تطبيع حماس مع النظام السوري.. خطوة مدروسة أم عودة قسرية؟

لندن - الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في إعلان غير رسمي من حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس"، نقلت وكالات دولية عن قيادات داخلها، تصويتها بالإجماع على عودة علاقاتها مع النظام السوري بعد قطيعة علنية منذ عشر سنوات.

وأكدت وكالات "رويترز"، و"فرانس برس"، و"الأناضول" في 21 يونيو/ حزيران 2022، نقلا عن مصادر داخل حماس، أن "الحركة قررت استئناف علاقاتها مع النظام السوري بعد عشر سنوات من المقاطعة"؛ بسبب معارضتها لموقف بشار الأسد من ثورة عام 2011.

وقال مسؤول بالحركة لرويترز طلب عدم الكشف عن هويته، إن "الطرفين عقدا لقاءات على مستويات قيادية عليا لتحقيق ذلك"، مبينا أن "حماس اتخذت قرارا بالإجماع لإعادة العلاقة مع سوريا".

كما أوضح مسؤول رفيع المستوى في الحركة فضل عدم الكشف عن هويته لفرانس برس، أن "الاتصالات مع سوريا في تحسن وفي طريق عودتها بالكامل إلى ما كانت عليه"، مشيرا إلى أن زيارات عديدة قام بها قادة حماس إلى العاصمة دمشق.

كما قال مصدر من حماس فضل عدم الكشف عن هويته للأناضول، إن "تطورا جوهريا طرأ أخيرا على جهود استعادة العلاقة مع النظام السوري، تمثل بموافقة الطرفين على إعادة فتح قنوات اتصال مباشر، وإجراء حوارات جدية وبناءة، تمهيدا لاستعادة العلاقات تدريجيا".

ولفت المسؤول في الحركة إلى أن ما وصفها بـ "جهود مضنية"، بذلتها قيادة حزب الله اللبناني خلال الشهور الأخيرة، للوساطة بين الطرفين، أفضت إلى "منحها الضوء الأخضر لاتخاذ خطوات عملية، من أجل تقريب وجهات النظر بين النظام والحركة".

وأشار المصدر إلى أن لقاء عقد أخيرا بين زعيم حزب الله، حسن نصر الله، ومسؤول بارز في "حماس" (لم يذكره)، جرى خلاله الاتفاق على عدد من النقاط في هذا الاتجاه.

علاقة قديمة

وشكّل تدخل إيران عسكريا عام 2012 لحماية نظام الأسد من السقوط وتسخير كل قدراتها المالية والعسكرية لذلك، أولى بوادر جفاء حركة حماس التي تأسست عام 1987 مع طهران.

ونقلت الحركة حينها مقراتها وقياداتها خارج سوريا بعدما أعلن قادتها وقوفهم إلى جانب خيار الشعب الثائر.

وغادر رئيس المكتب السياسي للحركة آنذاك خالد مشعل عام 2012 مقر إقامته من دمشق إلى الدوحة، بعدما اتخذت الحركة منذ عام 1999 العاصمة السورية مقرا لها.

لكن إيران لم تتوقف عن تمويل "كتائب عز الدين القسام"، الجناح العسكري لحركة حماس"، الذي يُقدر بـ15 مليون دولار شهريا، حسبما نقلت فرانس برس عن مصدر فلسطيني مطلع.

كما تزود إيران التي تخوض حربا معلنة ضد إسرائيل، المقاتلين الفلسطينيين في حركتي حماس والجهاد الإسلامي بالتكنولوجيا الضرورية لصنع صواريخ تستخدم لضرب المواقع الإسرائيلية.

وفتح حماس صفحة جديدة مع نظام الأسد الذي شرد نحو عشرة ملايين سوري ودمر منازلهم وقتل مئات الآلاف منهم بمن فيهم اللاجئون الفلسطينيون، يطرح عدة تساؤلات.

في مقدمتها كيفية نجاح إيران في استدراج الحركة للتطبيع مع "طاغية الشام"؟ بعدما أيد قادة حماس سابقا الثورة ورفعوا علمها والتقوا بنشطائها.

في البدايات كانت إيران تمني النفس بدعم حماس للنظام السوري أسوة بـ "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين -القيادة العامة" (يسارية) التي استقرت في دمشق منذ 1968، وساندت قوات الأسد إلى جانب مليشيات فلسطينية أخرى في اقتحام المدن السورية لإخماد الثورة.

وفضحت حرب الإبادة الجماعية التي تعرض لها الفلسطينيون بمخيم اليرموك جنوب دمشق، على يد مليشيات إيران كذبة شعار "تحرير فلسطين" التي ترفعها طهران وتراها قضيتها الأولى.

إذ شهد المخيم (أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين بسوريا) تهجير ونزوح آلاف العوائل الفلسطينية واعتقال عشرات الفلسطينيين من قبل أجهزة مخابرات الأسد.

وبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين قضوا تحت التعذيب في سجون النظام نحو 631، فيما يبقى مصير الآلاف منهم بينهم نساء وأطفال مجهولا في المعتقلات، وفق آخر إحصائية لـ "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا" أواخر يونيو/ حزيران 2021.

وآخر دليل على قتل أجهزة مخابرات الأسد للفلسطينيين إلى جانب مئات آلاف السوريين سواء بالقصف الجوي أو الإعدامات الميدانية أو في السجون عقب الثورة، تسريب مشاهد عن "مجزرة حي التضامن بدمشق" الملاصق لمخيم اليرموك.

إذ نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية في 27 أبريل/ نيسان 2022، تسجيلا مصورا يظهر مجزرة إعدام جماعي لـ41 مدنيا (بينهم لاجئون فلسطينيون) رميا بالرصاص في أبريل 2013 بحي التضامن، من قبل ضابط برتبة صغيرة في قوات الأسد.

خط ساخن

ويؤكد مختصون لـ "الاستقلال"، أنه رغم القطيعة بين إيران وحماس التي نجمت عن عدم بقاء الحركة لدعم الأسد، كان هناك تيار داخلها لديه "خط ساخن ومباشر" مع طهران لم ينقطع منذ عام 2012.

وخير دليل على ذلك، تأكيد رئيس المكتب السياسي للحركة في قطاع غزة يحيى السنوار، في أغسطس/آب 2017، أن إيران هي "الداعم الأكبر للسلاح والمال والتدريب لكتائب القسام".

وفي لقاء لرئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، مع وكالة سبوتنيك الروسية في 11 يونيو 2018، أجاب على سؤال الوكالة حول مسؤوليته عن تدمير العلاقات مع نظام الأسد.

وقال هنية وقتها: "نحن وقفنا إلى جانب الشعب السوري، ولكن لم نكن يوما في حالة عداء مع النظام السوري، وأن ما يجرى في سوريا تجاوز الفتنة إلى تصفية حسابات دولية وإقليمية".

وفي ظل ذلك، جاءت لحظة حاسمة ومفصلية، بلم شمل حركة حماس مع إيران مجددا في 7 يوليو 2019، حينما زار وفد من الحركة برئاسة صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحماس والتقى بالمرشد الإيراني علي خامنئي.

كما أن حماس بوصفها حليفا مشتركا إلى جانب النظام السوري مع إيران، مهدت كثيرا ولو إعلاميا لعودة العلاقات مع الأسد إلى سابق عهدها، وذلك على لسان أبرز قادتها.

لعل أبرزها، رثاء رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، لقائد "فيلق القدس" السابق في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، الذي قتل بضربة أميركية قرب مطار بغداد في يناير/ كانون الثاني 2020.

وقال هنية خلال مشاركته ونائبه صالح العاروري في تشييع سليماني في طهران في 6 يناير 2020، إن "الشهيد القائد سليماني الذي أمضى حياته من أجل دعم المقاومة وإسنادها، والذي مضى عليه إنه إذا شهيد القدس (رددها ثلاثا)".

وعبر الحرس الثوري، استطاعت إيران بناء مليشيات محلية وتدعيم حضورها العسكري في أربع دول عربية (لبنان والعراق واليمن وسوريا) وارتكبوا مئات المجازر بحق السنة في العراق وسوريا.

كما حدث أن أشاد القيادي البارز في حماس أسامة حمدان، في مداخلة له على قناة "الميادين" الإيرانية في 21 مايو 2021، بموقف بشار الأسد الداعم لـ "المقاومة الفلسطينية".

وقال وقتها: الموقف الداعم ليس غريبا ولا مفاجئا، والمقاومة تعرف هذا الموقف ومن يحيينا بتحية نرد بخير منها، ونأمل أن تبقى دمشق عاصمة للمقاومة ونعتقد أنه سيكون دائما".

براغماتية عوراء

يمكن القول راهنا، إن إيران التي قدمت لحماس دعما سياسيا وعسكريا منذ تسعينيات القرن العشرين، تمتلك أوراقا عدة تمكنها من شد الحركة لحضن النظام السوري. 

لكن الثابت الوحيد في نظرة حركة حماس للثورة السورية، هو تخبط تصريحات قادتها تجاهها، بما يشي بوجود خيوط إيرانية تحركها، وربما انكشف في هذا "التوقيت الحساس".

وهنا يقول الكاتب والمحلل السياسي السوري، أحمد الهواس، "حين نقول إن إيران نجحت بإقناع حماس فذلك يعني أن ثمة علاقة تقوم على التكافؤ بين إيران وحماس، وهذا مخالف للواقع، فحركة حماس انتهى بها المطاف منذ سنوات لأن تكون إحدى أذرع وأدوات الولي الفقيه".

ويضيف الهواس لـ"الاستقلال"، "البراغماتية التي تتعامل بها حماس ضمن ما يسمى فقه الواقع والضرورة والمصلحة، براغماتية عوراء لأنها ليست على حساب المبادئ بل على حساب العقيدة".

ومضى يقول: "عودة علاقات حماس – وهي التي لم تنفك عن حلف المقاولة- بالنظام القاتل في سوريا، من باب إضفاء شرعية على جرائم هذا النظام الطائفي، لاسيما وأن حماس مازالت تحظى بتأييد شعبي عربي وإسلامي".

فحماس تعاونت مع نظام الأسد وقدمته نظاما مقاوما وقفزت على تدميره لمخيم اليرموك وتهجير الفلسطينيين منه، وما ارتكب بحقهم من مجازر على الرغم من ارتكاب النظام السوري مجازر بحق الفلسطينيين في تل الزعتر عام 1976 ومحاصرة مخيمات بيروت، يؤكد الهواس.

ويؤكد مراقبون أن الثغرة السالكة لإيران للتحكم في قرار حماس السياسي، هو الدخول إليها من بوابة صراع الأجنحة داخل الحركة، بمعنى وجود تيار رافض للحياد في الموقف من الثورة السورية.

وثانيا عزلة الحركة عربيا وتركها تواجه إسرائيل وحيدة، وحاجتها للسلاح واللوجستيات التي تبقيها في حالة "مقاومة مع المحتل".

وهذا ما يكسب طهران مكانا للتستر خلف مزاعم "المقاومة وتحرير القدس"، لتمرير مشاريعها بالعراق وسوريا ولبنان واليمن والتي انكشفت مع موجة الربيع العربي.

صراع الأجنحة

وأمام الموقف الجديد بعودة المياه إلى مجاريها علنا بين حماس والأسد، ربط الباحث بالشأن الإيراني عمار جلو تخبط الحركة بقوله إن "حماس يتنازعها تياران، الأول يتزعمه رئيس المكتب السياسي بالخارج خالد مشعل، والآخر رئيس المكتب السياسي للحركة في قطاع غزة يحيى السنوار، مدعوما برئيس مكتب العلاقات العربية والإسلامية في الحركة خليل الحية".

وأضاف لـ"الاستقلال"، أن "مشعل كان قويا وأخلاقيا أيضا وهو من اتخذ قرار المغادرة/المقاطعة مع نظام الأسد كونه يقتل شعبه، ولكن التيار هذا تراجعت قوته بعد انكفاء مشعل، بينما تصاعدت قوة التيار الثاني".

ورأى جلو، أن "عملية التطبيع الجديدة بين حماس والنظام السوري جاءت بإيعاز إيراني سبقه تعاون عسكري وتزويد بالسلاح بتوجيهات إيرانية مباشرة رغم القطيعة المعلنة منذ عام 2012".

ومع بروز حالة من صراع الأجنحة داخل حماس حول الإعلان عن عودة العلاقة مع الأسد، ذهب الكاتب السعودي نواف القديمي، للقول في تغريدة بتاريخ 22 يونيو، إن "الحديث عن الإجماع داخل حركة حماس اتضح أنه غير صحيح".

ومضى القديمي يقول: "حماس الخارج (خالد مشعل وكثيرون معه) يرفضون القرار، ومن قام بتسريب الخبر لرويترز هو الطرف الذي يُريد فرض إرادته على كل الحركة، وهو الذي يملك أغلبية الأصوات. لذلك، يبدو أن عودة العلاقات ستتم، لكن وسط خلاف واسع داخل الحركة على ذلك".

ووفقا لتلك المعطيات الآنفة، يرى جلو، أن "مضمون الرسالة الإيرانية من إنهاء القطيعة العلنية بين حماس والأسد، تفيد بأننا نملك القرار السياسي والعسكري للحركة، وأن لعبة الوكلاء ما تزال طهران تديرها بدقة وكفاءة عاليتين في المنطقة العربية".

وألمح إلى أن "استدراج إيران لحماس كان من اليد التي توجعها كما يقال، الأمر الذي دفع حماس في ظل ظروفها الضيقة لمراجعة سياساتها والبقاء بمحور إيران".

وأضاف أن "إيران منذ البداية ضيقت الدعم عن حماس نتيجة قرار الحركة بمقاطعة الأسد، لتعود العلاقة مجددا بشكل دافئ خلال السنوات الأخيرة والتي ظهرت بوضوح في تعزية قياديي الحركة لطهران بمقتل قاسم سليماني عام 2020 وما تلاها من أحداث بشكل متصاعد مع العملية الإسرائيلية الأخيرة على القطاع في2021 (حارس الأسوار)".

الإستراتيجية الإيرانية

وتقارب المحاور الدائرة في فلك إيران، يتزامن مع حديث أذرع طهران عن مواجهة إسرائيل في حال ضرب طهران، حيث جرى الزج بالجبهة الفلسطينية كساحة للرد.

وعن هذه الجزئية رأى جلو، أن "حماس عادت كليا للعمل وفق الإستراتيجية الإيرانية، ويبرهن ذلك عمليات تزويدها بالخبرة والمعدات من قبل إيران لتصنيع أنواع من الصواريخ، إضافة لعمليات تزويدها بالسلاح من مخازن النظام السوري، نتيجة حاجة حماس للسلاح عقب معركة (سيف القدس - 2021)".

وأضاف، أن أحد أسباب استدعاء بشار الأسد إلى إيران ولقاء المرشد علي خامنئي في 8 مايو 2022، لإعطاء رسالة للدول العربية الساعية بالتطبيع مع النظام بأن مساعيكم للتطبيع معه مقابل الابتعاد عنا كالزرع في الرمال".

وأجرى رئيس النظام السوري بشار الأسد "زيارة عمل" مفاجئة، إلى طهران، في 8 مايو 2022، هي الثانية له منذ اندلاع الثورة ضده، التقى خلالها بالمرشد الأعلى آية الله خامنئي والرئيس إبراهيم رئيسي.

وختم جلو بالقول: "وبإعادة العلاقات بين حماس والأسد تريد إيران إيصال رسالة للإسرائيليين وللدول العربية، بإمكانية تضررهم من أي عمل غير محسوب ضدها، وخاصة إسرائيل التي تقر حاليا سياسة جديدة مع إيران وتسمى (الأخطبوط) وتقوم على ضربها في الداخل، لذا تأتي الرسالة من إيران عن طريق حماس أننا قادرون على إشعال النيران في دياركم".

وكان وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، كشف في 20 يونيو 2022، أن إسرائيل أنشأت تحالفا عسكريا جويا في الشرق الأوسط بقيادة الولايات المتحدة، بهدف المساهمة في كل ما يتعلق بمحاولات إيران لاستهداف دول المنطقة بصواريخ كروز وطائرات مسيرة.

وبين غانتس أنه قاد بنفسه برنامجا مكثفا مع وزارة الدفاع الأميركية، وتمكن بنجاح من اعتراض محاولات إيرانية لمهاجمة إسرائيل ودول أخرى، وفق قوله.

وسبق ذلك قول القناة العبرية الـ12 في 9 يونيو 2022، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي نشر منظومة رادارية في عدد من دول الشرق الأوسط بينها الإمارات والبحرين، بهدف "مواجهة تهديدات إيران الصاروخية".

وتزامن ذلك، مع ذكر صحيفة "​وول ستريت جورنال​" الأميركية، بأن أعضاء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في ​الكونغرس​ قدما مشروع قانون يقترح على ​البنتاغون​ العمل مع ​"إسرائيل"​ ودول عربية لدمج دفاعاتهم الجوية لإحباط التهديدات الإيرانية.