخابات وتدخلات مشبوهة للإمارات، صحيفة "العربي الجديد"، 15 سبتمبر 2019. http://bit.ly/394Vt7T
[74] زياد الميرغني، حكومة الفخفاخ في مأزق.. لماذا تصرّ النهضة على ضم قلب تونس؟، موقع "الاستقلال" الإخباري، 9 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/2Pw0ZZv
[75] المحرر، رئيس البرلمان التونسي: "الحكومة المقبلة قد لا تنال ثقة البرلمان"، موقع "إذاعة مونت كارلو الدولية"، 5 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/2T2dIVO
[76] وكالات، بعد انسحاب "النهضة".. الفخفاخ يعلن تعثر مفاوضات تشكيل الحكومة التونسية رغم طرحها، "الجزيرة نت"، 15 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/2I2CdMe
[77] يسرى ونّاس، تونس.. حكومة الفخفاخ فسيفساء من المستقلين والحزبيين (إطار)، وكالة الأناضول للأنباء، 20 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/3a7cnCT
[78] عادل الثابتي، نجاح ونجاة..مكاسب "النهضة" التونسية من أزمة الحكومة (تحليل)، وكالة الأناضول للأنباء، 21 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/2vdkG1k
[79] يسرى ونّاس، تونس.. حكومة الفخفاخ فسيفساء من المستقلين والحزبيين (إطار)، وكالة الأناضول للأنباء، 20 فبراير/شباط 2020/شباط 2020. http://bit.ly/3a7cnCT
[80] رويترز، الخارجية: السعودية تعلق مؤقتا دخول مواطني دول مجلس التعاون مكة والمدينة، 28/2/2020.
[81] التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2019، التجارة الخارجية للدول العربية، ص 156.
[82] رويترز، أسعار النفط تتجه صوب اكبر انخفاض أسبوعي فيما يزيد عن 4 سنوات، 28/2/2020.
[83] صندوق النقد الدولي، كلمة مدير عام صندوق النقد الدولي، السيدة كريستالينا غورغييفا، أمام اجتماع مجموعة العشرين حول الأثر الاقتصادي لفيروس كورونا (كوفيد-19)، 22/2/2020.
[84]BBC، فيروس كورونا: التفشي بلغ "مرحلة حرجة وقد يتحول إلى وباء شامل"، 28/2/2020.
[85] موقع الصحفيين التونسيين بصفاقس، الفخفاخ يحدد 7 اولويات حكومية ذات طبيعة اقتصادية واجتماعية قائمة على الردع والتحفيز، 26/2/2020.
[86] حقائق أون لاين، ارتفاع الدين العمومي في تونس الى 82.6 مليار دينار، 10/8/2020.
[87] الترا تونس، تونس: تفاقم العجز التجاري خلال الاشهر العشرة الأولى من 2019، 11/11/2019.
[88] الشرق الأوسط، الرئيس الألماني في الخرطوم... ووعود باستثمارات "دون إضاعة للوقت"، 27/2/2020.
[89]  صحيفة السوداني، مفوضية الإتحاد الاوروبي تمنح السودان ترخيص تسجيل المصدرين بتعرفة جمركية صفرية، 29/2/2020
[90]  جريدة الانتباهة، السودان: الدولار يواصل الصعود المخيف ويقترب من رقم قياسي جديد، 29/2/2020
[91]  وزارة الإعلام السودانية، وزير المالية يصف اجتماعات استكهولم بالناجحة، 27/2/2020
[92] أنور الجمعاوي. ازدواجية الإفتاء في تونس ومصر.  العربي الجديد . 28 أغسطس 2017.
[93]  عبد الرحمن حللي. الفتوى والمرجعية والسلطة . الملتقى الفكري للإبداع . http://almultaka.org/
[94] د. معتز الخطيب .  العالم والسلطان ومخاض السياسة . الجزيرة نت.
[95] طلال مشعطي . الافتاء السياسي.. سلطة تقرر وعالم يشرع. الجزيرة في 30/1/2018.
[96] د. معتز الخطيب .  العالم والسلطان ومخاض السياسة . الجزيرة نت.
[97] طلال مشعطي . الافتاء السياسي.. سلطة تقرر وعالم يشرع. الجزيرة في 30/1/2018.
[98]  سما الرحبي. النظام السوري يعمل على تسييس الخطاب الديني.العربي الجديد. 14 يونيو 2015 https://www.alaraby.co.uk/
[99]  الخليج أون لاين . هيئة كبار علماء السعودية.. فتاوى تحت رغبات السلطة! https://alkhaleejonline.net/
[100] أنور الجمعاوي. ازدواجية الإفتاء في تونس ومصر.  العربي الجديد . 28 أغسطس 2017.
[101] عبد الرحمن حللي. الفتوى والمرجعية والسلطة . الملتقى الفكري للإبداع . http://almultaka.org/
[102]  https://www.un.org/ar/events/teachersday/
[103] http://www.alanbatnews.net/post.php?id=223888
[104] جمعية منتدى التواصل في يوم المعلم العربي.  الرابط.
[105]  رؤية الغزالي وابن خلدون لما يجب أن يكون عليه المعلم . http://zedni.com/
[106] اتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين . تصنيف السيد محمد بن  محمد  الحسيني الزبيدي . كتاب العلم / الباب الخامس. ج1/ص 543.
[107]  اتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين . تصنيف السيد محمد بن  محمد  الحسيني الزبيدي . كتاب العلم / الباب الخامس. ج1/ص 545.
[108] رؤية الغزالي وابن خلدون لما يجب أن يكون عليه المعلم . http://zedni.com/
[109] يوم المعلم العربي: أي ثمار للغرس؟ الشرق الأوسط السبـت 05 صفـر 1428 هـ 24 فبراير/شباط 2020 2007 العدد 10315.
[110] حسان عبد اللهمنذ سنت . رسالة إلى المعلم العربي.  إسلام أون لاين ، 14 يناير 2018.
[111] حسان عبد اللهمنذ سنت . رسالة إلى المعلم العربي.  إسلام أون لاين ، 14 يناير 2018.