صنعتهما تركيا.. لماذا فضلت الجزائر مسيرة العنقاء واختار المغرب بيرقدار؟

علي صباحي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

بينما كان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يبحث هاتفيا مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان تعزيز التعاون المتصاعد بالفعل بين البلدين، كشفت تقارير دولية بشكل متزامن عن إبرام الجانبين صفقة لإمداد الجزائر بـ 10 مسيرات تركية.

اللافت أنه على عكس العديد من الدول التي تقبل على شراء مسيرات "بيرقدار" التركية، اختارت الجزائر شراء نوع آخر من الطائرات بدون طيار يدعى "العنقاء"، ما سلط الضوء على أهدافها من وراء ذلك، فضلا عن الفروق بين المسيرتين.

العنقاء تحلق

وأعلنت الرئاسة التركية في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2022، أن أردوغان أجرى اتصالا هاتفيا في ذات اليوم مع تبون، بحثا خلاله العلاقات الثنائية بين البلدين وقضايا إقليمية.

وأضافت الرئاسة في بيان، أن أردوغان رحب بالمستوى الاستثنائي الذي وصلت إليه العلاقات بين البلدين الشقيقين نتيجة الجهود المشتركة، مؤكدا رغبته في زيادة التعاون الثنائي بقطاع الطاقة، ولا سيما الغاز الطبيعي.

وبعد زيارة لأردوغان إلى الجزائر مطلع 2020، توجت زيارة لتبون إلى أنقرة منتصف مايو/أيار 2022، بتوقيع 15 اتفاقية تعاون بين البلدين شملت القطاعات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.

وأكد تبون خلال الزيارة الأخيرة أن حجم الاستثمارات التركية في الجزائر وصل إلى 5 مليارات دولار، معربا عن ثقته أنها ستصل إلى 10 مليارات دولار وأكثر خلال فترة قصيرة.

ولفت إلى أن الجزائر تطمح لاتخاذ خطوات مهمة مع تركيا في مجال الصناعة ولا سيما البحرية، سواء العسكرية منها أو المدنية.

وتزامنا مع اتصال أردوغان وتبون، كشف موقع "ميدل إيست آي"، أن الجزائر اتفقت على توقيع صفقة مع تركيا لشراء طائرات مسيرة من طراز "العنقاء"، بعد مفاوضات استمرت عدة أشهر.

ونقل الموقع البريطاني عن مصدرين مطلعين على المفاوضات لم يسمهما، أن الجزائر اطلعت طيلة أشهر على جميع الطائرات المسيرة القتالية التركية المتاحة، ووقع اختيارها خصيصا على العنقاء.

وكشف أن السفيرة التركية ماهينور أوزدمير ساعدت في تقدم المحادثات بفضل تحدثها الفرنسية بطلاقة، كما أنها تتمتع بخط اتصال مباشر مع الرئيس أردوغان، لحل أي مشكلات تطرأ على العلاقات.

وفي النهاية لم يقع اختيار الجزائريين على طائرات "بيرقدار تي بي 2" الشهيرة، رغم نجاحاتها ذائعة الصيت في ميادين القتال بسوريا، وليبيا، وإقليم قرة باغ الأذربيجاني، وأخيرا في أوكرانيا، يوضح الموقع البريطاني.

واستدرك: بل اختارت 10 طائرات مسيرة من طراز "العنقاء إس"، التي تصنعها الشركة التركية لصناعات الفضاء "توساش" (حكومية).

الجزائر والمغرب

وبينما لم يصدر من الجزائر على الفور أحاديث عن الصفقة، أكدت قناة "آه هبر" التركية المقربة من الحكومة، أن الاهتمام بالمسيرات التركية من قبل دول شمال إفريقيا متواصل، فبعد صفقة أخرى مع المغرب، تتجه الجزائر للحصول على طائرات بدون طيار من طراز "العنقاء إس".

وأضافت نقلا عن شركة "توساش" التركية في 21 أكتوبر، أن الجانبين استكملا المفاوضات وسيجرى توقيع عقد الصفقة في الأيام القليلة المقبلة.

وكان المغرب قد تقدم بطلب في أبريل/نيسان 2021، لشركة "بايكار" التركية لشراء 13 طائرة من طراز "بيرقدار تي بي 2"، في إطار "تطوير ترسانة القوات المسلحة الملكية، حتى تكون على أعلى درجات الحداثة والكفاءة والجاهزية لمواجهة الأخطار كافة"، وفق إعلام محلي آنذاك.

وفي سبتمبر/أيلول 2021، تسلم المغرب أول دفعة من تلك الطائرات، في صفقة بلغت قيمتها 70 مليون دولار، بعد أيام من إعلان الجزائر قطع علاقتها الدبلوماسية مع المملكة في 24 أغسطس/ آب 2022.

ويدور نزاع بين الرباط وجبهة البوليساريو بشأن إقليم الصحراء، إذ تقترح الأولى حكما ذاتيا موسعا فيه تحت سيادتها، بينما تدعو الثانية إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

وتتبنى تركيا موقفا محايدا من قضية الصحراء، فلا تتبنى وجهة نظر أي من الفريقين، وإنما تدعم حلا سياسيا يستند إلى قرارات الأمم المتحدة، وهو ما أكدته أخيرا الخارجية التركية في مايو 2022، بعد افتراءات عن قبولها بمغربية الصحراء.

ورغم ذلك، ادعى "ميدل إيست آي" أن صفقة العنقاء جاءت بعدما غضبت الجزائر من تركيا، إثر هجوم بطائرة مسيرة، يُشتبه في كونها مغربية، استهدف بلدة بئر لحلو في الصحراء، وأسفر عن مقتل ثلاثة جزائريين.

وأضاف أن الجزائر لم تمتلك أي أدلةٍ ملموسة على هذا الادعاء، لكن مسؤوليها كانوا على قناعة بأن المغرب استخدم طائرات بيرقدار تي بي 2 التركية، في قصفه عناصر البوليساريو بالمنطقة.

على أثر ذلك بعثت أنقرة برسالة إلى الجزائر من خلال سفيرتها، فحواها أن "تركيا على استعداد للتعامل معكم تجاريا أيضا"، يواصل الموقع البريطاني.

مميزات لافتة

وفي الذكرى السنوية العاشرة لأول تحليق لها، ذكرت وكالة الأناضول أن مسيرات العنقاء تنفذ مهام المراقبة والرصد والكشف عن الأهداف الثابتة والمتحركة والتصوير الاستخباراتي، في مختلف الظروف الجوية.

وأضافت في تقرير بتاريخ 25 ديسمبر/كانون الأول 2020، أن العنقاء حققت نجاحات خلال استخدامها من قبل قوات الأمن التركية، وصارت محط أنظار العديد من الدول الساعية إلى سد احتياجاتها في مجال الاستطلاع والمراقبة.

وبعد أن نفذت العنقاء أول تحليق لها في 30 ديسمبر/كانون الأول 2010، جرى تحسينها باستمرار لتكون إحدى أفضل الطائرات المسيرة في العالم ضمن فئتها. وكانت إحدى أهم مراحل عملية تطوير الطائرة المسيرة، اكتسابها قدرة التخفّي عن الأقمار الاصطناعية.

كما أثبتت الطائرة نفسها عبر محركها المحلي الصنع في ظروف القتال الصعبة، ودعمت أيضا جهود البحث والإنقاذ في الكوارث مثل الزلازل والحرائق، والأخيرة تحد كبير يواجه الجزائر بصورة لافتة في مواسم الصيف بالسنوات الأخيرة.

وعن الأسباب التي دفعت الجزائر لاقتناء العنقاء إس، أوضح الصحفي التركي أوزكان أوزجان، أن هذه المسيرات تستخدم من قبل القوات المسلحة التركية ضد الجماعات المسلحة جنوب شرقي البلاد.

وأضاف: "كما تلعب العنقاء دورا بارزا في تسجيل الانتهاكات التي ترتكبها اليونان في بحر إيجه ضد المهاجرين غير النظاميين وطواقم خفر السحل التركي"، وفق قناة "آه هبر".

وعن مزاياها التقنية، قال أوزجان إن طول جسم العنقاء إس يبلغ 8 أمتار، وتملك قدرة على التحليق دون توقف لمدة تصل إلى 30 ساعة، وبسرعة تبلغ 217 كيلو مترا في الساعة، وعلى ارتفاع يصل إلى 9145 مترا، كما يمكنها أن تحمل ذخائر يبلغ ثقلها 250 كيلو جراما.

وأوضح أنها تتمتع أيضا بمؤشر ليزر، والقدرة على إصابة الأهداف نهارا وليلا، ونظام تصوير خاص يدعى "CATS" طورته شركة صناعة الإلكترونيات العسكرية التركية "أسلسان"، وكذلك نظام تحكم مرتبط بالقمر الصناعي، وتحمل عددا من الصواريخ المتنوعة.

من جانبه، ذكر "ميدل إيست آي"، أن مسيرات العنقاء إس تعد من المركبات الجوية غير المأهولة منخفضة الارتفاع وعالية التحمل، والتي يمكنها التحليق لمدة 30 ساعة دون توقف.

وبين أن هذه الطائرات المسيرة تستطيع تغطية مساحةٍ أكبر من الخيارات الأخرى، بفضل اتصالها بالأقمار الصناعية، ما يعني أنها ستكون مفيدة في مناطق مثل شمال إفريقيا التي تغطيها الصحاري الشاسعة.

وفي 13 أبريل 2022، أعلنت وزارة الدفاع التركية نجاح مسيّرات العنقاء في تحديد مواقع الألغام البحرية المنجرفة، باستخدام أنظمة رادار متنوعة.

سلاح حاسم

أما أبرز مميزات "بيرقدار تي بي 2" فتبرز في طول جسمها البالغ نحو 6,5 أمتار، وهي أخف بمرتين من منافستها الأميركية "ريبر" وتملك قدرة على التحليق دون توقف لمدة تصل إلى 27 ساعة.

وبسرعة تبلغ 220 كيلو مترا في الساعة، وعلى ارتفاع يصل إلى 7620 مترا، كما يمكنها أن تحمل "ذخائر ذكية موجّهة بالليزر"، وفقا لموقع شركة "بايكار" على الإنترنت.

وفي 10 يوليو/تموز 2021، نشرت صحيفة لوفيغارو الفرنسية، أن تركيا أضحت خلال 15 عاما فقط، واحدة من أبرز منتجي الطائرات المسيرة المسلحة في العالم، وباتت تنافس المسيرات الإسرائيلية، والأميركية، والصينية.

من جانبه، أكد المحلل البريطاني بول ميلي أن الدول الإفريقية صارت تحصل بشكل متزايد على المسيرات التركية بعد أن أثبتت فعاليتها في نزاعات مختلفة حول العالم.

وأضاف في تحليل لهيئة الإذاعة البريطانية في 25 أغسطس/آب 2022، أن دول إفريقيا جنوب الصحراء مثل توغو، وبوركينا فاسو، والنيجر التي ترتبط بحدود واسعة مع الجزائر، تكافح من أجل كبح تسلل مقاتلي الجماعات المسلحة بالمنطقة.

وأوضح ميلي أنه من بين العملاء الأفارقة للمسيرات التركية، إثيوبيا والمغرب وتونس وتوغو والنيجر، بينما أعربت أنغولا أيضا عن اهتمامها.

واستدرك أن أول من استخدمها في القارة الإفريقية ربما كانت حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.

إذ جرى رصدها هناك في وقت مبكر من عام 2019، وساعدت قوات طرابلس في صد عدوان الجنرال الانقلابي خليفة حفتر.

وبعيدا عن حدودها المتوترة مع كل من المغرب والنيجر، تواجه الجزائر تحديا كبيرا في حماية خطوط الغاز التي تربطها بالقارة الأوروبية.

وتعاني القارة العجوز حاليا عجزا كبيرا في الطاقة على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا منذ فبراير/شباط 2022.

وخلال أكتوبر، تعرض خطا "نورد ستريم"، لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا لانفجارات غامضة، ونجم عنها تسريبات كبيرة بالأنابيب، أوقفت عملية النقل عبرها.

والجزائر ثالث مورد للغاز لدول الاتحاد الأوروبي وتسعى لربط خطوطها مع أنابيب قادمة من النيجر، لتعويض حاجة الجيران الشماليين، علما أن المحروقات (نفط وغاز)، تمثل 93 بالمئة من مداخيل البلاد، وفق بيانات رسمية.