السودان والجزائر.. حراك يبشر بموجة ثانية من الربيع العربي

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عادت ثورات الربيع العربي إلى الواجهة مجددا في احتجاجات يقوها الشباب السوداني والجزائري، وذلك بعد سنوات من الإطاحة بأنظمة الحكم في تونس مصر وليبيا واليمن؛ على إثر تظاهرات اندلعت بعدما أحرق الشاب التونسي محمد البوعزيزي نفسه، في صبيحة 17 ديسمبر/ كانون الثاني 2010.

لكن الأمر لم يدم طويلا في مصر وليبيا واليمن، حيث اصطدم بثورة مضادة ممولة من حلف إقليمي ثري؛ استطاعت أن تجهض ثورات هذه البلدان، إما بانقلابات عسكرية أو بالاستثمار في العنف والفوضى.

البعبع السوري 

تحولت الأزمة السورية التي تلت ثورة الشعب ضد نظام بشار الأسد، من حرب مدمرة خلفت مئات الآلاف من الضحايا وملايين اللاجئين, إلى مادّة أساسية في ابتزاز الشعوب ومقايضتها بين الأمن والحرية, فقد حذر النظام الجزائري من السيناريو السوري، وهو ما جاء على لسان رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى أمام البرلمان قائلا: "أريد أن أذكّر أن الأحداث في سوريا ابتدأت بالورود".

ربما تخويف الجزائريين ومن قبلهم الشعب السوداني المنتفض ضد نظام عمر البشير منذ ديسمبر/ كانون الثاني 2018، بالوقوع في وضع مشابه للسوريين لم ينجح, فقد أثبت الحراك الشعبي الذي يشهد توسعا في الجزائر من حيث الانتشار الجغرافي أو حجم المشاركة الشعبية عدم خشيته من هذا السيناريو، والذي قد عاش وضعا قريبا منه في ما عرف بـ"العشرية السوداء".

وسجّلت الثورة الجزائرية المندلعة منذ 22 فبراير/شباط الماضي، استفادة من مجريات ونتائج الربيع العربي؛ إذ أكد الجزائريون تمسكهم بالسلمية طريقا وحيدا لتحقيق مطالبهم, ورفعوا من سقف مطالبهم في التغيير وعدم القبول بإزاحة رأس النظام فقط، إذ يقول الصحفي الجزائري جمال لعلامي: "عندما يخرج جزائريون وعلى أكتافهم أو بأيديهم أبناؤهم الأطفال، في مسيرات سياسية حاشدة، فهذا يعني فيما يعنيه، أن هؤلاء كسروا عقدة الخوف، ولم يعودوا يخشون احتمالات أو سيناريوهات الترهيب والترويع، التي جاءت على ألسنة بعض المسؤولين".

المؤامرة الخارجية

وعلى نفس الموجة التي واجهت ثورات الشعوب العربية، ووجهت لها جملة من الاتهامات في محاولة لتخوينها وإطلاق صفة المؤامرة عليها، دعا الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في رسالة منسوبة إليه إلى الحذر والحيطة من "اختراق هذا التعبير السلمي من طرف أية فئة غادرة داخلية أو أجنبية التي، لا سمح الله، قد تؤدي إلى إثارة الفتنة وإشاعة الفوضى وما ينجر عنها من أزمات وويلات"، وهو نفس ما تم ترديده من رؤساء الأنظمة العربية قبل الإطاحة بهم من شعوبهم، أو الاستعانة بقوات خارجية لتثبيته في حكمه وقمع شعبه.

نجح النظام الجزائري عام 2011 من تجاوز رياح الربيع العربي التي هبت على المنطقة، واستلهمت الشعوب من بعضها فلسفة الثورة والتضحية لتحقيق أهدافها في حياة كريمة، إلا أن إصرار النظام على ترشيح بوتفليقة، الرجل الثمانيني المقعد وغير القادر على النطق منذ العام 2014 لولاية خامسة، فجّر غضبا شعبيا واسعا استلهم هو كذلك من الربيع العربي؛ حيث رفعت الجماهير الشعار المركزي للثورة "الشعب يريد إسقاط النظام".

سبقت ثورة الجزائريين، ثورة متواصلة في السودان منذ أكثر من 3 أشهر سقط فيها عدد من الضحايا بين قتيل وجريح، ورفعت المظاهرات التي شارك فيها مختلف قطاعات الشعب السوداني شعارات طالبت بإزاحة نظام عمر البشير المستمسك بالسلطة منذ 30 عاما، رغم وجود موقف عربي مؤيد للنظام الذي أجبر على تقديم تنازلات كبيرة؛ حيث أقال الحكومة وحل المجالس المحلية وتعهد بعدم الترشح لولاية جديدة، وقدّم استقالته من رئاسة حزب المؤتمر الحاكم، إلا أن الحراك الشعبي جدّد تمسكه بإسقاط النظام رافعا شعار " تسقط بس" .

دروس الماضي

يشترك السودانيون والجزائريون في طرح، أن ربيع الثورات قد سبقوا إليه كل الشعوب العربية؛ فالسودان شهدت انتفاضة شعبية عارمة في أبريل/نيسان 1985 أدّت إلى إسقاط نظام الجنرال جعفر النميري، وأجبرت العسكر على تسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة، كما سجل الجزائريون موعدا مع التاريخ في انتفاضتهم في أكتوبر/تشرين الأول 1988، حيث نجحوا في إحداث انفتاح سياسي وتثبيت تعددية حزبية تم الانقلاب عليها في العام 1992، وتعطيل مسارها وإدخال البلاد في سنوات النار والدم التي أدت إلى وقوع آلاف الضحايا وتثبيت حكم الجنرالات والمخابرات.

وربما هذا ما يبرر عدم انخراط الجزائريين سريعا في الربيع العربي، حيث قال الباحث الجامع والناشط السياسي التونسي الأمين البوعزيزي في تصريح لـ"الاستقلال": إن "انتفاض شعب الجزائر جاء متأخرا عن الموجة الثورية العربية الأولى في نهاية عام 2010، إذ بدى انخراطه مترددا بعض الشيء وجلًا من خيبات العشرية الدموية التي أعقبت انفتاح الرئيس الشاذلي بن جديد على الديموقراطية كحق مشاع للشعوب، لكنها وقعت في قبضة أصوليتي العسكر والإسلامويين".

وأضاف: "لكن الحصاد المر للموجة الثورية الأولى لم تفت من عزم الشعوب العربية في التصميم على الانعتاق من ربقة التسلطات الحاكمة التي لم تنصت إلى نبض الشعوب، إذ أصر جنرالات الجزائر على التخفي وراء الرئيس المقعد لمواصلة إدارة البلد بغير روح العصر وإرادة الشعب الذي صمم على تملك الشوارع والميادين؛ مصمما على رفض العهدة الخامسة لرئيس لا يغادر المستشفى".

ورأى البوعزيزي أن الشعب الجزائري خرج "مسلحا بخبرة دروس العشرية الدموية في تسعينات القرن الماضي، وبخيبات الموجة الأولى من ثورات الشعب يريد الرومانسية، وبيقين الحسم في المكون السلفي التخريبي الذي اختطف الموجة الثورية العربية الأولى".

وأضاف متسائلا: "هل تقبر الجزائر والسودان ثنائية المصادرة السلطوية والاختطاف السلفي لزمن المواطنين في صحراء التوحش العربي؟"

أهمية الجزائر

لا يختلف إثنان في الأهمية الإستراتيجية للجزائر، فالبلد المغاربي يتميز بموقعه الجغرافي وطبيعته الديمغرافية، وبإرثه التاريخي في مقارعة المستعمر وريادته في خوض أهم ثورات التحرر الوطني في القرن العشرين.

هذا الوضع يمنح الجزائر قيمة لا تختلف عن قيمة مصر في المشرق؛ باعتبارها مفتاحا إقليميا لملفات كثيرة وتأثيرا على محيطها القريب والبعيد، وعليه فإن ما سيحدث في الجزائر سلبا أو إيجابا لن يقتصر على نطاقه الإقليمي، بل قد يتجاوزه إلى كامل المنطقة العربية، وقد يخرج مارد الثورات العربية مجددا من قمقمه، بحسب مراقبين.

موجة ربيع عربي ثانية

لا يخفى على المتابعين للحالة العربية خلال الأشهر الأخيرة الحفاوة التي استقبلت بها الشعوب الحراك في السودان، ومن ثم في الجزائر، وسط توجس تعيشه عددا من الأنظمة وأدواتها الإعلامية تجاه هذه الأحداث، كما استرجعت الشعوب خاصة في الدول التي شهدت ثورات وانتكاسات حيث ارتفعت نسبة المعارضة للنظام العسكري الحاكم في مصر كشفه الاستجابة الواسعة لحملة "اطمن انت مش لوحدك ".

وصرّح الباحث المصري في العلاقات الدولية غاندي عنتر لـ "الاستقلال" خروج الجزائريين للشوارع رفضا للعهدة الخامسة لبوتفليقة، منع الالتفاف على مطالب السودانيين بعد قرارات البشير الأخيرة". وأضاف: "في صورة نجاح الثورة في الجزائر بتحقيق ولو جزء من مطالبها بعدم ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، سينعكس على الوضع في مصر باعتباره نموذجا قابلا للتحقيق".

وأكد الباحث المصري أن "ما يجري الآن في الجزائر والسودان، هو حتما موجة ثانية للربيع العربي سرعان ما ستنتقل لعدد من الدول العربية".