قلق تركي.. لماذا ترغب روسيا بضم "قسد" لنظام الأسد؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم تتردد ما تعرف بـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في استعدادها لمناقشة الانضمام إلى قوات نظام بشار الأسد، بعد خسارة أجزاء واسعة من الأراضي التي كانت تسيطر عليها قبل عملية "نبع السلام" التركية ضد معاقل التنظيم الكردي المسلح في شمال سوريا.

تلك الاستعدادات أفصح عنها مدير المركز الإعلامي لـ"قسد" مصطفى البالي، الذي أكد أن "قوات سوريا الديمقراطية" مستعدة لمناقشة الانضمام لقوات النظام، بعد التسوية السياسية. إضافة ترتيب معيّن طلبه قائد "قسد" داخل المنظومة العسكرية لجيش النظام.

بالي قال لوكالة "نوفوستي" الروسية، إننا "نؤمن بوجود حاجة إلى حل سياسي يمكن من خلاله للشعب السوري وجميع عناصره التصالح مع بعضهم البعض. بعد ذلك، ستكون قوات سوريا الديمقراطية مستعدة لجميع القرارات المتاحة، بغض النظر عن التسميات التي سيتم تقديمها للجيش السوري أو للواء الخامس".

ما الشروط؟

اشترطت "قسد" مقابل استعدادها للتفاوض مع النظام السوري، أن تستخدم روسيا كل نفوذها لحل الأزمة في سوريا، مشيرة إلى الحاجة للحل السياسي والمصالحة في البلاد.

كما أنها حمّلت روسيا المسؤولية الأكبر في سوريا، ولاسيما الأخلاقية، كونها "دولة عظمى وتمتلك ثقلا سياسيا وعسكريا في المنطقة"، حسبما ورد على لسان مصطفى بالي.

لكن قائد "قسد" مظلوم عبدي، طالب، قبل أيام، بـ"خصوصية" لقواته داخل المنظومة العسكرية لنظام الأسد، مؤكدا أنهم لم يكونوا جزءا من الاتفاق الروسي – التركي الأخير بصدد شمال سوريا، مشيرا إلى وجود بعض النقاط التي يتحفظون عليها.

وشدد على أن "قسد" تنادي بـ"سوريا موحدة" وأنها مع "الحل السياسي بشرط أن يكون لها خصوصية ضمن المنظومة العسكرية للدولة السورية".

وسائل إعلام روسية، أكدت أن وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو أبلغ قائد "قسد" مظلوم عبدي بأن روسيا "ستزيد عدد أفراد الشرطة العسكرية الروسية قرب الحدود السورية التركية".

وناقش الطرفان "تطبيق الأكراد للاتفاق الروسي التركي بشأن سوريا الذي أُعلن بينهما في وقت سابق"، وقال مظلوم لشويغو إن قواته تساعد الشرطة العسكرية الروسية وقوات النظام السوري في شمال سوريا.

ورأى الكاتب والمحلل السياسي الكردي جواد غوك، أن الأكراد برفعهم للرايات السورية بدلا من الأمريكية سيكونون من أكبر المستفيدين، "فقد ألقوا بورقة النظام السوري في وجه تركيا محاولين إفقاد أنقرة المبرر لقيام بأي عملية عسكرية، بعد أن خضعوا (الأكراد) لحماية النظام السوري ومن خلفه روسيا، ما قد يقلل كثيرا من خسائرهم على الأرض".

وقال جواد غوك: إن "الجانب الكردي في المدى المتوسط والبعيد خاسر، لكن أسوأ صلح هو أفضل من أي حرب في المدى القريب"، فيما يرى الباحث في مركز كارنيجي مهند الحاج، أن "هذا ليس تحالفا، بل هو أهون الشرين، فبالنسبة للكردي فإن الشر الأسدي أقل ضررا من تركيا".

مظلوم عبدي طالب بخصوصية لقواته داخل المنظومة العسكرية لنظام الأسد

لكن خبراء آخرين في الشأن السوري، أكدوا أن ما يهم "قسد" مصلحتها بالدرجة الأولى، ودمجها بجيش النظام سيفقدها كل المكاسب التي تعتقد أنها أنجزتها خلال مسيرة حربها على تنظيم الدولة.

وأشاروا إلى أن "قسد" لم تنفض يدها تماما من الوجود الأمريكي في الشمال السوري، ولا زال الاتفاق التركي – الروسي الأخير الذي عقد بين أردوغان وبوتين في 22 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري،  غير واضح تماما، حيث لم يتطرق إلى مصير "قسد" والمناطق التي لا تزال خاضعة لسيطرتها، مشيرين إلى أن دمج "قسد" بجيش النظام، قدد يكون "أمرا مستحيلا".

ومن أهم بنود الاتفاق بين روسيا وتركيا التي نشرتها وسائل إعلام تركية، تأكيد الجانبين التزامهما بالحفاظ على الوحدة الإقليمية والسياسية لسوريا وعلى حماية الأمن الوطني لتركيا. والتصميم على محاربة "الإرهاب" بجميع أشكاله ومظاهره وتعطيل المشاريع الانفصالية في الأراضي السورية.

وبحسب الاتفاق، فإنه اعتبارا من  الساعة الـ12:00 ظهرا يوم 23 من الشهر الجاري، فإن الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود السوري سيدخلان إلى الجانب السوري من الحدود السورية التركية، خارج منطقة عملية "نبع السلام"، بغية تسهيل إخراج عناصر "الوحدات الكردية" وأسلحتهم حتى عمق 30 كم من الحدود السورية التركية، وينبغي الانتهاء من ذلك خلال 150 ساعة.

في تلك اللحظة، سيبدأ تسيير دوريات تركية وروسية مشتركة غرب وشرق منطقة عملية "نبع السلام" بعمق 10 كم، باستثناء مدينة القامشلي. وسيتم إخراج جميع عناصر "ي ب ك" وأسلحتهم من منبج وتل رفعت.

موقف الأسد

أما بخصوص النظام السوري، فإن دمشق لم تكن لتدخل في توافق من هذا النوع مع التنظيمات الكردية ما لم يكن هناك مكاسب حقيقية لها على الأرض، إذ رشحت أنباء عن اجتماع بين وفد عسكري تابع للنظام مع قيادات من "قسد" في مطار القامشلي، بهدف التوصل إلى صيغة لدمج "قسد" بجيش النظام.

ووفق تقارير إخبارية، فإن النظام اشترط على "قسد" الالتزام بالقوانين السارية في الجيش وأن يعملوا تحت إمرة ضباط من جيش النظام، ومندوبيه من الأفرع الأمنية.

في "قرار مسرّب" لنائب وزير الدفاع التابع للنظام السوري، فإنه بعدما سلمت "قسد" مدنا في مناطق سيطرتها القديمة شمال وشمال شرق سوريا للنظام إبان العملية العسكرية التركية الأخيرة، قررت "القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية، ووزارة الدفاع" دمج عناصر "قوات سوريا الديمقراطية"، إضافة لعناصر المليشيات الكردية المسلحة الأخرى ضمن صفوفها.

ويبيّن "التسريب" الذي نشره مرصد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الإعلامي "مينا"، أن نائب وزير دفاع النظام السوري محمود عبدالوهاب الشوا، قد أصدر قرارا "يسمح للمجموعات واللجان الشعبية الكردية في محافظتي الحسكة والرقة وريفها وريف حلب مع الالتزام بأنظمة وقوانين الدخول في صفوف القوات المسلحة اعتبارا من 18 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري".

نائب وزير دفاع النظام السوري محمود عبدالوهاب الشوا

وذكرت أن القرار "يحظر على مقاتلي المجموعات أو اللجان الشعبية الكردية ارتداء أي رتبة أو إشارة عسكرية من رتب ضباط أو صف ضباط، باستثناء رتب الجمهورية العربية السورية"، وكذلك أشار القرار إلى الزي الذي يجب على المسلحين الأكراد ارتداءه.

كما حدد نص القرار بوضوح الراية التي تحمل، ومنع منعا باتا رفع أي راية تمت بصلة للرموز القومية الأخرى في سوريا، تحسبا لأي طارئ قد يحصل بعد اندماج المليشيات الكردية داخل جيش النظام السوري: "علم النظام، ويحظر رفع أي علم أو أي راية لأي جهة سياسية أو عسكرية لا تنتمي إلى سوريا أو القوات المسلحة".

واستثنى القرار الصادر عن نائب وزير الدفاع السوري، العلم الروسي من الرايات المحظور رفعها: " يستثنى من ذلك علم الاتحاد الروسي، في حال وجود قوة عسكرية أو أمنية روسية في ذات المنطقة"، كما منع "رفع علم سوريا إلى جانب صور قادة أو قتلى أو رموز سياسية أو دينية أو عرقية غير منتمية للجمهورية العربية السورية".

وحدد القرار العسكري درجة العناصر الكردية داخل جيش النظام السوري على أنهم مرؤوسين وليسوا رؤساء، وقال إنه "يجري العمل بإشراف قادة الوحدات العسكرية ومندوبي اللجنة الأمنية الأقرب الى مناطق انتشار تلك العناصر المعنية".

لكن لا تزال "قسد" حتى الآن تحرص على منحها خصوصية (لم تكشف عنها) في حال الاندماج مع جيش النظام السوري كما ورد في تصريحات قائد التنظيم الكردي، مظلوم عبدي.

روسيا تعمدت طرح موضوع الدمج لتسهيل دخول الأسد لشرق الفرات

روسيا وتركيا

وبحسب مراقبين، فإن روسيا تعمدت إثارة الحديث عن احتمال دمج "قسد" بجيش النظام، كتحفيز لـ"قسد"، حتى تسهل دخول قوات النظام إلى شرق الفرات، دون عوائق، وذلك بعيد بدء تركيا عملية "نبع السلام" في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

وما قد يشير إلى ذلك، التصريحات الأخيرة لـ"الوحدات الكردية" التي تشكل نواة "قسد"، ورفضت فيها ما وصفته "ادعاءات رموز النظام السوري" بـ"تحرير" شمال وشرق سوريا، كما انتقدت روسيا لوسمها إدارة "الوحدات الكردية" بأن لديها "نزعات انفصالية" في المناطق الكردية بسوريا.

وكان عدد من رموز النظام السوري قد قالوا مؤخرا عبر وسائل الإعلام، إن "الجيش العربي السوري حرر مناطق من قوات سوريا الديمقراطية (تشكل الوحدات الكردية نواتها) في شمال شرق البلاد".

وشدد بيان "الوحدات الكردية" على أنها تنظر بسلبية لهذه الطروحات والاتهامات التي من شأنها إعاقة أي حل سلمي للأزمة السورية من جهة، كما أنها تفتح الأبواب على مصراعيها أمام تركيا في السيطرة على المزيد من الأراضي السورية".

وفي ظل التقارب بين "قسد" وقوات النظام السوري وخصوصا فيما يتعلق بالمدن التي تقع تحت المنطقة الآمنة، يبقى التساؤل الأهم: أين موقع تركيا التي تقود عملية عسكرية شمال سوريا لإنشاء المنطقة التي يبلغ عمقها 30 كم؟ 

الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أعلن خلال مقابلة تلفزيونية مع هيئة الإذاعة والتلفزيون التركية "تي أر تي" في إسطنبول، أن "جيش بلاده سيكون له دور مراقب في مدينتي منبج وعين العرب شمال سوريا".

وقال أردوغان إن "الأمريكيين يقولون لنا لا تدخلوا مدينة عين العرب (السورية)، والروس يقولون ادخلوها ونحن سنتخذ قرارنا وفق المستجدات". وأكد أن "الجيش التركي سيكون له دور المراقبة في منبج وعين العرب شمال سوريا"، مشيرا إلى أنهم أنشأوا ممر السلام بعمق 10 كلم في المنطقة الممتدة من تل أبيض إلى جرابلس (شمال سوريا).

ويأتي حديث أردوغان عن منبج وعين العرب، بعد أنباء عن توصل "قوات سوريا الديمقراطية" لاتفاق مع النظام السوري يتيح للأخير تعزيز قواته في هاتين المدينتين، والتي ترفض تركيا أن تكون بعيدة عنهما.

ففي تصريحات لوزير خارجية تركيا مولود تشاووش أوغلو، في 21 من الشهر الجاري، أعلن  أن بلاده ستبحث مع وروسيا إخراج "الوحدات الكردية" المكون الأكبر لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) من مدينتي منبج وعين العرب في شمال سوريا، خلال المباحثات بين الرئيسين التركي رجب طيب إردوغان والروسي فلاديمير بوتين.

وأكد تشاووش أوغلو أيضا، أن تركيا لا تريد بقاء أي من عناصر "قسد" في المنطقة الآمنة المتفق عليها مع الولايات المتحدة في شرق الفرات.

الرئيس التركي تحدث عن دور لبلاده في منبج وعين العرب

وكان قائد "قوات سوريا الديمقراطية" مظلوم عبدي، قد قال الخميس الماضي، إنه قواته تعمل مع الروس في "كوباني ومنبج بشكل مشترك.. اليوم أيضا في قامشلي كانت هناك دورية روسية.. نحتاج إلى نقاشات واسعة مع الجانب الروسي".

لكن خبراء في الشأن السوري، رأوا أن  "إستراتيجية الأسد تتمثل بالدخول إلى الشرق قبل الشمال من أجل مفاوضة تركيا على عمليات السيطرة على الحدود الشمالية وإعادة تفعيل اتفاقية أضنة وهذا ما سيحققه الاتفاق مع الأكراد".

وتقضي اتفاقية أضنة الموقعة بين سوريا وتركيا عام 1998 بأن تتوقف دمشق عن دعم حزب العمال الكردستاني (بي كاكا)، وعدم السماح لعناصر الحزب في الخارج بدخول سوريا، وحظر أنشطة الحزب والمنظمات التابعة له على أراضيها. كما تسمح لتركيا بتعقب عناصر التنظيم داخل الأراضي السورية بعمق 5 كيلومترات.

وبحسب مراقبين، فإن وجود جيش النظام السوري بشكل رسمي على الحدود (باتفاق مع الروس) كطرف عازل بين الأكراد والأتراك، ربما يشكل أحد الضمانات التي يمكن للنظام السوري تقديمها لتركيا.