"جيش المهدي".. أداة الصدر لترهيب السنة وتحقيق مكاسب سياسية

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

أعاد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى الأذهان مآسي سنوات الاقتتال الطائفي في العراق، والتي راح ضحيتها الآلاف، وذلك بتهديده للسياسيين السنة بإنهاء قرار تجميد مليشيا "جيش المهدي" التابعة له، إذ أنها كانت العنوان الأبرز للقتل على الهوية.

تصريحات رجل الدين والسياسي الشيعي تسببت بضجة كبيرة بين الأوساط الشعبية والسياسية، في مرحلة حساسة يشهدها العراق نتيجة للحراك الشعبي المستمر منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وعجز القوى السياسية عن تشكيل حكومة انتقالية.

"تهديد وتمجيد"

بعد غياب طويل أطل الصدر عبر مقابلة تلفزيونية مع محطة عراقية في 24 فبراير/ شباط 2020، تطرق أكثر من مرة بتفاخر إلى مليشيا "جيش المهدي" الشيعية، التي أسسها في يوليو/ تموز 2003، وقرر تجميدها عام 2009.

وقال زعيم التيار الصدري: إن "جيش المهدي" أسسته لحماية العراق، وليس لحمايتي شخصيا، وإذا لم تخرج القوات الأمريكية "المحتلة" فإن قرار إنهاء التجميد سيكون سهلا في وقتها.

لم تقف تهديدات الصدر عند "القوات المحتلة"، وإنما طالبت المكون السُني في البلد متهما سياسيين منهم بـ"الإرهاب"، بالقول: "إذا كانت بعض القيادات السياسية السنية تريد إرجاع المفخخات، فنحن مستعدون لإعادة كل شيء"، موضحا: "(جيش) المهدي مجمد وغير ملغي، وبخطوة واحدة يعود مرة ثانية".

وأضاف: "بأي وقت ممكن أن يعود"، منوها إلى أنه "يفكر بشكل قوي بإعادة جيش المهدي"، مبررا اللجوء إلى هذه الخطوة، بالقول: "نحن نخاف من عودة تنظيم الدولة والمفخخات، ومن أجل إخراج المحتل".

لكن الصدر الذي أكد خلال حديثه مع القناة العراقية أنه "بالفعل يناقض نفسه كثيرا بأقواله وأفعاله"، أقر بأن ما دفعه إلى تجميد "جيش المهدي" هو "السمعة السيئة التي أصابته، لذلك قرر إيقاف نشاطه، لأن كل ما يهمه هو السمعة"، قبل أن يعود ويهدد بإعادة تفعيل هذه المليشيا مجددا، في المقابلة ذاتها.

بعد تصريحاته المثيرة للجدل، عاد الصدر وغرد في 26 شباط/فبراير 2020، على تويتر، قائلا: "كما أن الله تعالى ابتلى شيعة العراق بثلة سياسية فاسدة تدّعي الانتماء لهم، فقد ابتلى سنة العراق بثلة مماثلة".

إلا أن الصدر جدد حديثه عن "الإرهاب" و"المفخخات" بالقول: "نحن كعراقيين سنة وشيعة وكرد أخوة لا يفرقنا السياسيون، لا بفسادهم ولا بإرهابهم ولا بمفخخاتهم ولا بظلمهم ولا بسلطتهم ولا بمحاصصتهم ولا بتبعيتهم".

"تفاخر بالقتل"

سارعت قيادات وشخصيات سياسية سنية بالرد على تصريحات الصدر، وفي الوقت الذي أشارت فيه إلى أنه يتفاخر في قتل واغتيال العراقيين على يد "جيش المهدي"، ملوحين بمساءلته قانونيا في حال لم يوضح مقاصد حديثه، لأنه تطرق لأحداث طالما تبرأ من تورطه فيها.

وردا على تصريحات الصدر، قال رئيس حزب "المشروع العربي"، خميس الخنجر: إنه ضد عودة أي "جيش طائفي لأي جهة"، مشيرا إلى أن "التلويح بعودة جيوش ومليشيات مُضرة وليس بصالح الاستقرار".

وشدد الخنجر خلال مقابلة تلفزيونية، قائلا: "نحن في مرحلة بناء الثقة وإلغاء الطائفية، وعبرنا مراحل جيدة جدا، ولم أسمع من أي زعيم أو شخصية سُنية دعت إلى ذلك".

وأعرب عن استغرابه من تصريحات الصدر، مؤكدا: "كلنا نكون ضد المتشدد، سنيا كان أو شيعيا، لكن من خلال الدولة والقانون، والمطالبة بعودة جيوش ومليشيات مُضرة، حتى أن التلويح بهذا الموضع ليس من صالحنا".

وتابع الخنجر، قائلا: "المعلومات التي وصلت إلى الصدر بهذا الشأن مغلوطة، فالسُنة هم من قتلهم تنظيم الدولة والقاعدة أكثر من المكونات الأخرى"، مضيفا: "لا أريد إلا أن أكون عاملا مساعدا على الاستقرار، وأنا ضد عودة أي جيش طائفي لأي جهة، وغير صحيح أن نعود إلى المربع الأول".

أما النائب ظافر العاني عن "اتحاد القوى" (أكبر ممثل للسنة بالبرلمان)، فرد هو الآخر في مقابلة تلفزيونية بالقول: "قوى سياسية لا تزال تهدد وتتوعد سواء بحرب طائفية والعودة للحرب الأهلية. وتتحدث عن دورها في عمليات الاغتيال والقتل تحت لافتة مجابهة المتشددين بطريقة الفخر".

وأوضح أن "تصريحات الصدر سببت صدمة كبيرة في مجتمعنا"، متمنيا أن "تكون زلة لسان أو أننا فهمناها خطأ"، مطالبا تحالف "سائرون" المدعوم من الصدر بـ"تفسيرات مقنعة لجمهورنا"، لأن التصريحات فيها مسؤولية "قانونية وأخلاقية".

وتساءل العاني إذا ما كانت تصريحات الصدر "وسيلة ضغط للموافقة على تمرير الحكومة"، معبرا في الوقت ذاته عن "قلقه وخوفه عندما يكون الناس هدفا سهلا للمليشيات".

واتساقا مع ذلك، قال السياسي والنائب السابق في البرلمان مشعان الجبوري، في تغريدة على "تويتر": "لقاء مقتدى الصدر الذي هدد فيه باستئناف نشاط جيش المهدي وبطاته (تسمية يطلقها العراقيون على نوع من السيارات) التي كانت بصناديقها تنقل جثث شبابنا بعد الغدر بهم إلى خلف السدة".

وأضاف الجبوري في تغريدته: أخافنا (تصريح الصدر) من أن تصبح حكومة علاوي (رئيس وزراء مكلف اعتذر عن تشكيل الحكومة في 2 مارس/آذار 2020) التي يصر عليها "سائرون" مجرد دفانا لضحايا "أبو درع" (قيادي بمليشيا جيش المهدي) الجدد كما حدث بالأعوام ٢٠٠٥-٢٠٠٧ وبمشكلة كبيرة مع الكرد.

وعلى نحو بدا أكثر حدة في الرد، توعد زعيم "مؤتمر صحوة العراق" أحمد أبو ريشة، قائلا: "التهديد لا يخيفنا، وإذا تطلب الموقف سنعيد الصحوة (فصيل سني شكلته عشائر محافظة الأنبار لقتال تنظيم القاعدة عام 2006) وتاريخها المشرف".

"تاريخ أسود"

في تموز/ يوليو 2003، عقب الغزو الأمريكي للعراق والإطاحة بنظام صدام حسين، أمر رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، بتأسيس مليشيا أطلق عليها اسم "جيش المهدي" بهدف أساسي معلن هو حماية الأماكن الدينية الشيعية في البلاد.

وتبدلت طبيعة استخدام الصدر لهذه المليشيات، إذ دخلت في صدامات مع القوات الأمريكية في عدد من مدن العراق، ثم أصبحت في وقت لاحق طرفا في صراع طائفي، انتهاء بمقاتلة الأجهزة الأمنية الحكومية.

بدأ "جيش المهدي" كمجموعة صغيرة من حوالي 500 طالب ديني مرتبط بمقتدى الصدر في مدينة الصدر شرق بغداد، مهمتها ترتبط بالمراقد الدينية الشيعية.

لكن "مجموعة دراسة العراق" المعروفة بـ"لجنة بيكر هاملتون" قدرت تعداده في عام 2007، بـ60 ألف فرد، إلا أن كثيرين كانوا يرون حينها أن العدد أكبر من ذلك بكثير، بسبب انتشاره في كل مدينة وبلدة، من بغداد إلى الجنوب.

كانت أولى معارك "جيش المهدي" في أبريل/ نيسان 2004، حين أعلن مقتدى الصدر رسميا البدء بقتال الجيش الأمريكي بسبب إغلاق "صحيفة الحوزة" التابعة للتيار الصدري ومحاولات اعتقاله شخصيا.

وعندما قرر رئيس الحكومة المؤقت آنذاك إياد علاوي، إعادة صدور "الحوزة" بعد شهر من إغلاقها، بدأت مواجهة مسلحة لكن هذه المرة، بين القوات العراقية تساندها القوات الأمريكية، وبين عناصر جيش المهدي، وذلك بعد أن هاجم مقتدى الصدر علاوي بقوة، رافضا عودة صحيفة "الحوزة".

وفي 22 فبراير/ شباط 2006، فجرت مجاميع مسلحة يقال إنها تنتمي لتنظيم القاعدة، مرقدي حفيدي الرسول محمد "علي الهادي" و"الحسن العسكري" في مدينة سامراء ذات الأغلبية السنية، وتفجرت حرب طائفية.

وعقب ذلك، ارتبط اسم "جيش المهدي" بعمليات إبادة وتهجير قسري وهدم للمساجد استهدفت المكون السني في العراق، حيث كانت تطلق عليه القوات الأمريكية في حينها اسم "فرق الموت".

وبين عامي 2006 و2008 تحدى الصدر بقواته علانية الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي حينها في محاولة للسيطرة على عدة مناطق، ما أدى إلى مواجهات عسكرية مع الحكومة وقواتها.

وخلال تلك المرحلة في عام 2008، أطلقت الحكومة عمليات "صولة الفرسان" وهي سلسلة معارك طويلة ضد مليشيات "جيش المهدي"، انطلقت من محافظة البصرة جنوب العراق، نزولا إلى العاصمة بغداد.

وقبل ذلك أعلن الصدر في نهاية أغسطس/ آب 2007، تجميد جيش المهدي لمدة 6 أشهر لإعادة تنظيمه، ثم أمر من جديد بعد انتهاء المدة بالتجميد لمدة 6 أشهر أخرى، قبل أن ينشط من جديد عام 2008.

وبعد الضربة الموجعة التي تلقاها "جيش المهدي" أعلن الصدر في عام 2009 تجميد المليشيا بشكل كامل، وطرد المتورطين في عمليات "تطهير طائفي" وقتل على الهوية قبل انخراطه في العملية السياسية بشكل رسمي.

في حزيران/ يونيو 2014 أعلن الصدر ولادة "سرايا السلام"، بهدف معلن هو حماية المراقد الشيعية، إلا أن المليشيات شاركت في المعارك التي دارت ضد تنظيم الدولة، وتعمل ضمن قوات الحشد الشعبي.

ويرى مراقبون أن تجميد الصدر لـ"جيش المهدي" وحديثه عن طرد القتلة، لم يكن سوى مناورة تجنب فيها ضربة أمريكية تنهي وجوده، وذلك لأن بعض قادة مليشياته، وأبرزهم إسماعيل اللامي "أبو درع"، المتهم بارتكاب جرائم قتل طائفية، لا يزال حرا طليقا ويؤكد انتماءه للتيار الصدري.