مفردات الحرب.. كيف دمرت شعارات السيسي الاقتصاد في مصر؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"أطلب من كل المصريين الشرفاء إنهم ينزلوا علشان يدوني تفويض وأمر لمواجهة العنف والإرهاب المحتمل" كانت هذه الجملة ملخص خطاب التفويض الشهير، الذي ألقاه رئيس النظام عبدالفتاح السيسي يوم 24 يوليو/تموز 2013، وبناء عليه بدأت عمليات قتل واسعة بحق المتظاهرين المناهضين لحكمه، بالإضافة إلى دخول البلاد في أتون صراع لم تتخلص منه على مدى السنوات المتعاقبة. 

وفي 17 ديسمبر/ كانون الأول 2019، خلال لقاء مفتوح فيما عرف بـ"منتدى الشباب"، قال السيسي: "أنا إنسان مسالم جدا. مش معنى مسالم إن أنا مش مقاتل، ولكن أنا مقاتل عندما يفرض عليا القتال بأشرس مما تتصورون"، في وقت تشهد العلاقات المصرية التركية، أسوأ مراحلها، مع تطور النزاع في ليبيا، وتصعيد الإعلام الرسمي المصري، ملوحا بالحرب.

ووجهت أجهزة أمن السيسي، الآلة الإعلامية للحديث عن ضرورة مواجهة التدخل العسكري التركي الداعم لحكومة الوفاق الليبية ضد اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وهو الأمر الذي أدى في 6 يناير/ كانون الثاني الجاري، إلى أن خسرت البورصة المصرية نحو 25 مليار جنيه (ما يعادل نحو 1.5 مليار دولار).

ذلك النموذج من الدعاية، مثل النمط السائد لنظام عبد الفتاح السيسي، منذ بداية حكمه، وهو الذي كلف الاقتصاد المصري، والاستثمار في البلاد، ثمنا باهظا، وخسائر فادحة.

دعاية سوداء 

في أغسطس/آب 2013، بعد أيام قليلة من الفض الدموي للاعتصامات في ميداني رابعة العدوية، والنهضة، من قبل النظام المصري بقيادة وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي، بدأت المحطات الفضائية، والرسمية للتلفزيون المصري، بعرض شعار جديد بألوان علم مصر في إحدى زوايا شاشاتها يقول، باللغة الانجليزية، "Egypt Fighting Terrorism"، وتعني "مصر تحارب الارهاب".

وبدأت القنوات الخاصة، التي اتخذت موقفا مؤيدا للجيش، بإرسال رسالة إلى الغرب بترجمة مباشرة بالانجليزية لبرامجها الإخبارية والحوارية، وذلك بناء على قرار من الحكومة المؤقتة وقادة القوات المسلحة، بإطلاق حملة علاقات عامة تستهدف الولايات المتحدة، والدول الغربية بشكل رئيسي.

جايب من دعايا الحرب على شاشة التلفزيون المصري الرسمي

وكان العالم وقتها لا يزال يشعر بصدمة إزاء العنف الذي استخدمته السلطات المصرية في التصدي للمظاهرات التي قتل وجرح فيها المئات. 

وفي 17 أغسطس/آب 2013، أدلى السيسي بأول تصريح له بعد فض الاعتصام، وقال: "لن نسكت أمام تدمير البلاد والعباد وحرق الوطن وترويع الآمنين ونقل صورة خاطئة للإعلام الغربي". 

وأدت عملية التعبئة الإعلامية، وتصوير مصر كبيئة للحرب والقتال وانعدام الاستقرار، إلى هروب الاستثمار الأجنبي، وضرب قطاع السياحة، وتأثر الاقتصاد بشكل بالغ، وهو ما جرى رصده بالأرقام في الحالة الاقتصادية للبلاد، التي تدهورت على نحو بالغ. 

يقول الصحفي المصري محمد يوسف: إن "فن الدعاية للأنظمة اختلف حاليا عن العصور السابقة، فأصبحت أحاديث العنتريات وكلمات مثل حرب، وقتال، وعنف، تبنى عليها أنظمة، وتهدم أخرى".

وأضاف يوسف لـ"الاستقلال": "في الخمسينيات والستينيات، كان الزعماء يلهبون مشاعر الشعوب بالجمل الرنانة، كما كان يفعل جمال عبد الناصر، ويستحضر مفردات الهوية، والقومية، والمشاعر الوطنية، ولم يكن ناصر متفردا في ذلك، بل رؤساء، وزعماء تلك الفترة كان لهم نفس التوجه". 

وأردف: "تلك الحالة لا تصلح حاليا، فمجرد ذكر حرب، كفيل بتدمير اقتصاد البلاد لسنوات قادمة، وهو ما حدث بالفعل، فبالإضافة إلى هروب الاستثمار الأجنبي، وإحجام المستثمرين عن دخول السوق المصري، لأن رأس المال بطبيعته حذر وحريص، فإن السياحة أيضا التي تعتبر أحد الأعمدة الرئيسة للدخل القومي المصري، تتدهور، ويدفع المواطن الثمن". 

واختتم يوسف حديثه: "لا بد أن يتخلى الإعلام المصري عن الثوب الذي يرتديه من التحريض واستعداء الآخرين وإطلاق ألفاظ غير محسوبة، والتركيز على عوامل البناء والاستقرار والسلام، الذي من شأنه أن يفتح الباب مرة أخرى أمام الاستثمارات والنهوض من الكبوة القائمة". 

خراب مصر 

نشرت مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية، المتخصصة في المجال الاقتصادي، في 6 أغسطس/ آب 2016، تقريرا بعنوان "خراب مصر"، قالت فيه: إن " السيسي أثبت أنه أشد قمعا من حسني مبارك الذي أُطيح به في الربيع العربي".

ووصفت المجلة نظام السيسي بالمفلس، وأكدت أنه "يعيش فقط على المنح النقدية السخية من دول الخليج، وبدرجة أقل على المعونات العسكرية من الولايات المتحدة". 

ورأت المجلة البريطانية أن السيسي يجعل الأمور أكثر سوءا، مضيفة: "بدلا من كبح جماح الروتين الحكومي (البيروقراطية) ليطلق العنان لمواهب شعبه، فإن السيسي يغدق أموال دافعي الضرائب على مشاريع، مثل توسعة قناة السويس التي تدنت إيراداتها". 

وتابعت: "حتى أن ممولي السيسي العرب يبدو أن صبرهم قد نفد، فالمستشارون القادمون من الإمارات عادوا أدراجهم بعد أن ضاقوا ذرعا من بيروقراطية متحجرة وقيادة غبية تظن أن مصر ليست بحاجة إلى نصائح من دول خليجية مستجدة النعمة تملك أموالا (مثل الرز)"، على حد تعبير المجلة التي استعانت بوصف أطلقه السيسي في تسجيل مسرَّب من قبل.

وشددت المجلة أن "الضغوط السكانية والاقتصادية والاجتماعية التي ترزح مصر تحت وطأتها تتفاقم بلا هوادة حتى أن السيسي لن يستطيع إرساء استقرار دائم لها".

وفي 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، أصدر البنك الدولي، تقريرا عن مناخ الأعمال، وضع فيه مصر بالمركز 160 من 190 دولة، شملها التقرير، وتحدث عن عمليات إنفاذ العقود، ومنح القاهرة 5.5 درجة، من إجمالي 18 درجة، فيما يتعلق بجودة إجراءات التقاضي بالقضايا الاقتصادية.

وأرجع اقتصاديون تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر بمصر، إلى سيطرة مؤسسة الجيش على الحياة الاقتصادية بشكل كامل، بالإضافة لعدم الاستقرار السياسي الذي تشهده مصر، والتقلبات الجيوسياسية التي تعيشها المنطقة بشكل عام. 

مفردات الحرب

لا تكاد تخلو مناسبة دولية وأممية، إلا ويطلق السيسي أمام المصريين والعالم، مفردات الحرب، والقتال، والنزاع، التي يخوضها.

ومن أبرز المناسبات التي تحدث فيها رئيس النظام المصري عن المعركة، ما كان في 15 مايو/ آيار 2014، في مقابلته مع وكالة "رويترز" البريطانية، عندما دعا المشير (آنذاك)، والذي كان مرشحا محتملا لرئاسة الجمهورية، الولايات المتحدة إلى تقديم الدعم لمساعدة بلاده في مكافحة الارهاب وتجنب خلق أفغانستان جديدة في الشرق الأوسط.

وطالب السيسي وقتها، واشنطن باستئناف مساعداتها العسكرية لمصر والتي جمدتها جزئيا بعد الحملة التي شنتها السلطات على المعارضة بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013. 

وقال السيسي: "الجيش المصري يقوم بعمليات كبيرة في سيناء حتي لا تتحول سيناء إلى قاعدة للإرهاب تهدد جيرانها وتتحول مصر إلى منطقة غير مستقرة"، مضيفا "احنا محتاجين الدعم الأمريكي في مكافحة الإرهاب، محتاجين المعدات الأمريكية لاستخدامها في مكافحة الإرهاب".

وفي 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2014، قال السيسي خلال كلمة له للأمة، بعد وصوله إلى منصب الرئاسة: إن "مصر تخوض حرب وجود ضد الإرهاب". 

وفي 18 سبتمبر/ آب 2017، التقى السيسي بمقر إقامته في مدينة نيويورك مع مجموعة من الشخصيات المؤثرة بالمجتمع الأمريكي، والتي تضم عددا من الوزراء والمسؤولين والعسكريين السابقين، بالإضافة إلى قيادات مراكز الأبحاث والمنظمات اليهودية ودوائر الفكر بالولايات المتحدة الأمريكية. 

وأشار وقتها إلى أن "مصر تخوض حربا ضد الإرهاب والتطرف على مدار السنوات الماضية، وأن تلك الحرب لا يمكن مقارنتها بالحرب النظامية". 

وفي 2 يونيو/حزيران 2018، أدى السيسي اليمين الدستورية لولاية ثانية أمام مجلس النواب بعد فوزه في انتخابات رئاسية، شهدت الكثير من الجدل، بعد إتمامها في أجواء قمعية، والتنكيل بباقي المرشحين والمعارضة، على رأسهم الفريقين سامي عنان وأحمد شفيق.

وقال السيسي أنذاك: "نخوض معركتي البقاء والبناء متمسكين بعقدنا الاجتماعي الذي وقعناه سويا، وأن أكون على رأس فريق إنقاذ الوطن ممن أرادوا له السقوط في براثن الانهيار والدمار". 

وجاءت الأحداث المتعاقبة، يعضدها تساؤل، هل بالفعل أنقذ السيسي الوطن من الانهيار والدمار؟ 

موت وفقر

كشف البنك الدولي في 22 مايو/ آيار 2019، تضاعف نسب الفقر في مصر خلال 5 سنوات من 30 إلى 60 %، وأكد أن إجراءات الإصلاحات الاقتصادية التي أعلنتها الحكومة، أثرت بشكل مباشر على الطبقة الوسطى التي تواجه ارتفاعا بتكاليف المعيشة، في ظل دخل محدود.

وجاء الإحصاء الأخير في وقت حدد فيه البنك الدولي، الفقر المدقع على مستوى العالم بنحو 1.9 دولار للفرد يوميا، ما يعادل 1026 جنيها مصريا، وجرى تحديث خط الفقر بمصر في بحوث الإنفاق والدخل عن عام 2017، ليتراوح بين 700 و800 جنيه شهريا، بدلا من 482 جنيها شهريا ببحوث 2015.

ورغم أن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، يجري بحوث الإنفاق والدخل مرة كل عامين، فإن آخر رقم معلن كان في يوليو/تموز 2016 ووصلت نسبة الفقر إلى 27.8% من السكان.

حسب التقديرات المنشورة عن موازنة عام 2018-2019 فإن فوائد الديون تصل إلى 540 مليار جنيه، وهو ما يمثل 55% من الإيرادات العامة، ونحو 38% من النفقات، بينما الاستثمارات العامة ستكون بحدود 100 مليار جنيه فقط، وهو ما يعادل 7% فقط من إجمالي الإنفاق العام البالغ 1.4 تريليون جنيه.

وحول معدلات الانتحار، أكدت منظمة الصحة العالمية وقوع مصر بالمرتبة 96 عالميا، وسجلت محاضر وتحقيقات الشرطة والنيابة العامة 30 حالة انتحار في يوليو/تموز 2018، في 15 محافظة، وسجلت محافظة القاهرة 5 حالات منها 3 بالقفز أسفل عجلات مترو الأنفاق.