أزمة وقود "غير مسبوقة" في صنعاء.. تضييق سعودي أم مخطط حوثي؟

عصام الأحمدي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لأول مرة منذ سريان الهدنة التي ترعاها الأمم المتحدة منذ خمسة أشهر في اليمن، تشهد العاصمة صنعاء والمحافظات الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي أزمة وقود خانقة، بدأت في 3 سبتمبر/ أيلول 2022.

الأمر لم يتوقف عند شح المخزونات، بل إن أسعاره سجلت ارتفاعات متتالية بصورة غير مسبوقة منذ بدء الحرب في 2015، إذ وصل سعر لتر البنزين إلى دولارين في السوق السوداء، للمرة الأولى في تاريخ البلاد، بينما كان قبل الحرب بأقل من دولار.

وبينما تعاني المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، في الأساس، من أزمة اقتصادية ومعيشية حادة مع اعتماد نسبة كبيرة من السكان على المساعدات الخارجية، أكد مراقبون أن هذه الأزمة مفتعلة من قبل المليشيا المدعومة من إيران، لكن المواطن هو من يدفع الثمن.

أزمة غير مسبوقة

واتهمت مليشيا الحوثي، التي تسيطر على معظم المراكز السكانية والحضرية الكبرى في شمال اليمن وغربه، التحالف السعودي الإماراتي بمواصلة احتجاز 9 سفن وقود كانت في طريقها إلى ميناء الحديدة على البحر الأحمر، الواقع تحت سيطرة المليشيا.

وأعلنت شركة النفط اليمنية في صنعاء التابعة لسلطة الحوثيين، في 3 سبتمبر  2022، العمل بخطة الطوارئ بدءا من الرابع من الشهر نفسه.

وقالت الشركة عبر تويتر: "نظرا لاستمرار تحالف العدوان في انتهاك الهدنة باحتجاز سفن النفط التي بلغت 9 سفن، وما سببه ذلك من أزمة تموينية متعمدة، فإن الشركة تعلن اضطرارها للعمل بخطة الطوارئ بدءا من صباح الأحد"

وشوهدت طوابير طويلة في صنعاء للحصول على الوقود، لأول مرة منذ بدء الهدنة الإنسانية في 2 أبريل/ نيسان 2022، التي بموجبها فتح ميناء الحديدة، وأعيد تشغيل الرحلات التجارية عبر مطار صنعاء.

وفي 8 سبتمبر، جددت شركة النفط التابعة للحوثيين، اتهامها للتحالف السعودي الإماراتي بخرق الهدنة من خلال الاستمرار في احتجاز 12 سفينة نفطية.

 وأوضحت الشركة عبر تويتر "استمرار تحالف العدوان الأميركي السعودي في خرق الهدنة المؤقتة باحتجازه 12 سفينة وقود ولفترات متفاوتة وصلت في أقصاها إلى 20 يوما بالرغم من تفتيشها وحصولها على تصاريح دخول من الأمم المتحدة". 

رد حاضر

من جانبها، ردت الحكومة اليمنية على مزاعم الحوثيين، متهمة المليشيا بإجبار الشركات وتجار الوقود منذ العاشر من أغسطس على مخالفة الآلية المعمول بها للاستيراد عبر موانئ الحديدة، ما يؤدي إلى عرقلة دخول سفن المشتقات النفطية بشكل منتظم وفقا لبنود الهدنة وخلق أزمة مصطنعة.

وأكدت وزارة الخارجية في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية "سبأ"، في 3 سبتمبر، أنه "لا يوجد أي استحداث أو قيود خاصة، قديمة أو جديدة، مفروضة من قبل الحكومة على المشتقات النفطية إلى موانئ الحديدة".

وأضافت أن "الإجراءات هي ذاتها التي يجري التعامل بها منذ بداية الهدنة المعلنة في 2 أبريل 2022، وهي نفس الإجراءات تماما التي تطبق في بقية موانئ البلاد".

وأشارت الوزارة إلى أنها "أبلغت المبعوث الأممي هانس غروندبرغ والدول الراعية للعملية السياسية بخطورة محاولة المليشيات تجاوز الآلية المعمول بها، والتي تهدف من ورائها لتسهيل استيراد النفط المهرب (من إيران)، وإدخال المواد المحظورة".

فضلا عن "تمكين الشركات الخاصة التابعة للقيادات الحوثية من استيراد الوقود بشكل مباشر، بالإضافة إلى إعادة تشغيل السوق السوداء التي يجني من ورائها الحوثيون أموالا طائلة"، تضيف الخارجية اليمنية.

واتفق مع هذا البيان مراقبون أكدوا أن  المليشيا الحوثية تفتعل الأزمة لإنعاش السوق السوداء التي تدر عليها ملايين الريالات كعائدات من بيع المشتقات النفطية بأسعار مرتفعة.

وقال رئيس مركز  الدراسات والإعلام الاقتصادي اليمني (غير حكومي) مصطفى نصر، إن النافذين وتجار المشتقات النفطية هم المستفيدون من هذه الأزمة ويختلقون الأزمات التي يتحمل عبئها المواطن.

وأضاف لـ"الاستقلال": "سلعة المشتقات النفطية هي سلعة قائدة كما تسمى اقتصاديا، وبالتالي أي ارتفاع في أسعار هذه السلعة يقود إلى ارتفاع في أسعار كل السلع والخدمات ".

وأشار نصر إلى أن "الأسعار نتيجة هذه الأزمات التي جزء منها حقيقي وجزء منها مفتعل، لا تعود للانخفاض مجددا كما كانت، وبالتالي تؤدي إلى مضاعفة الأزمة على المواطنين والوضع الإنساني في اليمن ".

من جهته قال المتحدث باسم شركة النفط في الحكومة الشرعية أنور العامري، إن المتسبب الحقيقي بالأزمة هم الحوثيون، وهذا أمر تعودت المليشيا على افتعاله كل أربعة أو خمسة أشهر، والحكومة لم تقم باتخاذ أي اشتراطات ولم تسن أي قوانين أو قرارات جديدة.

وأضاف لـ"الاستقلال": ولا زال المكتب الفني التابع للجنة الاقتصادية يتعامل بنفس القرارات السابقة، وهي القرار الحكومي رقم 75، والقرار الحكومي 49 والتي حددت الاشتراطات والآلية المتبعة لإعطاء تصاريح الدخول لأي سفينة، وهي نفس الإجراءات المتبعة في جميع موانئ الجمهورية اليمنية بما فيها ميناء الحديدة.

وبين العامري أنه "منذ اتفاق ستوكهولم تم استثناء السفن الداخلة لميناء الحديدة من دفع العائدات الحكومية إلى البنك المركزي في عدن، وتم الاتفاق على دفعها في البنك المركزي بالحديدة على أن يخصص هذا الحساب لدفع رواتب موظفي الدولة".

إلا أن المليشيات تنصلت من هذا البند لأكثر من مرة، وقامت بنهب هذه العائدات وابتدعت السوق السوداء كمصدر دخل إضافي، يستدرك المسؤول اليمني.

نفط إيران المهرب

ومضى العامري يقول: "بمراجعة الكميات التي دخلت إلى ميناء الحديدة منذ بداية الهدنة وحتى يومنا هذا فقد بلغت 974.102 طنا من البترول والديزل، وهذه الكميات تكفي لمدة عام كامل لتغطية احتياجات المواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثي دون محاولة اختلاق أي أزمات".

وأوضح أن "كميات المشتقات النفطية الواصلة إلى ميناء الحديدة منفردا تعد ثلاثة أضعاف الكميات الواصلة إلى بقية الموانئ في المناطق المحررة وبلغت عائداتها خلال فترة الهدنة 150 مليار ريال، ما يكفي لدفع رواتب موظفي الدولة في نطاق سيطرة مليشيا الحوثي لمدة عام كامل".

وأكد أن "مليشيا الحوثي تسعى لكسر جميع القيود الموجودة بالقوانين والقرارات الحكومية حول استيراد المشتقات النفطية، التي تعد عائقا أمام حصولها على الكميات الشهرية التي تخصصها إيران كمعونات لها، مستخدمة هذا التمويل في تجييش وتسليح أتباعها من أجل إدارة حربها ضد أبناء اليمن".

وزاد أنه "ما زال النفط الإيراني هو السائد، وهو ما يمثل أكثر من 85 بالمئة من نسبة النفط الواصل إلى اليمن، ويجري وصوله إلى موانئ دبي لتخزينه هناك ومن ثم يتم عمل عكس بوليصة شحن عبر المكاتب الموجودة في دبي، ليتم بعد ذلك إرساله إلى اليمن مشترى من شركات أجنبية أو شركات محلية".

كما أنه وفي نفس الوقت هناك كميات كبيرة يتم بيعها في عرض البحر عن طريق "المسافنة".

وهذه تتم بوقوف ناقلات صغيرة بجوار الناقلات الكبيرة ليتم تفريغ 30 إلى 35 ألف طن لكل سفينة ومن ثم تتم عملية الدفع في عرض البحر.

ليتم بعد ذلك تزوير الأوراق والوثائق الخاصة بهذه السفينة قبل إرسالها للموانئ اليمنية.

وشدد العامري على أن "المليشيات تريد كسر القرارات الحكومية لتنظيم عملية الاستيراد والتأكد من جميع هذه الوثائق، بهدف دخول السفن بشكل مباشر إلى ميناء الحديدة دون العودة للمكتب الفني.

مكتفية بالتصاريح التي تمنحها الأمم المتحدة، وهذا إجراء غير صحيح يؤكد رغبة المليشيا باستقبال الكميات المهربة من إيران لدعم مجهودهم الحربي.

وخلال زيارته لطهران التقى المتحدث باسم الحوثيين، محمد عبد السلام يوم 7 سبتمبر 2022، بمستشار المرشد الأعلى في إيران علي ولايتي في طهران.

وقال في تصريحات نقلتها وسائل إعلام إيرانية، إن قوة الجماعة تأتي بفضل عدة أمور بينها دعم إيران.

وأضاف أنه "في ظل المقاومة والنضال والدعم الذي تقدمه إيران، فقد تحولنا اليوم إلى يمن قوي، ومن بواعث فخرنا بأنكم تتابعون على هذا النحو الأوضاع في اليمن".

مؤشرات تصعيد

وتأتي هذه التطورات بعد استعراض كبير للقوة نفذه الحوثيون في محافظة الحديدة قرب مضيق باب المندب، مطلع سبتمبر 2022، شمل أسلحة إيرانية المنشأ.

وخلال كلمته في العرض، قال رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين مهدي المشاط، إن الحوثيين طوروا أسلحتهم الأرضية والبحرية في الفترة الأخيرة، وفي استطاعتهم برا وبحرا، ضرب الأهداف ومواجهة أي أخطار تحدق بمنطقة الساحل الغربي.

وأشار المشاط إلى أن "التهرب من التزامات الهدنة، والعودة إلى حجز السفن يعرضان الهدنة للخطر، ويجعلانها في مهب الريح"، بحسب وكالة "سبأ" بنسختها الحوثية.

وبعد اشتداد أزمة المشتقات النفطية التقى المشاط، في 5 سبتمر، وزير الدفاع في حكومة الحوثيين (غير معترف بها دوليا)، اللواء الركن محمد ناصر العاطفي وناقش معه احتجاز سفن المشتقات النفطية.

وبحسب موقع "المسيرة نت" التابع للحوثين، أكد المشاط أنه "لن يتم القبول بأي إخلال بالهدنة، وأن المعطيات القائمة أمام تحالف العدوان تحتم عليه إطلاق السفن المحتجزة، والكف عن احتجازها والقرصنة عليها".

وشدد على ضرورة صرف كافة مرتبات موظفي الدولة، واستعادة موارد النفط والغاز المنهوبة، وفق الموقع.

وأدى وجود نظامين اقتصاديين مختلفين في صنعاء وعدن، بما في ذلك شركتان للنفط، إلى ارتفاع نسبة التضخم غير المنضبط وأزمة بالصرف الأجنبي.

وتزايد الانقسام المالي في البلاد مع اتخاذ الحوثيين قرارا نهاية 2019 بمنع الحكومة الشرعية تداول الطبعات الجديدة من العملة المطبوعة في مناطق سيطرتها، بعد قرار الحكومة نقل البنك المركزي في 18 سبتمبر 2016 من مركزه الرئيس بالعاصمة صنعاء إلى مدينة عدن وإعادة تشكيل مجلس إدارته.

واستمر الحوثيون في استخدام العملة من الطبعة القديمة التي أصبح معظمها تالفا وغير قابل للتداول.

وهو القرار الذي وسع الهوة بإيجاد سعرين مختلفين للعملة المحلية، كما أدى إلى ارتفاع رسوم التحويلات النقدية من مناطق الحكومة إلى الحوثيين أكثر من 150 بالمئة من المبلغ المرسل.

وحتى نهاية 2021، أودت الحرب بحياة 377 ألف شخص، وكبدت اقتصاد اليمن خسائر تقدر بـ 126 مليار دولار، وفق الأمم المتحدة.