الخلافات داخل المجلس الرئاسي اليمني.. أزمة صلاحيات أم مؤامرة مقصودة؟

عصام الأحمدي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ إعلان تشكيلته في 7 أبريل/ نيسان 2022، تزداد الخلافات بين قيادات "مجلس القيادة الرئاسي" في اليمن، يوما بعد آخر خصوصا بين الرئيس رشاد العليمي، ونائبه عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تدعمه الإمارات لتقسيم البلد إلى دولتين بالشمال والجنوب.

وكشف المجلس الرئاسي المُعيّن سعوديا، النقاب عن المسار الذي تسلكه البلاد، مع التطورات الأخيرة بمحافظتي شبوة النفطية وأبين المحاذية للعاصمة المؤقتة عدن اللتين سيطرت عليهما مليشيات المجلس الانتقالي.

ويجمع المجلس الرئاسي اليمني، بين مسؤولين ينتمون إلى مؤسسات معترف بها دولياً وبين قادة مليشيات مسلحة يتمتعون بسيطرة ميدانية على الأرض، الأمر الذي أدى إلى زيادة الطابع المتباين والمختلط لتركيبة القادة اليمنيين إلى أقصى حدوده.

وهو ما ظهر جليا في محافظة أبين، عندما تجاوز الزبيدي توجيهات العليمي، بإيقاف أية تحركات عسكرية، وأصدر أوامره للقوات المدعومة من الإمارات لتنفيذ عملية عسكرية للسيطرة على المحافظة.

وأعلن المجلس الانتقالي الجنوبي، في 22 أغسطس/ آب 2022، عن عملية عسكرية في محافظة أبين، بعد أسابيع من حشد مليشياته.

وقال بيان صادر عن قيادة القوات التابعة للمجلس إنه "بتوجيهات من عيدروس الزُبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي القائد الأعلى للقوات المسلحة، جرى بدء عملية (سهام الشرق)".

وتأتي هذه التطورات في ظل زيارة "غير رسمية"، لرئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إلى السعودية بعد زيارة للإمارات في 15 أغسطس، استغرقت عدة أيام.

وهدفت الزيارة وفق مراقبين، إلى تسوية الخلافات التي تضرب المجلس الرئاسي، التي تزايدت بعد أحداث شبوة، وتدخل الإمارات لدعم مليشياتها عبر قصف القوات الحكومية في المحافظة، بينما تواصل السعودية الصمت بصورة غريبة.

ويعد مجلس القيادة الرئاسي، حصيلة دورات عنف متتالية بين وكلاء القوى الإقليمية المتدخلة في اليمن، وعلى رأسها السعودية والإمارات، والذي أدى إلى فرض المجلس لاقتسام السلطة وفق خيارات حلفائه، من أجل تهدئة الحرب مع الحوثيين، تمهيدا للمسار التفاوضي النهائي وإنهاء الحرب المدمرة التي دخلت عامها الثامن.

أزمة صلاحيات

وتستند سلطة المجلس الرئاسي، إلى إعلان نقل السلطة الذي تنازل بموجبه الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي عن سلطته للمجلس، في 7 أبريل/نيسان 2022.

الإعلان الذي فُرض بالإكراه على الرئيس هادي صُمم فقط لإزاحته قسرياً من حلفائه الإقليميين، أغفل آلية تنظيم سلطة النواب ولائحة داخلية تنظم أعماله، بحيث أفضى بعد 3 أشهر من تشكيله، إلى خلل مؤسسي نجمت عنه أزمة في القرارين السياسي والعسكري، وفق متابعين.

وهو الأمر الذي انعكس على إدارة المجلس للدولة، ويعيق أي محاولة للإصلاحات، بما في ذلك توحيد الجهازين العسكري والأمني تحت مظلتي وزارة الدفاع والداخلية.

وشهد أداء المجلس تباطؤا واضحا على مختلف الأصعدة، السياسية والاقتصادية والخدمية، مع تنامي الصراع داخل المجلس.

ولعل آخر تجلياته، رفض المجلس الانتقالي الجنوبي توجيهات رئيس مجلس القيادة بوقف التحركات العسكرية، وتوجيه قواته لشن عملية عسكرية في محافظة أبين والتحشيد باتجاه محافظتي حضرموت والمهرة.

وبدأت الخلافات بين العليمي والزبيدي عندما حاول الأخير إعطاء توجيهات لتغيير قادة ألوية عسكرية تابعة للشرعية في أبين في مايو/ أيار 2022، من دون الرجوع إلى رئيس المجلس الرئاسي، قبل أن يتم توقيف القرار، بحسب صحيفة العربي الجديد الإلكترونية.

وتمثّل مسألة صلاحيات العليمي ونوابه أحد مسببات الخلافات التي تبرز كل يوم، لا سيما أن محاولة الزبيدي إجراء تغييرات ضمن قيادات عسكرية وأمنية لم تكن الوحيدة.

بل حدث الأمر أيضاً من قبل عضو مجلس القيادة الرئاسي، عندما أصدر قرارات بإجراء تغييرات ضمن قيادات أمنية في حضرموت.

كما أن ملف ترتيب البيت الرئاسي وأيضاً ملف الدفاع والأمن، يمثلان محور الخلافات، خصوصاً بين قيادة المجلس الرئاسي والمجلس الانتقالي الجنوبي.

وذلك بسبب تباين الآراء حول الأسماء التي يطرحها كل طرف لتولي مناصب قيادية ورفض "الانتقالي" دمج قواته.

وبموجب نص إعلان انتقال السلطة، فإن رئيس المجلس الرئاسي يتولى حصرياً القيادة العليا للقوات المسلحة، وإصدار قرارات التعيين في المناصب الأمنية والعسكرية ومحافظي المحافظات ومدراء الأمن وقضاة المحكمة العليا ومحافظ البنك المركزي.

وذلك بعد التشاور مع رئيس مجلس الوزراء، على أن يتم التوافق على الأسماء مع أعضاء مجلس القيادة، لكن الإعلان لم يحدد بوضوح مهام وصلاحيات أعضاء مجلس القيادة وهو ما أدى إلى أزمة صلاحيات داخل المجلس.  

معادلة جديدة

وحول هذه الأحداث قال أستاذ "إدارة الأزمات والصراعات" بجامعة الحديدة نبيل الشرجبي لـ"الاستقلال"، إن "التطورات الأخيرة التي شهدتها محافظة أبين هي نتيجة لمحصلة معارك ومواقف سابقة لأطراف الصراع والتحالف".

وأضاف أن "التطورات العسكرية في شبوة وتدخل طيران التحالف بقوة بجانب المليشيات أعطت صورة واضحة أنه يمكن القضاء على الجيش الوطني وإخراجه تماما من المعادلة السياسية والعسكرية مهما كلف الأمر وأن الوقت أصبح مواتياً للطرف الآخر، ليقوم بالتمدد العسكري في كل مناطق الجيش وهذه المعادلة تم تطبيقها في أبين".

ومضى الشرجبي بالقول، "لذا رأينا كيف انسحب الجيش الوطني وسلم المناطق تباعاً في أبين خوفاً من تطبيق النموذج العسكري الذي طُبق عليه قبل أيام في شبوة".

وأوضح أن "هذه المعادلة أدخلت الصراع في اليمن مرحلة جديدة قوامها إنهاء أي دور للجيش الوطني مع بداية بناء واقع جديد يعطي لأطراف التحالف إبرام اتفاق نهائي لإنهاء الصراع في اليمن وفق ما تقتضيه رؤية ومصالح أطراف التحالف". 

ورأى الشرجبي أن "تحركات الزبيدي تحركات متفق عليها داخل دول التحالف وبرضا وصمت رشاد العليمي كما أنها تعكس رؤية التحالف في إعطاء صورة قوية لقيادة الزبيدي كرجل المرحلة القادمة".

وشدد على أن "ما حدث في شبوة وأبين من سيطرة للمجلس الانتقالي هو باتفاق ومباركة دول التحالف وتم التنفيذ من قبل الرجلين العليمي والزبيدي، وخروج العليمي هذه الفترة لم يكن صدفة إنما مبرمج حتى لا يُقال إنه شارك في ذلك الأمر وخروجه كان بهدف ترك المليشيا تنفذ السيناريو دون إحراجات".

وخلص الأكاديمي الشرجبي إلى أن "قدرة صمود المجلس الرئاسي مرهونة برغبة وإرادة دول التحالف وهو باق حتى الانتهاء من الدور الذي أسس من أجله".

وأعلن المجلس الانتقالي الجنوبي، في 23 أغسطس، سيطرة قواته على أكثر من 90 بالمئة من محافظة أبين، بعد ساعات من إطلاقه عملية عسكرية لمكافحة ما أسماها التنظيمات الإرهابية.

وقال العميد مختار النوبي، قائد محور أبين الموالي للانتقالي، إن "القوات الجنوبية دخلت مدينة شقرة بالتنسيق مع قوات الجيش والأمن". 

صناعة خارجية

من جانبه، اتهم مستشار وزير الإعلام اليمني مختار الرحبي،، المجلس الانتقالي بـ"استخدام الإرهاب كغطاء للقضاء على ما تبقى من الجيش الوطني وإخضاع المحافظة لسيطرته الكاملة".

وتوقع الرحبي في تغريدة عبر تويتر في 22 أغسطس أن تتواصل هذه المؤامرة، و"تنتقل المعارك إلى سيئون وبعدها المهرة".

 من جانبه تساءل عضو البرلمان اليمني شوقي القاضي عن الصفة الدستورية التي تمنح عضو مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزبيدي حق تحريك قوات عسكرية مسلحة أو مليشيا للقتال.

وقال في تدوينة عبر "فيسبوك": "هل يحق لبقية أعضاء المجلس (العرادة ومجلي والعليمي وغيرهم) توجيه وتحريك قوات عسكرية مسلحة أو ميليشيا للقتال في أي مكان؟

وأفسح المجلس الرئاسي المجال لصعود شخصيات جنوبية تابعة للانتقالي وقادة محليين على مستوى المحافظات، من بينهم قاهر مصطفى الذي جرى تعيينه بقرار جمهوري يوم 25 مايو/ أيار 2022، نائباً عاماً للجمهورية اليمنية.

كما جرى تعيين القيادي في المجلس الانتقالي الانفصالي، رأفت الثقلي محافظاً لمحافظة أرخبيل سقطرى.

ومع سعي السعودية التي مارست ضغوطا قوية لنقل السلطة للمجلس الرئاسي، إلى تنفيذ إستراتيجية للخروج العسكري من اليمن، بعد 7 سنوات من الحرب التي فشلت فيها في القضاء على الحوثيين المدعومين من إيران.

وتقدّم الرياض دعماً كبيراً للدور الذي يتولاه المجلس الرئاسي بقيادة العليمي، خصوصاً فيما يتعلق بالهدنة الإنسانية المستمرة والتي جرى تمديدها 3 مرات ودعم المجلس للتفاوض مع الحوثيين ووقف الحرب.

وعقب أحداث شبوة، تحدثت وسائل إعلام محلية عن استقالة العضو في المجلس الرئاسي عبد الله العليمي لكن مصدراً مقرباً منه قال لوكالة "رويترز" الدولية، إنه جرى إقناعه بالعدول عن قراره، لمنع أي اهتزاز داخل المجلس.

كما أن عضو مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح غادر عدن إلى المخا في أواخر مايو/ أيار 2022، بالإضافة إلى عضو المجلس سلطان العرادة، الذي غادر عدن بعد وقت قصير من وصوله إليها في أواخر إبريل/ نيسان 2022 واستقر في مأرب التي يتولى إدارتها بصفته محافظاً لها.