الدبيبة ينجح مجددا في صد باشاغا.. 5 أسئلة تشرح خلفيات محاولة اقتحام طرابلس

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

بينما قانون الانتخابات لا يزال يراوح مكانه بسبب عدم تمريره بالصورة التي تسمح للجنرال الانقلابي خليفة حفتر بالترشح للانتخابات الرئاسية، عاد شبح الحرب الأهلية من جديد إلى ليبيا في أعقاب اشتباكات دامية في العاصمة طرابلس وصفها مراقبون بأنها "الأسوأ منذ نحو عامين".

فحفتر الحامل للجنسية الأميركية والحالم بإحكام قبضته على ليبيا بأي صورة، زج مجددا برجله في الغرب فتحي باشاغا رئيس الوزراء المكلف من برلمان طبرق، في معركة خاسرة للسيطرة على طرابلس، وإزالة آخر عقبة أمامه لتنفيذ مخططه.

لكن عبدالحميد الدبيبة رئيس الحكومة المعترف بها دوليا، تحرك مبكرا مع تسريب أنباء الاقتحام المرتقب، ليقضي على الفتنة في مهدها، بل واستغل الأمر لطرد القوات الموالية لباشاغا في طرابلس من العاصمة، ليضاعف بذلك خسائر المعسكر المنافس.

ويتفاقم الانقسام في ليبيا مع وجود حكومتين متنافستين، الأولى في طرابلس انبثقت من اتفاق سياسي برعاية دولية قبل عام ونصف العام يرأسها الدبيبة، الرافض تسليم السلطة إلا إلى حكومة منتخبة.

والثانية برئاسة باشاغا، التي عينها برلمان طبرق التابع لحفتر في مارس/ آذار 2022 وتتخذ من سرت شمال وسط البلاد مقرا مؤقتا لها بعدما منعت من دخول طرابلس، على الرغم من محاولتها ذلك أكثر من مرة.

ماذا جرى في طرابلس؟

في 27 أغسطس/آب 2022 نشر  على منصات التواصل الاجتماعي في ليبيا بيان منسوب لباشاغا، يعلن بدء ما أسماها عملية "الصيد المتين لدخول العاصمة طرابلس"، لكن لم ينشر على الحسابات الرسمية للأخير.

رجح ناشطون أن هذا البيان ملفق من جهة ما لإشعال الصراع، أو أنه بيان مسرب بشكل غير رسمي لاستعداد قوات الدبيبة لمحاولة باشاغا دخول طرابلس للمرة الثالثة.

وحاول باشاغا دخول طرابلس بعد فترة وجيزة من تعيينه في مارس 2022، لكن الفصائل الموالية للدبيبة منعت مرور موكبه وحاول مجددا في مايو/ أيار لكنه غادر طرابلس بعد تبادل قصير لإطلاق النار، وكانت الأخيرة ثالث محاولة.

وذكرت مصادر ليبية لـ"الاستقلال"، أن معلومات وصلت لحكومة الدبيبة تؤكد أن هناك نية لبعض القوات التي تدعم باشاغا داخل طرابلس، لإحداث توتر أمني وخلق ارتباك في العاصمة، تمهيدا لدخول الأخير إلى طرابلس.

أوضحت أن الدبيبة والقوات الموالية له استبقوا هذه الخطوة بوضع "خطة مضادة"، تضمنت السيطرة على مقرات هذه القوات بالقوة وإبعادها عن العاصمة، وتطويق طرابلس لمنع تقدم قوات باشاغا.

وبدأت الاشتباكات بعدما لاحظت قوات موالية لباشاغا تحرك قوات الدبيبة لإفشال مخطط التوتر الأمني، فأطلقت النار عليها، لتبدأ اشتباكات عنيفة قتل فيها 32 ليبيا وعشرات الجرحى، بحسب المصادر التي فضلت عدم الكشف عن هويتها.

وتحركت القوات المتحالفة مع باشاغا نحو طرابلس من ثلاثة اتجاهات، في جنزور شمال غرب طرابلس، وحي أبو سليم جنوب طرابلس، والطريق الساحلي التي يربطها بمصراتة الذي جاءت منه 300 مركبة عسكرية.

وبداية من مساء 27 أغسطس وحتى فجر اليوم التالي، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر تبادل النيران في منطقتي باب بن غشير وشارع الزاوية وسط طرابلس، واحتراق سيارات في أحد الأحياء، فيما وصفت شبكة "سي إن إن" الأميركية الوضع بأنه "الأسوأ منذ عامين".

كيف صد الدبيبة الاقتحام؟

ووفق أنباء متطابقة نشرتها وسائل إعلام محلية ودولية بينها رويترز ووكالة الأنباء الألمانية، وقعت الاشتباكات بين الكتيبة 77 بقيادة هيثم التاجوري (موال لباشاغا)، وجهاز دعم الاستقرار بقيادة عبد الغني الككلي (موال للدبيبة).

وتواترت أنباء تشير لسيطرة الككلي المعروف بـ"غنيوة" على مقر معسكر 77 بمنطقة باب بن غشير.

وأظهرت مقاطع فيديو نيران البنادق وهي تطال مبنى البريد المركزي ومقر هيئة الاتصالات والمعلوماتية بمنطقة شارع الزاوية، فيما يبدو أنها محاولة لقتل قناص تمركز فوق المبنى المرتفع.

بينما نشرت مواقع أخرى مقاطع لسيارات مسلحة تخرج من مقر مصنع التبغ في طرابلس، تتبع لقوات الأمن العام بقيادة عماد الطرابلسي.

من جهة أخرى، نشرت عدة صور على مواقع التواصل تظهر إغلاق قوات تابعة للدبيبة الطريق الساحلي بسواتر ترابية عند بوابة "وادي كعام" على الطريق الرابط بين مدينتي الخمس وزليتن، نحو 150 كلم شرق طرابلس.

وتواترت أنباء عن أن سبب إغلاق الطريق يعود للاحتياط من قوات تتبع باشاغا قادمة من مصراتة نحو طرابلس فجرا.

وفي الناحية الغربية للمدينة التي يسيطر عليها اللواء أسامة الجويلي الداعم لباشاغا، أظهرت مقاطع مصورة أرتالا عسكرية تتمركز عند جسر الـ27 (27 كلم غرب طرابلس)، ونجحت قوات موالية للدبيبة في بسط سيطرتها على "معسكر 4 أبريل" جنوب العاصمة.

وقال "جهاز دعم الاستقرار" التابع للمجلس الرئاسي الليبي في بيان، إن التاجوري كان يعد لزعزعة أمن العاصمة طرابلس وإدخالها في دوامة صراع طويل عبر تجهيز العتاد والمعدات اللوجستية لتحقيق ذلك.

وأضاف: تبع هذا قيام كل قوات حكومة الوحدة الوطنية بالرد بعملية شاملة، وتدخل جهاز دعم وحفظ الاستقرار ضده.

وبعد نجاحها في إفشال المخطط، قالت حكومة الدبيبة في بيان، إنها "تستهجن ما حدث من غدر وخيانة بعد أن كانت تخوض مفاوضات لتجنيب العاصمة الدماء، بمبادرة ذاتية تلزم جميع الأطراف الذهاب للانتخابات في نهاية العام كحل للأزمة السياسية".

واستدركت بالقول: "إلا أن الطرف الممثل للمدعو فتحي باشاغا قد تهرب في آخر لحظة، بعد أن كانت هناك مؤشرات إيجابية نحو الحل السلمي بدلا من العنف والفوضى".

وأكدت حكومة الدبيبة أنها "لن تتراجع عن تحملها مسؤولياتها تجاه وطنها وشعبها، وحفظ أمنه واستقراره وقطع يد كل من أثار الفوضى والفتنة داخل المدينة".

لماذا تضاعفت خسائر باشاغا؟

أسفرت المواجهات المسلحة في طرابلس عن خسارة حلفاء باشاغا مواقعهم السابقة وسط العاصمة، وسيطرة جهاز الأمن العام التابع لحكومة الدبيبة على المقر 92 التابع لقوات التاجوري.

وأظهر إخفاق باشاغا في ثالث محاولة فاشلة للسيطرة على طرابلس أن الدبيبة ما زال يمكنه الاعتماد على تحالف عسكري قادر على صد خصومه، بحسب وكالة رويترز في 28 أغسطس 2022.

كما أن فقدان العديد من الجماعات المتحالفة مع باشاغا في طرابلس سيطرتها على مناطق داخل العاصمة يجعل محاولات القوات الموالية لباشاغا أو غيره اقتحام العاصمة مجددا أمرا صعبا.

وبعد عودة الهدوء إلى طرابلس أمر المدعي العام العسكري الليبي في بيان بتاريخ 28 أغسطس، بمنع سفر باشاغا واللواء الجويلي وآخرين من الطرف المعتدي، على خلفية التحقيقات بشأن أحداث طرابلس.

كما أمر الدبيبة في كلمة مصورة بالقبض على المشاركين في العدوان على العاصمة طرابلس.

وقال: "نترحم على كل من قضى في العدوان الغاشم على طرابلس وضواحيها"، متهما المقاتلين الذين خاضوا معارك في طرابلس بأنهم "شنوا عدوانا همجيا على عاصمة بلادهم وحشدوا لذلك الدعم".

وأضاف الدبيبة أن الحكومة اتخذت جملة من الإجراءات، أولها ملاحقة كل من تورط في هذا العدوان، كما تم تكليف وزارة الدفاع بالإسراع في إخراج المعسكرات خارج طرابلس.

وتابع قائلا: " فلنرحل جميعا ولكن عبر الانتخابات.. لا للحرب لا للتمديد نعم للانتخابات، مؤكدا أن سبب فشل الانتخابات هو آلية الطعون التي وضعت، وأن مشروع التمديد انتهى بدون رجعة.

من جانبه، حمل باشاغا، منافسه الدبيبة ومستشاريه وعائلته مسؤولية الدماء التي سفكت والأموال التي نهبت بسبب تشبثهم بالسلطة وعدم قبولهم بما وصفه "إرادة الليبيين والتداول السلمي على السلطة".

وقال باشاغا في بيان بتاريخ 28 أغسطس، إنه "لا يسعى للسلطة وإنما يسعى لإقامة دولة مدنية يسودها القانون" واصفا حكومة الدبيبة بالعصابة التي تمارس "القمع والإرهاب" في طرابلس. 

كما أشار إلى أن الدبيبة هو من استغل موارد الدولة ومقدراتها لدعم مجموعات مسلحة، متهما إياه بالسعي لترسيخ دولة ديكتاتورية تستهدف كل من يعارضها بالقتل والسجن، وفقا للبيان. 

ما أبعاد التدخل الدولي؟

وكان لافتا أن الدبيبة سلط الضوء على أطراف دولية لها علاقة بالأحداث في خطاب مساء 29 أغسطس، إذ قال إن "من شنوا العدوان على طرابلس كانوا مطية لأجندات دولية لا تريد الاستقرار للبلاد".

أيضا اتهم عضو المجلس الأعلى للدولة في ليبيا وحيد برشان "دولا إقليمية" لم يسمها، بالعمل على تأجيج الصراع داخل العاصمة طرابلس.

وقال لـ"الجزيرة مباشر" في 28 أغسطس، إن "هذه الدول تريد بقاء ليبيا في مراحل انتقالية لا نهاية لها"، مشيرا إلى أن "الشرخ سيتعمق وكل المؤشرات تدل على زيادة الصراع".

وأشار برشان إلى أن "مجلس الدولة يريد الذهاب إلى الانتخابات التشريعية للوصول إلى شرعية جديدة على أساس دستوري سليم".

"لكن القوى المسيطرة على البرلمان تريد انتخابات بطريقة معينة كي يتمكن حفتر من الوصول إلى الرئاسة التي تضمن له حصانة من الجرائم"، بحسب قوله.

وفي نفس الاتجاه، قال الإعلامي الشهير بقناة الجزيرة أحمد منصور، إن ما يجري في ليبيا هو "فصل من فصول اللعبة الدولية والإقليمية وحروب الوكالة لأطراف عربية ودولية".

وأضاف في تغريدة عبر تويتر، أن "الشعب الليبي ومقدراته يستخدم وقودا في هذه اللعبة، وسيظل هذا الوضع البائس قائما حتى تزول أسبابه بزوال المقامرين بحياة الليبيين ".

ولم يحدد الدبيبة من المقصود بقوله إن "العدوان على طرابلس مخطط له من قوى خارجية، لكن كان لافتا أن الناشطين على مواقع التواصل الليبية اتهموا مصر والإمارات بوضوح.

مع هذا لفت الأنظار توافق الموقفين المصري والتركي بشأن الاشتباكات ودعوة البلدين لوقف القتال والتوجه للانتخابات.

ويوضح المحلل السياسي المصري الخبير في الشؤون الليبية، علاء فاروق أن موقفي القاهرة وأنقرة كان متشابها في رفض الصدام والحرب في طرابلس، وكلاهما يضغط على حلفائه بعدم التصعيد العسكري كونه حلا فاشلا وسيعقد الأمور أكثر.

وأكد فاروق لـ"الاستقلال"، أن هناك تنسيقا كبيرا وواضحا بين مصر وتركيا بخصوص الملف الليبي، وأنهما متفقان في الرؤى الرافضة للحرب وداعمان لأي خطوة تعجل بالانتخابات.

ودعت الخارجية المصرية في بيان بتاريخ 27 أغسطس، "جميع الأطراف والقوى الوطنية والمكونات الاجتماعية الليبية إلى وقف التصعيد وتغليب لغة الحوار وتجنب العنف وضبط النفس حقنا للدماء".

فيما دعت وزارة الخارجية التركية الأطراف الليبية إلى "ضبط النفس ووقف الاشتباكات فورا، وسرعة الانتهاء من أعمال البنية التحتية القانونية لإجراء انتخابات نزيهة وحرة وشاملة في أسرع وقت ممكن، بإشراف الأمم المتحدة.

لكن تبقى مواقف الأطراف الأخرى الداعمة للثورة المضادة والمحركة لحفتر وبرلمان طبرق، خاصة الإمارات، تلعب في الخفاء لإثارة الصراع بين حلفاء طرابلس السابقين الذين باتوا أعداء اليوم.

هل توجد فرص للحل؟

بعد توقف المعارك وعودة الهدوء إلى طرابلس عادت التساؤلات: إلى متى سيستمر الهدوء حتى تعاود هذه القوات الهجوم مجددا؟

وكيف تحولت ليبيا من الاقتتال بين أنصار الثورة وقوات الانقلابي حفتر المدعومة من معسكر الثورة المضادة في الأنظمة العربية إلى قتال بين المنتصرين في الثورة وحلفاء طرابلس السابقين؟

وهل يستمر الصراع لأن محوره هو النفط والغاز واحتياطاته الهائلة تحت رمال صحراء ليبيا، ورغبة قوى خارجية في اقتسام ثرواته؟

في هذا السياق، ذكرت وكالة رويترز  في 28 أغسطس، أن الفصيل الشرقي القوي لحفتر ورئيس البرلمان عقيلة صالح أظهر القليل من الاستعداد للتنازل عن هدفه المتمثل في إزاحة الدبيبة وتنصيب باشاغا.

لكن مع ذلك، وبسبب عدم قدرة باشاغا على تشكيل تحالف عسكري قوي من فصائل الغرب الليبي التي يمكنها تنصيبه في طرابلس، فقد يتعين عليهم التفكير مرة أخرى في تقديم تنازلات.

أيضا استمرار الوجود العسكري التركي حول طرابلس، وأنباء مشاركتها بطائرات بيرقدار في الاشتباكات الأخيرة، حيث تحافظ على قواعد جوية لهذه الطائرات، يعني أن هجوما آخر لباشاغا أو حفتر ضد العاصمة يبدو بعيد الاحتمال في الوقت الحالي.

فيما ذكر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني في 24 أغسطس، أنه ربما ما أفشل معسكر باشاغا أيضا أنه "يحتاج إلى نقطة طيران وأسلحة أثقل لكسر خطوط دفاع طرابلس، وهو أمر يتطلب أن تصادق أبو ظبي على الهجوم".

وهناك فكرة أخرى أثارها بعض السياسيين، وهي محاولة تشكيل حكومة جديدة تستبعد الجميع أو تضم الجميع ويمكن لجميع الأطراف قبولها، وهو أمر من المرجح أن يحاول الدبيبة منعه خصوصا بعد انتصاره.

أيضا طرح السفير الأميركي في ليبيا ريتشارد نورلاند فكرة إجراء انتخابات عامة دون شرط حل الأزمة بين الحكومتين المتنافستين، وآلية للإشراف على الإنفاق يمكن أن تساعد في الحكم لفترة مؤقتة.

قال نورلاند في مقابلة مع رويترز في 29 يونيو/حزيران 2022، إنه "توجد سبل للمضي قدما بعيدا عن وجود حكومة ليبية واحدة في السلطة".

وأوضح أنه يمكن للفصائل التي هيمنت على أجزاء مختلفة من البلاد أن تقود تلك المناطق بشكل منفصل نحو انتخابات عامة.

لكن المشكلة الآن، بعد الاشتباكات الأخيرة، أن هناك انسدادا سياسيا، والمفاوضات الدبلوماسية توقفت وأصبح الاتفاق على كيفية إجراء الانتخابات كحل دائم للخلافات السياسية في ليبيا بعيدا أكثر من أي وقت مضى.

كما أعيقت جهود الأمم المتحدة للتوسط في الاتفاق، بسبب الخلاف بين الفصائل المحلية، ووكلائها الإقليميين والدوليين، والتي يعتقد العديد من الليبيين أنها تريد تجنب الانتخابات من أجل التمسك بالسلطة، ما يهدد باندلاع آخر للعنف، ويجعل الحل للمليشيات لا الانتخابات.