رغم امتلاكها مسيرات صينية وأميركية.. لماذا تشتري الإمارات "بيرقدار" التركية؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم الخلافات السابقة بين البلدين، والتنافس الواقع بينهما في عدد من المناطق، ترددت أخيرا أنباء عن شراء الإمارات عددا من الطائرات المسيرة من تركيا.

وفي 21 سبتمبر/أيلول 2022، أكد مصدران تركيان لموقع "يورونيوز" الأوروبي، أن شركة التكنولوجيا الدفاعية التركية "بايكار" سلّمت الإمارات 20 طائرة مسيرة مسلحة خلال الشهر نفسه، ويمكن أن تبيع المزيد لها.

ونقل الموقع، عن مسؤول تركي كبير (لم يسمه) أن بلاده سلمت الطائرات المسيرة للإمارات التي تطلب الحصول على المزيد، مشيرا إلى أن السعودية ترغب أيضا في شراء مسيرات تركيا وإنشاء مصنع لإنتاجها.

يأتي هذا بعد نحو أسبوعين، من كشف موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، عن أن الإمارات تتفاوض مع تركيا لشراء مسيرات مسلحة من طراز "بيرقدار تي بي 2"، في عقد يمكن أن يصل إلى ملياري دولار. 

وأوضح الموقع في 8 سبتمبر/ أيلول 2022، نقلا عن مصادر مطلعة (لم يسمها)، أن المفاوضات تركزت على توريد 120 مسيرة من هذا النوع مع مجموعة من الذخيرة، ومراكز قيادة وتحكم، وتدريب، مع عرض بتصنيع بعض مكونات الطائرات في مصنع تابع لبيرقدار في الإمارات.

المفارقة في صفقة بيرقدار الإماراتية ليس فقط في التنافس السابق بين البلدين (الإمارات وتركيا) في عدة بقاع ساخنة بالمنطقة، أبرزها ليبيا، لكن في أن أبوظبي تُعد أيضا من أكبر وأوائل زبائن المسيرات الصينية والأميركية، فلماذا عازمة على امتلاك التركية الآن؟

صفقة مثيرة

لا يمكن استبعاد أن هناك أسبابا سياسية وربما إستراتيجية وراء صفقة "بيرقدار" بجانب العوامل العسكرية، لأن الإمارات تمتلك بالفعل طائرات صينية مسيرة وتعاقدت على شراء طائرات أمريكية مسيرة متطورة، وفق مراقبين.

وأبرمت الإمارات عدة صفقات من المسيرات الصينية، آخرها 12 طائرة من طراز "أل 15 فالكون"، وتعاقدت على 36 طائرة أخرى في المستقبل"، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية في 23 فبراير/ شباط 2022.

لذا تطرح الصفقة تساؤلات حول الهدف منها، وهل هو سياسي لكسب ود تركيا التي تعد منافسا إقليميا قويا للإمارات، أم أن الهدف عسكري؟

في ظل تفوق المسيرة التركية على نظيراتها الصينية والإيرانية والروسية، وحسمها معارك في ليبيا وأذربيجان وإثيوبيا وأخيرا أوكرانيا، لصالح حلفاء تركيا.

المفاجأة أن التعاون لا يقتصر على المجال العسكري، فقد كشفت وكالة الأناضول التركية في 17 يوليو/ تموز 2022، أن تركيا والإمارات تخططان أيضا للعمل معًا في الفضاء عبر مذكرة تفاهم لتبادل الخبرات في مجال أبحاث وتكنولوجيا الفضاء. 

وذكرت أنهم سيجرون أيضًا دراسات مشتركة حول الرحلات الجوية شبه المدارية وعمليات الإطلاق والصواريخ وأنظمة الأقمار الصناعية.

واعتادت دول الخليج خاصة السعودية والإمارات، على إبرام صفقات عسكرية ذات دوافع سياسية خصوصا مع الغرب، ولها سجل حافل في ذلك الخلط بين العسكري والسياسي، لذا يمكن تفسير صفقة بيرقدار لنفس الأسباب السياسية.

والإمارات عميل مهم في سوق السلاح الدولي، وتسعى لتعزيز صناعاتها العسكرية المحلية عبر صفقات سياسية، وسبق أن قامت بصفقات نوعية بمقاييس وصفت بأنها جيدة، وفق "ميدل إيست أي".

فيما رأى المجلس الأطلسي الأميركي في تقرير نشره بتاريخ 7 مارس/ آذار 2022، أن أسباب تقارب الإمارات مع تركيا، بعد عدائهما خلال مرحلة الربيع العربي، يرجع إلى عوامل إستراتيجية واقتصادية.

وأوضح المجلس أن جزءا من حسابات الإمارات الإستراتيجية هو رغبتها في توسيع التحالفات وعدم الاعتماد فقط على الولايات المتحدة، لذا تحركت تجاه قوى أخرى مثل تركيا والصين.

وتصادف هذا مع سعي تركيا لتطبيع علاقاتها مع دول المنطقة بما في ذلك السعودية والإمارات ومصر وإسرائيل وأرمينيا "ردًا على المشهد الجيوسياسي المتغير".

حلفاء جدد

فيما أشار معهد "نيو لاينز" الأميركي في 31 مايو/ أيار 2022 إلى أن "تضاؤل ​​الوجود الأميركي في الشرق الأوسط وخروج الجيش الأميركي من المنطقة، عزز هذا التعاون بين الإمارات وتركيا".

أشار في دراسة كتبها الدكتور "حمد الله بايكار" من جامعة إكستر البريطانية، حول أسباب تقوية علاقات البلدين فجأة إلى "لجوء الإمارات للبحث عن حلفاء جدد وسط المنافسة الإقليمية المتزايدة مع السعودية".

وادعى أن القضايا الاقتصادية مثل انخفاض الليرة والبطالة والصراع بين أوكرانيا وروسيا أثرت على تركيا اقتصاديا، لذلك سعى الرئيس رجب طيب أردوغان لإحراز تقدم اقتصادي وجلب استثمارات عبر تحسين العلاقات الدولية.

أيضا أدركت الإمارات منذ فترة طويلة أن التنويع أمر حيوي لبقائها على المدى الطويل، بالنظر إلى انخفاض أسعار النفط وموارده، لهذا سنت "سياسات جذبت الشركات ورجال الأعمال للتحضير لمستقبل اقتصادي ما بعد النفط".

وتوافقت أهداف التنويع الإماراتي هذه مع تركيا كواحدة من أكبر الأسواق الإقليمية التي بها عدد كبير من السكان ولديها موقع إستراتيجي على الرغم من التوترات.

وذكر معهد "نيو لاينز" أن "الرياض تريد تجاوز هيمنة أبوظبي كمركز تجاري للخليج، بينما تتحدى الإمارات القيادة الإقليمية الفعلية للسعودية"، وهنا يبرز دور تركيا كقوة مهمة في الخليج على الرغم من التوترات التي أعقبت الربيع العربي معها.

وأوضح أن "أبو ظبي تحاول إنشاء محور بديل وأنقرة أصبحت شريكا محتملا جذابا"، ولا سيما أن "تركيا لها تحالف وثيق مع قطر وقاعدة عسكرية هناك، كما تتعاون أمنيا مع الكويت".

أيضا يفيد هذا التطبيع الإمارات في فتح طريق تجاري إلى ميناء مرسين التركي عبر إيران، ودخول السوق التركي النابض بالحياة من أجل التنويع الاقتصادي، وتحسين قدراتها المالية من خلال اتفاقيات البنك المركزي وبورصة إسطنبول.

ومطلع سبتمبر 2022 كتب وزير الدولة للتجارة الخارجية الإماراتي، ثاني الزيودي، يؤكد عبر تويتر أن الإمارات تسعى لإبرام اتفاق تجارة حرة مع تركيا في الأسابيع المقبلة، وذلك بعد نحو أربعة أشهر من بدء المفاوضات.

وهناك خطط إماراتية لاستثمار مليارات الدولارات في الرعاية الصحية والتكنولوجيا المالية والشركات الناشئة التركية، كما وقعت أبو ظبي صفقة مقايضة عملات بقيمة 5 مليارات دولار مع تركيا في وقت سابق من هذا العام. 

وزعم معهد "نيو لاينز" أن تركيز تركيا على القوة الصارمة لتحقيق أهداف سياستها الخارجية منذ الربيع العربي جعلها معزولة، خصوصا أن الإمارات تتمتع بعلاقات وثيقة مع جيران تركيا المباشرين، مثل اليونان وقبرص الرومية ومصر وإسرائيل.

لذا رأت أنقرة أن التقارب مع أبو ظبي خطوة أولى نحو التطبيع مع جيرانها، ومن المحتمل أيضا أن يكون تدهور الوضع الاقتصادي لتركيا أحد أسباب هذا التحول في النهج التركي تجاه دول الخليج العربية، بحسب "نيو لاينز".

لكن لا تزال تركيا والإمارات تتنافسان مع بعضهما البعض في ليبيا وسوريا وبعض أجزاء من إفريقيا، مما قد يمثل تحديات لعلاقاتهما الثنائية المستقبلية.

حيث تدعم الإمارات الجنرال الانقلابي خليفة حفتر والحكومة الليبية الموكلة من مجلس نواب طبرق بقيادة فتحي باشاغا، بينما تدعم تركيا حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا المعترف بها من الأمم المتحدة ومقرها طرابلس.

وأعادت الإمارات العلاقات مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد بينما لا تزال تركيا تواجه مشاكل مع النظام السوري، لكن هناك حل لذلك هو التعاون على الطريقة التركية الروسية القائمة على التقارب والمصالح، برغم الخلافات بينهما، وفق "نيو لاينز".

صفقة كبيرة

وبدأ الحديث عن صفقة بيرقدار الإماراتية في وقت مبكر، إذ ذكرت صحيفة يني شفق التركية، في 10ديسمبر/ كانون الأول 2021 أن تركيا والإمارات وقعا صفقة بقيمة 10 مليارات دولار خلال زيارة (ولي عهد أبو ظبي آنذاك) محمد بن زايد إلى أنقرة في نوفمبر/ تشرين الثاني من نفس العام.

وقالت الصحيفة إن الإمارات طلبت حينئذ شراء 8 طائرات من دون طيار بيرقدار ومعدات عسكرية خلال زيارة قام بها مسؤولون إماراتيون إلى تركيا بطائرة شحن.

لكن الجديد في صفقة بيرقدار التي تحدث عنها شخصان مطلعان على المفاوضات لـ"ميدل إيست أي" في 8 سبتمبر2022، أنها تدور حول شراء 120 طائرة بيرقدار، لا ثمانية كما تردد عقب زيارة ابن زايد، التي تلاها زيارة من أردوغان إلى الإمارات في فبراير/شباط 2022.

ثم زارها مرة ثانية في مايو/أيار 2022 لتقديم واجب العزاء في وفاة رئيس الإمارات الراحل الشيخ خليفة بن زايد.

وفي مطلع سبتمبر/أيلول 2022 قالت شركة "بايكار" التركية للصناعات الدفاعية إن طائرتها المُسيرة المسلحة بيرقدار تي بي2 أصبحت أكثر أنظمة الطائرات المُسيرة المسلحة المصدرة في العالم.

وأوضح المدير العام للشركة خلوق بيرقدار في حديث للأناضول في أغسطس/آب 2022 أن بايكار صدرت منتجاتها من بيرقدار تي بي 2 إلى 24 دولة، وبلغت حصة الصادرات من إيرادات الشركة 98 بالمئة.

وأوضح أن شركته لديها طلبات متراكمة لمدة ثلاث سنوات، ويمكنها إنتاج حوالي 20 بيرقدار تي بي 2 في شهر واحد.

وبرزت الطائرات من دون طيار في السنوات الأخيرة، كسلاح نوعي جديد تتسابق الدول وحتى الجماعات المسلحة على امتلاكه وربما تطويره، ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط التي أغرقتها الصين بمئات الطائرات المسيرة دون قيد أو شرط.

وأصبحت هذه الطائرات المسيرة سلاحا أساسيا في الحروب كما أظهرت الحرب الأوكرانية وأن خسائرها أقل ضررا من الخسائر التي لحقت بالدبابات والطائرات العادية، كما أنها أقل في التكلفة، ولا يؤدي سقوطها لخسائر بشرية.

وفازت الطائرات التركية من دون طيار بالعديد من العقود في جميع أنحاء العالم، خاصة بعد أدائها الناجح في حروب ليبيا وأوكرانيا وأذربيجان، بينما يتم تصدير الطائرات من دون طيار الصينية بشكل أساسي إلى الشرق الأوسط.

ويعد تفوق بيرقدار في أوكرانيا هو المرة الخامسة التي يجرى فيها استخدام واختبار هذه الطائرات بتفوق في مواجهات دولية، بعدما نجحت في معاركها الأربعة السابقة في الحسم لصالح مستخدميها.

وباتت مسيرات "بيرقدار" التركية أهم سلاح يعتمد عليه الجيش الأوكراني للصمود في مواجهة الغزو الروسي، وتحديدا ضد قوافل الدبابات وبسببه تعرقل الغزو الروسي.

ودفع هذا القوات الأوكرانية للغناء لكفاءتها، حيث نشرت أغنية بعنوان "بيرقدار"، تداولها ناشطون، تقول إن الطائرة عقوبة للروس على قتلهم أطفال سوريا والشيشان والقرم وأوكرانيا. 

وكانت مسيرات بيرقدار قد لعبت دورا محوريا في المعارك التي جرت في السنوات الأخيرة، حيث دمرت مئات الدبابات التابعة للنظام السوري والأنظمة الدفاعية الروسية في إدلب شمالي سوريا في مارس 2020.

ولاحقا دمرت أنظمة بانتسير الدفاعية الروسية في ليبيا، وأدت لهزيمة الانقلابي خليفة حفتر خلال غزو طرابلس 2019، كما كانت بمثابة السلاح الأول الذي ساعد الجيش الأذربيجاني في الانتصار خلال حرب قره باغ 2020.