بدعم وكلاء إيران.. هل تنهي "مليونية الصدر" الاحتجاجات بالعراق؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

يترقب الشارع العراقي مظاهرة "مليونية" دعا إليها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في 24 يناير/كانون الثاني الجاري، وسط العاصمة بغداد، لكنها ليست لمساندة مطالب المحتجين هذه المرة، وإنما لأهداف أخرى أيّدتها قوى موالية لإيران، ودعت للخروج فيها.

"المليونية" دعا إليها الزعيم الشيعي من مقر إقامته بمدينة قم الإيرانية، للمطالبة بإخراج القوات الأمريكية من العراق، على خلفية مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، مطلع الشهر الجاري.

إنهاء الاحتجاجات

دعوة الصدر للمظاهرة جاءت بعد يوم من حضوره اجتماعا مع عدد من الفصائل المسلحة المنضوية في الحشد الشعبي في مدينة قم الإيرانية ومنهم زعيم مليشيا "كتائب سيد الشهداء"، أبو آلاء الولائي، وزعيم مليشيا "النجباء" أكرم الكعبي، ومسؤول أمن الحشد الشعبي أبو زينب اللامي.

وعقب ذلك، أعلن كل من هادي العامري أمين منظمة بدر الذي يقود الحشد الشعبي حاليا، وقيس الخزعلي الأمين العام لمليشيا "عصائب أهل الحق" وغيرهم تأييدهم لـ"مليونية الصدر"، الأمر الذي تسبب في انتقادات شعبية واسعة.

كما أعلن المكتب السياسي لمليشيا "كتائب حزب الله" في بيان له، أن الشعب العراقي على موعد مع ملحمة جماهيرية، مدعيا أنها ستكون بمشاركة عشائر الأنبار والموصل (ذات الغالبية السنية) لمواجهة الاحتلال الأمريكي للعراق.

في السياق، هدد مسؤول الإعلام والعلاقات في "الحشد الشعبي" لمحور الشمال، علي الحسيني، في مقطع فيديو انتشر على مواقع التواصل، بإزالة ساحات الاحتجاجات الشعبية من الوجود عبر اقتحامها في تلك المظاهرات المليونية التي دعا إليها الصدر.

وكال الحسيني، سيلا من الشتائم والكلمات النابية للمتظاهرين العراقيين الذين ملؤوا الساحات في بغداد ومحافظات الجنوب احتجاجا على الفساد ومحاصصة الأحزاب، مطالبين بحكومة مستقلة وانتخابات نيابية مبكرة، ووصفهم بـ"الخونة والمتآمرين"، متوعدا بطردهم من الساحات بل من العراق بأكمله.

انقلاب الصدر

اللافت أن دعوة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، لإخراج الأمريكان ليست بالجديدة، إذ زعم في أواخر ديسمبر/كانون الثاني الماضي، أن بإمكانه إخراج الولايات المتحدة من العراق سياسيا، محذرا من "تصرف آخر" إذا لم تكن هناك استجابة.

وقال الصدر في 30 ديسمبر/كانون الثاني الماضي، مخاطبا عناصر الحشد الشعبي الذين كانوا قد هاجموا السفارة الأمريكية ببغداد وحاولوا اقتحامها: "لتبتعدوا عن التصرفات غير المسؤولة من بعض الفصائل العسكرية وليكن زمام الأمر بيد القوات الأمنية حصرا. وإن لم ينسحبوا سيكون لنا تصرف آخر وبالتعاون معكم".

وفي 31 ديسمبر/ كانون الثاني الماضي، اعتبر صالح محمد العراقي، المقرب من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، أن هناك قرينة بأن التظاهرات أمام مبنى السفارة الأمريكية في بغداد، يراد بها إنهاء تظاهرات الشعب الإصلاحية.

وعبر حسابه في "فيسبوك" قال العراقي: "تلميح.. تظاهرنا ضد الاحتلال من أول يوم حينما أرادوا تدنيس (الحرم) في النجف، وتظاهرنا ضده في كل عام، وطالبنا بعدم توقيع اتفاقية معهم، وطالبنا بغلق سفارة الشيطان الأكبر، كانوا في العلن يستهزؤون، وفي الأروقة يتوسطون لهم".

وأضاف: "اليوم صار العراق ساحة تظاهرات وحرق للسفارات والبعثات الدبلوماسية، وكأن العراق هو البلد الوحيد الذي يضم السفارات والبعثات، ثم لا تنسوا أن كل الساسة جالسوا المحتل لا في السر بل في العلن بكل طوائفهم وانتماءاتهم أجمع... إلا (قائدنا الصدر)، اليوم صاروا يصبون جام غضبهم على السفارة... فأين كنتم!؟".

واستدرك بالقول: "لكن حسب تصوري والله العالم.. وخصوصا بعد ما سمعته من بعض قادة المليشيات ومن أمام سفارة الشر، أن السفارة هي المكان الحقيقي لدعم العصابات (الثوار)، وهذه قرينة على أن التظاهرات أمام السفارة يراد بها إنهاء (تظاهرات الشعب الإصلاحية)، لذا أدعو إخوتي (الثوار) للثبات والاستمرار على سلميتهم وعدم الاحتكاك بهم".

"مظاهرة إيرانية"

على صعيد المتظاهرين، فقد رفض المحتجون بشكل قاطع الانسياق وراء دعوة رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر لما وصفها بـ"مظاهرة مليونية" ضد الولايات المتحدة في 24 يناير/ كانون الثاني المقبل.

وجاء في بيان منسوب للحراك الشعبي العراقي، أن "الدعوة التي تنطلق من الأرض الإيرانية ضد واشنطن مسيسة ولا تصب في القضية العراقية"، لافتا إلى أن هدفه (الصدر) تجنيد العراقيين "للخلاص من النفوذ الإيراني وهيمنة فيلق القدس على سيادة البلاد".

وحاول الصدر في تغريدة عبر حسابه على موقع "تويتر" تحريض العراقيين على الولايات المتحدة الأمريكية، بالقول: إن "سماء العراق وأرضه وسيادته تنتهك".

ودعا زعيم التيار الصدري في تغريدته "إلى ثورة عراقية لا شرقية ولا غربية"، بينما كشف عداءه للولايات المتحدة الأمريكية قائلا: "هبّوا يا جند الله وجند الوطن إلى مظاهرة مليونية سلمية موحدة تندد بالوجود الأمريكي وبانتهاكاته"، مشيرا إلى مقتل قاسم سليماني وأبومهدي المهندس في ضربة أمريكية ببغداد.

لكن في المقابل، لم يعلق الصدر على الضربات الصاروخية الإيرانية التي استهدفت قواعد عسكرية عراقية، والتي استنكرتها الحكومة العراقية، بشكل رسمي واستدعت السفير الإيراني في بغداد وقدمت له مذكرة احتجاج على القصف الذي استهدف الأراضي العراقية.

وعلى مواقع التواصل، رأى ناشطون أن المظاهرات المليوينة التي دعا إليها  الصدر تخدم أهداف إيران في العراق، خصوصا أنها حازت تأييد فصائل مسلحة تدين بالولاء لطهران، وتحت وسمي #مقتدى_يسرق_الثورة و#مليونية_مقتدى_لا_تمثلني، عبروا عن رفضهم وتخوفهم من هذه الفاعلية.

من جهته، حاول زعيم التيار الصدري احتواء غضب ناشطي التظاهرات الذي رأوا أن المليونية التي دعا إليها هدفها القضاء على المظهر الاحتجاجي المستمر في العراق ضد الطائفية والفساد منذ الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

وغرد مقتدى الصدر، في 16 يناير/كانون الثاني الجاري، بخصوص الـ"المليونية" التي دعا إليها ضد "الاحتلال"، واصفا المتظاهرين بأنهم "نور من سراج واحد"، وقال: "تخسأ كل أصوات العنف ودعاة الخضوع، فلا أنتم خارجيون ولا نحن تبعيون بل نحن وإياكم عراقيون ماحيينا".

وتعليقا على ذلك، قال المحلل السياسي غيث التميمي في حديث مع قناة "الحرة" الأمريكية: إن "الصدر بدعوته هذه أوجد ميدانا آخر بعيدا عن مطالب المتظاهرين، ربطوه بقضية انسحاب القوات الأمريكية، علما أن الانسحاب لا يحتاج إلى تظاهر، وإنما يجلسون في البرلمان كما حصل".

ورأى التميمي أن "مظاهرات الصدر، هي مظاهرات إيرانية، تريد من خلالها إعادة معنويات منظومة الفساد والمليشيات، حتى تقول نحن لدينا شارع يقابل شارع مظاهرات أكتوبر/ تشرين الثاني".

وبخصوص تقاطع مظاهرة الصدر مع الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في أكتوبر/ تشرين الثاني، قال التميمي: إن "مظاهرة الصدر تهدف إلى القضاء على مظاهرة تشرين، خصوصا إذا فكروا بدخول ساحة التحرير (مكان الاحتجاجات الشعبية) وبقية ساحات التظاهر".

مكان المظاهرة

وعن مكان "مليونية الصدر" الذي لم يحدد بعد، قال الكاتب صادق فياض الركابي في مقال نشره بموقع "كتابات": إن "المظاهرة التي دعا لها الصدر هي مظاهرة عراقية وطنية وفي أي مكان تقام من جنوب العراق إلى شماله فستؤدي غرضها التي أقيمت من أجله".

وأضاف: "عندما يتم تحديد مكانها في بغداد العاصمة ففي أي مكان في بغداد ستكون فهي باقية بقوتها وعددها وهدفها. لو أقيمت في ساحة غير ساحة التحرير فسيقول الجهلاء والمنفذون للمخطط المشؤوم بأنهم هزموا الصدر ومنعوه من إقامة المظاهرة في ساحة التحرير وبالتالي لن يقف أمامهم أحد ولن تكون هناك حرمة لأي أحد عندهم".

ورأى الركابي، أنه "إذا أقيمت في ساحة التحرير وهو المكان الطبيعي لها، لأن أول من أعطى للتحرير رونقها هو الصدر، وهو أول من أقام التظاهرات المليونية فيها وهي فرصة لإثبات الوجه الحقيقي للشعب العراقي بعد أن شوهه الجهلة والمخدوعون".

واتساقا مع ذلك، قال القيادي في التيار الصدري، حاكم الزاملي: إن "أبناء التيار هم من أسسوا التظاهرات في العراق بعد 2003"، مشيرا إلى أن "ساحات الاحتجاج ستفرغ اذا انسحب منها التيار، وهذا دليل على أن الأغلبية صدرية"، بحسب قوله.

وأوضح خلال لقاء تلفزيوني في 17 يناير/ كانون الثاني الجاري، أن "الصدر وفي حال أصدر بيانا وقال فيه إننا لا ندعم التظاهرة، فلن يبقى في الساحات سوى 100 شخص، وهذا دليل على أن الموجودين في ساحات الاحتجاج أغلبية صدرية".

وعن مكان التظاهرة المليونية المرتقبة التي دعا لها الصدر للتنديد بالوجود الأمريكي، قال الزاملي: "لا يوجد مكان غير ساحة التحرير يمكنه استيعاب العدد المليوني للتظاهرة".