قهوة وغترة وحجاب.. مونديال قطر يعيد رسم صورة العرب لدى جماهير الغرب

الدوحة - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

شكل مونديال كأس العالم 2022 في قطر، فرصة استثنائية لقياس مدى انفتاح وتقبل الشعوب الأجنبية للعادات والتقاليد العربية، بعيدا عن أي "أيديولوجيا سلبية" مرسومة مسبقا عن العرب لدى المجتمعات الغربية.

وإلى جانب الشغف الكروي الذي دفع الجماهير العالمية لشد رحالها إلى دولة قطر كأول أرض عربية وفي الشرق الأوسط تحتضن مونديال كرة القدم، كان الاندماج السريع مع التقاليد العربية حاضرا بقوة.

استكشاف التقاليد

وبدا أن المشجعين القادمين من كل قارات العالم، راغبين في أن يتعرفوا على الحضارة العربية وما تكتنزه من ثقافة وفنون وتقاليد تميزها عن بقية الشعوب.

لذلك، لم يتوان المشجعون من مختلف الدول في منح أنفسهم وقتا لاستكشاف التقاليد العربية، والتعرف عليها أكثر ومعايشتها منذ انطلاق المنافسات الكروية في 20 نوفمبر/تشرين الثاني والمتواصلة حتى 18 ديسمبر/كانون الأول 2022.

وأصبح الثوب العربي التقليدي الذي يميز دول الخليج المعروف محليا بـ"الجلابية"، يرتديه أغلب المشجعين الأجانب الذين قدموا لحضور كأس العالم، إلى جانب غطاء الرأس العربي التقليدي "الغترة" و"العقال".

ووفرت دولة قطر أماكن لبيع تلك الملابس على نطاق واسع وذلك بألوان فرق 32 دولة تشارك في البطولة.

اللافت أن المشجعين اختاروا لبس "الجلابية" طبقا للون علم بلدهم الأصلي، مع طباعة العلم على الثوب أحيانا، وحضور المباريات بهذا الزي.

لكن لبس الثوب العربي، تعدى حدود الملعب والفندق الذي يقيم فيه هؤلاء الأجانب، الذين باتوا يتجولون فيه في المناطق الحيوية بالعاصمة الدوحة وخاصة في "درب لوسيل" و"سوق واقف" و"كورنيش الدوحة".

حتى أصبح هؤلاء وكأنهم "عرب أقحاح"، لا تكاد تميزهم إلا بنبرة الصوت، كونهم باتوا يرتادون المطاعم التي تقدم الأكل العربي الشعبي مثل الكبسة والمندي وغيرها.

واختارت قطر الدولة المنظمة للمونديال، التركيز على الثقافة العربية وتقاليدها، بداية من اختيار التميمة الرسمية لكأس العالم "لعيب".

وهي عبارة عن مجسم لشخص يرتدي الغترة العربية وعليه العقال الخليجي، بما يمزج كرة القدم بحضارة المنطقة العربية.

كما حرصت الدوحة على صبغ المونديال بالهوية العربية عبر استخدام "الشالات" داخل شعار البطولة، وكذلك طباعة العلامة النصية للشعار "الكشيدة"، وهي إطالة أجزاء معينة من الحروف في النص العربي.

وقال مشجع برازيلي لموقع "جلف تايمز" في 26 نوفمبر 2022 "هذا الجزء من العالم ليس مألوفا لنا،" ومضى يقول: "نحن هنا للاستكشاف بينما نستمتع بكل لحظة نحن نرتدي هذه الملابس لأننا في الدوحة ونريد الالتزام بالتقاليد المحلية".

كسر التابوهات

وبما أن الدول تميل إلى إظهار تراثها وعاداتها وتقاليدها وملابسها، فقد ركزت قطر كثيرا على ناحية إبراز الثقافة العربية وتعويمها في هذا العرس العالمي، وإظهار التراث العربي الأصيل في أنشطة كأس العالم كافة.

في المونديال جرى توفير كل المتعلقات بالتقاليد العربية من لباس عربي وغترة وعقال وحتى مسبحة الصلاة، بلمسات مبتكرة بروح ألوان أعلام الدول المشاركة في البطولة.

وهذا ما لاقى قبولا منقطع النظير من الجماهير الأجنبية تحديدا، وبدا الإقبال على اقتنائها طاغيا على الحدث الكروي.

وهنا استطاع المشجعون ضرب عصافير عدة بحجر واحد، فقد استطاعوا إظهار الولاء لمنتخباتهم، والإعراب عن احترام الثقافة العربية، والعودة بهدايا تذكارية وثقافية من روح البطولة ذات النكهة العربية هذه المرة.

والثوب والغترة والعقال، هي رموز ليست فقط للثقافة القطرية بل العربية الإسلامية، ولهذا فإن احترام ثقافة الآخر هو الرسالة التي أراد المشجعون تقديمها كإظهار للتعبير عن المحبة تجاه الدولة المضيفة والانفتاح على الآخر.

وللمفارقة فإن منطقة الخليج تحتضن جاليات أجنبية بقصد العمل منذ عقود، لكن بعض هؤلاء وجد الفرصة لخوض تجربة ارتداء اللبس العربي في البطولة وتشجيع منتخب بلاده بشيء خارج عن المألوف بالنسبة له.

كما أقدمت كثير من النساء الأجنبيات على تجربة لبس الحجاب، وحتى الغترة التي عمد رجال الأمن القطريين والعرب على مساعدتهن على ارتدائها بشكل صحيح.

كان كسر الصورة النمطية عن المجتمعات العربية هي الهدف الثاني في المونديال الذي أرادته قطر.

وخاصة أن الجماهير العربية المشاركة حاولت أيضا تقديم المساعدة لنظرائهم الأجانب وتقديم كرم الضيافة لهم كل حسب قدرته.

وكل ذلك، في سبيل أن يعود هؤلاء إلى بلدانهم بصورة جديدة عن العرب، غير تلك التي رسمها الإعلام الغربي الذي حاول منذ البداية التقليل من قدرة قطر على تنظيم بطولة عالمية ضخمة مثل كأس العالم.

إذ يرى كثير من المراقبين أن استهداف قدرة قطر على تنظيم البطولة، تحمل في طياتها هجوما مباشرا على العرب، وكأنهم غير قادرين على التنظيم بصورة لائقة وكما ينبغي.

اندماج سلس

لم يقتصر الأمر على اللباس، فقد انتشرت تسجيلات مصورة كثيرة تظهر المشجعين الأجانب وهم يأكلون "الكبسة" والسمك.

وكذلك منح المونديال المشجعين الأجانب فرصة لتذوق الأكلات العربية المشهورة، من مختلف الدول العربية، وحتى الحلويات الشرقية.

الأمر الإيجابي الأكثر حضورا كذلك كان استخدام الأجانب كلمات عربية في اللقاءات على وسائل التواصل الاجتماعي، وخلال التفاعل مع فوز المنتخبات العربية في بعض المباريات.

وقد حرصت اللجنة العليا للمشاريع والإرث القطرية، المنظمة للمونديال، على توفير أماكن للصلاة داخل الملاعب وخارجه.

وهذا ما جعل الكثير من المشجعين الأجانب يقفون بشكل فضولي قرب المساجد في محاولة للتعرف على معنى كلمات الأذان التي تصدح على مسامع مئات الآلاف.

توقُّف الكثيرين عند هذا النداء الإلهي، قاد لاعتناق أفراد ممن حضروا المونديال الإسلام، وهذا ما وثقته وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.

إذ انتشر مقطع فيديو في 23 نوفمبر 2022، لحظة إعلان عائلة برازيلية دخولها للإسلام، حيث نطق أفراد الأسرة الشهادتين أثناء حضورهم فعاليات المونديال.

على الرغم من أن 28 يوما من عمر المونديال غير كافية لإعادة الاتصال المباشر بين الشرق والغرب، إلا أنها أعطت دلائل واقعية على مدى الانفصال بين الشعوب وحكوماتها حول النظر تجاه العرب والمسلمين بشكل خاص.

ولا سيما أنه لطالما جرى في الغرب تسويق اللباس العربي من قبل بعض وسائل الإعلام الغربية ذات التوجهات اليمينية- على أنه لباس تطرف وإرهاب، من وجهة نظرهم.

وفي هذا الإطار، نقلت وكالة رويترز البريطانية عن خليفة عبد الحكيم النعيمي أحد ملاك متجر "غترة موندو"، المخصص لهذه الفكرة، قوله في 23 نوفمبر 2022: "أردنا استقطاب الجمهور لمشاركتنا فرحة كأس العالم بتعريفهم على ثقافتنا العربية القطرية مثلما نعرف نحن ثقافاتهم، ومثلما فرضوا علينا موضة الملابس الرياضية".

احترام العرب

"الكشخة" بالزي العربي الذي شمل الرجال والنساء من المشجعين الأجانب، يؤكد على مدى احترام البلد المضيفة والثقافة التي ينتمي إليها.

وضمن هذه الجزئية، قال المشجع أنطونيو أوتشوا القادم من المكسيك مع مجموعة كبيرة من الأصدقاء وارتدى جميعهم الغترة: "إنها وسيلة للتعبير عن احترامنا للبلد المضيف وللثقافة القطرية، كما أنها مريحة وتقي الرأس من أشعة الشمس ونحن سعداء بارتدائها"، وفق رويترز.

وعلى المستوى الشعبي لأبناء قطر، سعى القطريون إلى تقديم صورة عن كرم الضيافة والأخلاق العربية، عبر توزيع القهوة والحلوى والمشروبات على الجماهير الرياضية أمام الملاعب وفي الأسواق والشوارع.

وفي السياق، يقول الصحفي إبراهيم العلي الذي يغطي المونديال، إن "لمسنا حب الشعوب الأجنبية في التعرف على ثقافتنا وترديد بعض الكلمات العربية كنوع من إظهار المحبة".

وأضاف العلي لـ "الاستقلال": "جاءت إلى الدوحة فرق شعبية عربية غير تلك القادمة لتشجيع المنتخبات العربية، وأصبحت تقيم فعاليات في الشوارع وبمحيط الملاعب، وتتفاعل مع الأنغام العربية".

ولفت العلي إلى "أن أغلب المشجعين الأجانب حفظوا كلمة (ارحبوا)، ويحاولون تجريب كل ما له صلة بالعادات العربية مثل ركوب الهجن والخيل، وتراهم يقفون طوابير من أجل ذلك وهم يلبسون الغترة والعقال أيضا".

وتعد أغنية "ارحبوا" إحدى أغاني كأس العالم الرسمية، وهي أول أغنية صدرت ضمن سلسلة من الأغاني الخاصة بمونديال قطر، وقد باتت مألوفة في أجواء المونديال.

وألمح العلي، إلى أن "خطة وزارة الأوقاف القطرية من أجل التعريف بالإسلام لاقت قبولا كبيرا، وخاصة من الشعب اللاتيني للتعرف إلى الإسلام وتعالميه".

وأردف قائلا: "لقد جرى وضع دعاة يتحدثون بمختلف اللغات العالمية في بعض المساجد للتعريف بالإسلام، وهذا ما شجع أكثر على الإنصات والغوص في تفاصيل كثيرة".

بالمحصلة، منح مونديال قطر 2022، فرصة أولى لكي تجتمع كل الثقافات على أرض عربية، وتظهر صورة التلاحم الإنساني بلوحة واحدة بريشة عربية قطرية.

إذ لم يعد من الممكن تمييز أصول المشجعين الأجانب الذين لبسوا الزي العربي الأصيل، بعد الاختلاط بمن يلبسون القبعات المكسيكية الشهيرة، أو ملابس مصارعي الثيران الإسبان وغيرهم.